آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-03:20م

أدب وثقافة


عصام خليدي يكتب :( مــحــمــد مـــرشــد نــاجــي) رافـــــد الــغــنـاء اليــمنــي والـطـرب الأصــيـل

الأحد - 30 سبتمبر 2012 - 05:19 م بتوقيت عدن

عصام خليدي يكتب :( مــحــمــد مـــرشــد نــاجــي) رافـــــد الــغــنـاء اليــمنــي والـطـرب الأصــيـل
صورة تجمع بين الفنانين القديرين محمد مرشد ناجي وعصام خليدي قبل اشهر -عدن الغد

عدن ((عدن الغد )) خاص:

كتب / عصام خليدي  

 

في هــذا المــقــام سنـــعــرج على هذه الأبيـــات الشعــريـة في أغـنـــية (عن ســاكني صنعاء) ذات الــــقصيدة الحــمينية كــلمات الــشاعر والقاضي العلامة عبد الرحمن بن يحيى الآنسي لنستخلص من هذا العمل الفني و اللــحن الـبديـع والرشــيق (أهـم خصائص ومميزات الفنان القمة المرشدي الملحن المتجدد والمتطور) منــذ بـــدايتـــه الأولى مروراً بمشواره الـغـنائي الزاخر والحافل بالعطاءات الإبــداعــية وبالــتألق والمفاجاءات.

البــــدايــــة / المـــقــدمــة الموسـيــقــية والإشتغال على خلق جمل لـحـنـــــية نــغمية مــقــامية وإيقــاعـية جــديدة مبتكرة مغايرة عن ما كان سـائـداً حينها في ذلك الوقت فإذا أستمعنا للمقدمة الموسيقية جيداً وقمنا بتحليلها علمياً سندرك أنها لحنت على (مقام البـيات على درجة الدوكا) وأستخدم فيها (إيـقــاع الشرح العــدنــي الثــقيـل 6/8) وكانت المفاجأة في (تراكيب جمل موسيقى صولوا العود) حيث أستخدم المرشدي (تـكنـــيك عالي المستوى ورفــيع) بطريقة (مضاعفة سرعة الـريشـة وزيــادة الوحــدات) إذ أن العود كان متناغماً بإنسجام بــديــع مع (الكمانات وبــقــية الآلات الوترية) في قوام الفرقة الموسيقــية فأستطاع  أن يخلق ويـبتـكر مقطوعة موســيـقــية فائــقة الروعة والجمال، ثم يــبـــدأ بعد ذلك الــتمهيـــد الموسيقي والـغـناء بطـريقـة حــديــثة جــديــدة نجــد فيــها (زخرفات ونمنمات هندسية معمارية مقامية نغمية تـــتماهى وتــتــوحد مع روح وإحساس مدرسة (المرشـدي) فلم يخضع لخصوصية وطبيعة النص الحمـيـني المعروف والتــقــلـيـدي الذي عـــادة ما كان يـكـتـبه شاعر القصيدة الحمــينـية وعُـرفت  قصائــده ملازمة ولصيقة بأهم الموشحات الصنعانية الــيــمنية ،لكن قــدرة المرشــدي المـوسـيـقـية الـــهائـلة مـكـنـــته مـن الخـروج من دائرة الصياغات الغنائية الموسيقية (الإحـــيائـــية) بإشتغال جــاد مبتكر تمرد به من (تـبعيـة) النص الغنائي الحميني وهيمنته على فرض أسلوب محدد ومعروف بصياغات لحنــية على النمط الغنائي التقليدي المتداول والسـائـد.

فــقــد تــجســد نـجاح (مرشـدنـا) بتلك المــقدمة الموسيقية الرائعة وفي الخروج والتمرد من قوالب التلحين بــطريقـة (الموشح اليمني الصنعاني التقــليـدي) التي فرضته وهيمنت عليه القصيدة الحميـنية مـنــذ زمن طويل جــداً، والواقع أن رغــبة ونزعة المرشدي بتطوير الغناء اليمني إلى أسلوب آخر جـديد مكــنه من الــتـفوق والإجادة والإبداع بمهارة في تخطي تلك (المخاطرة الفـنية الصــعـبة) وتـألقـه بنجاح هذا الـلحـن وأدائه العظيم في إحدى (تجـلـياته المدهشات) المتكـئة على إشــتغـالاتــه الـواعـية، وبـناءاته الـمعمارية الـلحـنية الموسيقية المترفة الــثريــة ،فإلى مذهب الأغــنية التي صاغها من (مقـــام البـــيات على نغمة الــدوكــا ):

عن ســـاكني صنعاء حــديثك هــات/ وافـــوج النسيم/ وخــفف المسعى وقــف/ كــي يفــهم الــقلب الكــليـم/ هل عــهدنا يُـرعى وما يــرعـى/ يرعـى العهــود إلا الكــريم

