آخر تحديث :الإثنين-29 أبريل 2024-01:45ص

أدب وثقافة


ذكريات لا تنسى : رحلة في الجو 24 ساعة .. والشمس فوقنا والمطر تحتنا!

الأربعاء - 29 مارس 2017 - 12:29 م بتوقيت عدن

ذكريات  لا تنسى : رحلة في الجو 24 ساعة .. والشمس فوقنا والمطر تحتنا!

(عدن الغد) خاص :

ذكريات  لا تنسى .. يرويها الأستاذ/ منصور محمد العطوي

 

إعداد/نائف زين ناصر وأحمد يسلم صالح

 

الحلقة الثانية:

كان المبلغ المعتمد لي في اليوم (60) دولار كندي يخصم منه (23) دولار في اليوم مقابل غرفة السكن الجامعي والخدمات الأخرى ، بعد كُل عشرة أيام أستلم شيكاً بالمبلغ المقرر بعدخصم أجرة السكن والخدمات أذهب للبنك لصرفه وأسلمه لفتاة من النافذة تصرفه وتسلمه لزميلة لها من النافذة المجاورة لها كي تفحصه وتصرفه لي دون أن تخصم فلساً واحداً عكس موظفي البريد في اليمن الذي يقطع مبلغاً إجبارياً وبدون وجه حق من معاش المتقاعدين العجزة الضئيل .. علماً بأن (1.30) واحد دولار وثلاثون بالمائة كندي يساوي واحد دولار أمريكي .. بعد ذلك أدخل المجمع الاستهلاكي المجاور للبنك الذي تتوفر فيه أنواع الخضار والفواكه من جميع مناطق العالم الاستوائيةوالمناطق معتدلة الأجواء والباردة رغم أن الأراضي الكندية باردة لا تنتج إلّا القليل القليل من الخضار والفواكه بسبب طقسها .. ولكن كما يقول المثل الشعبي اليمني " الفلوس تجلب الجن مربَّطه".

 

 

زُرت مدينة بعيدة في الولاية بعد حجز السكن على نفقة الجامعة وذهبت ومرافقتي في اليوم المحدد ووصلنا الفندق في وقت متأخر من الليل مرهقين من السفر ، ونمت حتى الرابعة فجراً ، وعندما شعرت بحركة غير عادية داخل الفندق خرجت إلى الساحة ووجدت عدد كبير من النساء واقفات أمام الصراف الآلي ولأول مرة في حياتي أتعرّف على صرّاف آلي ودخلت مطعم الفندق وهنَّ يتناولنْ الفطور باكراً دون أن تسمع أصواتهنَّ عكس رواد مطاعم اليمن الذين ترتفع أصواتهم أثناء تناول الطعام وتلاحظ فضلات الطعام تتطاير من أفواههم ، وأما أصوات المباشرين فحدّث ولا حرج رغم أنه يُقال لتناول الطعام آداب لكن لا تُطبق عند الشعوب المتخلفة، وشاهدت كثير من السائحات يرمين نقوداً معدنية في بركة نافورة ساحة الفندق .. حيث تُجمع تلك النقود وتُسلّم لجمعيات خيرية مهتمة باليتامىوالمعوقين.

 

استضافني عدد من الأساتذة في منازلهم وخاصة ممن زاروا "جعار" في عدّة زيارات وعرّفوني بأفراد أسرهم وطافوا بي في منازلهم والمجالس وغرف نومهم ونوم أطفالهم المنفصلة عن غرفة الوالدين ، وكذا حدائق المنازل وزراعة الأشجار والأزهار الجميلة وممارسة هواياتهم وقت الفراغ من "عزف على الآلات الموسيقية والرياضية وتربية الطيور والحمام والكلاب المحببة عندهم .. وفي ذلك الوقت كنت وأسرتي الكبيرة في جعار نجلس ونأكل وننام في حجرة صغيرة واحدة ننام فوق بعضنا البعض وإذا أُصيب أحدنا بمرض معدي جميعنا نشاركه المرض (تعاون في تقاسم المرض)، وقد عُرض عليّ البقاء في كندا ومنحي أرض زراعية وقرض بنكي ميسّر إلَّا أنني فضلت العودة إلى وطني "اليمن" التعيس.

 

وقُرب العودة استدعاني الصديق الوفي مشرف الدورة وخيّرني المطارات التي أرغب بالعودة عبرها رغم أن تذاكر العودة بحوزتي عبر المطارات التي وصلت كندا عبرها فوجدتها فرصة لا تعوض عند أبو يمن وشكرته كثيراً واخترت العودة عبر مطارات جديدة لا أعرفها .. وصباح يوم سفري طلعت من مطار ولاية "أربرتا) غرب كندا و آخر مطار قدمت إليه إلى كندا وكان المشرف والصديق في وداعي.

