آخر تحديث :الثلاثاء-14 مايو 2024-10:03م

ملفات وتحقيقات


عدن وأزمة الخبز أيام الحرب

الخميس - 29 أكتوبر 2015 - 12:43 م بتوقيت عدن

عدن وأزمة الخبز أيام الحرب
مواطنون يقفون في طوابير مزدحمة لشراء الخبز

تقرير/ عبد القادر باراس

عن ازمة الخبز وذكرياتها المريرة أبان فترة الحرب التي عصفت بأهالي مدينة عدن من قبل القوات الشمالية التابعة للرئيس السابق صالح ومليشيات الحوثي التي شنتها على مدن ومحافظات الجنوب.

 

ذكرياتهم التي مرت بها مدينتهم أثناء الحرب كان لها تأثير على حياتهم، وازدادت أحوالهم سوءً، حينها قلّت فيها البضائع وكادت الأسواق تخلو من ضروريات الحياة، كما اتسعت رقعة السوق السوداء لتشمل ارتفاع أسعار الغاز المنزلي إلى جانب ارتفاع البنزين والديزل.

 

ومعظم مخابز المدينة أغلقت أبوابها بسبب نفاذ كميات الطحين المخزون وانعدامه وكذا وقود الديزل التي تعمل بها المخابز حتى أصبح الأهالي مهددون بالموت جوعا جراء الحصار وإغلاق الميناء.

 

ومحنتهم هذا ألجأتهم إلى تناول أردئ أصناف البسكويت الذي كان رائجا ومرغوبا بل كان بعضه منتهي صلاحيته ومع ذلك يحصلون عليه بصعوبة في الأسواق.

 

وليتجاوزوا أزمتهم بانعدام غاز الطبخ اضطرت بعض الآسر للعودة للطهي على مواقد الموفى بالحطب كوسيلة لطهي طعامهم وكذا استخدامهم مواقد الكيروسين "الجاز" لتحضير الخبز من الدقيق الاحمر التي تحصلوا عليه من المساعدات بعد طحنه.

 

ولحاجتهم للخبز كان الموطن يقضي يوميا واقفا بمشاق مصطفا لساعات على أبواب المخابز لينتظر دوره لشراء الخبز "الروتي" رغم خشية انتظاره من النفاذ، ومنهم من لم يحصل عليه فيضطر مرة أخرى للانتقال نحو مخبز أخر لينتظر فينتهي الخبز قبيل وصول دوره وهكذا يكرر محاولته في البحث عن ما يسد به جوعه، وعادة ما كان يأمل في ان يجد مخبز فيه قليل من المصطفين دون تعب أو انتظار وكذا حصوله على حزمة خبز "روتي" أكثر لتكفي عائلته واقاربه التي نزحت إلى منزله ليوم كامل، فبائع المخبز كان يبيع الخبز للمشتري كمية مقررة من الخبز رغم رغبة المشتري بأن يأخذ أكثر من ما حدده صاحبه نظرا لزيادة أعداد أسرهم حيث تصل لأكثر من 15 فرد بينما كان المسموح للمشتري بشرائه الخبز ما بين (300 – 500) ريال وهذا لا يكاد يشبعهم، فكانت بعض من أرباب الأسر تضطر إلى إرسال نسائهم "زوجاتهم وبناتهم" ليقفون في طوابير مخصصة لهم.

 

مخابز المدينة في أثناء الحرب بذلت جهود في الحصول على مادة الطحين وكذا وقود الديزل، كان الكثير منها لا عمل بكامل طاقته بسبب انعدام مادة الطحين حتى تحصلوا عليه بدعم مقدم من منظمة الصليب الأحمر الدولي بالتنسيق مع مؤسسة السماحة التنموية بتزويدهم بأكياس الطحين وتوزيع الحصص للمخابز التي كانت لا تعمل كحاجة ضرورية في متناول الجميع لتخفيف معاناة أهالي سكان المدينة. 

 

وفي مديرية المعلا التي لا توجد فيها حركة في شوارعها بسبب نزوح أهاليها من المنطقة التي كانت خاضعة تحت سيطرة القوات التابعة للرئيس السابق ومليشيات الحوثي عدا القلة الباقية ممن كانوا يبحثون عن الماء والعيش "الروتي" من مخبز واحد كان يعمل يصطف أمامه المئات، وهذا ما قاله عدنان عبده علي محمد، نجل مالك مخبز المعلا الآلي: " كان لدينا مخزون طحين لكنه استنفذ كاملا وحتى لا نغلق المخبز قمنا بشراء الدقيق من السوق السوداء سعر الكيس الواحد عشرة إلى أثنى عشر ألف ريال بينما كان قبل الحرب لا يتجاوز سعره 5300 ريال نأخذه من وكيل السنابل واضطررنا إلى بيع سعر القرص بـ 25 ريال بدل سعره الأول عشرة ريال".

