آخر تحديث :السبت-18 مايو 2024-09:21ص

العالم من حولنا


الجيش الصيني تنين يتربص بخرائط العالم

الأحد - 05 مارس 2017 - 11:24 ص بتوقيت عدن

الجيش الصيني تنين يتربص بخرائط العالم
قوة حتمية قادمة تنتشر على شكل قواعد وأساطيل

العرب(عدن الغد)

في الوقت الذي تعترض فيه الصين، مؤخراً، على الاتفاق بين دول التحالف العربي وواشنطن والقاهرة على إقامة منشآت عسكرية في باب المندب، لا تجد حرجاً في مواصلة إقامة قاعدتها العسكرية في جيبوتي متغلغلة في عمق البحر الأحمر والقرن الأفريقي. المتحدث باسم الخارجية الصينية جنغ شوانغ قال في مؤتمر صحافي عقد في وزارة الخارجية في بكين إن هذا التعاون ما بين الخليج ومصر والولايات المتحدة عسكرياً في هذه المنطقة الاستراتيجية لا يعرّض أمن المياه الدولية للخطر وحسب، بل إنه يتعارض مع مصالح الحكومة الصينية والاتحاد الأوروبي.

شوانغ رفع من وتيرة الخطاب الصيني حين قال لـ“رويترز” إن هذا المشروع يأتي في سياق مشروع “ناتو عربي”. وقال مركز “ستراتفور” للدراسات الأمنية والاستراتيجية إنه بخلاف حربهم في اليمن، فإن المشروع يكشف عن طموح الخليجيين في تعزيز تواجدهم العسكري في المنطقة.

لكن الصين التي تحاول ادعاء النأي بنفسها عن صراعات الشرق الأوسط تبدو كمن يتسلل تدريجياً وببطء وضمن خطة استراتيجية بعيدة الأمد على أكبر مساحة ممكنة من الخارطة الدولية.

التنين يتلمس المياه الدافئة

قبل أيام قليلة فقط نشر موقع الخليج أون لاين تقريراً يقول إن حدة التوترات بين أميركا والصين انتقلت من بحر الصين الجنوبي إلى أفريقيا هذه المرة. بعد أن بدأت بكين، حسب التقرير، ببناء أول قاعدة لها في جيبوتي تقع على مقربة من معسكر ليمونير أحد أهم المنشآت الأجنبية في تلك المنطقة والتابعة لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، وهو أمر أثار حفيظة واشنطن التي بدأت تشعر بالقلق فعلياً من تلك الخطوة الصينية بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

وتقول الصحيفة إن القاعدة البحرية الصينية “تعد أول قاعدة خارج الحدود ويمكن أن توفر فرصة كبيرة للصين في توسيع نفوذها خارج أراضيها”، خاصة أن المنطقة التي وضعت فيها القاعدة الصينية الجديدة تشهد العديد من عمليات مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة.

وقال الخبير في شؤون الجيش الصيني غابريل كولينز إن ما يجري يشبه إلى حد كبير مناورة فريق منافس في كرة القدم، مبيّناً أن ما يحدث هو محاولة الخصمين لاكتشاف بعضهما عن قرب. فقاعدة ليمونير تأسّست عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 في أميركا وتقع على مقربة من مطار جيبوتي الدولي، حيث تعتبر القاعدة العسكرية الدائمة والوحيدة في أفريقيا. وتضم القاعدة قرابة 4000 عنصر إضافة إلى أعداد أخرى تقوم بزيارات سرية إلى تلك القاعدة، وأيضاً تعتبر قاعدة لانطلاق العديد من الطائرات دون طيار التي تستهدف مواقع في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، منها غارة شنّتها واشنطن الشهر الماضي في اليمن وخلّفت قتلى في صفوف أفراد البحرية الأميركية.

