آخر تحديث :الإثنين-13 مايو 2024-08:30ص

أدب وثقافة


في أرخبيلات الشاعرة عائشة المحرابي .. كيف يُروض الحنين ؟

الأحد - 31 يوليه 2016 - 04:18 م بتوقيت عدن

في أرخبيلات الشاعرة عائشة المحرابي .. كيف يُروض الحنين ؟

كتب / شوقي عوض

تبقى قصيدة الشاعرة عائشة المحرابي النثرية المشبعة في ريادة القصيدة النثرية المعاصرة باليمن والحاضرة في مستقبل قصيدة النثر بالشعرية العربية المعاصرة والحداثية، فمنذ صدور ديوانها الأول (سيّد المساء) عام 2013م وديوانها الثاني (وتنفس الأقحوان) عام 2014م.

نلاحظ ان طبيعة العلاقة التعالقية والنفسية والقائمة على التأثير في بنية العمل الابداعي والتجربة الابداعية والسياقات النصية قد اتخذت لها مسارات متعددة وذلك ضمن هوية محددة ومن خلال العنوان نظراً لما يكتسبه العنوان من دلالات نفسية ورمزية وقيمة فكرية محورية في السياق النصي للقصيدة والتجربة الشعرية الابداعية للشاعرة عائشة المحرابي، والتي تتجدد وتتوالد في خلق الاشياء الجديدة من المفردات النثرية والتي تحفز على الوجود الانساني وتجعله قريباً منّا وفي المتناول الحسّي باعتباره حدثاً متجددا في اقامته المدهشة وفاعليته المليئة بالذاكرة الجغرافية والزمكانية والقصيدة وهذا اللون من فنون الشعر وهذه القصيدة النثرية والتي تسعى الشاعرة عائشة المحرابي جاهدة الى ايصالها للقارئ في نسق سيمفوني متكامل يمنياً وعربياً وذلك ضمن معادلة لغوية نثرية متوازية في متون الشعر والنثر وتجانس الالوان الابداعية الاخرى

باعتبارها تشكل منهجاً في السياق الدلالي والرمزي بالحداثة الشعرية وكذلك بوصفها تشكل معرفة ونوراً واستقراءً لحداثية معاصرة متجانسة ومتناغمة، والمتمثل بعمق التجربة الشعرية من الاخيلة والمفردات والتجارب الانسانية.

كما ان الشاعرة عائشة المحرابي تجيد التعامل مع اللغة وتوظيف الموروث الثقافي والاجتماعي الابداعي والتي فيها تصير التداعيات من الرموز من التاريخ والميثولوجيا الى ايقاعات سيمفونية متماهية مع الطموحات من المتغيرات في الحياة والاحلام الانسانية .. الخ.

لهذا نجدها تقول، في مقطع من قصيدة بعنوان (نسمة الامس):

أحقاً كان حباً مشهوداً

راقصته افراحي

توافدت عليه امنياتي

ترنمت به نجماتي

على ايقاع نبضنا

سابقت به احلامي اليه

داويت به قسوة ايامي

ااه ما أعذبه!!.

 

وفي مقطع آخر تقول:

زرعنا في ظلال العمر فجراً

بنينا من رمال الحزن قصراً

صعدنا به لصدر السماء

احقاً كان حباً

لا سراباً؟  !

فيما تقول في احد المقاطع من قصيدة (الغد اجمل):

انا يا سيدي

انشودة حزن ترتلها السماء

فترتدي ثوب الفرح

لا أتجمل بمساحيق الكذب

سأظل مؤمنة

بأن الغد اجمل!

وفي مقاطع اخرى تقول:

يا كلي انا

قل لي كيف يُروض الحنين؟

وتقول ايضا:

و يشتاقك النبض

فيسقط مغشياً عليه من الحنين

وكذلك في موضوع آخر تقول:

يخترقني العتاب

ويسري في عروقي

فيبتلعني الملح

ويمشي الهوينى في أضلعي

يتسلى بتمزيق الروح

ويهتف فرحاً

انا الحياة..

فلعل من يقف ويتأمل المضمون العام لقصائد الشاعرة عائشة المحرابي ويقرأ عناوين دواوينها الثلاثة ابتداء من (سيّد المساء)، (تنفس الاقحوان)، (كيف يُروض الحنين) ..سيجد بأنها تهتم بالعنوان اهتماما كبيراً ومتمايزا، في هذا الاتجاه والاختيار الجميل والموفق.. أي بمعنى اخر قد استطاعت ومن خلال اتخاذها لهذه العناوين ان تضعنا امام كائناتها الحيّة من المحسوسات فأصبحنا نقرأ رواياتها وتجسيداتها من خلال التشبيهات بصورة حيّة ودقيقة تعكس وقائع الحياة اليومية وأنظارها المتبلورة في الاحساس العاطفي والمعادلة المنطقية الفلسفية واللغوية والتنويعات المموسقة ذات الايقاع الداخلي السيمفوني والذي يخدم الفكرة في القصيدة النثرية وفكرة الشاعرة عائشة المحرابي، لهذا نجدها تقول:

غريب هذا الزمان

يرتدي ثوب الشحوب

وعلى رأسه عمامة الهذيان.. الخ.

