آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-08:30ص

أخبار وتقارير


تراجع النموذج التركي: هل اقتربت "الأردوغانية" من السقوط ؟

الأربعاء - 10 يونيو 2015 - 05:35 م بتوقيت عدن

تراجع النموذج التركي: هل اقتربت "الأردوغانية" من السقوط ؟

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية-محمد بسيوني عبد الحليم

 

استند حزب العدالة والتنمية طوال السنوات الماضية في سلطته إلى تأييدٍ جماهيريٍّ أتاح له السيطرةَ على أغلبية برلمانية تُمكِّنه من تشكيل حكومة منفردة، وقد شكلت هذه المعطيات المدخلَ الجوهري "لحالة الاستثناء" التي أسس لها الحزب في المشهد السياسي التركي، فالحزبُ -من جهة- مَثَّلَ نموذجًا محافظًا متمايزًا عن غيره من الأحزاب القائمة، ناهيك عن مقومات الدولة التركية العلمانية، والتي أعلن الحزب أنه لا يسعى إلى الصدام معها، وعلى جهة موازية ومع إدراك الحزب أهمية "شرعية الإنجاز" قدم الحزب أجندة إصلاحات اقتصادية، وظّفها كثيرًا في الحفاظ على السلطة، والإبقاء على الدعم المجتمعي له.

 

ولكن بمرور الوقت، بدا أن استمرار نموذج حزب العدالة والتنمية، والحالة الأردوغانية (نسبة إلى زعيم الحزب والرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان) التي أفرزها؛ معرضين لتحديات، البعض منها ارتبط بالخيارات السياسية والاقتصادية للحزب وزعيمه رجب أردوغان، والتي كان من شأنها التأثير على صورة الحزب، لا سيما مع تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وتداعيات أحداث ميدان تقسيم في 2013. أما التحديات الأخرى فقد ارتبطت بطبيعة العلاقات المعقدة مع القوى السياسية الأخرى، والتي اتسمت بدرجة كبيرة من الصدام والصراع. وهكذا تداخلت هذه المتغيرات بشكل أو بآخر مع مشهد الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، لتثير معها تساؤلات ملحة حول مستقبل الأردوغانية، ومدى إمكانية استمرار نموذج العدالة والتنمية.

الانتخابات.. مضمون النتائج

أسفرت الانتخابات التشريعية التي أُجريت في تركيا يوم (7 يونيو 2015) عن حصول حزب العدالة والتنمية AKP على 40.86% من إجمالي أصوات الناخبين، ليحصل بذلك على 258 مقعدًا برلمانيًّا، بينما جاء بعده حزب الشعب الجمهوري CHP بنسبة 24.96% من أصوات الناخبين، ليحصد بذلك 132 مقعدًا في البرلمان، وجاء في المرتبة التالية حزب الحركة القومية MHP بنسبة 16.29% من أصوات الناخبين و80 مقعدًا برلمانيًّا، كما تمكن حزب الشعب الديمقراطي HDP (المعبر عن الأكراد) من الحصول على 13.12% من أصوات الناخبين ومن ثم 80 مقعدًا في البرلمان.

Source: BBC, "Turkey elections: Erdogan says no party can rule alone", 8 June, 2015, http://www.bbc.com/news/world-europe-33047047

وتأسيسًا على ما سبق، بدت هذه الانتخابات بمثابة إشكالية لحزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس التركي رجب أردوغان، فالحزب فَقَدَ الوضع السياسي المتميز الذي كان يتمتع به خلال الثلاثة عشر سنة الماضية (منذ الوصول إلى السلطة في 2002)؛ حيث كان يتمتع بأغلبية مطلقة في البرلمان تُتيح له تشكيل حكومات منفردة دون اللجوء إلى تحالفات وائتلافات مع الأحزاب الأخرى، وتكفي هنا الإشارة إلى الاختلاف الذي حدث بين وضع الحزب في انتخابات 2011 وانتخابات 2015، إذ إن الانتخابات التشريعية 2011 انتهت إلى حصول الحزب على نحو 50% من إجمالي أصوات الناخبين أهلته للاحتفاظ بـ327 مقعدًا تشريعيًّا.

التحول الأكبر الذي شهدته الانتخابات الجارية والذي كان له تأثير على الحزب الحاكم، ارتبط بقوى المعارضة، لا سيما في حالتي حزب الحركة القومية MHP وحزب الشعوب الديمقراطي HDP. فمن جهةٍ تمكن حزب الحركة القومية من زيادة نسب التصويت لصالحه من 13% في 2011 إلى 16.29% في 2015، أما حزب الشعوب الديمقراطي فقد مثل الرقم الأهم في الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث سعى الحزب إلى تقديم خطاب متباين عن خطاب الحزب الحاكم، يستدعي الصوت الكردي، ويوحد المرشحين الأكراد في حزب واحد، بخلاف ما كان يحدث في الانتخابات السابقة بالاعتماد الكردي على فكرة المرشح المستقل، وكان لهذا التغير في التوجهات الكردية تأثير على حزب العدالة والتنمية الذي خسر الكثير من الأصوات الكردية في الانتخابات التشريعية.

