آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-01:27م

أخبار وتقارير


المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية: ما هي دلالات سيطرة الشرعية على محور "نهم" في اليمن ؟

الإثنين - 15 فبراير 2016 - 02:13 م بتوقيت عدن

المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية: ما هي دلالات سيطرة الشرعية على محور "نهم" في اليمن ؟

عدن(عدن الغد)المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية:

تُمثل التطورات العسكرية الميدانية التي شهدتها ساحة المعركة في اليمن لاستعادة الشرعية تحولا استراتيجيًّا فارقًا يبدو الأبرز والأهم في مسيرة المعارك على العديد من الجبهات منذ استعادة قوات التحالف للعاصمة الجنوبية للدولة "عدن" في يوليو 2015؛ حيث نجحت قوات الجيش الوطني وقوات المقاومة الشعبية مدعومة بإسناد قوات التحالف في السيطرة على محور "نهم" الاستراتيجي الشمالي الشرقي المتاخم لمحافظة صنعاء، وباتت على مرمى لا يزيد على 50 كلم عن أمانة العاصمة، بما يُعد هزيمة هى الأكبر من نوعها في صفوف حركة الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والخطوة قبل الأخيرة في الحسم العسكري لاستعادة عاصمة البلاد التي سيطرت عليها الحركة الحوثية في 21 سبتمبر 2014. غير أن الخطوة القادمة بالوصول إلى صنعاء لتحريرها تعد معركة أخرى تحتاج الى استعدادات عسكرية خاصة لحسم معركة المصير.

 

أهمية محور "نهم":

تتمثل الأهمية الاستراتيجية في السيطرة على محور "نهم" في الآتي:

1- إنجاز ميداني مهم، فالسيطرة على محور "نهم" تشكل نجاحًا تكتيكيًّا عسكريًّا، لأنه محور مهم باتجاهي العاصمة صنعاء، ومحافظة صعدة معقل التمرد.

2- نجاح عسكري بارز لقوى استعادة الشرعية، من قوات التحالف وقوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وهزيمة لقوى التمرد في مواقع مركزية، حيث إن استعادة هذه الجبهة استغرق نحو 5 أشهر من العمليات العسكرية التي تكللت في نهاية المطاف بالانتصار، ما يُعد دافعًا للاستمرار في حسم المعارك على باقي الجبهات. كما يُشكل -في الوقت نفسه- نجاحًا للخطة العسكرية واستنزافًا لقوى التمرد وقطع خطوط الإمدادات عنها، حيث إن تحرير جبهة "نهم" جرى بموازاة توسيع دائرة الاستهداف متعدد الجبهات؛ خاصة في محيط صنعاء من خلال القصف وقطع خطوط التعزيزات وتدمير مواقع عسكرية رئيسية.

3- استنزاف قوى التمرد، إذ أن الاستهداف متعدد الجبهات أسفر عن تدمير قدر كبير من البنية التحتية العسكرية الأساسية لقوى التمرد، ومنها: ثلاث منصات صواريخ "كاتيوشا" في جبل المحجر، ومعسكر تدريب لميليشيات التمرد في مزارع الجر المملوكة للرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومواقع ومخازن أسلحة وآليات عسكرية تابعة للميليشيات في مديريات خيران بمحافظة حجة ورازح وباقم وحيدان ومجزر وسحار بمحافظة صعدة، وتدمير تعزيزات عسكرية على خط إمداد "حرض – ميدي"، ومعسكر قوات الاحتياط في منطقة "حزيز" جنوبي صنعاء.

4- استثمار جيد لدور القبائل في الحرب، حيث كانت زعامات قبلية بمحافظتى الجوف وصنعاء قد أعلنت في أكتوبر 2015 عن تشكيل ائتلاف قبلي مسلح للمقاومة الشعبية للإسهام في تحرير العاصمة، وهو ما كان له أثره في المعركة الأخيرة، وربما يعزز ذلك من فرص تكرار النموذج في معركة صنعاء، لكنه يتطلب من السلطة الشرعية فتح خط اتصال مباشر مع الزعامات القبلية ذات التأثير في تشكيل الروابط العصبوية المسلحة للانخراط في المقاومة الشعبية، ما سيشكل -من جانب آخر- معولا قويًّا في تفكيك جبهة التحالفات القبلية البراجماتية في معسكر حركة الحوثيين وقوات صالح.