 

وأضاف: " الحوثة استلموا المعونات والمساعدات ووزعوها على المواطنين بالمجان لكننا اشتريناها منهم أي من المواطنين للكيس الواحد بسعر خمسة ألف ريال. وبعد ان سيطرت المقاومة على كافة مناطق عدن باعت لنا الطحين على دفعتين سعر الكيس الواحد بـ 5 ألف ريال فقمنا ببيع القرص بسعر عشرون ريال. وتوقف مخبزنا مع بدء دخول المقاومة حتى رابع العيد "عيد الفطر".

 

ويتابع عدنان حديثه للصحيفة: "كما استلمنا من المقاومة مجانا كميات من الطحين واستخدمناها على مدى ثلاثة أسابيع وبعنا سعر القرص الواحد بسعر 10 ريال. وخلال الحرب وجدنا صعوبة في الحصول على وقود الديزل فكنا نشتري عبوة الصفيحة المتعارف عليها بـ "الدبة" سعة عشرين لتر من الديزل ما بين (6500 – 7000) ريال، رغم أن بعض منها مخلوط أي "مغشوش" إلا إننا استطعنا تجاوز المرحلة".

 

وعن سير العمل في المخبز قال عدنان: " كان في فترة الحرب على فترة واحدة من الساعة الخامسة فجرا حتى 12 ظهرا وكنا ننتج ما بين 8 – 9 آلاف قرص روتي بينما قبل الحرب كان يسير على فترتين الصباحية والمسائية ننتج قرابة 13 – 14 ألف قرص روتي.. فالطلب عليه كان كثيرا وسببت لنا ضغوطات ومتاعب نظرا لشحة الطحين وكذا وقود الديزل وقلة العمّال لدينا وحتى لا نوقف خدمتنا بعد ان تيقننا ان الناس هنا في المعلا باتوا على شفه مجاعة، قمنا على التو بإنتاج وبيع الكعك والبان هذا البديل سهل علينا لسهولة اعداده مقارنة بالروتي لقلة عماله وامتصاصه للحرارة واستهلاكه أقل في كميات المياه ووقود الديزل".

 

وختم عدنان حديثه " حتى اننا قمنا بمد أنبوب مياه من بئر مسجد هائل القريب من مخبزنا بأمتار وربطه بثلاجتنا لتبريد المياه وتوزيعه على المواطنين كخدمة إنسانية".

 

أما حسن بجاش حسن، صاحب مخبز الوادي الكائن بحي السكنية بالمنصورة أكد للصحيفة سبب تكرر ازمة الديزل منذ العام 2011م اضطررنا إلى استخدام الحطب، نستجلبه من السوق على متن سيارة هايلوكس كان سعر الحمولة – الزفة الواحدة تصل خمسة آلاف ريال فنبيع سعر القرص الروتي بـ 10بـ ريال، بينما ازدادت سعر حمولتها أثناء فترة الحرب بأضعاف مضاعفة لتصل في الحمولة الواحدة ما بين 30 – 35 ألف ريال فرفعنا زيادة خمسة ريال للقرص.

 

وواجهنا صعوبات بسبب انعدام مادة الطحين من الأسواق رغم أن مؤسسة السماحة قامت بتزويدنا باكياس الطحين ضمن مشروع دعم المخابز في المدينة فدعمتنا خلال فترات مقررة حزمة عددها 15 كيس سعر الكيس الواحد 6 ألف ريال كنا نستهلكه في ثلاثة أيام بحيث نبيع سعر القرص الروتي بـ 15 ريال، وعند الاستنفاذ نضطر لإغلاق المخبز ليوم أو يومين بعدها ندبر أمورنا ونشتري أكياس الطحين من السوق السوداء كان سعره خيالي يصل للكيس الواحد ما بين 12 – 14 ألف ريال حتى نستمر في خدمة المواطن ونبيعه للمواطن بعشرين ريال للقرص الواحد.

 

وبالنسبة للطاقة الإنتاجية للمخبز يقول حسن بجاش: " مخبزنا يعمل بواسطة الحطب وسعته بسيطة ويستغرق وقت للشحنة الواحدة إن كان حرارة الفرن مرتفعة ما بين خمس إلى عشر دقائق أما إذا كان حرارته منخفضة فيجهز خلال ربع ساعة، كنا نبيع للمواطن كأقصى حد ما قيمته (300 – 500) ريال ومع ذلك عملنا على زيادة كميات الروتي بسبب ظروف الحرب خصوصا ان هناك عدد من المخابز توقفت، فقبل الحرب كنا نستهلك أربع أكياس ونصف إلى خمسة أكياس فننتج قرابة خمسة آلاف قرص من الروتي، أما في فترة الحرب فنستهلك قرابة 7 أكياس بزيادة ألفين قرص، فإلى جانب خدمتنا للمواطن قدمنا خدماتنا للمقاومة وكذا لمستشفى الشيخ خليفة – 22 مايو سابقا بتزويدهم 1500 قرص يوميا".

