آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-11:03ص

أخبار المحافظات


ذكريات يرويها منصور محمد العطوي .. مساعد المعتمد البريطاني ومستشاريه في زيارة يافع القارة

السبت - 11 فبراير 2017 - 01:40 م بتوقيت عدن

ذكريات يرويها منصور محمد العطوي .. مساعد المعتمد البريطاني ومستشاريه في زيارة يافع القارة
منصور محمد العطوي

إعداد / نايف زين ناصر - أحمد يسلم صالح

انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1948م .. وبانتهائها انتشرت الأمراض في عدد من بلدان العالم عامة واليمن خاصة قد يكون بسبب استعمال السلاح النووي من جانب .. ومن جانب آخر بسبب انتشار المجاعة وشحة هطول الأمطار  وجفافا لأراضي الزراعية في شمال وجنوب الوطن اليمني وأثر انقسام الدول المتحاربة سلباً على التجارة العالمية بين دول حول العالم وانتشار الأمراض المعدية بين السكان التي أدت إلى الوفيات.

 

وحرب اليمن خلال العامين المنصرمين خير دليل إلى ما عانى ويعاني الشعب اليمني من ويلات الحروب من دمار وتشريد وانعدام محتاجات المواطن الضرورية والأمراض المنتشرة والجوع خير دليل على ما تعانيه الشعوب خلال الحروب وبعدها.

 

وفي عام 1950م وعمري تسع سنوات تقريباً .. حيث ووالدي قد توفي "يرحمه الله" وعمري لا يتجاوز تسعة شهور وكان يذهب بعض سكان المنطقة إلى المقبرة لحفر قبر لمتوفي من الأهالي ودفنه وقبل أن يعود هؤلاء إلى القرية بل قبل دفن المتوفي الأول إذ ينادي منادي من القرية بحفر قبر ثاني لمتوفي آخر من القرية ذاتها وقد يكون المتوفي الثاني من الأسرة التي دفن المتوفي الأول ويصل الموتى في بعض الأيام من 2 – 3 أشخاص من سكان تلك القرية .. ونتيجة لعدم توفر كار الكفن كان يكفّن الأموات بملابسهم القديمة والمستعملة إذا وجدت مع ذويهم لأن كرامة الميت دفنه.

 

وفي تلك الأيام كنت أذهب صباح كل يوم لرعي شاتي التي تحلبها أمي صباحاً ومساءً وتسقيني حليبها حفاظاً منها على صحتي وخوفاً عليَّ من المرض والموت "يرحمها الله" كما مرض أخي الأكبر حسين ومات والذي لا اتذكر ملامحه "يرحمه الله" .. وفي المراعي كنت أنقّب في جدران مدرجات الأراضي الزراعية عن أصابع الجدمل وسط الجدران وعلى أوراق الحوى والسكب والشعوس لأكله وإذا ما توفر لنا الخبز المحمط فتلك نعمة كبيرة نحمد الله عليها .. أما عند حصولنا على القصاص والحدل الحامض المذاق نعتبره ترف وأما البطاط في مواسمها التي تزرع في الجبال ومنها جبل "الشنباك" يعتبر في ذلك الوقت من ينعم بأكلها يوازي عيشة المهاجر في دول الخليج هذه الأيام.

 

وفي مواسم قدوم الجراد الصحراوي إلى يافع كنّا نسابق طيران الجراد لمعرفة منطقة توجهه وهبوطه ليلاً لجمعها على ضوء الفوانيس وعلبة الغازة، وعند العودة في الصباح إلى المنزل يتم انجاحها في المئافي وفرشها على سطح المنزل حتى تجف ورشها بالماء المخلوط بالملح وتحفظ خصار الطعام طوال العام السعيد.

 

قبل شهرين أرسلت لي سلّه جراد من زملاء كنا زمان نستجمعها وأكلت منها أمام أولادي وأحفادي وأنا أتلذذ مذاقها ولذق العقارب والحشرات في الليالي المظلمة وكانوا  يتغزّزون ويسخرون .. بل أن بعضهم تقيئ ثم توقفت عن أكلها بسبب زيادة الملح وارتفاع ضغط الدم عندي وشهيتي لها.

