آخر تحديث :الثلاثاء-14 مايو 2024-03:14ص

أخبار وتقارير


11 فبراير .. حسرة الجنوبيين أيضاً

السبت - 11 فبراير 2017 - 03:40 م بتوقيت عدن

11 فبراير .. حسرة الجنوبيين أيضاً

نبيل سعيد - العربي

حالة ثورية لم تكتمل، بارقة أمل انطفأت، ثورة مسلوبة، ثورة فاشلة. هكذا يصف الجنوبيون ثورة التغيير في صنعاء التي انطلقت في 11 فبراير 2011م بساحة الجامعة. ثورة، وإن تعاطف معها الجنوبيون في بداياتها النقية على أيدي الشباب المستقل، إلا أنهم سرعان ما تغيرت نظرتهم تجاهها، لاسيما عقب انحراف بوصلتها لصالح تيار "الإخوان المسلمين" والقوى التقليدية المتنفذة باليمن. فمنذ الوهلة الأولى (21 مارس 2011م) لإعلان الجنرال علي محسن الأحمر الإنضمام إلى الجماهير في ساحة التغيير، بمعية عدد من قيادات الجيش، ساور الجنوبيين الشك حول مرامي ودوافع انضمام الساعد الأيمن للرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، إلى ركب الثورة، ليقينهم أن إعلان الرجل لم يكن بدافع شخصي، بقدر ما كان مخططاً لاحتواء الموقف والسيطرة عليه، وتجيير الحدث الهام لصالح الراديكالية السياسية التي تتخذ من الإسلام قناعاً لتنفيذ مآربها البراغماتية.
حالة ثورية
وفي هذا الصدد، يصف الأكاديمي والقيادي الجنوبي، سعيد الجريري، ثورة 11 فبراير بأنها "مجرد حالة ثورية لم تتطور إلى ثورة حقيقية، ففي بلد كاليمن حيث الإحتواء آلية فاعلة، تم احتواء تلك الحالة الثورية، بصيغة (حيا بهم... حيا بهم)، ليتم تحويلها إلى أزمة. وعندما تم تأزيمها سهل على القوى غير الثورية أن تكون أكثر فاعلية في تحديد مسارها، ما جعل أطراف اللعبة السياسية اليمنية الفاسدة تدير كل شيء وتفكك ما تبقى من نفس ثوري محدود. ولأن الحالة الثورية محتواة ومؤزمة، فإن ما أفضت إليه هو جعل مستقبل اليمن من جديد بأياد (أمينة) لا صلة لها بفكرة الثورة، لأنها أصلاً النقيض الموضوعي لها، وهي جزء من أدوات النظام الذي يفترض أن الحالة الثورية كانت ضده". وعن موقف الجنوب من تلك الثورة، يعتقد الجريري، أنه "لم يتعد علاقة الإنسجام التي تحولت لاحقاً إلى صدام بين إرادتين، نتيجة اختطاف ثورة الشباب"، معتبراً أن "الجنوب كان كقضية مختلفة برافعة ثورية تحررية ينظر إلى حالة 11 فبراير الثورية في اليمن على أنها مؤشر على تجاوز لحظة استبدادية، لكن الإحتواء ثم التأزيم أحالا العلاقة من انسجام ثوري إلى صدام بين إرادتين: إرادة تحررية في الجنوب، ومحاولة لإعادة إنتاج الإحتلال بواجهة ثورية زائفة، لاسيما بعد إقصاء رموز الحالة الثورية أو احتوائهم. ولذا فالأزمة تتجدد فصولها حتى هذه اللحظة، بانتظار وضع ثوري حقيقي ستبدو معه 11 فبراير مستقبلاً جزءاً من الإرهاصات".
بارقة أمل انطفأت
من جانبه، يرى المحلل السياسي، منصور صالح، أن "ثورة 11 فبراير بدأت ثورة نقية، لذا عقدت عليها الآمال العراض كبارقة أمل في التغيير نحو الأفضل، لكنها سرعان ما انطفأت إثر اختراقها من قبل الأحزاب وتحديداً الإصلاح، علاوة على انضمام رموز النظام السابق إليها، خاصة بعد يوم 21 مارس الذي أفسد هذه الثورة وأفرغها من هدفها، بل وحوّلها إلى مجرد صراع على السلطة بين الأقطاب الرئيسة التي تستأثر بحكم الشمال منذ مئات السنين، فيما ذهبت سدى تضحيات شباب الثورة الذين تعرضوا للقتل وللحرق في الميادين وفي ساحات التغيير". وحول موقف الجنوبيين في بداية تلك الثورة، يعزو منصور دعم الجنوبيين للثورة ومساندتهم لها في بداياتها إلى "اعتقادهم بأنها ستسهم في تغير شامل في تركيبة الدولة والمجتمع في