 

وختم حسن بجاش، حديثه للصحيفة عن تلك الأيام الصعبة التي عاشها في فترة الحرب قائلا: " جميعنا تحمل لأن سعينا كان يتركز من أجل خدمة المواطن في تخفيف معاناته".

 

ويقول محمد درهم، مالك مخبز الهلال الآلي الكائن بالمنصورة شارع الكثيري لصحيفة "عدن الغد": "مخبزنا وفر خدماته للجميع في أثناء فترة الحرب بما فيهم المقاومة فاشترينا أكياس الطحين من السوق السوداء بسعر 12500 – 13000 ألف ريال وازداد سعرها خلال شهري يوليو وأغسطس حيث كنا نشتري الدقيق المهرب من محافظات أبين والحديدة بأسعار مرتفعة تصل ما بين 16 – 20 ألف ريال. كانت شركة النفط تزودنا بالديزل بسعرها المقرر عدا دفعنا أجرة حمولة النقل الصهريج "البوزة". فاستهلاكنا من الدقيق قل في أيام الحرب حيث كنا نستهلك 50 كيس في اليوم بينما كان قبل الحرب نستهلك 120 كيس، فأكتفينا أثناء الحرب بتقديم الرغيف فقط باعتبار إعداد الروتي يأخذ كمية من الديزل أكثر من الرغيف.

 

ويواصل درهم حديثة " يبدأ عملنا في تحضير الرغيف في الثامنة مساءا ويتم بيعه بعد صلاة الفجر ويستمر حتى التاسعة وأحيانا إذا زادت الكمية نواصل بيعه لغاية الحادية عشر ظهرا. وكنا نسمح للمواطن شراءه بـ 500 ريال هذا في حالة الضغط اكتظاظ الطوابير وإن كان الضغط معقول نسمح له بشراء بـ 1500 ريال. أسعارنا بقيت كما هي في فترة الحرب بـ 15 ريال عدا شهر واحد رفعنا قيمة الرغيف الواحد بسعر 20 ريال عندما انعدم الدقيق وارتفع سعره".

 

وأشار درهم أن مؤسسة السماحة دعمتهم بتوفير الدقيق بسعر الكيس الواحد ما بين 6 – 7 ألف ريال، بقوله " المؤسسة تزودنا الطحين بالقطم بسعر القطمة الواحدة ما بين 3000 – 3500 ريال كل ذلك على دفعات نستلمها على حسب الكمية التي معها، بالإضافة كنا نشتري الكيس الملح بـ 11 ألف ريال ينما كان سعره قبل الحرب 500 ريال، كذلك الأكياس العلاقي اشتريناه في الحرب بسعر الكرتون الواحد ما بين (10000 – 11000) ريال بينما سعره قبل الحرب 2200 ريال. وأيضا الكرتون الخميرة اشتريناه ما بين (10000 – 11000) ريال بينما كان سعره قبل الحرب (4600 – 4800) ريال ". 

 

ولم ينسى درهم في ختام حديثه للصحيفة وقوف ومساندة المقاومة إلى جانب مخبزه وتمنى في ان يصلح البلاد والعباد ويلتزم الجميع بشرع الله.

 

فيما أفاد للصحيفة أحد مشغلي مخبز النصر بالمنصورة والذي يعود لوالده طاهر محمد دبوان، قائلا: " كنا في فترة الحرب نعمل بطاقة إنتاجية أكثر مما كنا ما قبل الحرب على رغم ما واجهنا من صعوبات ومتاعب عند استجلابنا وقود الديزل من السوق، فكنا نشتريه بسعر الصفيحة الواحدة  – الدبة سعة 20 ليتر بأربعة آلاف ريال، أما بخصوص أكياس الطحين اشتريناه مدعوما من مؤسسة السماحة التنموية التي زودتنا بكميات تصل 60 كيس فنستهلكه في 3 أيام، ثم ينفذ لننتظر في المرة القادمة وحتى لا يتوقف عملنا كنا نضطر شراء الطحين من سوق السيلة بخسارة تصل سعر الكيس الواحد ما بين 14 – 18 ألف ريال، احيانا لا نستطيع توفير الروتي بسبب انعدام الدقيق الابيض فنكتفي فقط بعمل رغيف من الدقيق الأحمر حتى نلبي حاجة المواطن الضرورية ".