 

وفي ذات يوم والعبد الفقير منصور كاتب السطور في وادي سرار عاري البدن حافي القدمين إلّا من قطعة كار تستر عورتي فإذا بي أشاهد موكباً كبيراً من الرجال بعضهم على ظهور الجمال وثلاثة رجال إنجليز  على ظهور الخيول لبسهم بالنسبة لي غريب سراويل مع الشمزان وجزمات مع الجوارب وبرنيطة على رأس كل منهم "كوفيه" قادمين من جعار عبر حطاط إلى القارة بدعوة من سلطان يافع عيدروس ين محسن العفيفي "يرحمه الله" لزيارة يافع بعد دخول بريطانيا منطقة الساحل التي أسسوا فيها لجنة أبين الزراعية وكانت هذه المرة الأولى التي تطأ أقدام الإنجليز  جبل يافع وعاصمتها القارة.

 

وكانت بريطانيا قد دخلت بعض إمارات الجنوب وقدمت لهم بعض المساعدات والمشاريع مثل المشاتل الزراعية والمطارات وشق الطرق الترابية كي يصل جيشها إلى تلك الولايات وتقديم السلاح ليوزعها الحاكم على عقّال القبائل وكسب ولائهم.

 

ولما لاحظ أحد الركاب الإنجليز شكلي الغير طبيعي لهم وكان جزء من رأسي محلوق وثلاث مناطق من رأسي عليها شعر في مقدمة الرأس وخلف الرقبة ووسط الرأس شعر طوله عشر بوصات .. وحسب الاعتقاد لا يحلق إلَّا بعد زيارة ثلاثة مساجد وذبح رأس غنم وسراج عند كل مسجد ثم يحلق الشعر  الأولى لمسجد علي امبابكر وشعر خلف الرقبة والثاني مسجد السادة آل باعلوي والثالث قصر أبو سعيد على جبل عالي الارتفاع ثم نزل أحد الركاب الإنجليز من على الخيل ووجه آلة التصوير نحوي بهدف التقاط صورة لطفل مظهرة غريب وشاذ في نظر رجل الغرب المتحضر القادم إلى ريف جنوب اليمن المتخلف ثم هربت بعيداً خوفاً من أن يقتلني والشاة بجانبي تجري وهو يلاحقني في السيلة حتى تعثّر وسقط أرضاً ووقفت أضحك على سقوطه.

 

تقدم أحد الشيوخ المرافقين للإنجليز  وأعطاني حبّه نعنع وبعد أن تذوقت حلاوتها لأول مرة في حياتي وهدئ من روعي واقتنعت بالوقوف بجانب الشاة التي جرت بجانبي ونهض من كبوته والتقط لي صور من كل جانب واقنعني بالوقوف بجانب الشاة التي جرت إلى جانبي.

 

بعد ذلك واصل الوفد البريطاني الزائر ومرافقيهم الشيوخ إلى قارة بن عفيف التي ترتفع عن وادي رصد أكثر من 2 كيلو متر ومنطقة رصد هي منطقة قصور الماء لسكان القارة حيث ينقل على ظهور النساء والحيوانات .. القارة المحصنة بسورها الطبيعي الذي لا مثيل له ولا يستطيع أي مخلوق دخول القارة إلّا عبر بابها الرئيسي السدّة ولا توجد في القارة آبار مياه غير سدود كبيرة وبرك المساجد لحصد مياه الأمطار والغير صالحة للشرب.

 

وكان السلطان قد طلب قبائل المكاتب ( كلد – يهر – السعدي – اليزيدي – سباح ) لاستقبال الوفد الإنجليزي الزائر وتجمعت القبائل في ميدان القارة الواقع بجانب منازل السلطان وكان رجال القبائل يرددون الزوامل بعضها تهاجم قدوم الإنجليز الكفرة إلى يافع وبعض القبائل يعتقدون بأن وضع القبعات على الرؤوس هو الكفر  .. لأن القبعات تحجب عنهم رؤية السماء وقام بعض رجال القبائل يوخز أجساد الإنجليز  بالإبر والمخايط مما أضطر السلطان إلى إدخالهم إلى منزله ومشاهدة الاحتفال والاستقبال من شرفة المنزل.

