آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-01:25ص

ملفات وتحقيقات


مهربون ينقلونهم عبر البحر ومحظوظ من يصل إلى البر سالماً.. المرتزقة في اليمن الطريق إلى المتمـردين وتنظيم القاعدة

الأحد - 29 مايو 2016 - 12:13 م بتوقيت عدن

مهربون ينقلونهم عبر البحر ومحظوظ من يصل إلى البر سالماً.. المرتزقة في اليمن الطريق إلى المتمـردين وتنظيم القاعدة

صالح أبو عوذل (عدن)

بالقرب من حاجز أمني في بلدة رأس عمران غرب مدينة عدن وقف ثلاثة من المهاجرين المرتزقة يلوحون للمركبات المارة، بأيديهم، طلباً لمياه الشرب بعد أن اشتد بهم العطش، جراء رحلتهم الطويلة والشاقة قاطعين المياه الدولية في الطريق إلى اليمن المضطرب إثر الحرب التي افتعلها الحوثيون وحليفهم المخلوع صالح لصالح إيران، وكذا جماعة القاعدة الإرهابية المدعومة من جماعة الإخوان المسلمين.. حسب اتهامات حكومية.

يقول صلاح البجيري، وهو جندي في الجيش الوطني يرابط في الحاجز الأمني «نرابط في هذه الحاجز بشكل دائم، ونشاهد هؤلاء المرتزقة يمرون كل يوم من هنا في الطريق صوب العاصمة عدن».

خلال الشهر الماضي، قدر صلاح عدد المرتزقة الذين دخلوا عن طريق باب ميناء باب المندب بنحو 2000 مهاجر».

لكن هناك موانئ أخرى في أبين وشبوة وحضرموت، يجد المهاجرون المرتزقة فيها طريقاً للوصول لليابسة في اليمن.

فعلى طول الطريق الرابطة بين باب المندب وعدن يسير كل يوم العشرات من المرتزقة في هجرة غير شرعية إلى جنوب اليمن.

تزايد الهجرة يضاعف المخاوف

عند حاجز أمني في رأس عمران ، يرابط الجندي صلاح البجيري في الـ 25 من عمره سألته عن وجهة هؤلاء المرتزقة قال «يمرون من هناك كل يوم بالعشرات، الذين مروا خلال الشهرين الماضيين يفوق الألفين مهاجر، ليس لدينا تعليمات بإيقافهم، وحتى إن كانت لدينا تعليمات، فهناك ساحل طويل وصحراء واسعة يمكن أن يمروا منها إلى أن يصلوا عدن».

وقال البجيري «ذات مرة سألت أحدهم أين ذاهب، فأجابني «ذمار»، وهو على ما يبدو أنهم ذاهبون نحو محافظة ذمار اليمنية».


المد عبر دخول المئات من المرتزقة بشكل يومي إلى البلد زاد من مخاوف السلطات المحلية في محافظات الجنوب المحررة، من أن يكون هؤلاء وقود حرب قادمة في ظل إصرار القوى المتحالفة مع طهران على القتال، ورفضها للحلول التي يطرحها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في مباحثات الكويت، التي يقول مراقبون إنها لم تحرز أي تقدم في سبيل وقف الحرب الدموية.

دخول المرتزقة اليمن

يعود تاريخ دخول المرتزقة إلى اليمن عقب الحرب الأهلية في الصومال، لكن منظمات اللجوء فتحت لهم مخيمات في بلدة جحين بأبين وخرز في لحج، لكنهم سرعان ما انتشروا في عموم مدن اليمن الجنوبية والشمالية، طلباً للعمل والتسول للنساء والأطفال، لكن ونتيجة لضعف وهشاشة نظام صنعاء القديم سهل على المهاجرين المرتزقة الدخول إلى البلاد دون حسيب أو رقيب، والبعض منهم حصل على الجنسية اليمنية، من مراكز صرف الهويات، خلال حكم الرئيس صالح.