الشمال لاسيما مع بروز قوى ديمقراطية، بيد أن اختطاف الثورة من قبل القوى التقليدية أدى إلى مراجعة الحسابات؛ فقد كان الجنوبيون يؤملون في هذه الثورة أن تكون هي بوابة التغيير، وأن تدفع بجيل نقي من الشباب الذي يتبنى خيار الدولة المدنية الديمقراطية في الشمال، على أنقاض دولة العسكر والقبائل التي تعيش خارج العصر والحضارة. لكن للأسف، تحولت الثورة إلى أداة في يد حزب الإصلاح، الذي كان شريكاً لصالح في فساده كله، بغرض تحقيق مكاسب سياسية على حساب مستقبل البلد وتضحيات الشعب، وهذا ما دفع بقوى الثورة الجنوبية إلى التوقف عن تقديم أي دعم أو مساندة لها بعد أن بدا واضحاً لهم انحراف مسار هذه الثورة عن هدفها الذي أعلنته في البدء، وهو التغيير نحو الأفضل، والذي استبدل بإعادة إنتاج رموز النظام البائد من جديد".
الثورة "المُبندقة"
ويتفق القيادي الجنوبي، صالح الدويل، مع الرؤية القائلة باختطاف الثورة من قبل "الإخوان المسلمين" الذين "قاموا بالاستحواذ على الفعل الثوري، وحرفه عن مساره"، معتقداً أنهم بذلك الإستحواذ "بدأوا بوضع الأسس الطائفية، فتشكلت ساحتان إحدهما إخوانية، وتجاورها ساحة حوثية، لاسيما بعد انقسام النظام وانضمام ضباط الفرقة، بمعية مشائخ الإصلاح، بذريعة حماية ثورة الشباب، فبشروا بدولة الخلافة، ومن خلال ذلك استطاع الإصلاح بما يملك من قدرات مالية وتنظيم وحماية قبلية وعسكرية أن يحرفها عن مسارها، فأصبحت ثورة (مُبندقة)! وكان لافتاً التواجد الحوثي بالساحة الموازية لساحة الإخوان، الذين كان صوتهم الأعلى ضجيجاً. واليوم صارت الثورة إلى نهاية مذلة، لأنها أفرغت من مضامينها كثورة، لتتحول إلى رافعة من روافع أطراف الصراع" .
ويرى الدويل أن "السبب الرئيسي في تغير موقف الجنوبيين من ثورة فبراير يكمن في تحول شعاراتها البراقة، التي حاولت مغازلة الجنوب، من خلال ترديد عبارات (لا حزبية ولا أحزاب ثورتنا ثورة شباب)، والتي لم تلبث حتى تحولت بفعل الإخوان إلى (لا حوثية ولا إيران ثورتنا ثورة إخوان). ورغم مغازلة الجنوب بهذه الشعارات، رفض الجنوبيون أن تكون قضيتهم من ضمن قضايا هذه الثورة، لأن قضيتهم ليست قضية سياسية يمكن حلها في إطار قضايا ثورة فبراير، بل قضية وطنية بامتياز، قضية وطن محتل ثار شعبه سلمياً لنيل حريته. ومن هنا، استشعر الجنوبيون الإلتفاف على الثورة منذ وقت مبكر. فالحقيقة أن ثورة فبراير ليس لها علاقة بالجنوب، إذ إن ساحات تلك الثورة لم تتسع لخيمة تحمل عنوان القضية الجنوبية، فقد رفضوا أن ينصب بعض الجنوبيين ممن صدقوا شعاراتهم خيمة واحدة تحت مسمى (خيمة القضية الجنوبية)".
إخفاق
بدورها، ترى الناشطة السياسية الجنوبية، منى هيثم، أن "ثورة فبراير جاءت امتداداً للربيع العربي الذي انتقل إلى اليمن، حيث كان يعوّل عليه التأسيس لعقد اجتماعي (مصر أنموذجاً)، فيما أتى النموذج الآخر من تونس، وأخفق في اليمن كنموذج ثالث. وعلى خطى تونس ومصر، خرج الشعب المنهوك طامحاً بالتغيير من كل أشكال الحاضر التي رسمت معاناته وحرمته من أبسط حقوقه. خرج الشعب اليمني في الشمال من كل الفئات، ومن كل فج عميق، إلى ساحات التغيير سلمياً، فحملت الثورة الورود وما كانت تعلم أن الورود التي تحملها يحاك لها أن تنمو في مشاتل التقليد العصبوي". وتعتبر هيثم أن "السبب الرئيسي لإخفاق الربيع العربي في اليمن يكمن في خروج شباب أحزاب المشترك التي نصبت نفسها وصية على ثورة الشباب، لتحقيق مكاسب سياسية لحزب الإصلاح، الحليف لصالح ضد الجنوب، بسبب اتجاه صالح إلى توريث الحكم لنجله أحمد، ما أثار حفيظة حميد وإخوته، وباقي عصابة القوى التقليدية اليمنية. فاستغل الإصلاح ثورة الشباب، كفرصة لا تعوض للتخلص من صالح، فحرف الثورة عن مسارها لصالحه". 