 

وكانت تلك الزيارة الاولى والوحيدة إلى يافع القارة اقتنع الوفد الإنجليزي بصعوبة دخولهم المنطقة ذات التضاريس الجبلية والوعرة ورفض قبائلها دخولهم .. وفي زيارة أخرى للضابط السياسي المستر "ملين" بدعوة من السلطان الشقي نكاية بالسلطان محمد عيدروس العفيفي سلطان يافع وبدعم من سلطان العواذل في أواخر عام 1963م يرافقه بعض رجال القبائل عبر طريق سلب أمشقي ولكن وقفت قبائل سباح ضد تلك الزيارة بقيادة الشيخ الكهالي حيث وقفوا للزوار في عقبة الدقيقة وردهم خائبين بعد إصابة عدد من الجانبين .. بعد ذلك قصفت الطائرات منزل محمد عيدروس العفيفي في دار لقواد بسبب تحريضه قبائل يافع ضد الاستعمار وأرسالهم إلى البيضاء لا ستلام السلاح والعودة لمقاومة الاستعمار في الجنوب .. ثم نقل المستر ملين الضابط السياسي من أبين إلى ردفان والضالع محاولاً إخماد ثورة 14 أكتوبر 1963م وكان يشرف على قصف الطائرات لمنازل وقرى الثوار في ردفان .. وبعد الاستقلال انتقل إلى الإمارات العربية المتحدة التي كانت تحت الاستعمار البرطاني.

 

وبعد الوحدة اليمنية المشؤومة التي قتل جيشها عدداً كبيراً من أبناء الجنوب وخاصة الضالع وردفان وطردوا من الوظائف المدنية والعسكرية ونهب الممتلكات العامة وأراضي الدولة وتولى قيادة محافظات الجنوب المدنية والعسكرية أخوة من الشمال .. بعدها زار المستر ملين الضالع وردفان وخرج في استقباله والترحيب بزيارته حاملين لافتات الترحيب بقدومه إلى الضالع وردفان وتقدم الصحفي بسؤال لقيادة مسيرة استقبال الضابط المستعمر القديم كيف من تقاتل الاستعمار الإنجليزي في الماضي أن يخرج للترحيب بعودته فكان ردهم جميعاً دفع بنا الاستعمار الأخوي المتخلف الذي قتلنا وشردنا ونهب الحجر والأرض والشجر  وجعل من بقي في الوطن يعض أصابع الندم .. وفي آخر زيارة للمستر ملين لعدن وجه دعوة لبعض السلاطين المتواجدين في الجنوب والمشائخ لحضور لقاء في فندق عون في محافظة عدن في ذلك الوقت.

 

خلاصة زيارة الوفد:

1. قاسى الوفد خلال زيارته مصاب ورعب القبائل

2. سار على الأقدام صعوداً طريق ركب حطاط أولاً ثم رهوة مسكبة العالية ذات الـ30 منعطفاً وأخيراً نقيل القارة مع النساء وهن يحملن أروب الماء على ظهورهن.

3. قضاء الحاجة في الخلاء خلف شجرة أو صخرة وتنظيف مؤخرته بالحجارة.

4. لبسوا الفوط بدل السروايل.

5. تناولوا طعام العصيد واللحم والخبز والمرق والمرقص بالأيدي بدل الشوكة والسكين والمعلقة ومسحوا أيديهم بعد الطعام بأرجلهم بدل الماء والصابون.

6. شاهدوا عشرات ألوف رجال يافع يسيروا في الجبال والوديان حافين الأقدام.

7. وخز القبائل لأجساد الإنجليزي أقنعهم بصعوبة دخول الاستعمار البريطاني منطقة يافع أو التعايش معهم..

وأعتذر من القراد العزيز فقد يكون سقط سهواً أو جهلاً.