آخر تحديث :الإثنين-06 مايو 2024-05:16م

أدب وثقافة


يومٌ ماطر - (قصة قصيرة)

الجمعة - 15 أبريل 2016 - 03:03 م بتوقيت عدن

يومٌ ماطر - (قصة قصيرة)

برهان باسردة

لملم أوراقه المبعثرة في ركن الغرفه بغية تنظيفها وأعادة ترتيبها فمسح بيده خرائط الغبار التي بدأت تتشكل ثم فرز بعض منها جانباً و وضعها أعلى الطاولة المطلة على النافذة .
كان يدور في خلده التخلص من كومة الأوراق   المكدسة أمام ناظريه والتي تحوي على كماً هائلاً من الخواطر والتغريدات ، ظل يكتبها على مدار عام ونيف من الزمن ، لم يقرأها أحد غيره ، وفضل الأحتفاظ بها كفصلاً خاصاً من فصول حياته ، لم يرغب يوماً أن يطّلع عليها بشراً آخر غير هويدا ...
وضع خده على راحة كفيه يتمتم :
-لماذا أحرقكِ يا كومة المذكرات ؟ .
صحيح أن هويدا هي الأنثى التي جعلت علم قلبه يرفرف لها ... لكن ماذنبه إن كانت الأقدار هي العائق والحاجز الذي يقف سداً منيعا وسوراً محصّنا امام وصول نسيمها إلى علم قلبه .... فما عاد علمه يرفرف ولا عادت رأيته تخفق لها .
هويدا وحدها من تعرف كل فصول الحكاية ومع ذلك فضلت أن تكون مدينتها موصودة أمام كل محاولات أقتحامه .
-إذاً سأحرقها ! ... لا لا لن أحرقها ، بل سأأرشفها عل هذه الذكرياتي تجعلني أبتسم أو أضحك إن بلغت من الكبر عتيا .

وكعادة مدرس الرياضيات الذي يحك شعر رأسه عند  كل مسألة يجد صعوبة ما في حلها  ، أخذ ماجد يحك شعر رأسه قائلاً : هل من المعقول أن تكون هويدا قد أخبرت أحداً بأمري أم أنها ماتزال مثلي محتفظة بالأمر في نفسها   .

أستسلم ماجد إلى النعاس الذي يداعب جفونه فخط في نومٍ عميق لم يفق بعدها إلا على صوت رنين هاتفه بعد غفوة خامسه .
لم يتبقى على موعد أختباره الشهري سوى دقائق معدودات فنهض مذعورا وهو ينظر إلى ساعته ... الحمدلله أن ثانويته لاتبعد كثيراً .
وبينما هو يركض في منتصف الطريق هطل المطر وأنهمر بغزارة ، تبللت ملابسه في غضون ثواني فما أن وصل ثانويته إلا وجسمه النحيل يرقص من فرط البرودة التي لا يشعر بها إلا هو آنذاك .
مازال هطول المطر مستمر و علامات الأكتئاب وإشارات الأنزعاج بدأت تلوح من بعيد في أفق وجه ماجد ، أستقبله رفيقه معاذ منادياً :
-"مالي أرى وجهك متجهما " .

- لقد كتبت في ما مضى (أهطل أيها المطر أكثر و أكثر فأنا قلت لحبيبتي أحبكِ بعدد حبات المطر ).

- " ها أنت قلتها بعظمة لسانك فيما مضى ... مامضى ياماجد مضى وأصبح من الماضي فلا تجعل ماضيك يفسد حاضرك   .

-نكمل حديثنا لاحقاً ياصديقي  .

كانت الأجواء رائعة كروعة أسطنبول وجميلة كجمال باريس  ومدريد .... الجميع يضحك يمرح يمزح إلا ماجد  ، حتى غاز الأوزون الذي يبعث في النفس الراحة والذي صاحب المطر يومئذٍ بنسبة كبيرة  لم تؤثر تلك النسبة إيجاباً على نفسيته .
غادر ماجد من الثانوية بصحبة رفيقه معاذ وفي طريقهما أستأنفا الحوار :
- لا أستيع يامعاذ .

- "لماذا ؟ "

- لأنه الماضي الذي لايزال في الحاضر .

- " أأفهم من كلامك أن كتابات الماضي معلقة على جدار الحاضر "

- تماماً Exactly

صاح معاذ بصوت مرتفع هيا هيا أنا من سيتكفل بمعالجة الموضوع .
ما ان وصلا إلى الشقة إلا وقد تكفل المطر الداخل من النافذة المفتوحة بالمعالجة فسال حبر كل كلماته كالدمعات وأختلط ببياض الورق فأصبح كلوحة طفل لُطِخت بألوان من الشوكلاته وبقيت عبارة واحدة فقط :
(أنتِ اللون الثامن لألوان الطيف في عوالمي) ...
أخذ ماجد القلم وأستبدل الألف بالكاف لتصبح (كنتِ) وأضاف :
ما عاد طيفكِ مرئياً ولا عادت ألوانكِ في حضرة الوجود.

تبسم معاذ لصديقة أبتسامة رضا فخرجا مسرعين تحت المطر وماجد يقول أيها المطر أهطل أكثر و أكثر ومن يومها وماجد يتهلل فرحاً بالمطر  ...