اليمن بوابة عبور

ويشرح المحلل العسكري والإستراتيجي العميد فيصل حلبوب، بداية وعوامل الهجرة إلى اليمني، حيث قال إن «عام 1990م يعد هذا العام عام النكبة بالنسبة لليمن الجنوبي الذي دخل في وحدة غير متكافئة مع اليمني الشمالي، انقلبت فيها موازين القوى والسيطرة للشمال على الجنوب، هذا الجنوب الذي كان يسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ذات دولة لها قوانين وأنظمة وعدالة ومساواة بين المواطنين ولها جيش قوي يمتلك القدرة للدفاع عن أراضيه ومياهه الإقليمية وحدوده البرية وأجوائه بشكل عام، عكس الشمال الذي لا يمتلك جيشا منظما ولا اقتصادا منظما ولا إدارة فعالة، ولا حتى عدالة اجتماعية، فبعد الوحدة وإدماج الدولتين في دولة تم إهمال الجيش والأمن، وحدث الترهل في حالة الحماية البحرية، وأصبحت المياه الإقليمية اليمنية بدون تأمين أتاح المجال أمام الشركات العالمية للاصطياد البحري باختراق مياه الجنوب الغنية بالأسماك، وقامت هذه الشركات بنهب وجرف مزارع الأسماك دون حسيب أو رقيب، وأصبحت بحار اليمن وكالة بدون بواب، في نفس العام 1990م حدثت النكبة لشعب الصومال والذي ما زال يعاني منها هذا الشعب حتى اليوم، وهي إطاحة حكومته الوطنية وتمزق شرائح المجتمع الصومالي، وظهور أمراء الحروب والتنظيمات الجهادية التي ما زالت تتصارع فيما بينها حتى اليوم، فرض على شعب الصومال النزوح ومغادرة ارضه بحثاً عن السلام والأمن، ولم يكن أمام هذا الشعب سوى اليمن، وهي الأقرب إليه، فبدأت موجات الهجرة والنزوح الجماعي والفردي إلى سواحل عدن والحديدة».

اليمن تشكل ترانزيت لانتقال المرتزقة إلى دول الجوار

وأضاف العميد حلوب لـ «الاتحاد» في ظل تراخي دولة اليمن وعدم حمايتها لمياهها الإقليمية وسواحلها، فتح الباب على مصراعيه ليس للنازحين الصومال فحسب ولكن انفتح الباب للهجرات من عدة دول منها أثيوبيا وأرتيريا وكينيا والسنغال، البعض منهم من كان مبتغاه اليمن وعدن، والبعض الآخر اعتبر سواحل اليمن والجنوب ترانزيت للانتقال منها إلى بلدان الخليج والسعودية، وهكذا استمر الحال في ظل حكومة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وفي الأخير يظهر أن هناك جهات استغلت عملية تدفق المرتزقة إلى سواحل البحر العربي وخليج عدن، وربما لتعيد تشكيلهم في أفواج لاستخدامهم لأغراض حربية ونشر الفوضى في الجنوب».

يستريح المرتزقة ثم يختفون

وقال إن «ما نلاحظه من كثرة تدفق المهاجرين المرتزقة خلال العام المنصرم، وبمجرد وصول هذه الدفع إلى السواحل يشاهدها الناس، لكنها بعد أن تستعيد أنفاسها من عناء السفر في البحر حتى تختفي ولا يعلم الناس إلى أين تذهب؟».

الميليشيات تجند المرتزقة

ورجح العميد حلبوب أن جماعة الحوثي الانقلابية هي المستفيد الأول من المهاجرين المرتزقة إلى اليمن لإشراكهم في القتال ضد اليمنيين. وقال «المرجح أن الحوثي يستقدم هذه الدفع من المرتزقة ليجمعها في معسكرات ليزج بهم لاحقا في الحرب».

اشتراك في القتال

كشفت مصادر عسكرية يمنية وجود مقاتلين مرتزقة في صفوف تنظيم القاعدة، والحوثيين.

وتؤكد مصادر عسكرية في قيادة المنطقة الرابعة في عدن وجود مقاتلين مرتزقة في صفوف ميليشيات مسلحة تقاتل القوات الحكومية في جنوب اليمن. في حين أكد الجيش الوطني ضبط مقاتلين مرتزقة يقاتلون في صفوف الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع صالح في تعز اليمنية والبيضاء وبيحان شبوة.

ضبط مهربين

وكشف القيادي في المقاومة التهامية أيمن جرمش أن 20 مسلحاً مرتزقاً تم ضبطهم في جزيرة جبل الطير التابعة لتهامة كانوا في طريقهم لتهريب أسلحة للحوثيين وقوات المخلوع صالح.

وقال القيادي في المقاومة التهامية أيمن جرمش لـ «الاتحاد» إن 16 مسلحا إثيوبيا و4 صوماليين تم ضبطهم من قبل قوات النخبة التهامية بالقرب من جزيرة جبل الطير كانوا في طريقهم لتهريب الأسلحة لقوات الحوثي وصالح، وتم تسليمهم لقوات التحالف العربي».

وذكرت مصادر ملاحية أن عملية التهريب للأسلحة في مياه البحر لا تزال مستمرة وأن مهربين مرتزقة تساعدهم عناصر يمنية يستخدمون قوارب الصيد لتهريب الأسلحة للانقلابيين.

