آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-08:33م

دولية وعالمية


أمام محكمة التاريخ : «الإخوان» خانوا حلفاءهم بعد فوز مرسي بالرئاسة وانفردوا بالحكم

الأربعاء - 03 أغسطس 2016 - 01:27 م بتوقيت عدن

أمام محكمة التاريخ : «الإخوان» خانوا حلفاءهم بعد فوز مرسي بالرئاسة وانفردوا بالحكم

الكويت(عدن الغد)وكالات:

دراسة أعدها – د. عبدالرحمن الجيران:

لا تنتهي القراءات النقدية في ممارسات جماعة الاخوان المسلمين، لا سيما بعد سيطرتهم على حكم مصر عقب ثورة 25 يناير 2011، وما تخلل تلك المرحلة من محاولات لتقويض الدولة وحصر السيطرة الاقتصادية في ايدي كبار رجال الاعمال والتجار الذين ينتمون الى الجماعة، ولا سيما مكتب الارشاد.
لا تقتصر ممارسات “الاخوان” على مصر، ففي العديد من الدول العربية كانت لهم ممارسات تصل الى حد التخريب، وموقفهم من غزو صدام حسين للكويت في الثاني من اغسطس العام 1990 لا يزال المحطة التي تبعث على القلق محليا مما يمكن ان تقدم عليه الجماعة.
في هذا الملف، الذي ننشره في عشر حلقات، يقرأ النائب الدكتور عبدالرحمن الجيران في تاريخ الجماعة، وممارساتها في مصر والخليج العربي، وهي قراءة من وجهة نظره السياسية التي لا تلزم “السياسة” بموقفه، لكنها تسليط للضوء على جملة من المتغيرات التي مرت بها الجماعة في العقدين الماضيين، وموقفها من الاحداث التي يشهدها العالم العربي حاليا، وهي لا شك تساعد على رسم صورة استشرافية عن مستقبل مواقف الجماعة… وفي ما يأتي مطالعة الدكتور الجيران:

الحلقة الثالثة

اختيار المناصب المؤثرة بعد نجاح مرسي كان يتم على أساس الانتماء للإخوان وليس للكفاءة

تحدثنا قبلا عن تأثير وهم (الإخوان هم جماعة المسلمين)، على وجود روح استعلائية لدى الإخوان جعلتهم يرفضون كل نصيحة يقدمها لهم المخلصون من أبناء التيار الإسلامي ولا سيما الدعوة السلفية التي تعاملت معهم بكل تجرد ومصداقية بعد أحداث 25 يناير التي كانت مرحلة فارقة في تاريخ الصحوة الإسلامية، ليس في مصر وحدها بل في المنطقة كلها، بل في العالم أجمع، ولا سيما بعد أن ارتفع سقف آمال وطموحات الإسلاميين بعد صعود الإخوان إلى سدة الحكم في مصر ، وارتقت طموحاتهم إلى أن الأمة مقبلة على مرحلة زاهية من التمكين للمشروع الإسلامي، إلا أن تلك الآمال تحطمت على صخرة عناد الإخوان واستعلائهم، و فشلهم الذريع في التمكين لهذا المشروع بعد أن جاءتهم فرصة تاريخية فأضاعوها ، ولم يكتفوا بذلك بل حملوا غيرهم أخطاء هم وفشلهم في الباب الذي طالما ادعوا أنهم أفهم الناس وعيا وإدراكا له وهو باب السياسية .
وقد استقيت المعلومات التي سأطرحها من خلال التواصل المباشر مع قيادات الدعوة السلفية في مصر، وكذلك الوثائق التي تناولت تلك الأحداث سواء المطبوع منها وغير المطبوع، وشهادات كثير من المنصفين الذي شهدوا على تلك الأحداث من الإسلاميين وغيرهم.
المشهد السياسي بعد الثورة
بعد نجاح الثورة كان في المشهد السياسي مكونات خمسة:
1- معارضون للمشروع الإسلامي بكل صوره وهم مدعومون من القوى الخارجية، وهم قلة قليلة.
2- أعداء لأي نظام جديد من أصحاب المصالح الذين لهم علاقة بالنظام السابق.
3- خصوم سياسيون للإخوان كإخوان، على خلفية التاريخ السياسي السابق للإخوان.
4- قوى سياسة وطنية، كل هذه المكونات لم يكن لها حضور في الشارع بعد الثورة، إنما كان الحضور القوى للمكون الخامس وهو:
5- المنتمون للتيار الإسلامي: الذين كان لهم تواصل قوي مع الشعب من خلال الدعوة للتواصل الاجتماعي القوى بينهم وبين أطياف المجتمع، وزاد من تعاطف الشعب معهم قبل ذلك تعرضهم لأنواع من الظلم والتهميش من النظام السابق، وبعد الثورة تحمس الشعب لهم لشعوره أنهم سيخلصونه من الظلم والنهب والسرقة والغش والرشوة، وكذلك لأنهم يعبرون عن قضية عليها إجماع شعبي وهي الحفاظ على الهوية ومرجعية الشريعة الإسلامية لأن الشعب المصري شعب متدين بطبعه؛ فكان الإسلاميون الذين يستطيعون تحريك الشارع؛ ولذلك حينما تم عمل استفتاء علي التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011 قال 77% من الشعب:»: نعم للتعديلات»استجابة لهم، وحين تمت انتخابات برلمانية حاز الإسلاميون ما يفوق 70% من مجلسي الشعب والشورى.