مستقبل الأردوغانية

صحيح أن حزب العدالة والتنمية خرج من الانتخابات التشريعية بأغلبية برلمانية، بيد أن تراجع قدرة الحزب على حسم أغلبية مطلقة سيكون له تأثير على طموحات الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه؛ فعلى الصعيد الداخلي، تبدد طموح أردوغان في تعديل الدستور لتغيير النظام السياسي في تركيا من جمهورية برلمانية إلى جمهورية رئاسية تعطي لأردوغان سلطات كبيرة في إدارة شئون الدولة؛ حيث كان يتطلب هذا الأمر حصول الحزب على ثلثي مقاعد البرلمان (367 مقعدًا من إجمالي 550 مقعدًا)، أو على أقل تقدير، الحصول على 330 مقعدًا تمنح الحزب الفرصة في تقديم التعديل الدستوري المنشود إلى استفتاء شعبي.

ومن المحتمل أن تؤثر نتائج الانتخابات أيضًا على السياسة الخارجية لأردوغان، فمع تراجع قدرة حزبه على تشكيل حكومة منفردة، وانتقادات القوى السياسية الأخرى للسياسة الخارجية للرئيس التركي أردوغان؛ قد تحدث مراجعات فيما يتعلق بسياسة أردوغان تجاه مصر، كما أنه سيكون من الصعب على أردوغان التحرك بأريحية كبيرة على الصعيد الخارجي وقضايا الشرق الأوسط، لا سيما في الملف السوري، ودعم الفصائل الإسلامية المسلحة المعارضة لنظام الأسد، ناهيك عن الموقف من الأكراد داخل سوريا، خاصةً مع وصول حزب الشعوب الديمقراطي للبرلمان، وإمكانية ضغطه على أردوغان وحزبه لإبداء المزيد من التقارب والدعم للأكراد في سوريا.

وبوجه عام سيظل مستقبل أردوغان وحزب العدالة والتنمية مرتهنًا بعدد من العوامل الرئيسية يمكن اختزالها فيما يلي:

أولا- القدرة على التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الداخلية التي شهدت في السنوات الماضية تراجعًا ملحوظًا، فخلال السنوات الخمس الماضية تراجع النمو الاقتصادي من أكثر من 10% إلى 3%، كما أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لم يشهد أي نمو منذ عام 2007، علاوة على ارتفاع معدل البطالة إلى 10% تقريبًا، وهذه المؤشرات في حال استمرارها سيكون لها انعكاس سلبي على مستقبل حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب أردوغان، خاصةً أن الحزب ظل طوال السنوات الماضية يستند في شرعيته والترويج لخطابه إلى الإنجازات الاقتصادية التي حققها مع توليه مقاليد السلطة.

ثانيًا- إيجاد تسويات للمشكلات والقضايا الجوهرية التي يمكن توظيفها كمدخل لتقويض صورة الحزب، إذ إن ثمة قطاعًا داخل تركيا يرى أن أردوغان يطمح إلى تأسيس نمط حكم شبه مطلق يتمتع فيه بصلاحيات واسعة، ناهيك عن قضايا الفساد التي طالت الحكومة التركية خلال الشهور الماضية، وبددت كثيرًا من مفردات حزب العدالة والتنمية، كحزب محافظ يستدعي قيمًا دينية، فضلا عن تلك الإشكاليات سيكون أردوغان وحزبه مُطالبًا بمراجعة الملف الكردي، والبحث عن صيغة لسلام حقيقي تُنهي الصراع بين الدولة التركية والأكراد. وهكذا ستحدد طريقة تعاطي حزب العدالة والتنمية مع هذه الملفات المسارات المستقبلية للحزب والرئيس التركي أردوغان. 

ثالثًا- شكل الحكومة الجديدة وقدرة الحزب على إنجاز توافق مع أي من أحزاب المعارضة لتشكيل حكومة ائتلافية، وفي هذا الإطار ثمة سيناريوهان مطروحان، أحدهما أن يتمكن الحزب من إنجاز اتفاق مع حزب ما من أحزاب المعارضة، وفي هذه الحالة سيكون الرئيس التركي وحزبه أقل قدرة على تنفيذ رؤاهم المنفردة، سواء داخليًّا أو خارجيًّا، خصوصًا أن أحزاب المعارضة مختلفة كثيرًا مع سياسات أردوغان وحزب العدالة والتنمية. وينصرف السيناريو الآخر إلى عدم تمكن الحزب من الاتفاق مع أحزاب المعارضة، والتي أعلنت أنها لا ترغب في التحالف مع حزب العدالة والتنمية، ومن ثمّ يتم الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وحينها سيسعى حزب العدالة والتنمية إلى الترويج لخطاب الاستقرار الاقتصادي لدفع الناخبين لتأييده، والحصول على أغلبية مطلقة، تضمن له استمرار نموذجه، وتجديد دماء الأردوغانية.