إنقاذ مرتزقة من الغرق

في الـ 30 من أبريل «نيسان» الماضي، أنقذت فرقاطة ألمانية نحو 92 شخصاً كانوا على متن قارب صغير تعرض لعطل في البحر، ما دفع الفرقاطة لإنقاذ من كان على متنه بعد أن أوشكوا على الغرق في مياه خليج عدن.

مصادر ملاحية في خليج عدن أكدت لـ «الاتحاد» أن من تم إنقاذهم هم مهاجرون غير شرعيين في طريقهم إلى السواحل الجنوبية وخليج عدن.

على مدى الأعوام الماضية، لقي العشرات من المهاجرين المرتزقة مصرعهم في مياه البحر جراء حوادث عدة، من بينها رفض المهربين إيصالهم إلى شواطئ البحر وأخرى نتيجة لحوادث غرق القوارب في البحر.

في أواخر العام 2014م، عثر صيادون في أبين على جثث لقتلى صوماليين لقوا حتفهم في مياه البحر.

وقال صيادون في ميناء شقرة بأبين لـ «الاتحاد»، إن الكثير من المرتزقة يموتون في البحر ومنهم نساء وأطفال».. موضحين «أن السبب في ذلك هو رفض المهرب الاقتراب من السواحل الجنوبية ويصر على إنزالهم في عرض البحر وإجبارهم على السباحة، وقطع مسافات طويلة إلى أن يصلوا الشاطئ بأمان ليبدؤوا رحلة أشد مشقة، وهي السير على الإقدام نحو محافظات جنوبية ويمنية عدة.

وأكد أن جثث العشرات من المهاجرين تعرضوا للغرق ورمى بجثثهم البحر في الشاطئ في شقرة وشواطئ شبوة.

في منتصف نوفمبر «تشرين الثاني» ضبطت القوات الوطنية في محافظة شبوة الجنوبية على نحو 350 مهاجرا مرتزقا قدموا عبر موانئ المحافظة.

عام الحرب ونسبة المهاجرين إلى اليمن

وشهد العام 2015م الذي اجتاح الحوثيون وقوات المخلوع صالح في أواخر مارس «آذار» منه مدن الجنوب اليمني، أكبر تدفق للمهاجرين المرتزقة إلى اليمن.

وأكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن في تقرير لها «بأن عام 2015 شهد ثالث أعلى معدلات وصول المهاجرين، منذ بدأت المفوضية بالتسجيل المنهجي للوافدين إلى سواحل بحر العرب والبحر الأحمر في اليمن في عام 2006، وقد «وصل عدد الوافدين إلى نحو 92 ألفاً و446 شخصاً، وهو أكبر عدد بعد عام 2011 الذي شهد وصول 103 آلاف و154 شخصاً، في حين بلغ عدد الواصلين إلى السواحل اليمنية 107 آلاف و532 شخصاً في عام 2012»، لكن مصادر حكومية تقول إن عدد الوافدين الجدد إلى البلاد لم يتم تسجيلهم من قبل المفوضية وذهبوا إلى أماكن مجهولة.

ويعقد يمنيون أن المخلوع صالح أراد إغراق الانتقام من اليمن بإغراقه في أتون الفوضى.

لماذا ذمار؟

تعد محافظة ذمار أحد أبرز المعاقل الزيدية في اليمن، والتي أسقطها الحوثيون دون قتال نظراً لأن سكان هذه المحافظة من الزيدية، وهي خزان بشري ضخم.

يقول أحد العسكريين، «إن أكثر منتسبي قوات الحرس الجمهوري الموالية للمخلوع صالح ينتمون إلى ذمار».

لكن لماذا يصر المهاجرون على الذهاب نحو ذمار؟

قبل عامين قابلت أحد باعة القات في عدن وسألته، عن القات وهل لي معرفة تفاصيل من يعمل فيه وكيف يتم زراعة؟، لكنه صدمني حين قال لي إن أكثر من يعمل في زراعة القاعدة هم من المرتزقة.

يزرع القات في الصومال وإثيوبيا، ويبدو أن المرتزقة لديهم خبر في هذا المجال، لكن الاحتمال الأكبر أن العمالة في هذا المجال كانت الفرصة الوحيدة أمام هؤلاء في اليمن البلد الفقير رغم المخزون الهائل من الثروات النفطية والطبيعية التي جيرها النظام القديم لمصلحة الفئة السنحانية في اليمن.

