آخر تحديث :الأربعاء-15 مايو 2024-10:20م

أخبار وتقارير


اختلال موازين القوى وهيمنة الجغرافيا القبلية مع اقتراب التحالف العربي من صنعاء.. خريطة تنتظر اليمن لإعادة تشكيلها

الإثنين - 14 مارس 2016 - 08:19 م بتوقيت عدن

اختلال موازين القوى وهيمنة الجغرافيا القبلية مع اقتراب التحالف العربي من صنعاء.. خريطة تنتظر اليمن لإعادة تشكيلها
اختلال موازين القوى وهيمنة الجغرافيا القبلية مع اقتراب التحالف العربي من صنعاء

الرياض(عدن الغد)سبق:

أكملت عمليات التحالف العربي المساند للشرعية في اليمن أكثر من 11 شهرًا بتحقيق نجاحات عسكرية وسياسية وإنسانية كبيرة ومهمة، في فترة تعد قياسية إذا تمت مقارنتها بعمليات مشابهة سواء عمليات الناتو ضد طالبان في أفغانستان أو غيرها .

المهمة كبيرة، خصوصًا أن التحالف على مشارف رسم خريطة اليمن من جديد، لتعيش اليمن بلدًا لكل أبنائه وأمته العربية وخارج دائرة نفوذ المشاريع الفارسية المتكئة على منظومة الحكم القبلية الطائفية في شمال الشمال .

 

وتفصيلاً، جاء تحرك المملكة العربية السعودية لقيادة هذا التحالف والتدخل عسكريًا في اليمن لإنهاء الانقلاب الذي نفذه تحالف الشر الثلاثي المكون من الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع صالح وثالثهم طهران، راعية المشروع، والداعم والمستفيد الأول من هذا الانقلاب، وذراعها المتولي التدريب "حزب الله" الإرهابي، وإعادة الشرعية والاستقرار لليمن وشعبها.

 

"سبق" تفتح ملفًا ذا أهمية كبيرة بقي خارج نقاشات وطروحات كل المهتمين بما يجري في اليمن، وحتى من مؤسسات ونخب دول التحالف، وعلى رأسها دول الخليج العربي المعني الأول بما يجري في اليمن، لاعتبارات الجوار والأخوة والتاريخ المشترك والعقيدة أيضًا.

 

هذا الملف، هو منبت كل ما يحدث في اليمن اليوم، بل إنَّ كل التطورات على الساحة اليمنية هي نتيجة لهذا الملف الذي طال سكوت دول الخليج عليه، وإهماله حتى وصل الحال بالوضع اليمني أن يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن الخليجي قبل الإقليمي والدولي.

 

اختلال موازين القوى وسيطرة جغرافيا معينة وفئة، بل جماعة أو طائفة على مقاليد القرار، واحتكار السلطة والنفوذ لفترات طويلة تتجاوز قرونًا من الزمن. فمنذ حرب الخليج عام ١٩٩٠ م التي كان موقف نظام المخلوع صالح فيها مؤشرًا على حقيقة النهج السياسي العدواني الذي يتعامل به هذا المكون مع جيرانه بل مع دول كانت حينها هي من تدفع كل احتياجات الحكومة اليمنية من رواتب موظفين وموازنات مشاريع وتحتضن أيضًا أكثر من ٣ ملايين من الأيدي العاملة اليمنية.

 

 قبل عام ١٩٩٠م، كان الطالب اليمني في الجامعات اليمنية يتسلم راتبًا شهريًا من دول الخليج وكان كل المبتعثين من طلاب اليمن في الخارج للدراسة يتسلمون مرتبات وتكاليف دراسة ورسوم وأجور سكن معيشة لأسرهم في الخارج من حكومات دول الخليج وخصوصًا السعودية والكويت والإمارات وعلى الرغم من ذلك كان موقف نظام المخلوع حينها ضد الإجماع العالمي المستنكر والرافض للاستهداف العراقي لدول الخليج وكان موقف نظام المخلوع الجاحد مع نظام حزب البعث العراقي .

 

 وعلى الرغم من ذلك تناست دول وحكومات الخليج بل وشعوب دول الخليج هذا الموقف العدواني لنظام المخلوع صالح، وعادت عمليات الدعم والمساعدات والهبات تتدفق إلى اليمن إيمانًا من دول وقادة الخليج بحق الجوار ومقتضيات الأخوة والواجب الديني والأخلاقي .

