آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-02:30ص

ملفات وتحقيقات


تقرير : عدن في ظل الحرب

الثلاثاء - 07 يوليه 2015 - 02:19 ص بتوقيت عدن

تقرير : عدن في ظل الحرب

تقرير/ عبدالقادر باراس

قد يكون هذا الصيف هو الأقسى مع شهر رمضان في ظل استمرار الحرب التي فرضت على أهالي مدينة عدن والمحافظات الجنوبية من قبل القوات العسكرية الشمالية التابعة للرئيس السابق صالح ومليشيات الحوثي، وألقت تبعاته الثقيلة على أوضاعهم وضاعف من معاناتهم وهم لا يتمنون أن يروا استمرار هذه الحرب وهي تفرض عليهم في شهر رمضان ويفقدون زهوته وملامحه، ويتحسرون عليه في هذا العام باختلافه عن أي رمضان مر عليهم، حيث تخضع مدينتهم "عدن" لحصار منذ بدء الحرب، وبدءوا يوقنون مدى تدهور أوضاعهم التي يمرونها وانعكاسها على حياتهم وافتقادهم لأبسط مقومات الحياة الأساسية في بحثهم اليومي مثل مياه الشرب التي انقطعت في بعض مناطقهم وفي ظل انقطاع تام للتيار الكهربائي وكذا انعدام الخبز والألبان وغاز الطبخ وافتقادهم لبعض الأدوية وغيرها من الأشياء الضرورية المفقودة في السوق حتى أن الكثير منا شاهد رفوف البقالات "الدكاكين" شبه فارغة من المواد الغذائية في حين أغلق البعض منها كما هو الحال اسواق المناطق الخاضعة تحت سيطرة القوات الشمالية التابعة للرئيس السابق صالح ومليشيات الحوثي على خط الشريط الساحلي.

وتتزايد متاعبهم اليومية الأخرى وهم يتواجدون في طوابير مكتظة ينتظرون دورهم في محطات الوقود لتعبئة سياراتهم، وفي مخابز الافران لبيع العيش، وأماكن بيع غاز الطبخ، أو حتى أمام أبار المساجد يبحثون عن شربة ماء، وكذا في محلات الصرافة لمن حالفه الحظ في استلام رواتبه المحّولة من صنعاء، أو لتحويلات تم إرسالها له من أهاليه في الخارج بصعوبة، كل تلك الطوابير تحتاج مزيد من الوقت للحصول على ما يريدونه.

ومع اتساع الأزمة الإنسانية في كثير من مناطق عدن والمحافظات الجنوبية التي تعيش ظروف حرب، تزداد مناشداتهم إلى المنظمات الدولية والعربية للإسراع في إنقاذ وضعهم فهم لم يحصلوا على المساعدات العاجلة التي تقدمها منظمات الاغاثة ويفترض أن تصل إليها أو تحسين الخدمات الصحية ونقل جرحاهم للسفر إلى الخارج.

شاهدنا كيف تعيش آلاف الأسر التي نزحت من مديرياتهم كالتواهي والمعلا وكريتر وخورمكسر وكذا من الاطراف الشمالية من المدينة المواجهة لخط النار كمناطق بئر فضل وبئر أحمد وجعولة ودار سعد والممدارة والمدينة الخضراء فثلاث ارباعهم من تلك المناطق غادروها إلى أماكن يفترض انها تكون مناطق آمنة  لهم كالمنصورة والشيخ عثمان ومدينتي إنما والتقنية السكنيتان والبريقة، فأصبح حالهم في غاية الصعوبة عقب نزوجهم من مناطقهم، حيث تعيش من 3 – 4 أسر في منزل واحد محشورين مع اقاربهم في غرف ضيقة واحواش واسقف منازلهم والبعض استطاع استئجار شقة ومنهم من تم إيواءهم في الفنادق وبعض غرف العيادات الخاصة وكثيرا منهم اضطروا السكن في مخيمات المدارس ورياض الاطفال بعد تعذرعليهم ايجاد مسكن لهم، ومنهم من نزح مع أسره إلى مدن حضرموت والمهرة، كما استطاعت بعض الأسر السفر عبر البحر واللجوء إلى جيبوتي.

