آخر تحديث :الإثنين-06 مايو 2024-04:46م

ملفات وتحقيقات


الحر والحرب ومستهلكو الثلج في عدن

الثلاثاء - 24 نوفمبر 2015 - 04:26 م بتوقيت عدن

الحر والحرب ومستهلكو الثلج في عدن
رجل مسن يحمل بيده كيساً فيه قطع من الثلج بمديرية كريتر بعدن أثناء فترة الحرب - عدن الغد

عدن ((عدن الغد)) خاص:

تقرير/ عبدالقادر باراس

 

طوال مدة الحرب التي عاشتها مدينة عدن ومحافظات الجنوب بانقطاع الكهرباء بشكل متواصل مع موسم الحر تضاعفت معاناة أهلها، فلم تترك الحرب التي شنتها القوات الشمالية التابعة لقوات الرئيس السابق صالح ومليشيات الحوثي شيئاً دون التأثير على المدينة سلباً.

كانت مشكلة الحصول على خدمتي المياه والكهرباء في مناطق كريتر والتواهي والمعلا وخورمكسر والتي كانت واقعة تحت سيطرة تلك القوات، عانى أهالي تلك المناطق في بحثهم عن الثلج، وكانوا يتوقون لشربة مياه باردة لا تستطيع ثلاجات البقالات وأماكن بيع الثلج التي أغلقت جميعها بسبب الحرب وكانت تبيعها لمستهلكيه ومن كان يتخذه من قبل لتبريد مياه شربهم وحفظ طعامهم كما يعتمد عليه كثيرا بائعو الأسماك والمطاعم الذي تستخدمه في حفظ الأسماك واللحوم ومشتقاته وكذا الخضار وبائعو الفل والكافتيريات يشترونه باستمرار خوفا من انقطاع الكهرباء.

 

وشهد الطلب على الثلج اقبالا متزايدا أثناء فترة الحرب خاصة في المناطق التي دخلتها تلك القوات الشمالية والذي صادف فصل الصيف، رغم زيادة سعره، حتى أصبحوا يضعون في حسبانهم قيمة الثلج ضمن مصروفهم اليومي، وانتعش باعته بشكل كبير خاصة بعد فقدان سكان المدينة للكهرباء، وجعلوه بديلا لتبريد مياه شربهم وادويتهم وحاجياتهم الضرورية العاجلة بالذات في شهر رمضان.

وبالنسبة للنازحين الذين سكنوا في أماكن نزوحهم ومكثوا في المدارس والمنازل الخالية والشقق المستأجرة، كان اكثريتهم لم يجدوا المياه الباردة، عدا القليل منهم استطاع ان يوفر لنفسه قطع الثلج يوميا، وكذا حال البيوت التي استضافت اسرا في بيوتهم لم تستطع توفير القدر الكافي لهم من قطع الثلج بسبب زيادة افرادها. 

 

ولحاجة المواطنين للثلج كانت سلعة مطلوبة بشدة خصوصا في أيام الحرب ومع شدة الحر وانقطاع الكهرباء انقطاعا كليا في مناطق خورمكسر وكريتر والمعلا والتواهي التي كانت تحت سيطرة القوات الشمالية،  كان الثلج يباع عادة في الصباح، ينتظره المواطنون في أماكن بيعه منذ لحظة وصوله بسيارات محملة لتفرغ قوالب الثلج المسمى بـ(اللادي)، يجلبه وسطاء من معمل تهامة بالمنصورة والذي كان هو الوحيد من يزودهم أثناء الحرب، وأسعار المعمل كانت محددة: سعر القالب وزن 25 كجم 600 ريال، مع ان سعره كان قبل الحرب 300 ريال، وينفد بشكل سريع بالطلب المستمر عليه من قبل الوسطاء ليسوقوه في المناطق المحاصرة بأسعار باهظة، كما كانت تصل إلى المناطق المحاصرة قوالب الثلج بأوزان أكبر منها قادمة من محافظة الحديدة على متن سيارات (دينا) المعروفة بالطنجة (عازلة مخصصة لحفظ الثلج مصنوعة من الفيبر جلاس). 

 

معاناة الناس في أيام الحرب جعلتهم يتراحمون ويساعدون بعضهم البعض، وهذا ما قام به أهالي منطقة المعلا من تزويد مخبزهم الوحيد الذي كان يعمل في فترة الحرب بمياه بئر من مسجد هائل القريب من مخبزهم الآلي بدون توقف، فقدم خدمة جليلة للمواطنين بتزويدهم بالخبز (الروتي) وبالمقابل قام صاحب المخبز الآلي الحاج عبده علي بتبريد المياه الواصلة من البئر من خلال ثلاجاته التي تعمل بالمولدات الخاصة وتوزيعه على المواطنين كخدمة إنسانية.

الى جانب ذلك في منطقة المعلا كانت تصل سيارة (دينا) طنجة بداخلها الثلج فيه أكثر من 120 قالبا (لادي) ويتم بيعه في الحال.

وكان يباع القالب الكبير قبل الحرب بـ1200 ريال بينما وصل سعره في فترة الحرب لأكثر من 4 آلاف ريال وواصل ارتفاعه إلى قرابة 6 آلاف ريال. في وقت كان يشتريه الوسيط بأقل من سعر المعمل بهدف التكسب من الباعة الذين يبيعونه بسعر أكبر، بعد ان يقوم بتقطيعه وتكسيره وبيعه في اكياس على هيئه قطع صغيرة وزنها أقل من نصف كيلو، ليصل سعره إلى خمسمائة ريال.

ويتذكر الباحث وديع أمان، أحد سكان منطقة كريتر ممن ظل فترة أطول في منطقته المحاصرة كريتر، قائلا: "كانت تأتي سيارة نوع (دينا أو بيك آب) قبل الظهر ما بين الساعة (9 - 11) تتوقف في بداية السوق الطويل وسيارة أخرى بجانب فندق الجزيرة، السيارة تأتي بشكل يومي تقريبا بينما في أيام أخرى لم تسمح مليشيات الحوثيين بدخولها. وأحياناً كان يأتي باص صغير بسوق الكدر".

ويواصل أمان حديثه: "كان الثلج يباع مباشرة للمواطن او عن طريق باعة مفرشين لكنهم قلة، ونوعية الثلج (زجاجي) ولا يباع بالقوالب (اللادي) انما بأكياس، وكان سعره مثل الذهب، ووزنه يقل عن نصف كيلو يباع 500 ريال، وأحيانا يصل سعر الكيس إلى ألف ريال".

 

ويقول الأستاذ نبيل صديق، رئيس قسم الصحة العامة بمعهد أمين ناشر للعلوم الصحية بعدن، عن بيع الثلج في منطقته التواهي أثناء الحرب: "دخل الثلج بعد دخول مليشيات الحوثي وقوات صالح وكان الناس من جميع الاحياء بالتواهي يذهبون إلى السوق المركزي لشراء الثلج مع انه لا يدخل باستمرار تحت حجة أن الطريق مغلق والكميات التي كانت تدخل قليلة لا تفي حاجة المشترين وعليها طوابير منذ وصوله في العاشرة صباحا لغاية الثانية عشرة ظهرا، والناس كانت تأتي من أطراف التواهي مثل جولدمور والفتح ومنطقة عاجورة ويأخذون الثلج ونصفه قد ذاب".