 

ونظمت دول مجلس التعاون مؤتمرات عالمية لمنح اليمن دعمًا ماليًا لتجاوز أزماته الاقتصادية وكانت السعودية أكثر دول العالم تقديمًا للدعم والهبات والمساعدات لحكومات اليمن التي كان ولا يزال المخلوع صالح هو من يعينها بل صاحب القرار الأول عليها وعبرها وفيها أي هذه الحكومات .

 

وأيام الثورة الشعبية على نظام المخلوع صالح من بداية فبراير ٢٠١١ م، وقف الملك عبدالله بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى جانب اليمن، ووجه بدعم مالي وشحنات من المشتقات النفطية لمواجهة احتياجات اليمن من الوقود إثر انقطاع الإنتاج وعدم قدرة الحكومة على استيراد الديزل حينها ووصل حجم الدعم النفطي السعودي فقط في عام ٢٠١١م للحكومة اليمنية إلى ما قيمته ٤ مليارات دولار.

 

وبعد ذلك تبنت المملكة رعاية تسوية سياسية هي المبادرة الخليجية والتي ضمنت للمخلوع خروجًا آمنًا وحصانة له، ولأركان نظامه من أي ملاحقة قانونية على فترة حكمهم السابقة للمبادرة، وذلك لإنهاء الأزمة اليمنية والصراع المسلح الذي كان يطحن كل مناطق البلاد حينها وكاد يتحول إلى حرب أهلية .

 

 لكن المخلوع كان يخطط للعودة للسلطة عبر نجله العميد أحمد علي عقب انتهاء الفترة الرئاسية المحددة للرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي ولذلك عمل طيلة العامين على إفشال الرئيس والحكومة التي لحزبه نصف حقائبها .

 

ولأن المخلوع وقيادات حزبه ومساعديه ورموز المجتمع القبلي وقادة الجيش كانوا يخططون لاستعادة نفوذهم وسلطتهم التي شعروا بأنها ستذهب بتسليم المخلوع للرئاسة فقد كانت الحركة الحوثية هي رأس الحربة والذراع التي ستستخدم لاستعادة الحكم لذلك رفضت الحركة الحوثية المبادرة الخليجية وكان دورها أن تفعل ذلك وفق جدول المهام المحدد في خطة تبادل الأدوار .

 

وحين انتهت مدة الرئيس هادي المحددة بعامين وتم التمديد له بتوافق وطني لإكمال مهمة الحوار الوطني وهيكلة الجيش وبناء منظومة الحكم على أسس جديدة تقوم على المشاركة العادلة في السلطة والثروة لكل فئات المجتمع ومكوناته السياسية والقبلية حينها بدأت ميكنة المؤامرة تتحرك لإنهاء الفصل الأخير من المخطط والمتمثل بالانقلاب على الشرعية تحت شعار أجوف هو المطالبة بتخفيض أسعار الوقود الذي تطور إلى المطالبة بإسقاط الحكومة ..

 

وعلى الرغم من استجابة الرئيس هادي لهذه المطالب وتشكيل حكومة كفاءات من دون محاصصة ظهر المخلوع صالح معترضًا على الحكومة وتشكيلها لأنها خرجت عن مضمون المبادرة الخليجية الذي يمنح حزبه نصف الحكومة وهي لعبة تبادل الأدوار بين أطراف منظومة الحكم الساقط حينها حيث خرجت الميليشيات الحوثية في البداية ضد الحكومة التي يمثل حزب المخلوع نصفها وحين وافق الرئيس هادي على مطالب الميليشيات بتشكيل حكومة بعيدًا عن المحاصصة عاد المخلوع وحزبه للخروج والاعتراض كون الميليشيات لا تستطيع الاعتراض لأنها من طرحت المطالب .

 

بعد ذلك دخلت اللعبة منعطفًا آخر حين دخلت الميليشيات العاصمة بعد أن أسقطت محافظة عمران ونفذت عمليات انتقامية ضد كل رموز قبائل الشمال القبلي التي وقفت مع الثورة وضد نظام المخلوع وعلى الرغم من أنَّ الميليشيات الحوثية كانت ضمن من خرج في الساحات ضد المخلوع غير أنها كانت عمليًا جناح المخلوع بل جناح الحكام الحقيقيين الذين أسقطتهم الثورة.

