آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-01:29م

دولية وعالمية


حسابات نتنياهو: تعيين ليبرمان.. رسالة للسيسي أم الداخل الإسرائيلي؟

الأربعاء - 08 يونيو 2016 - 10:48 م بتوقيت عدن

حسابات نتنياهو: تعيين ليبرمان.. رسالة للسيسي أم الداخل الإسرائيلي؟

سعيد عكاشة

صاحبت دعوةُ الرئيس عبدالفتاح السيسي في شهر مايو 2016 لدفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، توقعات بأن تتجاوب إسرائيل مع هذه الدعوة بخطوات إيجابية، أقلها دفع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لتوسيع ائتلافه بضم المعسكر الصهيوني "تحالف حزب العمل مع حزب هتنوعاه"، على أساس أن هذه الخطوة ستعني إدخال كتلة أبدت تجاوبًا قبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة مع الأفكار الخاصة باستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين، وفقًا للمبادرة العربية التي تبنتها القمة العربية عام ٢٠٠٢، والتي تقدم السلام والتطبيع الكامل مع إسرائيل في مقابل الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧.

المفاجأة أن رد نتنياهو على دعوة الرئيس السيسي جاء صادمًا كما رأى البعض في إسرائيل. فقد كتب باراك رابيد في "هآرتس" (١ يونيو) الجاري قائلا: "قبل أسبوعين كانت دعوة الرئيس السيسي هي المحفز لانضمام إسحق هرتسوغ والمعسكر الصهيوني إلى الحكومة. وكان المطلوب من نتنياهو إصدار تصريح إيجابي حول مبادرة السلام العربية، وتشكيل حكومة معتدلة أكثر، والقيام بخطوات مثل: تجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية، والقيام بخطوات حُسن نية حقيقية للفلسطينيين؛ إلا أن نتنياهو تملّص في اللحظة الأخيرة، وغير الاتجاه، وفضل ضم ليبرمان إلى الحكومة. وقد حاول نتنياهو مؤخرًا إقناع الرئيس المصري بأن استبدال هرتسوغ بليبرمان لا يعني تراجعه عن التزامه.

تشاؤم مبرر:

لا تحتفظ الذاكرة المصرية والعربية لليبرمان بأية تصريحات إيجابية، بدءًا من تهديده عندما كان في المعارضة منذ عدة سنوات بأن إسرائيل لديها خيار ضرب السد العالي في مصر، أو تصريحاته الداعية إلى الترانسفير للفلسطينيين لمواجهة سياسات حماس والسلطة في غزة والضفة الغربية والمشجعة على شن العمليات الانتحارية داخل الخط الأخضر (حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧).  أضف لذلك، دعم ليبرمان للقوانين العنصرية ضد عرب ٤٨ وآخرها قانون القومية الذي يدعو إلى الاعتراف من جانب الفلسطينيين بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي.

ومن غير المتصور أن يتحول ليبرمان إلى رجل سلام منقلبًا على تاريخه كله، كما أنه يقود حزبًا يمينيًّا متطرفًا لا تكمن قوته في تمثيله لليهود من أصول روسية، بل من كونه حزبًا يؤيد سياسة الاستيطان والترانسفير التي تحظى بتأييد جمهور اليمين المتطرف بشقيه العلماني والديني.

أما من يحاولون تخفيف التشاؤم في إسرائيل والعالم العربي من تعيين ليبرمان كوزير للدفاع بالقول بأن اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة مناحم بيجِن هو الذي وقّع مع مصر معاهدة كامب ديفيد عام ١٩٧٨، وإن آرئيل شارون الذي كان وزيرًا في حكومة بيجِن في ذلك الوقت (قاد الحكومة بعد ذلك عدة مرات حتى وقوعه في غيبوبة أدت إلى وفاته قبل عامين) هو الذي قام بنفسه بقيادة البلدوزر الذي دمر مستعمرة ياميت في سيناء حتى لا تكون عقبة في طريق توقيع اتفاق السلام مع مصر.