معوقات أمام المشروع الإسلامي
كانت هناك معوقات كان ينبغي اعتبارها:
1- عدم كفاية الكفاءات داخل التيار الإسلامي بمجموعه التي يمكنها تحمل إدارة دولة ضخمة بحجم مصر، خاصة وهي تركة ثقيلة بعد خروجها من تحت وطأة نظام باطش ظالم مستبد نهب ثرواتها وجرف مواردها وأفسد مكوناتها.
2- الحالة الثورية العامة والتي ظهر أثرها في كل شيء، ومن ذلك المطالب الشعبية والفئوية والشخصية؛ فأصبحت ذات سقف عال وزاد ارتفاع هذا السقف والاستعجال في حين رأي الشعب وصول تلبية تلك المطالب الإسلاميين الذين كان يظن أنهم سيصنعون المعجزات.
3- عدم كفاية موارد الدولة التي تلبي هذه المطالب الشعبية.
4- وجود الدولة العميقة والمتربصين في الداخل والخارج .
5- الإعلام الموجه الذي أزعجه هذا الحضور القوى للإسلاميين في المشهد السياسي والشعبي.
استغلت المعارضة هذه العوامل طيلة العام الأول بعد الثورة لخلخلة الثقة الشعبية في الإسلاميين، وتحقق لهم قدر كبير مما أرادوا؛ ويدل على هذا أن نتيجة الانتخابات الرئاسية التي نجح فيها د. مرسي كانت بأغلبية غير مريحة.
فكان هذا المشهد الذي قل فيه الظهير الشعبي للإسلاميين وزادت العقبات وقوى المعارضين يستلزم رؤية خاصة لإدارة الدولة، وإدارة الأزمات حتى تصل الدولة إلى مرحلة الاستقرار.