ثم يــزداد إبــداعــه تــألــقــاً وروعة في الكوبليهات التي يــقول فــيها:

تــبدلــوا عــنا ؟! / وقـالــوا عــندنــا منــهم بــديــل/ والله ما حلــنا / ولا مــلنــا عــلى العــهد الأصـــيل/ مــا بــعدهم عنـــا يغيـــرنا / ولــو طـــال الطــويــل/ بالله علـــيك يا ريــح / أمـــانة أن تيــسر لك رجـــوع / لمــح لهــم تلـــميح / بمــا شـــاهــدت من فيـــض الــدمــوع/ والشـــوق والتــبريح / والوجـــد الـــذي بــين الضــــلوع

إن المرشدي حــينما نسمــعه يردد هذه الأبـيات الشعــريــة مــموســقة ملحــنة بــتــنويعــاته النغمية التعبــيرية والتطريبــية وبصوته الدافئ والشجي نــشعر وكــأنه يحــترق لــوعة وعــشقاً وهــياماً للوصول لمحبــوبــه الغــائب، وفي الحقيقة نــجح (أبــوعــلي) ببراعة وإقــتدار في ترجمة أبــيات ومفردات ومعاني قــصيـدة شــاعرنا الكبــير القاضي العلامة (عبد الرحمن بن يحيى الآنسي) وفي التـعبـــير عن (مكنونــاتــه ودواخــلـه الــشعورية) من خلال اللحن الجميل الذي أتـحــفنا به وبكـــثافـــة الأحاسيس والشوق والشجن الذي أمتزجت لــتشكل مع صوته وحــدة فــنية متماسكة ونسيــجاً رومانــسياً عاطــفياً عكس صورة ذلك الزمان الجميل بكل صدق وأمــانــة، ونحن لا نمــلك إلا تســليــط الضوء صوب هذه الأغــنية التي تعــتبر نـموذجاً ومــثـالاً لروائع أستاذنا الجليل الفنان محمد مرشد ناجي ودوره الريادي وخدمته لتطوير الغناء اليمني فهي بقـيمتها الموسـيقــية والغــنائـية من وجــهة نــظري عــلامة بارزة وبصمة هــامـة أضيفت إلى رصيده الغنائي الموسيقي المشرق والمشرف ورفـدت مع عطاءاته الغنائيــة الموسيقية بـثــراء دافــق مـسار الــغـنــاء اليمني وإستمـراريته وتألـــقه نحو الأفضل والأجمل.

الــمرشــدي والــثنــائــيات الفــنـية النـــــاجحة:

ربما يـكون من المألوف وكما جرت العادة أن يـتـفـوق فــنان مع شاعـر معــين ويـــشكلان مـــعاً  ( ثـــنائـية ) يشار إليها بالــبنان، ولكن الأمر مع فـناننا (المـبدع) أختلف تماماً ولايمكن أن يحدث إلا إذا جاد الزمان ( بحـالـة إستــثــناء ) فالمرشدي حقـق ما عجـز عــنـه الكثير من الفنانين غــيـره لانه شـكـل ثــنانــيات غـنائــية مــتعـددة ( نــاجــحة ) مع أكثر من شاعر من فحولة وفطاحلة الشعراء اليمنـيـين والعـرب وأستطاع أن يـتـميز ويـتـفـرد بإبـداعـاته وعــطاءاتـه الــغـنائـية الموسيقية مع كل واحـداً منهم بل وكان جـديـراً مقـتـدراً بتعـامله مع نصوصهم وقصائـدهم المخـتلفة والمـتنـوعة بحسب ثـقـافـتهم وفلسفـتهم في أسـلوب ونمـط العـيش والحياة فمن منا لا يــتذكر روائعــه وإبـداعـــاتــه مع الشعراء الـكـبار الأسـاتــذة : محمد سعيد جرادة / لطفي جعفر أمان / عبدالله هادي سبيت / أحمد الجابري / علي محمد علي لقمان.. وآخرين .

محـــطــــــات إبــــداعــــية هـــــامــة:

تـــعــامل الفنان الكبير محمد مرشد ناجي مع كل (لهـجات وألوان الغـناء اليـمني) فأبــدع بإبــتكار (تحــفاً فـــنية غنـــائية نــادرة).