أما أستاذ الدراسات الاستراتيجية في كلية الحرب البحرية بولاية رود أيلاند بيتر دوتون فيرى أن ما تقوم به الصين يعتبر “تطوراً استراتيجياً هاماً. إنها تقوم بتوسيع قوتها البحرية لحماية التجارة ومصالحها الخاصة في القرن الأفريقي، لقد تعلّمت الصين من دروس بريطانيا قبل 200 سنة”. وبالإضافة إلى القاعدة العسكرية في جيبوتي فإن الصين قدمت قروضاً بمليارات الدولارات لحكومة جيبوتي المثقلة بالديون.

والثابت اليوم أنه ومنذ فبراير الماضي أصبح بإمكان الجيبوتيين رؤية معدات ومركبات وجنود صينيين يعملون على مساحة تقدر بـ90 دونماً على ساحل مدينة أوبوك القريبة من مضيق باب المندب الاستراتيجي.

تحاول الصين ملء الفراغات التي تخلفها القوى المتراجعة في نطاق الشرق الأوسط آخذة بالتحول إلى قوة عسكرية استعراضية كبرى.

الرئيس الصيني أعلن مؤخراً عن تقليص عديد الجيش الصيني بـ300 ألف جندي. لكن هذا لا يعني شيئاً أمام حجم الجيش الصيني أساساً وتحركاته في أرجاء العالم. فالجيش الصيني مصنف الثالث عالمياً بعد جيش الولايات المتحدة وروسيا. أما عديده فيبلغ مليونين وثلث مليون جندي في الخدمة، ومثلهم في الاحتياط. أما السفن الحربية الصينية فقد باتت قبالة شواطئ ألاسكا تنفذ المناورات العسكرية بكل حرية. وتقول تقارير الإعلام الأميركي إن القوة العسكرية الصينية في المحيط الهادي باتت تقترب من القوة العسكرية الأميركية. وهذا يعني الكثير بالنسبة إلى من يرصد تضخم القوام العسكري الصيني مقارنة بالولايات المتحدة.

ويقول معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إن تصدير السلاح الصيني ارتفع بنسبة 143 بالمئة في الأعوام الخمسة الأخيرة لتتجاوز الصين خلال العام 2015 وحده كلاً من ألمانيا وفرنسا وتصبح في المركز الثالث عالميًا في تصدير السلاح بعد الولايات المتحدة وروسيا.

وتلعب التقنيات الحديثة المستنسخة دوراً هاماً في عمليات تطوير الجيش الصيني، ولذلك عملت بكين على شراء تلك التقنيات من دول العالم المتقدمة وقامت بإعادة تصنيعها، ويدخل في تلك التقنيات الأسلحة الكهرومغناطيسية وأسلحة الميكروويف وحزم الجزيئات ومحركات الديزل والمروحيات العسكرية مثل يوروكوبتر ومروحيات وغواصات فرنسا المضادة للسونار وكذلك قوارب الصواريخ الأسترالية وتكنولوجيا الصواريخ والليزر الإسرائيلية.

تقول التقارير إن الصين تمتلك اليوم صاروخاً فريداً يدعى “قاتل حاملات الطائرات” وهو قادر على تهديد كبريات السف الحربية في العالم. وهذا الصاروخ من نوع “دي إف 21 دي” متوسط المدى ومصنوع خصيصاً لمهاجمة حاملات الطائرات الأميركية بسرعة تتجاوز سرعة الصوت.

أما مقاتلات الجيل الخامس “تشينغ دو جي 20” فهي مقاتلات حربية ذات محركين وتعدّ أحدث ما تصنّعه المصانع العسكرية الصينية، وهي طائرات سريعة بعيدة المدى تحلق على ارتفاعات منخفضة متخفية عن الرادار. وستكون جاهزة للدخول في الخدمة خلال ثلاثة أعوام من الآن.

الخطة الصينية تقضي بتنظيف السماء من التهديدات الأميركية بما فيها الأقمار الصناعية، لذلك تم إنتاج وتطوير أجيال من الصواريخ المسيرة بالأشعة تحت الحمراء لاستهداف الأقمار الصناعية الأميركية.