 

وعصراً هبطت الطائرة في تورنتو شرق كندا والقريب من واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية ومنه ينتقل المسافرين إلى غرب أوروبا ومختلف المدن الأمريكية والكندية وشاهدتعشرات الطائرات تهبط وتقلع من وإلى مطارا ت العالم وآلاف الركاب من مختلف أنحاء العالم بعضهم يحملون الكلاب في أحضانهم ويطبطبون بأيديهم على ظهورها وترى بعض الأُسر القادمة والمغادرة الأب يحمل طفله على ظهره والأم تحمل كلباً في حضنها ويدفعون قيمة تذاكر السفر المخفضة على الأطفال والكلاب على حدٍ سواء ، وفي مطار "تورنتو" سلّمت بالعربية على الفتاة التي تحجز تذاكر السفر ثم سألتني ما معنى "سلام" فقلت لها بالإنجليزي "بيس" معنى سلام وطلبت منها حجز مقعدي بجانب نافذة إلّا أنها بأدب اعتذرت لاكتمال المقاعد بجانب النوافذ غير أنها حجزت لي مقعداً بجانب النافذة من باريس إلى بيروت ودمشق لكنني لم أصدق قولها وقلت في قرارة نفسي كيف لها أنتحجز من بعيد وذلك جهلاً منّي بنظام الطيران.

 

حمّام الطائرة واليهودي بجانبي:طلعت إلى باريس في مقعد آخر ذيل الطائرة بجانب الحمّام من جهة ومن الجانب الآخر يهودي مغربي هاجر قديماً إلى فرنسا وتحصّل على الجنسية الفرنسية ثم هاجر مرة أخرى إلى كندا وحظي بالجنسية الكندية ومنح مزرعة وقرض بنكي ميسر ويريد زيارة شقيقة في باريس كنّانتحدث الإنجليزية أولاً ثم سألني من أي بلد أنت فقلت من اليمن ورد بالعربية قائلاً أنا مغربي وواصلنا الحديث بالعربية وكانت الرحلة في ليلة مظلمة ، وعند وصولنا مطار شارلي ديجول افترقنا كلٍ إلى وجهته.

 

 ذهبت لحجز مقعد بجانب نافذة الطائرة: فوجدت أسمي ورقم المقعد مسجل في الكمبيوتر من فتاة مطار :"تورنتو" الكندي التي وعدت وأوفت بوعدها .. حضر باص المطار ونقلني وحيداً إلى مبنى صالة المغادرة والمكون من ثلاثة طوابق بالقرب من برج باريس الشهير ولم يتحدث السائق معي غير الإشارة بإصبعه عند الطلوع والنزول وصلت الأول والوحيد آخر الليل إلى صالة المطار ثم صرفت (10) عشرة دولار بهدف تناول فنجان كوفي وكيك وعرضت النقود على عامل البوفيه لأخذ قيمة الكوفي والكيك لكنه أشار أنها غير كافية فقلت له كوفي فكان ردّه غير كافية رميت الفلوس في الصالة وألقيت بجسدي المتعب من النوم والسفر على طاولة الصالة ونمت ولم أصحوا إلّا بعد أن ارتفع من المطار خرطوم ينقل الركاب خلاله إلى داخل الطائرة الواقفة في مدرج المطار .

 

في العجلة الندامة .. وفي التأنّي السلامة .. قمت مذعوراً ولحقت بالمسافرين بعد نزول الغالبية إلى الطائرة ووقفت آخرهم في الطابور واستمر نزولنا ببطء في الخرطوم إلى الطائرة ، وقرب المخرج الرئيس من الخرطوم الذي يوصل الركاب إلى الطائرة يوجد فرع آخر للطوارئ يوصل إلى غماره قيادة الطائرة أو خروج الطيار في حالة الضرورة .. وبما إن كاتب السطور كان مستعجلاً دلفت إلى غماره القيادة وكان الطيار قد شغل محركات الطائرة استعداداً للطيران فذهل ومساعدة وقاما من على مقعديهما ويخاطبني "ميسو .. ميسو" بالفرنسية أعتقد "ياسيد .. ياسيد" فقلت في قرارة نفسي مسيو عندكم وبلطف قبل أحداث 11 سبتمبر وتفجير أبراج نيويورك مسك بيدي وأخذ الجواز والتذكرة وقادني بلطف من الغمارة مروراً بصالة كبار الضيوف إلى مقعدي بصالة الركاب وبجانب النافذة التي حجزتها لي الفتاة في مطار شرق كندا وجلست قبل اكتمال نزول الركاب إلى الطائرة الذين كنت في الطابور آخرهم .. ثم مرت السنوات من عمري وجاءت أحداث 11 سبتمبر 2001م وعادت بي الذاكرة إلى تصرفي الخاطئ في مطار باريس عام 1993م وكيف ستكون عواقبها عليّ لو كان حصل بعد 11 سبتمبر 2001م وحمدت الله سبحانه وتعالى الذي جنبني العقاب .. لذا نقول في العجلة الندامة وفي التأني السلامة.

