آخر تحديث :الخميس-23 مايو 2024-09:42ص

أدب وثقافة


(المذلة)قصة قصيرة

الأحد - 23 يوليه 2017 - 05:05 م بتوقيت عدن

(المذلة)قصة قصيرة

كتب/منصور نور

 

وقف أمام (الكاتب المالي) المسؤول عن صرف المرتبات ، وقبل ان يسلمه بطاقته العسكرية ليبحث عن إسمه (عبد المحسن) في كشف المرتبات (البرطوم) استوقفه مخاطبا" :

 

- برأيك ما تستقطعه الخمسة آلاف ريال من مرتبات الجنود ، والضباط حوالي السبعة آلاف ريال يمني .. حرام ام حق مكتسب ؟!!

 

أجابه الكاتب المالي : يا حاج هذه تعليمات المدير !رد عليه العم عبدالمحسن :- الذى أعرفه عن المدير إنه رجل ذو خلق وعانى الكثير وحريص وﻻ يقبل ان تشوه سمعته بكسب او خصومات غير حلال.

واقول لك يا إبني .. هكذا انتم تشوهون بسمعته وتذلون الناس البسطاء ..الكاتب المالي : انا مأمور وهذه الاستقطاعات ، لازم تنفذ عليكم جميعا".

 

عبدالمحسن : اسمع جيدا" ، غيرك كان يخصم في عهد نظام عفاشي فاسد ومن كانوا يخصمون علينا ثلاثمائة ريال ماتوا بفشل كلوي او سرطان البروستاتا وغيرهم تلحقهم لعنات البسطاء.

 

تدخل أحد الحاضرين .. قائلا" : يا حاج هذه الخصومات من اجل مصاريف الحراسة التي تخدم وتوصل الفلوس .. وهناك وحدات وألوية تخصم اكثر !

 

عبدالمحسن مقتنع فقط ان مرتباته صارت صدقة عليه وليس عرفانا"لخدمته التي تجاوزت الثلاثين سنة من الاجحاف والظلم و قال :

- هذا ليس مبرر ، لأن تأخذ من راتبي الذي يصلني كل اربعة اشهر حتى ريال واحد .. والحراسة ألتي ذكرتها ضموا أسمائها إلى كشف المرتبات لتعودوهم على الكسب الحلال.

 

جاء صوت من بين زحمة الواقفين في الغرفة الصغيرة .. ليقول :- هذا الحاج فيلسوف ، من المثقفين الذين (تادلجوا) بقراءة قصص نشيخوف و .... و..... !!

 

استدار عبدالمحسن ، وخاطب الجميع :- الموضوع ليس فلسفة وﻻ ثقافة واعلام ، ولكن اتحدث عن الذل والاستغلال والمهانة التي نشعر بها ، الشهداء والجرحى ضحوا لتحريركم من العدوان والظلم ومن اجل حياة حرة وكريمة .... و .... وبيوتنا دمرت فوقنا ولم تعمر بعد !

تدخل آخر .. من شخص محسوب على البشرية .. قال :- هذه مشكلتك ومعاناتك ، وعادك ستطلع ...... لا تنتمي لهذه المدينة والبلد !! ابتسم عبدالمحسن ورفع رأسه وبهدوء ، قال :

- يا محترم .. اكمل جملتك ، ستقول إننا من (عرب 48) إسمي يدل على ذلك .. أسف ان امثالك من يدافعون عن الظلم والإذلال ، لن يستطيعوا بناء وطن تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية.

 

ضاق الحال وازداد الحر مع إنطفاء الكهرباء .. غادر عبدالمحسن الغرفة الصغيرة ، مفوضا امره لله (حسبنا الله ونعم الوكيل) ، واثناء خروجه كان طابورا" طويلا" ممن يعرفونه يقبلون رأسه ويصافحون يديه ، وهم وحدهم يعلمون ان زميلهم عبدالمحسن قد توفى قبل عشرة سنوات مع توقف الآلات في مقر العمل.