 

حين وصل الرئيس هادي مع هذه المنظومة إلى طريق مسدود ليلة قدم له القيادي البارز في الحركة الميليشاوية مطالب بإصدار قرارات لقيادات الميليشيا تبدأ من نائب رئيس الجمهورية إلى نواب في أصغر وحدة محلية أي نواب في كل إدارات ومؤسسات الدولة وهذا الأمر رفضه الرئيس هادي وأعلن استقالته وفرضت عليه الإقامة الجبرية لتكمل بعد ذلك الميليشيات ومنظومة الحكم الساقطة مخططها الرامي لاستعادة السلطة بفرض الانقلاب عقب فشل عملية استعادة الحكم عبر قرارات من الرئيس هادي .

 

وحين كان الرئيس هادي تحت الإقامة الجبرية في منزله بالعاصمة صنعاء وبعد طرد حراساته وطواقمه الأمنية من قِبل الميليشيات بأوامر المخلوع صالح لم تتحرك الرموز القبلية في الشمال القبلي ولم ترفض القيادات العسكرية التي كانت في الجيش ما تعرض له قائدها الأعلى رئيس الجمهورية، ولم تتحرك أي جهة في الشمال القبلي لأن ما حصل ويحصل يخدم مخططها لاستعادة السلطة. في تلك الأيام كانت كل الخيارات منعدمة الجدوى وأصبح الجميع مستكينًا لقوة الميليشيا القبلية وجبروت الجيش الخائن الذي ساند هذا المخطط ولم تنزاح هذه الاستكانة والإحباط إلا حين أعلن عن وصول الرئيس هادي إلى عدن ونجاحه في الفرار وكسر إقامته الجبرية.

 

السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا وقف الجيش ما عدا مجموعات صغيرة ووحدات ضد الرئيس ومع الانقلابيين، ولماذا فتحت القبائل مناطقها لمرور الميليشيات، بل وساندت الميليشيات في إسقاط المحافظات وقتال كل من يرفض الانقلاب ولماذا صمت الجميع في الشمال القبلي شيوخ ورجال أعمال وجهات وسياسيين وقبائل ولم تعلن موقفًا يعارض هذا الانقلاب إلا فئات قليلة وهي إما تنتمي لحركة الإخوان المسلمين أو قبائل تعرضت للتنكيل من قِبل الميليشيات سابقًا أو تلك التي كانت مستهدفة من قِبل المخلوع صالح ولكن بالإجمال هي فئات وجهات وجماعات تمثل أقلية أمام غالبية كاسحة مع الانقلابيين .

 

الإجابة عن هذا التساؤل هي الملف الذي قلنا في البداية إنه ذو أهمية ويجب الالتفات له ومعالجته. قبائل الشمال من يريم بين اب وذمار إلى حدود المملكة بمحافظة صعدة هي من يحكم اليمن طيلة قرون طويلة وهي من تتحكم بالجيش كون قادة الجيش من هذه المساحة الجغرافية وأفراد الجيش من هذه القبائل أيضًا وخلال عقود الحكم الأخيرة تكونت مراكز نفوذ عسكرية قبلية وضع لها المخلوع من بداية الثمانينيات إطارًا سياسيًا تمثل في حزبه المؤتمر الشعبي العام وذلك لإيهام الداخل والخارج أن من يحكم هو حزب سياسي بينما الحقيقة أن من يحكم هي جغرافيا محصورة في شمال الشمال ينحدر منها قادة الجيش الذين يدينون بالطاعة لرموز القبيلة وشيوخها .

 

يبلغ سكان محافظتي تعز والحديدة نحو ٨ ملايين نسمة لم يكن هناك في عهد المخلوع قائد لواء عسكري واحد من تعز أو من الحديدة بينما عدد سكان منطقة سنحان لا يتجاوز سكان قرية في تعز ومع هذا كان ٧٠ ٪ من قادة الصف الأول في الجيش والأمن من هذه القرية و٣٠ ٪ من مناطق قبلية في الإطار الجغرافي ذاته المتحكم بالسلطة أيضًا .

 

 وحدات الجيش أيضًا ٩٠ ٪ من أفرادها من هذه الجغرافيا القبلية شمال الشمال والتي تمثل فقط ٣٠ ٪ من عدد السكان في اليمن وكذلك الكليات العسكرية وكلية الشرطة بقيت حكرًا على أبناء هذه المنطقة الجغرافية وحين حاول أحد أبناء محافظة تعز الذي كان وزيرًا للداخلية في إحدى حكومات المخلوع هو اللواء رشاد العليمي حين حاول الدفع بعددٍ من أبناء محافظة تعز ومحافظات أخرى جنوبية وغربية للكليات العسكرية وكلية الشرطة تمت الإطاحة به من قِبل منظومة الحكم القبلي على الرغم من أنه كان أنجح وزير داخلية عرفته اليمن .