ضرورة منع المهاجرين

المحلل السياسي اليمني باسم فضل الشعبي، رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام، أكد لـ «الاتحاد»، «أن الهجرات إلى اليمن سيكون لها تأثير سلبي لا سيما في ظل عدم وجود دولة في اليمن تنظم مثل هذه الهجرات، وتستقبل المهاجرين وتقوم بتوزيعهم علي مناطق اللجوء ووضعهم تحت الرقابة فما دام العملية تتم بشكل عشوائي، فإنه سيكون لها مخاطر فالانقلابيون في اليمن استخدموا المهاجرين المرتزقة في الحرب الأخيرة على عدن، وما زالوا يستخدمونهم في تعز ومناطق شمالية أخرى وهناك تقارير تحدثت عن ذلك».

وأضاف الشعبي «نحن في مركز مسارات مهتمون بهذه الظاهرة، ونعمل على مراقبتها ونحذر منها لأنها توثر على السلم الأهلي والاجتماعي في اليمن».. مؤكداً أن «معظم المهاجرين من الشباب وفقراء فيتم استغلالهم في الحروب لقاء أموال زهيدة، نتمنى على السلطات المحلية في الجنوب أن تمنع تدفق المهاجرين المرتزقة إلى السواحل اليمنية، خصوصاً في هذه الفترة وعندما تهدأ الأوضاع يمكن إعادة تنظيم هذه الظاهرة بحسب إمكانيات البلد وقدرتها علي استقبال هولا المهاجرين وتقديم العون لهم».

وقال إن «البلد الآن منكوبة بالحرب وهناك نزوح داخلي وخارجي لليمنيين بالآلاف، فمن غير المعقول أن تظل سواحلنا مفتوحة لهجرات من هذا النوع، وندعو التحالف العربي إلى مساعدة السلطات في جنوب اليمن لضبط السواحل ومنع تهريب اللاجئين والسلاح وغيرها، لأن هذه الظاهرة لن تؤثر على اليمن فحسب، وإنما على الخليج أيضاً لأن معظم المهاجرين مقصدهم الأساسي هو الخليج، ويستخدمون اليمن كمحطة عبور فقط». فالمرتزقة المهاجرون إلى اليمن، من يصل إلى البر سالماً، ربما يخوض البعض منهم مهمة قتالية إلى جانب الميليشيات الانقلابية أو التنظيمات الإرهابية، خصوصاً وأن الحرب لا تزال مشتعلة في واحدة من أفقر دول الشرق الأوسط.

المرتزقة وقود الحروب

بات من المؤكد أن يشكل المرتزقة في اليمن وقوداً للحروب في اليمن المضطرب منذ ربع قرن. استفادت ميليشيات العدوان الحوثية العفاشية من المرتزقة خلال الحرب التي يشنونها ضد اليمن، لكن هناك مخاوف كبيرة من أن يصبح هؤلاء المرتزقة عناصر في صفوف تنظيم القاعدة، في ظل تأكيدات حكومية على اشتراك عناصر من هؤلاء المرتزقة في القتال إلى جانب تنظيم القاعدة خلال الأعوام الماضية.

تقدر مصادر عسكرية وأمنية في عدن أعداد الوافدين من المرتزقة إلى عدن خلال شهري مارس وأبريل «آذار - نيسان» بنحو 2500 مهاجر.

يصلون عدن ثم يختفون

في أحد أقسام الشرطة في المدينة ذهبت لمقابلة مسؤول أمني، وحين وصلت إلى القسم وجدته منتظرا على الباب وسألته «عن هؤلاء المرتزقة؟ قال «هم يدخلون إلى عدن ثم ينتقلون إلى خارجها، ونحن لا نستبعد أن يذهبوا إلى صفوف الحوثيين أو القاعدة كل الاحتمالات واردة».. مؤكداً ليس هناك حلول إلا أن يتم التنسيق مع منظمات حقوق الإنسان والحكومة الشرعية في الرياض لإيجاد حلول لهؤلاء ومنع تدفقهم على البلاد.

لا أحد يعرف لماذا يصر هؤلاء المرتزقة على الذهاب إلى اليمن، الذي يشهد حرباً دموية رغم استقرار الأوضاع في دول القرن الإفريقي، مقارنة باليمن المضطرب.. لكن من المؤكد أن هؤلاء هم وقود الحرب الحالية وحروب قادمة منتظرة في ظل رفض قوى اليمن الشمالي الاعتراف بالحق الجنوبي في استعادة دولته على ترابها الوطني، وهو ما يعني أن الجنوبيين أمام حروب طويلة قد تنهكهم في نهاية المطاف، خاصة في ظل التدفق المتزايد للمرتزقة إلى اليمن.

 

*المصدر- الاتحاد الإماراتية