من يحاولون تبني هذا المنطق قد يكونون على حق؛ فعلى الرغم من المواقف المتشددة لصقور اليمين في إسرائيل، فإن عوامل الضغط الداخلية والخارجية في اتجاه تسوية تاريخية مع العالم العربي قد يؤدي إلى تغيير مواقفها، فهل يكون ليبرمان هو الطبعة المعاصرة من آرئيل شارون؟.

دوافع نتنياهو لتعيين ليبرمان:

ليس من المرجح أن يكون تعيين ليبرمان في منصبه الجديد جاء كرد على مبادرة الرئيس السيسي؛ بل لأسباب أخرى تتعلق بوضع الائتلاف الحاكم الذي يقوده نتنياهو، ويُعاني من تهديد مستمر بالتفكك بسبب اعتماده على أقلية يمينية ضيقة تملك واحدًا وستين مقعدًا في الكنيست فقط، خاصةً مع تهديدات أطلقها حزب البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينت باستعداده لمغادرة الائتلاف وإسقاط الحكومة ما لم يستجب نتنياهو لمطالبه الخاصة بتعيين سكرتير عسكري لكل عضو من أعضاء المجلس الوزاري المصغر (الذي يضم رؤساء الأحزاب المشاركة في الائتلاف ووزراء الحقائب السيادية وعددهم عشرة أعضاء حاليًّا). كما كان الحزب يرفض ضم المعسكر الصهيوني إلى الائتلاف، وكذلك كان وما يزال يرفض حل الدولتين الذي يقبل به نتنياهو نظريًّا حتى الآن.

ويعني ذلك كله أن بينت الذي يمتلك حزبه ثمانية مقاعد بالكنيست بوسعه إسقاط الحكومة إذا ما قرر ترك الائتلاف لأيٍّ من الأسباب السابقة، وهو ما يضع نتنياهو تحت ضغط مستمر للحفاظ على الائتلاف، ومن ثم، فإن محاولاته إدخال المعسكر الصهيوني أو "إسرائيل بيتينو" إلى الائتلاف يمكن تفسيرها بأنها محاولة لتقليل ابتزاز البيت اليهودي بالدرجة الأولى وليس التخلص منه نهائيًّا.

وقد أكد ذلك أحد الوزراء المنتمين لليكود لصحيفة "هآرتس" في (٤ مايو) الماضي (لم تذكر الصحيفة اسمه) بقوله: "إن حقيبة القضاء التي يتولاها البيت اليهودي مطروحة على الطاولة، وسيضطر كل حزب في الائتلاف إلى التخلي عن بعض الحقائب لصالح توسيعه، وإن نتنياهو يعتقد أنه إذا لم يتم توسيع الائتلاف الحكومي قبل نهاية العطلة الحالية للكنيست؛ فإن الحكومة معرضة للتفكك، وقال إن نتنياهو يعتقد أن من الصعب مواصلة تفعيل ائتلاف يقوم على 61 نائبًا فقط".

ليبرمان ومستقبل التسوية:

على الرغم من أن أولوية نتنياهو -كما ذكرنا- كانت تقوية الائتلاف، ومواجهة ابتزاز حزب البيت اليهودي له؛ فإن دخول ليبرمان إلى الحكومة في وقت لا يملك فيه حزبه حاليًّا سوى خمسة مقاعد بالكنيست بما يرفع قوة الائتلاف إلى ٦٦ مقعدًا - لن يُمكِّن نتنياهو من الحفاظ على الائتلاف في حالة قرر البيت اليهودي (له حاليًّا سبعة نواب بالكنيست) الخروج منه، وإن كان يقلل من قدرة هذا الحزب على تشديد ضغوطه وابتزازه لرئيس الحكومة في الوقت الراهن.