ويصل عدد الطائرات الحربية التي تملكها الصين إلى 2860 طائرة، أما الطائرات المقاتلة والاعتراضية فيبلغ عددها 1066 طائرة إضافة إلى ثمانمئة وسبعين طائرة نقل حربية. وتسعمئة حوامة ومئتي مقاتلة عمودية.

توقعات صينية بالحرب

الحرب القادمة التي تلوح نذرها ستكون بين الصين والولايات المتحدة على حد تعبير صحيفة الإندبندنت البريطانية التي ذكرت أن الموقع الإلكتروني التابع للجيش الصيني نسب إلى مسؤول عسكري صيني كبير قوله إن الحرب مع الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أصبحت “واقعا عمليا” ولم تعد مجرد شعار. وأضافت الإندبندنت أن العلاقات الأميركية الصينية أصبحت أكثر توترا تحت إدارة ترامب.

القادة العسكريون الصينيون يطالبون حكومتهم اليوم بنشر قواتها في بحر جنوب وشرق الصين وشبه الجزيرة الكورية. وتلفت الإندبندنت إلى أن دعوة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى فرض حصار بحري لجزر الصين الصناعية في بحر الصين الجنوبي بأنها دعوة يمكن أن تعدّها الصين عملا حربيا. لذلك تقوم الصين اليوم بنقل قواتها الصاروخية طويلة المدى باتجاه الشمال لتصبح أقرب إلى التماس مع القوات الأميركية.

اجتياح العالم برا وبحرا

حجم النمو العسكري للصين يتضح من خلال استعراض قواتها البحرية والبرية، فالصين تعد اليوم القوة الثانية في العالم بعد روسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق مجتمعة من حيث حجم القوات المدرعة البرية، فعدد دباباتها يصل إلى 9150 دبابة، أما العربات العسكرية فيتجاوز عددها في الجيش الصيني 4 آلاف مدرعة. ويصل حجم الأسلحة الرشاشة المحمولة على العربات إلى قرابة الألفي رشاش ثقيل، أما القوة المدفعية فتتجاوز الستة آلاف مدفع لتحل في المرتبة الثانية بعد الهند. أما بطاريات إطلاق الصواريخ فتملك الصين منها ما يصل إلى ألفي منصة.

الأسطول البحري الصيني يعد الأكبر عالمياً بعد كوريا الشمالية ويضم أكثر من ستمئة قطعة بحرية وقرابة الخمسين فرقاطة و25 مدمرة وحاملة طائرات وحيدة و67 غواصة. بينما تملك الولايات المتحدة 72 غواصة. وتملك الصين لتحريك كل هذه الترسانة 15 ميناء و507 من المطارات. وتنفق على التسلح سنوياً 145 مليار دولار، بينما تبلغ ميزانية وزارة الدفاع الأميركية 577 مليار دولار.

الحرب بدأت بالفعل

حرب باردة من نوع آخر وربما تكون حرباً من طرف واحد حالياً، لكن الصين تخوضها.. ولذلك قامت، حسب الباحث عماد عنان، بإنشاء منظومتين دفاعيتين للقوى المحيطة بها أولها منظمة شنغهاي التي أعلنتها الصين في أواسط التسعينات من القرن العشرين بهدف “تعزيز الثقة والاستقرار في المناطق الحدودية بين الصين وروسيا وعدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، حيث تضم ست دول دائمة العضوية هي روسيا والصين وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وأوزبكستان، وخمس دول تملك صفة مراقب وتحضر الاجتماعات السنوية وهي الهند وإيران ومنغوليا وباكستان وأفغانستان، كما أن سريلانكا وبيلاروس وتركيا يعتبرون شركاء في الحوار، وطالبت مصر وسوريا بالانضمام إليها”.