وفي وقت عصيب الذي يعيشه المواطن بسبب أوضاع الحرب وما نتج من ارتفاع في أسعار الخضروات والأغذية وكذا انعدام الدقيق "الطحين" في الأسواق في الوقت الذي يُباع في السوق السوداء بأغلى الأثمان، وحتى ان جميع المواد الغذائية المتبقية من المخزون في عدن تباع بأسعار جنونية لتستمر معاناته في وقت ينتعش فيه تجار الحروب الذين وجدوا من هذه الحرب استغلالهم المواطن ليفرضوا عليه أسعارهم الخيالية دون رحمة، ويخرجون بضاعتهم المكدسة داخل مخازنهم والناس في أمس الحاجة إليها ليبيعوها بالسعر المرتفع مع انه كان عليهم أن يبيعوها بالسعر القديم وهم يعلمون بظروفه.

وليس للمواطن البسيط طريقة لمواجهة ظروفه المعيشية الصعبة في مثل هذه الأوضاع بعد توقف صرف راتبه فاضطر منهم لتسيير حياته ومعيشته بالتخلي عن مدخراته من الذهب ليبيعه في ظل هذه الحرب حيث لم تعد بعض الاسر ما تملكه غير ان تبيع ذهبها.

لم تكن أهمية تقدم القوات الشمالية التابعة لصالح ومليشيات الحوثي بالدخول إلى مناطق الشريط الساحلي "خورمكسر وكريتر والمعلا والتواهي" باحتلالهم المطار وجبل حديد واجزاء من معسكر الصولبان كل تلك المواقع ذات بعد استراتيجي في خورمكسر وكذا استيلائهم على المجمع الرئاسي في رأس معاشيق بكريتر وشريط الميناء المطل على منطقتي المعلا والتواهي ومبنى الإذاعة والتلفزيون وكذا قصر "الدوار" الرئاسي تعني كل ذلك الشيء الكثير بسبب المصاعب التي واجهوها وحجم الخسائر التي تكبدتها من قبل المقاومة الشعبية الجنوبية لم تترك لهم فرصة التقدم بأبعد من ذلك.   

لا يعكس مشهد منظر دبب البترول والديزل واكياس الطحين "الدقيق" مفترشة في محطة الهاشمي بجانب سيارات أجرة "البيجو" وباصات الهايس المتوقفة وكذا قلة من الركاب الذين يريدون التوجه إلى مناطق خورمكسر وكريتر والمعلا والتواهي الخاضعة تحت سيطرة القوات التابعة للرئيس السابق صالح ومليشيات الحوثي ماهي إلا صورة من صور تلك الأوضاع التي يعيشها أبناء عدن في أثناء تنقلهم منذ سقوطها.

التقيت بعض من الذين نزحوا من مناطق المعلا والتواهي وكريتر وخورمكسر وتحدثوا لي عن الحالة المأساوية لابناء تلك المناطق قائلين بأن الحياة هناك صعبة جدا بسبب تردي الأوضاع في تلك المناطق ولا يستطيع الكثيرين العيش فيها فالكهرباء مقطوعة في بعض منها منذ الأسبوع الثاني من الحرب ثم عاودت بعد شهرين لكنها لم تستمر لأيام حتى أخرجت محطة توليد الكهرباء عن عملها بسبب الدمار التي لحقت بمحطات التوليد والشبكة بالكامل.

وعن خط السير إلى المعلا والوصول إليها تستغرق لأكثر من ساعتين يتم العبور خلالها في بعض الطرقات الخطيرة المسمى بخط النار، بدءاَ من طريق الممدارة الرئيسي ثم بالطريق الترابي إلى مصنع الأكياس لهائل سعيد القريب من خط العلم مرورا بجولة الرحاب "جولة العريش" على الخط الرئيسي الساحلي المسمى بـ "ساحل أبين" وهناك توجد حواجز نقاط تفتيش للحوثيين على طول الطريق في جولة المحكمة وأخرى في العقبة "عقبة عدن" حتى تصل إلى الطريق الدائري بالمعلا حيث توجد نقطة تابعة للحوثة تحديدا في المجمع القضائي القريب من سوق القات ومن هذه النقطة التي أصبحت مكانا لوقوف السيارات وباصات الهايس ومنها تنطلق إلى مناطق أخرى على الخط الدائري سيرا بطريق دكة الكباش ومن ثم إلى جولة البط القريب من مستشفى الجمهورية فهناك نقطة تفتيش حوثية ومرورا إلى جولة الرحاب وهكذا".