على جانب آخر، لم تغلق نافذة الفرص لضم المعسكر الصهيوني للائتلاف مستقبلا لتقوية جبهة التفاوض مع العرب إذا ما تفاعلت إسرائيل مع دعوة الرئيس السيسي لاستئناف التسوية على أساس المبادرة العربية. إذ يدعم المعسكر الصهيوني هذه الفكرة، كما أن ليبرمان صرح بعد تعيينه كوزير للدفاع بأنه يرى في المبادرة العربية جوانب إيجابية، وأنه يثمن دعوة الرئيس السيسي، ويتمنى أن تنجح في تحقيق السلام النهائي بين العرب وإسرائيل.

وبرغم أن الكثير من المحللين في إسرائيل وخارجها رأوا في تصريحات نتنياهو وليبرمان عن المبادرة العربية مجرد مناورة لتجنيب إسرائيل الضغوطات المنتظرة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية للتوقف عن سياسة الاستيطان وتعطيل عملية السلام مع الفلسطينيين - فإن الشعور السائد في تل أبيب حاليًّا أن فرصة التسوية الشاملة مع العرب تبدو أقرب من أي وقت مضي، وأن إضاعة هذه الفرصة قد تُكلف إسرائيل غاليًا.

كما أن السوابق تُشير إلى أن الرأي العام الداعم للسلام مع العرب يزداد قوة عندما تلوح فرصة تاريخية للتسوية مثلما حدث عندما أرغم الرأي العام الإسرائيلي رئيس الحكومة الأسبق مناحم بيجِن على التجاوب مع مبادرة الرئيس السادات عام ١٩٧٧ بالمخالفة لكل التوقعات التي اعتبرت أن أيديولوجيا الليكود وشخصية بيجِن ذاتها لن تمكنه من اغتنام فرصة السلام التي دعت لها مصر في ذلك الوقت.

بمعنى أكثر وضوحًا، ليس من الضرورة أن تتحكم تصريحات ليبرمان المتطرفة في السابق في مواقفه المستقبلية، ولكن تظل فرص تحقيق السلام وفقًا للمبادرة العربية مرهونة بعناصر عديدة أخرى إقليميًّا ودوليًّا. كما أن سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية، والدعوة إلى انتخابات مبكرة؛ لن يغير في الأغلب من واقع استمرار قوة اليمين الإسرائيلي؛ حيث تشير المقارنة بين نتائج الانتخابات في مارس من العام الماضي وبين الاستطلاعات الحالية إلى ذلك بوضوح.

احتمالات الانتخابات المقبلة:

في الانتخابات التي أُجريت في مارس من العام الماضي جاءت النتائج على الصورة التالية: الليكود (٣٠)، المعسكر الصهيوني (٢٤)، القائمة العربية المشتركة (١٣)، يش عتيد (١١)، كولانو (١٠)، البيت اليهودي (٨)، يسرائيل بيتينو (٦)، شاس (٧)، التوراة اليهودية الموحدة (٦)، ميريتس (٥).

في المقابل نشرت صحيفة "معاريف" في ١٧ مايو الماضي استطلاعًا عن نتائج الانتخابات المُحتملة إذا ما أُجريت اليوم وكانت النتائج على الصورة التالية: حزب الليكود 27 مقعدًا، يوجد مستقبل 18 مقعدًا، المعسكر الصهيوني 17 مقعدًا (له ٢٤ مقعدًا حاليًّا)، القائمة المشتركة 13 مقعدًا، البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينت 10 مقاعد، إسرائيل بيتنا 9 مقاعد، كولانو بزعامة موشيه كحلون 7 مقاعد، يهودات هتوراة 7 مقاعد، حركة شاس 6 مقاعد، حزب ميرتس اليساري 6 مقاعد.

أي أن احتمالات عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة تظل كبيرة للغاية، ومن ثمَّ لا يجب الدفع في اتجاه أن إسقاط الحكومة الحالية التي يتولى فيها ليبرمان وزارة الدفاع هو أمر مفيد لمستقبل التسوية، فليست المعضلة في ليبرمان بقدر ما هي في ترتيبات إقليمية يجري بناؤها بحذر من أجل أن تكون بداية التغيير الكبرى في سياسات الشرق الأوسط هو تحالف واسع لدعم تسوية نهائية للصراع العربي الإسرائيلي.