 

يقول الصينيون الآن إن منظمة شنغهاي “تستمد أهميتها الاستراتيجية من كونها أحد البدائل الدولية لحلحلة العديد من الملفات والأزمات التي تواجهها دول المنطقة بعد سلسلة الإخفاقات التي كانت وراءها واشنطن من العراق وأفغانستان إلى ليبيا وانتشار التطرف والإرهاب، وكذلك مع عدم تحقيق أي تقدم ملموس في التحالف الدولي الـ60 الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش”.

المنظومة الثانية هي “البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية” والذي تم الإعلان عنه منتصف العام 2015، حيث اجتمعت 57 دولة في العاصمة الصينية بكين لمناقشة كيان اقتصادي جديد، صُمم ليساعد في تمويل المشاريع التي تلبّي احتياجات الدول الآسيوية من البنية التحتية. ويقول الخبراء إن هذا الكيان الذي بدأ بـ57 دولة أصاب واشنطن بالقلق والحيرة والارتباك.

التقرير السنوي للجنة البرلمانية الأميركية المعنية بالدفاع أفرد مساحة كبيرة لمناقشة القدرات العسكرية الصينية وحجم ما وصلت إليه في السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أن تعزيز قدرات بكين العسكرية سيشكل تهديدًا للأمن القومي الأميركي، وعليه فقد دعا إلى ضرورة إجراء تقييم موضوعي للمخاطر والمكاسب التي قد تنجم عن تدخل الصين في المنطقة.

التقرير نقل حجم القلق من القوة العسكرية للصين معتبرًا أن تعزيز بكين لقدراتها العسكرية سيدفعها إلى استخدام القوة أكثر للدفاع عن مصالحها، مشيرًا إلى ميول عدوانية أظهرتها بكين في بحري الصين الشرقي والجنوبي، وهو ما يزيد المخاوف القائمة من صعود الصين بين حلفاء واشنطن وشركائها في منطقة آسيا الكبرى.

وطالبت اللجنة البرلمانية البنتاغون بـ”إجراء تحليل لوضع استراتيجية من شأنها تحييد قدرات جيش التحرير الشعبي الصيني المتزايدة على شن عمليات خارجية” للمساعدة على تحقيق الاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ خلال الأزمات أو مواجهة التهديدات المشتركة كانتشار الإرهاب في جنوب شرق آسيا”.

هذا التقرير جاء بعد عشرة أيام فقط من فوز دونالد ترامب بمقعد الرئاسة الأميركية، ولذلك فإن هذا الوضع يضع ملف القدرات العسكرية الصينية على طاولة الرئيس الأميركي الجديد ويجعلها على رأس أولوياته.

وكالة سبوتنيك لم تتردد في نقل مخاوف الخبراء الروس من تضخم قدرات الحليف الصيني، فقد أعلن الخبير الروسي في مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات العسكرية فاسيلي كاشين صحيح أن الصين ستقلص العديد من القوات البرية للجيش الصيني لكنها في الوقت نفسه “ستزيد من أنواع التكنولوجيا فائقة التطور ضمن القوات المسلحة، وسيتم رفع مستوى القوة الضاربة في الجيش الصيني وإعادة توجيه الموارد المخصصة في الاتجاهات الواعدة”.

وأضاف كاشين “مع تخفيض عدد العسكريين فإن الميزانية العسكرية ستستمر في النمو، ولكنها ببساطة ستتبع التوجهات الحديثة ضمن الشؤون العسكرية الصينية وستصبح العديد من تشكيلات القوات البرية للجيش الصيني في سياق التاريخ، وسيحل محلها جيشٌ أكثر وثوقاً وإحكاماً وسيكون مُتخماً بالمعدات العسكرية الأكثر تطوراً”.

كل ما سلف يجعل من التنين الصيني أقرب إلى الواقع منه إلى الافتراض التحليلي السياسي والاستراتيجي، ولذلك يبدو أنه من الواجب على العرب الالتفات شرقاً قليلاً ما دام عدم الاكتراث الأميركي متواصلاً.