ثورة فاشلة
من جهة أخرى، تصف الاعلامية الجنوبية، كفى هاشلي، ثورة فبراير بـ"الثورة الفاشلة بسب افتقادها لإرادة التغيير، وإعادة إنتاجها لرموز النظام". وفي منشور لها على صفحتها في "فيس بوك"، تقول هاشلي إن الثورة "نقصتها النوايا التصحيحية والإرادة نحو التغيير ففشلت وحدث الإنقلاب... بالمقابل، حرب مواجهة الإنقلاب نجحت في الجنوب، بينما فشلت في إدارة للمناطق المحررة .. فوجه الشبه بشكل عام الشعب يقتل ويشرد ويتضور جوعا، فيما يعاد تدوير النفايات مجددا، ولم يسقط فاسد واحد. ولم يتم القبض عليه أو يحاكم، باختصار مازلنا في المسار الغلط. فعندما تعيد أركان النظام فأنت لم تسقطه بل تستنسخ النظام ... وعندما يجد النظام السابق ثغره في مسارك يخترقك".
اتجاه معاكس
وفي وجهة نظر مغايرة للرأي السابق، يعتقد الناشط عبد العزيز باجمال، أن "ثورة فبراير لم تفشل بل تم الإنقلاب عليها، فقد كادت أن تنجح وتحقق أهدافها تدريجياً بعد أن استطاعت خلع رأس النظام، ولكن تم الإنقلاب عليها من قبل من خلعته تلك الثورة الشبابية النقية في بداياتها". ويضيف باجمال أن "ما تعيشه اليمن اليوم من حرب طاحنة يقودها المخلوع ومليشيات الحوثي هي بسبب ما تمخضت عنه الثورة اليمنية العظيمة، من مسار سياسي ديمقراطي نحو دولة اتحادية بأقاليم متعددة، اتفق عليه اليمنيون بكافة أطيافهم ومكوناتهم في مؤتمر الحوار اليمني الذي يعتبر اليوم الأيقونة والمرجعية الأساسية للحكومة الشرعية ودول الخليج لإسقاط الإنقلاب، والعودة مجدداً لما اتفق عليه اليمنيون قبل الإنقلاب".
الثورة الشرعية
وفي خط مواز، يتساءل الناشط، يسلم البابكري، في مقال نشر له مؤخراً، عن ما إذا كانت ثورة فبراير صديقاً لقضية الجنوب، أم خصماً وعدواً؟ وفي معرض تفنيده لهذا التساؤل يقول إنه "خلال السنوات الست منذ انطلاق الثورة إلى اليوم، استمات مقاولو تزييف الوعي في محاولة إقناع الإنسان البسيط في الجنوب بأن الثورة كانت له خصماً تستحق المواجهة، كان رموز الثورة وشبابها وأهدافها تُلعن صباحاً ومساءً حتى وصل الأمر إلى التحريض على الساحات والاعتداء عليها، فهل كانت ثورة فبراير كذلك؟ بالعكس، ثورة فبراير كان خصمها الخصيم وعدوها الغريم الذي قامت لإسقاطه هو علي عبدالله صالح ونظامه، وهو الذي عبث بالجنوب وبالشمال وسمم الحياة في كل اتجاه، فهل كان صالح عدواً للجنوب أم خصماً حتى يستعدي عدوه؟". ويخلص البابكري إلى أن "ثورة فبراير انتزعت الشرعية من القاتل المجرم ومنحتها لجنوبي في رمزية هامة ودلالة واضحة، واختارت جنوبياً أيضاً أول رئيس لحكومة الثورة في دلالة أعمق، لقد خرجت الملايين تنزع شرعية صالح وتلبسها هادي، إلا في بعض مناطق الجنوب التي وقفت في وجهه بسبب التحريض العبثي والجنوني والأعمى".
خطوة نحو الانفصال
وفي السياق، يصف الناشط محمد سالم "فبراير" بأنها كانت "ثورة مبتسرة"، فـ"صحيح أنها لم تكتمل ولم تحقق أهدافها، لكن إذا نظرنا من زاوية أخرى، فقد منحت السنوات الخمس الأخيرة التي تلت ثورة شباط/ فبراير2011 الجنوب خطوات كبيرة نحو تحقيق الإنفصال عن الشمال، وإنهاء ربع قرن من الوحدة، وهو الطموح الذى ناضلت لأجله قوى الحراك على مدار العقد الأخير، فقد أُزيلت أغلب المعوقات التي شكّلت حائلاً دون تنفيذ المشروع، وأبرزها غياب مظاهر السلطة التي فرضت الوحدة جبراً وبقوة السلاح".