آخر تحديث :الخميس-16 مايو 2024-05:46م

صفحات من تاريخ عدن


صفحات من تاريخ عدن.. لجنة عدن لترسيم الحدود (3-6)

السبت - 02 يوليه 2011 - 10:45 ص بتوقيت عدن

صفحات من تاريخ عدن.. لجنة عدن لترسيم الحدود (3-6)
صورة تظهر كيف كان يتم نقل المؤن والبريد الى معسكرات الجيش البريطاني في الضالع

عدن (( عدن الغد )) خاص

 يكتبها: بلال غلام حسين

[email protected]

 

 

في الأعداد السابقة تحدثنا عن كيف بدأت عملية ترسيم الحدود بين اللجنة المشتركة البريطانية والتركية, كما أشرنا أيضاً للقارئ الكريم عن كيف تمت عملية استكمال الأتراك انسحابهم من مخيم اللجنة التابع لهم من منطقة الجليلة إلى قعطبة, وكيف عمل العقيد عبد الوهاب بتحريك  مخيم اللجنة البريطانية إلى الشمال مباشرة من سناح والتي أنسحب منها الأتراك بعد أن كانت مركز الجمارك التركية بعد احتلالها لهم.  وفي هذا العدد نواصل معكم عن ما حدث في مُفاوضات اللجنة المشتركة عن ترسيم الحدود بعد انسحاب القوات التركية من المواقع التي كانت تقع تحت سيادة المحميات البريطانية...

 

في 2 إبريل 1903م, بدأت أعمال مسح مشتركة بين اللجنتين في منطقة قعطبة.  كان مخيم العقيد عبدالوهاب على بعد 9 أميال من الضالع, وفي نهاية إبريل 1903م, وبعد وصول أولى الإمدادات من عدن, وهي عبارة عن 200 رجل من قوة المشاة و عدد أثنين من المدافع, تم تحويل مخيم اللجنة جنباً إلى جنب مع مخيم قوة المشاة, لتكون الداعم للجنة أينما ذهبت طوال 24 ساعة, وتكون جاهزةً للتحرك بسرعة أثناء حدوث أي طارئ.  وفي الوقت نفسه كانت هناك بعض القبائل المجاورة لخطوط الاتصالات البريطانية سببت بعض المشاكل مما جعل الحكومة البريطانية العمل على إبقاء قوات مشاة دبلن الملكية في عدن والتي كانت سوف تُستبدل بقوات مشاة هامبشير, والتي بالفعل قدمت من بريطانيا إلى عدن لاستبدالهم.

 

وفي ذلك الوقت أوصى اللواء ميتلاند حكومة الهند, بأنه سوف يحتاج إلى نشر القوة الإضافية وقوامها 1100 جندي في الضالع, ويرغب بتعزيزات إضافية من الهند, وهي قوة من كتيبة المشاة الهندية, وقد تم الموافقة على الطلب وأُرسلت التعزيزات دون أي تأخير.  وفي منتصف مارس وصل قسم من المستشفى الميداني البريطاني إلى نوبة الدُكيم, وعلى نفس القافلة تم إرسال قسمين من المستشفى الميداني الهندي إلى الضالع.  وفي بداية شهر مايو تم إرسال مجموعة من الموظفين تم استقدامهم من الهند لتقديم الخدمات اللوجستية في المناطق النائية حيث قدمت نظام تموين عمل بشكل مدهش.

 

في 16 مايو 1903م, تم إرسال قوات للرد السريع وكانوا يشارون إلى إنهم من قوة  الإمداد الجوي, أُرسلوا لملاحقة رجال القبائل والذين عملوا على إزالة 300 متر من أسلاك خطوط التلغراف بالقرب من حردبة, وتابعت هذه القوات رجال القبائل حتى قرية دحبرة داخل وادي التيم, وتم تدمير القرية وأبراجها وعادت القوات إلى الضالع في 25 مايو 1903م, وقد كانت هذه العملية الغير تكتيكية تحت إشراف الضابط السياسي ذو المستقبل المُشرق النقيب ورنفورد ( Captain Warneford ).  وفي تلك الآونة, حدثت بعض المشاكل بين اللواء ميتلاند والعقيد عبدالوهاب والشعور بسوء الفهم فيما بينهما, وكانت تلك المشاكل ذات شقين: أحدهما يتعلق بسلسلة القيادة, أي بخصوص التبعية بحسب الرتب العسكرية, حيث كان العقيد عبدالوهاب يتواصل مباشرة مع حكومة الهند دون الرجوع إلى اللواء ميتلاند بخصوص المسائل التقنية.  أما الأشياء الأخرى الغير التقنية كانت تُرسل عبر اللواء ميتلاند والذي لم يكن سعيداً, لأنها كانت تشكل تأخير لا لزوم له في تمرير الطلبات عبر ميتلاند إلى الهند.

