آخر تحديث :السبت-18 مايو 2024-11:02م

العالم من حولنا


الانسحاب الروسي من سوريا: هل يكون حافزا نحو السلام؟

الأربعاء - 16 مارس 2016 - 09:42 م بتوقيت عدن

الانسحاب الروسي من سوريا: هل يكون حافزا نحو السلام؟
نظمت روسيا عروضا احتفالية لقواتها العائدة من سوريا

((عدن الغد)) بي بي سي :

فاجأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، العالم بقراره سحب معظم جنوده وقواته الجوية من سوريا، لكن في الحقيقة ليس هناك ما يدعو للمفاجأة.

لقد فعل بوتين بالضبط ما قال إنه سيفعله، حينما بدأ تدخله المفاجئ في سوريا قبل نحو ستة أشهر.

لقد قال حينذاك إنه يستهدف من تدخله أمرين: أن يعزز موقف الحكومة السورية، وأن يمهد الطريق "لتسوية سياسية" للأزمة، التي امتدت الآن لخمس سنوات.

وربما يكون من غير المعتاد بالنسبة لقادة دول العالم أن يقصدوا بالفعل ما يقولون، أو أن يقولوا ما يقصدونه فعلا، خاصة فيما يتعلق بالحروب، التي تتبدل فيها الأمور تماما.

لكن تدخل بوتين في سوريا حقق هدفه تماما من وجهة نظر موسكو، ولذلك فهو الآن يتخذ قراره بالتهدئة.

ولم يكن الأمر يتعلق فعلا بمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من أن ذلك كان جزءا مهما من الأسباب المعلنة، واتخذ أهمية أكبر بعد تفجير الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء المصرية، في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

لقد كان التدخل الروسي مدفوعا قبل أي شيئ بحقيقة أن السعودية وتركيا وقطر وربما الولايات المتحدة قد كثفوا ونسقوا دعمهم لجماعات المعارضة السورية المسلحة، التي كانت بدورها تتعاون بشكل متزايد، وبدأت في تشكيل تهديد حقيقي على حكومة الرئيس بشار الأسد.

حليف استراتيجي

Image copyrightAFPImage captionعدَّل تدخل بوتين ميزان القوة على الأرض لصالح قوات حكومة الأسدImage copyrightAFPImage captionاستعادت قوات الأسد السيطرة على مناطق استراتيجية من قبضة المعارضة

وخشيت روسيا وإيران من فقدان حليفهما الاستراتيجي في دمشق، ولذلك فقد كثفت الدولتان من تدخلهما لصالح الأسد.

والنتيجة الآن هي أن أصبحت الأزمة بمثابة ساحة متكافئة الفرص، حيث ساعد الروس والإيرانيون القوات السورية الحكومية على تعزيز خطوطها الدفاعية، واستعادة بعض المناطق الاستراتيجية، ودحر قوات المعارضة.

لكن النصر الشامل ربما يتحقق فقط بتكلفة عالية للغاية، لا تستطيع روسيا ولا إيران تحملها، وسيكون ذلك مصحوبا بفرص كبيرة، لاندلاع حرب طائفية مفتوحة المدى وذات بعد إقليمي قوي.

وربما يكون الروس قد وجدوا أنفسهم يغوصون في مستنقع، يذكرهم بمصير حملتهم العسكرية على أفغانستان، وسيواجهون نفس الحشد من الجهاديين المدعومين من السعودية وحلفائها، وربما يكون بعض هؤلاء الجهاديين هم أنفسهم من قدامي المجاهدين في أفغانستان ضد القوات السوفيتية.

أما الرئيس بشار الأسد، المنتشي بنصر مستعار، فربما يكون قد رغب في الذهاب إلى نهاية الطريق، متخيلا أن حكومته، التي تسيطر عليها الأقلية العلوية التي ينتمي إليها، يمكنها أن تعيد فرض سيطرتها على الأغلبية السنية، وكأن الحرب الدائرة منذ خمس سنوات لم تحدث، وكأن الربع مليون قتيل لم يسقطوا.