صعوبات خطوة الحسم:

لا شك في أنّ خُطوة الحسم العسكري باتت هى الخيار الرئيسي لاستعادة الشرعية في اليمن بعد فشل مسار جنيف الخاص بالتسوية بسبب سياسات قوى التمرد في عدم إنجاز استحقاقات الحوار الإنسانية والسياسية والعسكرية؛ لكنها لا تبدو من السهولة بمكان، حيث إنها ستُشكل نهاية الحرب، وإعلان انتصار قوى الشرعية، ومن ثم ستعمل قوى التمرد على استغلال كافة الآليات المتاحة في الحرب لتحقيق أكبر قدر من الدمار والخسائر، وتهديد الاستقرار في المستقبل حال استعادة العاصمة، ومنها:

1- الطبيعة الطبوغرافية لصنعاء: فسلسلة جبال صنعاء تُعد في حد ذاتها حائلا صعبًا إن لم يكن منيعًا في اختراق العاصمة، بالإضافة إلى ما تحتويه من معسكرات كثيرة تابعة للحرس الجمهوري، وما تضمه من مخازن سلاح وفيرة تشكل مددًا ومخازن استراتيجية لقوى التمرد، ومن ثم فإن اختراق هذه المعسكرات الجبلية من خلال القصف التقليدي لن يُحقق نتائج سريعة، بالاضافة إلى وجود عدد من خطوط الإمداد الرئيسية مثل طريق "الحديدة باجل حريز الصباح صنعاء"، وطريقي "الحديدة حجة" و"الحديدة أنس رادع".

2- طبيعة المعركة في صنعاء: لا شك أيضًا أنها ستختلف كليًّا عن باقي المعارك، حيث إن قوى التمرد -خاصة الحوثية- مدربة أكثر من غيرها على حروب الجبال والمرتفعات، ومع توفير غطاء وساتر من المعسكرات الجبلية لها ستتحول المعركة إلى ساحة حرب عصابات مفتوحة واسعة النطاق، فضلا عن طبيعة المقاتلين الحوثيين، خاصة المتطرفين دينيًّا، بما سيعمل على زيادة الخسائر وسط المدنيين الذين سيستغلونهم كدروع بشرية.

3- المناورة السياسية: وهو الأسلوب الذي استخدمه صالح منذ بداية الحرب الأهلية التي أشعل فتيلها في اليمن. فبموازاة المعارك لجأ صالح إلى مسار التفاوض على اعتبار أنه وقوى التمرد الحوثي يشكلان جزءًا من الشعب اليمني لا يمكن القضاء عليه مهما كانت نتائج المعارك كورقة أخيرة للتحايل على موازين المعركة، فضلا عن المناورة العسكرية لاحقًا بتهديد الاستقرار في الدولة بعد استعادة الشرعية.

خلاصة القول، ربما بات إحكام السيطرة على تخوم العاصمة صنعاء وتطويقها عسكريًّا من جانب قوى استعادة الشرعية مسألة وقت، لكن على المستوى العسكري يتطلب الأمر منظورًا مختلفًا من التخطيط الدقيق بالنظر إلى صعوبات الاختراق في حسم معركة المصير، وهو ما يستوجب على تلك القوى أولا الحفاظ على مكتسبات المعارك السابقة وتعزيزها، والسير في اتجاه استنزاف الإمدادات العسكرية الخاصة بقوى التمرد قدر الإمكان، وعدم الاستعجال في التدخل البري في صنعاء، مع أهمية الاستنزاف المتعدد الجبهات على المحاور الأخرى، خاصة محاور جبهات صعدة وتعز والضالع وأبين.