•أولا: إدارة الدولة:
كانت رؤية حزب النور أن الواجب علي الإسلاميين توسيع دائرة تحمل المسؤولية بحيث تشارك فيها القوى السياسية الوطنية والكفاءات من كل الاتجاهات؛ وذلك لتحقيق الأمور الآتية:
1- الاستفادة من الكفاءات الوطنية وإشراكها في بناء الدولة يعطي رسالة واضحة أن الإسلاميين ليسوا إقصائيين، وأنهم جاذبون للكفاءات لا طاردين لها، خصوصا أن التركة ثقيلة لا يستطيع الإسلاميون تحملها وحدهم ولو مجتمعين، فكيف إذا انفرد فصيل منهم بذلك؟
2- كما أن احتواء هذه الكفاءات الوطنية يشعرهم بدورهم في بناء دولتهم؛ مما يسهم في الإسراع بتحريك عجلة الإنتاج والتقدم بالبلاد.
3- احتواء القوى السياسية الوطنية في ائتلاف يضيق المساحة السياسية التي يمكن أن تتحرك عليها المعارضة الهدامة؛ لأنه ما من نظام إلا وله ثلاثة أنواع من المعارضة:
أ- معارضة بناءة: وهى التي تدعمه في المواقف التي تراها صائبة وتناصح عند طلب النصيحة، وفى المواقف التي تراها محتملة، وتعارضه بأساليب المعارضة المشروعة في المواقف التي تراها تضر بالصالح العام للبلاد.
ب- معارضة هدامة: وهى التي تعمل على تشويه المواقف الجيدة للمنافس، وتحاول توريطه في ما يضره ولو على مصلحة البلاد، والتشنيع عليه في المواقف المحتملة للخطأ والصواب، واستخدام كل سبل المعارضة المشروعة وغير المشروعة لتعطيل مسيرته حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة الدولة كلها،أو كان يصب في مصلحة أعدائها.
ج- معارضة مترقبة: فلا هي بناءة تدعم المواقف الجيدة وتحاول تقديم النصيحة من أجل الصالح العام، ولا هي هدامة تحاول نصب الفخاخ والشراك.
ومن المحددات المهمة لنسب وجود الأنواع الثلاثة من المعارضة، هو أداء النظام وقدرته على إشراك أكبر قدر من الكفاءات والقوى السياسية وإدارة حوار وتفاعل مستمر مع الجميع.
وكان من فوائد توسيع دائرة تحمل المسؤولية أيضا:
4- توسيع القاعدة الشعبية المقتنعة بالأداء الواثقة في إدارة الدولة، وإنقاذ هذه القواعد من تلاعب المعارضة الهدامة بها.
كل ما سبق يؤدي لرفع الغطاء الشعبي عن المعارضة الهدامة؛ مما يحرجها ويسهل تطبيق القانون عليها إذا خرجت عليه.
5- تمكين الرئاسة والحكومة من مصارحة المجتمع بحقيقة الحالة الاقتصادية للبلاد؛ مما يجعل الشعب يصبر ويتعاون مع الدولة وتقل الاضطرابات والاعتصامات، ويسود الأمن وتتحرك عجلة الإنتاج.
6- إذا حدث نجاح كان هذا محفزًا للجميع للعمل والمضي قدمًا مع التعاون والتكاتف بين القوى الوطنية، وفي الوقت نفسه ينسب النجاح أول ما ينسب للإسلاميين.
7- إذا حدث إخفاق فإنه حينئذ لن ينسب للإسلاميين وحدهم لأنهم لم ينفردوا بالأمر، وإنما كانت المسؤولية مشتركة فلا يتضرر مستقبل المشروع الإسلامي بنسبة الفشل إليه.
مواقف وطنية لحزب النور
•من أجل هذا كان الموقف المشهور لحزب النور في أول يوم في مجلس الشعب 2012 حين سحب أعضاءه من انتخابات اللجان حتى يتم الجلوس مع كل القوى السياسية المشاركة في المجلس؛ لتشارك في مكاتب اللجان لتتم الاستفادة من جميع كفاءات المجلس، وهذا الموقف يشهد الجميع به لحزب النور «من أول يوم سياسة كما يحلو للبعض أن يقول».
•ومن أجل هذا أيضا اعترض حزب النور على سحب الثقة من حكومة الدكتور الجنزوري، وعرض مبادرة بتعديلات عليها لمنع الصراع مع مؤسسات الدولة في هذا الوقت الحرج، ولأن الانتخابات الرئاسية كانت على الأبواب والدخول في صراع كهذا كان سيعرقل المسيرة، خصوصا أنه في حال سحب الثقة من الحكومة كان الإخوان سيصممون على تشكيل حكومة على طريقتهم التي لا تراعي توسيع دائرة تحمل المسؤولية ؛ ما يجعل الحكومة تنسب إلى التيار الإسلامي؛ وهذا يعطي انطباعا للكافة عن التيار الإسلامي أن قضيته الأولى والأخيرة هي الاستحواذ على كل شيء (البرلمان، ثم الحكومة، ثم هو يستعد للرئاسة أيضا).