 

إذن الجيش ملكية خاصة بهذه الجغرافيا والأمن أيضًا ولم تكتفِ بذلك بل منحت هذه المنظومة الحاكمة طلاب القبائل غالبية المنح الدراسية الخارجية وحين حاول وزير حضرمي هو صالح باصرة إصلاح هذا الاختلال واعتماد آلية علمية للابتعاث تقوم على الأحقية حسب النتائج الدراسية تمت الإطاحة به على الرغم من أنه أيضًا أفضل وزير تولى  حقيبة التعليم العالي لكن منظومة الحكم القبلية لم تقبل بذلك .

 

وحين حاول الدكتور سيف العسلي أحد الخبرات الاقتصادية البارزة وهو من محافظة تعز، حاول إصلاح الخلل في وزارة المالية ووقف احتكار القبائل الشمالية للمناقصات وحصول المشايخ والقادة العسكريين على دعم مالي من موازنة الدولة بالمليارات، تمت الإطاحة به، وهؤلاء جميعًا عينهم المخلوع في حكومته، لكنه لم يتمكن من مواجهة سلطة القبيلة والنفوذ الذي يعد هو أحد رموزه.

 

هناك احتكار للسلطة والقوة والنفوذ تمثله أقلية وتتحكم بمصير اليمن ولم تقبل هذه الأقلية برئيس من غير منطقتها هو الرئيس هادي يحكم ٤ سنوات فقط لأن حكمه يشكل خطرًا على البنية الهيكلية لمنظومة الحكم القبلي المتسلط الذي تجمعه رؤية مذهبية وقبلية واحدة. كما أن تكدس السلاح في هذه المنطقة ليس حقًا شخصيًا بل من مخازن الجيش يتسلح الجميع ويتسلمون مرتبات على أنهم جنود وهم في بيوتهم والنصف الآخر في المعسكرات. وخلال العقدين الماضيين عمل المخلوع على تأسيس بيوت مال وأعمال من  الجغرافيا ذاتها ومن أموال الدولة وتم احتكار الوكالات التجارية لرجال أعمال وتجار من القبائل ذاتها حيث يتاجرون بمال الدولة ودعم أيضًا المخلوع تأسيس شركات مقاولات كبيرة من أبناء القبائل تلك وبرأس مال من خزانة الدولة ومنح تلك الشركات مناقصات تنفيذ ٩٠ ٪ من المشاريع الممولة من الدولة ومن دون أي مناقصات بل بتوجيهات مباشرة بمنح الشركات مشاريع لتنفيذها .

 

هذه الجغرافيا هي التي انقلبت على الرئيس هادي وعلى الشرعية وليس المخلوع والميليشيات إلا قادة أحدهم مرجعية دينية مذهبية هو عبد الملك الحوثي والآخر قائد سياسي وعسكري هو المخلوع صالح.

 

هذه المنظومة إذًا لم يتم تفكيكها عبر التحالف العربي المساند للشرعية ستبقى اليمن ساحة ملغومة بالمشاريع والمؤامرات ضد المملكة ودول الخليج ولن يتمكن اليمنيون من العيش بسلام وصناعة مستقبل مشرق لهم مادامت هذه المنظومة موجودة ومواصلة لدورها الموغل في القدم.

 

إعادة الشرعية إلى صنعاء ليس كافيًا ما لم يتم تفكيك الجيش القبلي الذي خان وطنه وشعبه وانحاز للقبيلة والطائفة وعودة الحكومة إلى صنعاء ليست ذات جدوى ما دام شيخ قبلي يستطيع فرض ما يشاء على رئيس الحكومة، أو أحد وزرائها.

 

مأرب والمنطقة الشرقية يجب أن تشكل قوة موازية وثقلاً عسكريًا وقبليًا ويستعيد ملوك سبأ دورهم الحضاري، خصوصًا بعد أن مثلت مأرب ورجالها وقبائلها درعًا مهمًا للوطن والشرعية، وتعز وتهامة يجب أن تكون حاضرة في الجيش والأمن، وليس فقط في الوظائف الإدارية الهامشية والجنوب يجب أن يشكل رقمًا مهمًا في منظومة الحكم القادمة في كل المجالات وبما يساوي حجمه وحجم ثرواته وإمكانات أبنائه .