لكن الروس رأوا بوضوح أن هذا المسار سيكون كارثيا.

لقد رأوا أن دورهم هو دعم المناطق التي تسيطر عليها حكومة الأسد، وأن يشيروا بشكل لا لبس فيه إلى أنهم لن يسمحوا بإزاحة حكومة الأسد أو تجاوزها، وأن ينتهي الأمر بالعودة إلى عملية سياسية متوازنة.

Image copyrightRIA NovostiImage captionقرر بوتين بشكل مفاجئ سحب معظم قواته من سوريا

وكانت الرسالة بالنسبة للأسد واضحة: أنه عليه أن يكبح من توقعاته.

لكن هل يمكنه توقع مزيد من التورط الإيراني؟ كل الإشارات حتى الآن سلبية بهذا الشأن.

من وجهة نظر طهران، فإن محاولة استخدام ميلشيات شيعية بالوكالة، في كل من العراق ولبنان وغيرها، للسيطرة على معاقل السنة المتداخلة في كل من العراق وسوريا، بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة وقوات المعارضة السورية، فإن ذلك يفتح احتمالا مرعبا لحرب بلا نهاية، تماما مثلما يمثل ذلك بالنسبة للروس.

وبالعودة لمفاوضات جنيف، فإن الفرص ربما لا تكون كبيرة، لكنها على أية حال أفضل من ذي قبل، لأن معظم اللاعبين الخارجيين أصبحوا الآن يقفون على أرضية مشتركة، وعلى رأسهم الأمريكان والروس.

كونفيدرالية فضفاضة

ولا بد أن طموحات السعودية والحلفاء الآخرين للمعارضة السورية قد تم كبحها بالتدخل الروسي، كما أصبح هناك إقرار بأن مزيدا من ميل كفة التوازن لصالح المعارضة سيؤدي إلى تحركات مضادة وإن كانت محدودة، من جانب الرئيس بوتين.

ليس هناك ما يضمن بأية حال أن هناك نهاية قريبة لهذ الحرب.

وربما يكون هناك فترة طويلة من القتال المحدود، أو تمديد غير محدد للهدنة النسبية الجارية حاليا، دون أن يترجم ذلك إلى تسوية مستقرة.

Image copyrightGettyImage captionخشيت روسيا من الانزلاق في مستنقع شبيه بأفغانستان

لكن هناك زخما قويا، خاصة من جانب الأمريكان وحلفائهم، للدفع بتسوية تسمح لكل الأطراف بالتحول لقتال تنظيم الدولة.

ولكي يحدث ذلك، فإن على روسيا وإيران أن يديرا ظهرهما قليلا للحكومة السورية، وعلى الولايات المتحدة أن تكبح قليلا جماح حلفائها الإقليميين، وخاصة السعودية.

لقد فعل بوتين شيئا ليس بإمكان الولايات المتحدة أن تفعله. لقد عدَّل الموقف على الأرض، وفرض نفسه كلاعب رئيسي في لعبة التسوية.

لكن ما نوع التسوية التي قد تنجح؟

فكرة الديمقراطية المباشرة في دولة سورية موحدة لن تنجح، من وجهة نظر إيران وروسيا، لأنها ستؤدي لسيطرة الأغلبية السنية، كما حدث في العراق بالنسبة للأغلبية الشيعية، ومن ثم ستفقد موسكو وطهران نظام بشار حليفهما الاستراتيجي.

وفي الوقت الراهن، فإن الصيغة الوحيدة التي تبدو قابلة للتطبيق، ويمكن أن تحوز رضا الدولتين، وترضي اللاعبين الخارجيين الآخرين هي اتحاد كونفيدرالي فضفاض، يؤول فيه الجزء الأكبر من السلطة إلى المناطق المحلية، على أساس طائفي إلى حد بعيد.