اذاً وعلى هذا الاساس وكما يبدو بأن الشاعرة عائشة المحرابي قد اشتغلت على رؤية شعرية خاصة مكنتها من معرفة ادواتها النثرية الخاصة بها والتي تعتمد على التقنية في تراسل الحواس وفي بناء صورها الشعرية والنثرية، ففي قصائدها نشعر بالتعايش الشعري والاحساس المستمر بالمعاناة الانسانية وقهقهات الاحلام المهووسة في النفس البشرية التي تجعل من مفردات لغتها الشعرية والنثرية اداة دلالية في التخاطب الشعري، بل ووسيلة اتصال بالواقع الدلالي المرموز الى الواقع المحسوس من الاشياء والذي ومن خلاله تشير الى كل التفاصيل الشعرية وذلك وفقاً لرؤى فلسفية وشعرية جمالية وفنية.. الخ.

وغني عن البيان ان قصيدة الشاعرة عائشة المحرابي تمثل خطا فاصلاً بين ما يمكن التحقق من صوابه وتحقيقه، حيث تضعنا الشاعرة المحرابي امام هذه المتخيلة من الرؤى الاستشرافية والاحلام الواقعية وتربطنا بها ارتباطاً وثيقاً يعزز من التطور الجمالي والفلسفي وفي التحليل المعرفي والانساني عند مشاهدتنا لهذه الاشياء من المحسوسات وادراكنا لها وقراءتها، وفي استخدامها اللغوي عند رسم تلك الكلمات النثرية وما يترتب عليها من تأثير لدى القارئ.

بقي ان نشير الى ان عنوان الديوان (كيف يُروض الحنين) يشكل اختراقاً جمالياً في منطقه اللغوي وشفافيته المدهشة والتي تتشكل في مساقها الفني وتتجه وبتركيز الى التجليات الشعرية.. حيث تتجلى الحركة الدائبة للنص الشعري وسيميائية العنوان المفتوح في اطار النص الابداعي الشعري، الذي يمنح قارئه طقساً نفسياً خاصاً وانسانياً، ومن خلاله تتفجر الطاقة الشعرية في جسد النص والعنوان معاً وتبحر بنا الشاعرة عائشة المحرابي الى غايتها.

 

الخلاصة:

عند قراءتنا لقصائد الشاعرة عائشة المحرابي نلحظ ما يلي المتأمل من المتخيّل الشعري الفلسفي والجمالي الملتهب في كائنات الحياة بالشعر والبوح الاسترجاعي لأعماق النفس البشرية، كما اننا نجد عشقاً في قصائدها وابداعاتها الشعرية النثرية لكل ما هو جوهري واساسي في الشعر والنثر وفي الفن والجمال والحياة البشرية .

ففي (كيف يروض الحنين) مثلاً نحسّ بالمعنى الايجابي لهذا الترويض في كيفية تحويل عذابات الشوق الى مسوغات شعرية ايجابية وانسانية كبيرة حيّة ضمن سيرورة التأقلم الابداعي في اطار الشعر المتناغم وهذه الجراحات المسكونة في دواخلنا، كما نحسّ بحرارة التعايش في الاحساس الشعري المستمر في قهقهات الشعر في الالم مع الزمن والمعاناة الانسانية المستمرة على وجوه البشر.. اينما كانوا في هذه الارض وفي هذا الكون .

ومن المفيد جداً الاشارة الى ان ما تتسم به قصائد الشاعرة عائشة المحرابي وقصيدتها النثرية هو قيمة الاحساس بالزمن الشعري وتمتعها بلذة التذوق الجمالي والفني والبصري والحذق الشعري في هندسة التوظيف لكيمياء اللغة الشعرية في النثر الشعري وفنون الشعر المختلفة، حيث تكتب الشاعرة عائشة المحرابي قصائدها المسكونة في نسق من الوعي الاجتماعي والثقافي وبوحي من وجع الانتماء بالقصيدة النثرية المبتهجة بالمفارقات العجيبة في دوران الحياة والكون وذلك ضمن سيرورة شعرية نثرية خاصة بها في ذلك تريد ان تحرك فينا كوامن ذكريات الحنين وتروض الشوق في وجداننا الشعري المعاصر وذلك وفقاً لكيمياء النثر بالشعر الهامس في طفولة احلامها وآلامها حين تعرضنا على الاسئلة وتدفعنا الى التأمل الشعري.