 

نتائج الحروب الأهلية:قامت الطائرة إلى بيروت ونزل بعض الركاب ونزلت معهم إلى جانب الطائرة البعيدة عن صالة الاستقبال وتأخر قدوم الباص لنقل الركاب وكنت أشاهد مدرجات المطار المخرّب وكله حُفر وصالاتالاستقبال والمغادرة وآثار القذائف عليها تشاهد من بعيد .. أما الزجاج فلا أثر له وكذلك برج المراقبة منظره أسوء من منظر الصالات ومدرج المطار ، وكنت أشاهد منازل جبل لبنان السياحي محطمة وأعمدة وأسلاك الكهرباء محرقة ووصل باص المطار لنقل الركاب مؤخراً طلع الركاب وبقيت أنا عند سلِّم الطائرة ونهرني الجنود المدججين بالسلاح في كل زاوية وعدت للطائرة التي أقلعت إلى دمشق دون أن يطلع أي راكب إلى دمشق.

 

في دمشق نزلت: في ساحة المرجى وسط دمشق وزرت سوق الحميدية الشعبي والمسجد الأموي لمجاور وقبر صلاح الدين الأيوبي وجبل قيسون السياحي المطل على دمشق والذي تحول مربضاً للدبابات والمدافع في السنوات الست الماضية كما زرت وادي بردي السياحي ومطاعمه في المدرجات الزراعية تضللها الأشجار الباسقة ووادي بردي الذي تروي مياهه العذبة سكان دمشق والذي توقف ضخ مياه وادي بردي عن دمشق في الفترة الماضية القريبة.

 

11)  عدن مثل بيروت في الخراب والدمار: من دمشق عدت عبر جدة ومن صنعاء إلى مطار قرية عدن الحبيبة ، وفي عدن استلمت حقيبة واحدة والثانية قالوا لي ستأتي من دمشق وفيها صور تذكارية تعزّ عليَّ ، وفي حرب الاجتياح عام 2015-2016م الظالمة سقط مئات الشهداء وآلاف الجرحى من رجال المقاومة الأبطال والذي بترت بعض أعضاء الكثير منهم والبعض بقوا مشلولين على الفراش ومنهم من فقد سمعه أو بصره .. حيث ضرب العدو مدرجات وصالات وأبراج المطار والكثير من المرافق الحيوية العامة والمنازل والفنادق العامة والخاصة وصار المطار غير صالح للإقلاع أو الهبوط للطائرات لنقل الجرحى والمعاقين ومرضىالسرطان وغيرهم للعلاج في الخارج .. وبعد ترميم الخراب الذي لحق بالمطار ومرافقه بعد طرد قواتالحوثي وعفاش من عدن وبعض المحافظات الجنوبية كان الموقف حرجاً ومؤلماً عند نقل الأعداد الكبيرة من الجرحى إلى المطار حيث لا تتوفر لهم مقاعد ويضطر أهلهم إلى إنزالهم من الطائرة على أكتافهم والعودة بهم إلى منازلهم وكثير من حالات الوفاة تحدث قبل سفرهم للعلاج.

وبعد حرب 2015-2016م عادت بي الذاكرة لزيارة كندا عام 1993م حيث شاهدت في مطاراتها رجالاً ونساءً يحملون الكلاب في أحضانهم وفي الطائرات يجلس الشخص على مقعد الطائرة والكلب على مقعد بجانبه بأسعار تذاكر مخفضة للأطفال والكلاب على حدٍ سواء ، والجريح المقاوم في عدن أو مريض السرطان يُعاد على الأكتاف من المطار لعدم حصوله على مقعد للسفر وينتقل إلى بارئه أحياناً قبل السفر.

 

وبعد أن شاهدت خراب مطار عدن خاصة والمرافق العامة والخاصة ومنازل المواطنين المهدمة عادت بي الذاكرة إلى عام 1993م عند مروري ببيروت وما شاهدته من خراب ودمار بيروت الفن والسياحة والجمال وبلد التعايش وحرب الأخوة عام 1975م والتي دامت لسنوات طويلة وما خلقتفي النفوس بين الأخوة مثله حدث لعدن خاصة واليمن عامة سببه الجهل والتخلّف وفرض الزعامة والأطماع وسيطرة كبار القوم الذين يدفعون ويحرضون أبناء الشعب اليمني عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع للجبهات لقتال بعضهم البعض وهم وأبنائهم في الخلف وفي الأمان.