حدثني احد سكان المعلا التربوي عبدالله ديريه، أثناء زيارته إلى المنصورة للالتقاء بشقيقته عن الوضع في المعلا قائلا:

"الحياة هناك صعبة والناس منهكين، حتى انك تجد منهم من لا يصوم بسبب تردي الأوضاع، ولا تشعر انك في مدينة تستطيع التجول فيها في النهار".

 

ويضيف ديريه، لا توجد حركة في الشوارع عدا القلة ممن يبحثون عن الماء في آبار المساجد وكذا رغيف الخبز من محل واحد فقط، فرن عبده علي "الفرنسي" ومنهم من ينتظر ليشتري الثلج، وتنعدم الحركة بعد صلاة العصر، عندما تسألهم، يأتي الجواب لماذا الخروج طالما لا توجد حياة فيها مثل الأسواق والأماكن العامة كانوا يرتادونها كالمقاهي والمطاعم، كل ذلك يزيد من بقاءهم في منازلهم.

 

ولم يخفي ديريه، حزنه من تلك الأوضاع واصفا حالتهم في المعلا بالمأساوي ولا تستطيع الناس تحمل ذلك، حيث ان الشوارع مظلمة عدا بعض الشموع التي نرى منها مضاءة من زجاج نوافذ المنازل، إذ المياه مقطوعة ويستمر لأيام ثم يعود بشكل ضعيف ولساعات معدودة ثم ينقطع وهكذا، ويلاقون متاعب أثناء جلبهم مياه آبار الشرب من المساجد بسبب عدم توفر الوقود لتشغيل المضخة، وللحصول على احتياجاتنا الضرورية يضطر احدنا الذهاب إلى مناطق الشيخ عثمان او المنصورة لشراء متطلباتنا الأساسية وكذا التنسيق مع أقاربنا لإستلام رواتبنا ان كنا من المحظوظين في كشوفات الحوالات لنحصل عليها بعد استقطاع نسبة منها.

يصف حسين عبدالله، أثناء نزوله إلى المعلا لتفقد منزل والده هناك ونزوحه إلى المدينة التقنية قائلا "ما رأيته في مدينتي المعلا الحياة فيها كئيبة ومرهقة للعائشين فيها عند بحثهم للخبز او الماء، جميع المحلات و الدكاكين "البقالات" مغلقة عدا قلة من مفرشي القات وباعة الخضار وقليل من بسطة السوق السوداء مثل السيجار والعصائر.

وعن النازحين من المعلا  يقول حسين:" كان نزوحهم في البداية قليل لكن العدد زاد حوالي أكثر من نصف سكان المنطقة بعد ان امتدت لتشمل بقية المناطق، حتى تركوها فأصبحت شبه مهجورة والمحلات مغلقة، بعد فقدانهم الأمل بعودة الكهرباء واستمرار انقطاع المياه لأيام متواصلة وكذا الهجمات التي تشنها طائرات التحالف العربي على قوات الرئيس السابق صالح ومليشات الحوثي سواء على المطار او جبل حديد أو في أماكن تواجدهم في كريتر والمعلا والتواهي، وزاد خوفهم من تفشي الأوبئة والامراض منها حمى الضنك التي فتكت بالمئات، كل هذا جعلهم ينزحون منها لصعوبة الحياة فيها، لم اتصور أن تصل منطقتنا المعلا أو عدن بشكل عام إلى هذا الحد من الخراب والذمار وصعوبة الحصول على الاحتياجات والخدمات الضرورية".

واختتم حسين حديثه معبرا عن تخوفه من المستقبل القادم بعد الحرب بقوله: " لا نعرف ما ننتظره في الأيام القادمة ربما يكون أكثر صعوبة من أيام الحرب، إذ أن هناك صعوبات سترافقنا بسبب تبعات هذه الحرب".