•ومن أجل هذا أيضا كانت رؤية حزب النور في اختيار المرشح للرئاسة أن يكون أقرب إلى التوافقية منه إلى الانتماء التنظيمي للإخوان أو لغيرهم؛ ولذلك وقع الاختيار على الدكتور أبو الفتوح لأننا وجدنا أنه يجمع أطيافا من القوى الثورية والوطنية حوله، وفي نفس الوقت يلتف حوله أطياف من التيار الإسلامي.
وحين جاءت الإعادة بين الدكتور مرسي والفريق شفيق كان الاختيار دعم الدكتور مرسى لكن بشروط سيأتي ذكرها، وعلى رأسها توسيع دائرة تحمل المسؤولية وإشراك الجميع في العملية السياسية.
•انفراد الإخوان برؤيتهم وعدم الوفاء بوعودهم:
لكن ما حدث في الواقع هو انفراد الإخوان برؤيتهم في إدارة الدولة بعد نجاح د. مرسي، مع أن الاتفاق في أثناء حملة الإعادة -والذي كان بينهم وبين الحليف الذي كان سببًا رئيسا في نجاحهم- (حزب النور)فكان الاتفاق على الرؤية الجماعية لا الرؤية الفردية، كما أنه كان هناك وعد واتفاق آخر مع القوى السياسية في فندق «فيرمونت» على أن إدارة الدولة تقوم على (المشاركة لا المغالبة)، ووعد واتفاق ثالث مع مؤسسات الدولة متمثلة في المجلس العسكري على أن تكون الحكومة حكومة معايير؛ إلا أن هذا لم يتم في تشكيل الوزارة التي كان مقترح حزب النور في تشكيلها كالتالي :
رئيس الوزراء يكون :
أ- شخصية لها تاريخ سياسي قوي.
ب- أن تتوافق عليها أغلب القوى الوطنية وهذا يؤدي إلى التضامن في تحمل المسؤولية مع رئيس الدولة؛ مما يرفع العبء عن الرئيس الإسلامي الذي نريد أن نحافظ عليه بأن تتعلق المسؤولية أمام الشعب برئيس الحكومة الذي تثق فيه القوى الوطنية؛وبالتالي يثق فيه الشعب.
التشكيل الوزاري يكون بالخطوات التالي:
أ- اجتماع القوى الوطنية السياسية للتوافق حول المعايير التي يتم على أساسها التشكيل، سواء كانت حكومة تكنوقراط أو محاصصة بالكفاءات، أو مجرد تمثيل القوى الوطنية بدون محاصصة ، وكذلك المعايير التي تتعلق باختيار المحافظين ونوابهم.
ب- الترشيحات بحيث تتقدم كل القوى السياسية الوطنية بمن تراه يصلح لشغل المناصب سواء وزراء أو مساعديهم أو محافظين أو نوابهم.
ج- التشكيل النهائي والتسكين بحيث يجتمع مندوبون عن القوى السياسية ويقسموا المرشحين جميعًا حسب تخصصاتهم واختيار الأكفأ لكل وزارة والمساعدين فيها، وكذلك المحافظين ونوابهم؛ وفي هذه الحالة سيتم استيعاب الكفاءات المنتمية لمعظم القوى السياسية الوطنية؛ ما يجعل الجميع يشعر بالمسؤولية ويعمل على إنجاح المهمة.
نعم، هناك من لا يعجبه العجب من المعارضة الهدامة التي لا تريد للدولة أن تنجح، لكن هؤلاء قلة قليلة وهذا الائتلاف سيحرجهم ويضيق الدائرة التي يتحركون عليها.
لكن الذي حدث في الواقع خلاف ذلك؛ حيث انفرد فصيل واحد بتحمل المسؤولية فقام بتشكيل الحكومة برؤيته الخاصة حتى لو كان كثير من الوزراء في التشكيل الوزاري الأول لا ينتمون لهذا الفصيل.
إلا أن هذه الطريقة في التشكيل التي تبناها فصيل الإخوان كانت عن طريق التواصل الفردي المباشر مع أفراد هؤلاء الوزراء، لا بالتنسيق مع القوى الوطنية والسياسية الأخرى؛ ما زرع الشك والريبة عند القوى الوطنية في هذا التشكيل الذي كان تحت قيادة رئيس حكومة لا تنطبق عليه المعايير التي ذكرناها؛ مما جعل هذه الحكومة في نظر القوى السياسية والشعبية أضعف من المرحلة؛ وهذا بدوره يحرج الإسلاميين والمشروع الإسلامي برمته.
ولأنه بهذه الطريقة سوف يتم إقصاء الكفاءات والقوى السياسية الوطنية؛ ما يجعل المسؤولية كاملة على الإسلاميين في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد التي يتربص بها أعداؤها في الداخل والخارج، والتي لا تفي موارد الدولة بالمطالب الشعبية الهائلة- ما يجعل أي إخفاق ينسب للمشروع الإسلامي؛ وهذا يهدد المشروع برمته. فكان لابد لحزب النور أن يعلن انسحابه من تحمل مسؤولية التشكيل الوزاري حفاظًا علي مستقبل المشروع الإسلامي؛ لأنه تيقن أن التصميم على الانفراد بالرؤية سيقود بلا شك إلى الفشل ولو بعد حين، وسينسب الفشل للمشروع الإسلامي.