 

والمشكلة الثانية كانت عدم سعادة اللواء ميتلاند بسبب التأخير المستمر في ترسيم الحدود, والتي كان السبب الجزئي يقع على عاتق العقيد عبدالوهاب.  ولكن المشكلة الأهم التي كانت بين الطرفين هي اختلافهم بخصوص المناطق التي يجب أن تُعطى لها الأولوية لترسيم الحدود فيها.  وبلغت المشاكل ذروتها كانت في 6 يونيو 1903م, عندما أرسل العقيد عبدالوهاب برقية طويلة مُستخدماً خط التلغراف الموصول من الضالع إلى مقر الحاكم عبر اللواء ميتلاند لإرسالها إلى مقر الحكومة في الهند مُنتقداً فيها خطة اللواء ميتلاند بخصوص الجدول الزمني لترسيم الحدود, ووضع فيها تصوره وجدول زمني خاص به.  أشطاط اللواء ميتلاند غضباً وأرسل إلى العقيد عبدالوهاب مُحتجاً عليه قائلاً: " بأن الرسالة العادية ستكون بنفس فعالية برقية التلغراف, وستوفر الـ200 جنيه قيمة برقية التلغراف إلى الهند" فيما حجب اللواء ميتلاند تلك البرقية.

 

ويمكن لكم أن تتصورا كيف كانت حالة العقيد عبدالوهاب آنذاك, الذي لم راض من جانبه على تصرفات اللواء ميتلاند, وأرسل إليه مباشرةً يطلب منه أن يرسل تلك البرقية دون أي تأخير وبنفس التاريخ حتى يجنبه ذلك إرسال برقيةً أخرى.  وتجاوز العقيد عبدالوهاب ميتلاند مرسلاً رسالة طويلة مع برقيته إلى كلكتا يشكو فيها اللواء ميتلاند.  وفي 9 أغسطس 1903م, نجح عبدالوهاب في معركته ضد اللواء ميتلاند عندما أبلغت كلكتا العقيد عبدالوهاب, " بأنه يمكن للجنة مستقبلاً إرسال البرقيات والرسائل مباشرة إلى الهند, مع نسخ مرسلة إلى الحاكم ومكتب حكومة الهند في لندن والسفارة البريطانية في القسطنطينية ".   وأُضافوا بأنه في حالة الضرورة يمكن للمقيم السياسي أن يبدي رأيه لنا ببرقية يرسلها في حالة واحدة وهي بأن يكون أستلم برقيته قبل الأطراف الأخرى.

 

كان رد فعل اللواء ميتلاند صبياني تجاه الترتيبات الجديدة, عندما أرسل العقيد عبدالوهاب برقية مباشرة إلى الهند طالباً رأي اللواء ميتلاند بموضوعية حول ما كُتب فيها, وبدلاً من أن يبدي ميتلاند برأيه حول الموضوع في البرقية, كتب تعليقاً وصف بأنه أحمق للغاية.  وكان رد فعل مكتب حكومة الهند في لندن حاد تجاه برقية ميتلاند, وباختصار كان الرد عليها بأن وزير الخارجية أحد أو كلا من الضباط المعنيين, إذا لم يتم تسوية خلافاتهم, وأُمر اللواء ميتلاند بالإبلاغ عن محتوى البرقية للعقيد عبدالوهاب بأسرع وقتاً, وأنطلق اللواء ميتلاند إلى الضالع لأجل تسوية الأمر مع عبدالوهاب.  وفي 22 أغسطس 1903م, زار اللواء ميتلاند العقيد عبدالوهاب, وفي هذا اللقاء تم مناقشة الترتيبات اللازمة لمرافقة فريق المسح حتى وادي بنا.  أقترح ميتلاند بأن يكون هو المسئول عن مرافقة فريق المسح, وأن يكون النقيب ورنفورد المسئول السياسي.

 

قرر المقيم السياسي بالبقاء في الضالع في الوقت الحاضر, وفي 24 أغسطس 1903م, قبل العقيد عبدالوهاب خطة ميتلاند وعرض على الضابط تاندي بأن يتولى مسئولية المسح كاملة والذي كان من المقرر بأن يبدأ في 31 أغسطس 1903م.  وقال بأن القاعدة الرئيسية لفريق المسح ستكون بالقرب من هضبة العوابل وتقع على ارتفاع 13 ميلاً شمال شرق الضالع, ومن خلالها سيكون من الممكن بسط النظر في خط واحد على مخيم اللجنة في الضالع وعلى فريق المسح ومرافقيه في الرباطين على وادي بنا.  وبهذا نأتي على ختام الجزء الثالث من هذا الموضوع الإستراتيجي والخاص بترسيم الحدود بين محميات عدن البريطانية واليمن, وفي الأسبوع القادم سوف نسرد لكم بقية التفاصيل عن ما حدث خلال عملية الترسيم في وادي بنا....           

 

خريطة أتحاد الجنوب العربي سابقاً

 

 

 

صورة تظهر كيف كان يتم نقل المؤن والبريد الى معسكرات الجيش البريطاني في الضالع

 

 

أحدى قرى الضالع في العام 1906م

 

خريطة عدن عام 1906م.

 

 

سوق ردفان قديماً.