قـــــدم الـفـنان الكـبـير محمد مرشد ناجي مجموعة مـتـمــيـزة من الأصوات ودفعها لساحة الغناء اليمني مدعــمة بألحانه ورعايته ومن أبـرز هذه الأصوات الأساتــذة: طة فارع بهذه الأعمال الفــنــيـة: هجرت وأبعدتــني/غلــطة عمر/ يخاصمني ويضحك لي/ مرحــب رمضان، الفنان عبد الرحمن حداد:حبـيــب القلب/ لقـــيته يا أمـــاه/ حارس الـــبـن، الفنان محمد صالح عزاني:أنت السبب/ وأبوي إيش الذي صار/ أشــتقـت لك/ يالله الســبق...، وأشترك العزاني وأحمد علي قاسم وفـتحـية الصغيرة في إسكــتــش (بنـت الأكــــابــــر).. وقدم للفنان عصـــام خلـــيدي (حلفـــت ما شفــرقك)، (أشتــقـت لك يا حبيب روحي)، كما قــدم الفنان محمد مرشد ناجي مع الخلــيــدي والــفنـانة نوال حسين مقدمة المسلسل الإذاعي (الرهيـنة) وللفنان أبو بكر سكاريب قــدم أغــنية (مش معـقول) وللفنان أحمد علي قاسم أغــنية (ريــح الشروق) وللـفـنـانـة أمل كعدل أغنية (بامعــك) كمــا غـنـت بالإشتراك معه أنشودة (الوحــدة اليــمنية)، وقــدم أيـضاً للـفـنان الجـمـيـل مـحمـد عـبـده زيــدي أغــنيـة (فـلسـطـين) وللـفـنان عـوض أحـمـد نــشــيـد (يـاجــيلـــنا) وللـفنـانة المـتميزة رجـاء باسودان قـدم  أغنــية (داري هـواك داري) وللفـنان محمد عبده سعد أغنية (طول جفــاه) أما مع المنلوجست المبدع والقدير الفنان فؤاد الشريــف له العــديد من الألحان والأعمال الرائعة والجميلة أتــذكر منها هذه المنلوجات:الــقـــات/ كركر جمل / منلوج الزار/ يا ناس حلو المشـــكلة / أمنــعوا الهجرة / حـــلو لو/ سير يا طــير ســير/ يا مجلس تشريعي / عملت إيش بالبـــلدية...وغيرها من الأعمال الهادفة الناجحة التي حققت إنتشاراً واسعاً وجماهيرية.

للـــفنان القـــدير محمد مرشد ناجي الـعـديـد من المؤلفات والمطبوعات التي تختص بشؤون وقضايا الغـــناء الــيمني القــديم والمعاصر.

لا يسـتـطـيـع تـقــديـم أعمال (المرشدي الغـنائـية) بإجـــادة وإتـقـــان أي فــنان لأسباب كثيرة فهي تتطلب مواصفات ومميزات لا تتـوافر إلا بـصوته وثـقـــافـته الواسعة من أبرزها عــذوبـة وصــفاء ونــقــاء الــصوت ورصانـــته بإلاضافــة لـسلامـة ووضوح مخارج الألفــاظ وقدرته (الــفـــذة) على توصيل المعاني والكلمات معتمداً على براعتـه وحنكــته في إتـقان (فـن الإلقــاء الصوتي وطرائــقه المتعددة والمختلفة).

أحــب الفـــنان محمد مرشد ناجي وتــــأثـــر فنـــياً بأصوات وأسلوب غــناء العمالقة: الشيخ علي أبو بكر باشراحيل/ الشيخ محمد جمعه خان / الشيخ عوض عبدالله المسلمي ورائــدا الأغــنية العــدنية خليل محمد خليل/ سـالـم بامـدهـف ومن الوطن العربي موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.

تعــامل فنـــاننا المبدع (المرشدي) مع معظم المقامات الموسيقية الشرقية العربية وأستخدمها في أعماله منها: الـبــيــات / الهــزام / الـــسيكا / النـــهونــد / الحــجاز / والحــجاز كــار كـــورد/ الراسـت ...وغيرها من المقامات الأخرى.

إبـــتــــدأ الفـنان محمد مرشد ناجي مشواره الغنائي الموسيقي من (القـمة) بأغـنية (وقفـة) وظل متربــعــاً محافظاً على مكــانـــته وجمهوره ومحبـــيــه.

 

خــتامــــاً:

قـمــتُ بتــقديــم هـذه القراءة النـقديـة والفـنـية المقـتضبة المؤجزة  تـقـديـراً وعـرفـانـاً لـمكـانـة ودور الأسـتـاذ الـفنان الـكبـيـر/ محمد مرشـد نـاجـي في مـسـار تـاريـخ الـغـناء الـيـمني الحديث والمعاصر وتـطـويره، وتضمنت بين ثــنايـا حـروفها وسطورها النابضة في الـمقـام الأول (رســــالـــة حـــب ووفـــــاء) لواحداً من أهم رواد ورموز الغناء في اليمن (وأخـر عــناقــيد الإبــداع)، كـمـا أشــعــر أن الـظـروف مــناســـبة لـــنشرها وهـو بـيـنـنـا متـمـتـعاً بصحـــته وعافـــيتـه أطال الله في عمره، فـلا تــُجــدي المـقـالات والمراثي بـعـد أن يــرحــل الـمـبـدعـون وفي قــلــوبــهم غـــصــــــــة وحــــــسرة ومـــــرارة الجـــــــحود والنـــــــــــكران.

 *خاص عدن الغد