لكن مع الانسحاب من الوزارة لم ينقطع التواصل لتقديم النصيحة الواجبة في كل موقف بما يليق به وما يتناسب معه.
وتلحظ هنا أن الانسحاب لم يكن بسبب الكعكة كما يروج البعض، وإنما كان ذلك بسبب رؤية (إصلاحية تحافظ على استقرار البلاد ومستقبل المشروع الإسلامي).
• حركة المحافظين والقيادات التنفيذية في الدولة:
ومع انسحاب الحليف الأكبر للإخوان من الوزارة لم يكترثوا لهذا الأمر ويراعوا رؤية ذلك الحليف عند قيامهم بحركة المحافظين فيوسعوا دائرة تحمل المسؤولية لاستيعاب ما تباعد عنهم من القوى السياسية الوطنية بسبب طريقة تشكيل الوزارة، وإنما ساروا في نفس الاتجاه، بل صار الأمر أكثر عمقًا فكان الاختيار في المناصب المؤثرة في مفاصل الدولة علي أساس الثقة والانتماء للإخوان، لا على أساس الكفاءة في نسبة كبيرة من هذا؛ ما جعل شعورًا عامًا يسود على المستوى القوى السياسية وعلى مستوى الكفاءات الكبرى وعلى مستوى أغلب الجهاز التنفيذي في الدولة أن هذا النظام، فكل من لا ينتمي للإخوان من الكفاءات صار عنده شعور أنه لن يأخذ حقه من العدل بحيث يقوم بدوره اللائق به في بناء الدولة.
وترك هؤلاء لضغوط وألاعيب بقايا الفلول (الجانب السيئ منهم)، والإعلام والمعارضة الهدامة؛ ليضطروا في النهاية للانضمام إليهم بسبب اليأس والإحباط؛ حتى وصل الأمر إلى أن تمنى الكثير منهم فشل هذا النظام، وكان من الممكن تفادي كل هذا بمراعاة أمور:
1 – توسيع دائرة تحمل المسؤولية.
2 – تقدم الكفاءات واستيعاب الطاقات؛ ليشارك الجميع في البناء ولا يشعر أحد بإقصاء.
3- التريث في التعامل مع مؤسسات الدولة وعدم تفجيرها من الداخل بالتغيرات الحادة في مكوناتها الداخلية؛ لتقديم الثقات، وكذلك عدم الصدام معها حتى تتكامل مؤسسات الدولة ولا تتصارع.
إلا أن الإخوان وقعوا في عكس هذا تماما فقدموا الولاء على الكفاءة بصورة لا تخلو محافظة أو مركز أو قسم من دلائل واضحة عليها.
«فمن مدرس إلى رئيس مدينة مباشرة أو نائب له، ومن عائد من الخارج بإمكانيات محدودة إلى مستشار محافظ، ومن رجل عادى لم يحصل على مؤهلات علمية عليا ولا هو موظف تدرج في المناصب الإدارية/ ولا هو صاحب نجاحات ملموسة في أعمال حرة تشعر بكفاءته إلى منصب كبير في الحكومة».
هذه الطريقة أعطت رسالة واضحة للجميع مفادها (إذا كنت إخوانيا أو مواليا للإخوان فاطمئن مستقبلك مشرق، وإن لم تكن كذلك فلا مستقبل لك)؛ وهذا أدى إلى أمور خطيرة منها:
أ- أنه جعل الوصوليين يسارعون إلى إعلان الولاء للإخوان ويتزلفون إليهم، وهم أضر ما يكون على البلاد عامة، وعلى من يتزلفون إليهم خاصة .
ب- جعل الكفاءات المحترمة تشعر بالإحباط واليأس من أن يكون لها دور في بناء وطنها والاستفادة من كفاءتها، بل ومن كان في موقع المسؤولية منهم بدأ يشعر بدنو أجل بقائه فيها؛ حيث تم استجلاب مزاحم له في تلك المسؤولية في المكتب المجاور له، وبدأت الاختصاصات تسحب منه شيئا فشيئا؛ مما جعل الجهاز الإداري والتنفيذي في الدولة مسرحا لصراعات ومكائد كانت البلاد في هذا التوقيت في غنى عنها، بل أدى هذا إلى الشلل التدريجي للجهاز الإداري في الدولة .
ولم يكتف الإخوان بهذا، بل فتحوا جبهات صراع جديدة مع مؤسسات الدولة حتى الأزهر لم يسلم من ذلك الصراع، وكل هذا بحجة الإصلاح! وكأن الإصلاح لن يحدث إلا إذا كان الولاء هو الأصل في غالب القيادات مهما كلف هذا الأمر من خسائر في المجتمع ونظرته إلى الإسلاميين والمشروع الإسلامي.
هذه الطريقة تتسق مع فلسفة جماعة الإخوان ومنهجهم في التغيير، وهو التغيير من القمة، وهو يختلف عن منهج الدعوة السلفية في الإصلاح والتغيير؛ فإن الدعوة السلفية تتبنى الإصلاح من القاعدة. وكلا المنهجين له لوازمه التي لا تنفك عنه.
(يتبع)