آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:59ص

أخبار وتقارير


شهادات يرويها طاقم أطباء بلا حدود في اليمن

الأحد - 24 مايو 2015 - 08:52 م بتوقيت عدن

شهادات يرويها طاقم أطباء بلا حدود في اليمن

عدن(عدن الغد) خاص:

هذه الشهادات  يقدمها لعدن الغد مكتب اطباء بلا حدود في اليمن وتنشرها لاهميتها 

حسني منصور مشرف التمريض في عدن- 15مايو 2015 

 

أمكث في المستشفى منذ بداية الإشتباكات في 19 من مارس و بسبب خطورة الوضع في عدن و إشتداد الإشتباكات لم أستطع مغادرة المستشفى منذ ذلك اليوم سوى مرتين اثنتين. المرة الأولى كانت لنقل أحد المرضى إلى مستشفى متخصص لإن حياته كانت مهددة بسبب إصابته الشديدة في البطن و عجزه عن التنفس. كان علي أتخاذ هذا القرار و المخاطرة بحياتي لأجل إنقاذ حياة المريض و الحمد لله تم إنقاذه و هو الأن حي يرزق. 

 

أما المرة الثانية التي غادرت فيها المستشفى كانت للمشاركة في دفن صديق عزيز كان مسئولا إدارياً لاحدى المستشفيات المحلية لكنه لم يتخل عن وظيفته كممرض و كان يعمل متطوعاً في إسعاف الجرحى خلال الإشتباكات. في أحد الأيام عندما كان يعمل في إسعاف المرضى، كانت السيارة التي تسعف المريض مسرعة- لم تكن هناك سيارة إسعاف و كانت سيارة مكشوفة. سقط صديقي من على السيارة و تم نقله إلى احدى المستشفيات. لم أستطع زيارته عندما كان في المستشفى لأني كنت منشغل بالعمل هنا في المستشفى حيث استقبلنا حالات كثيرة و كان لزاماً علي التواجد للإشراف على الممرضين و مساعدي التمريض و عمال النظافة و الأقسام الأخرى. في اليوم الثالث على إصابته تلقيت خبر وفاته و شكل الخبر صدمة بالنسبة لي. كانت تلك المرة الثانية التي خرجت فيها من المستشفى لتوديع صديقي و المشاركة في دفنه. لقد كان شخصاً طيباً مجتهداً و شجاعاً. 

بسبب خطورة الوضع و عدم مقدرتي على مغادرة المستشفى  غادرت عائتي عدن مع جيراننا إلى منطقة خارج عدن حفاظاً على سلامتهم. غادرت عائلتي بدون أن استطيع توديعها و روئيتها. بيتي على مقربة من المستشفى- يبعد حوالي 3 كيلو متر و لكني أشعر ان المسافة بيني و بينه ألاف الكيلومترات حيث أني لا أستطيع الذهاب و تفقده. سمعت من بعض الجيران أن المنطقة أصابتها قذائف و لكني لا أعرف ما هي حالة بيتي. هل هو مقفل هل تكسرت شبابيكه هل تعرض للسرقة.. لا أعرف شيء عنه الأن.

منذ 19 من مارس و مغادرة عائلتي أصبحت حياتي تتمحور داخل المستشفى، كل ما أقوم به هو العمل و تناول طعامي و أخذ قسط من الراحة إن توفر لي ذلك. دائماً ما يحصل أن أحاول أن انام و لكن علي أن أصحو خلال الطوارئ لاقوم بترتيب الكثير من الأشياء لإستقبال المرضى الذين لا زلنا نستقبلهم على الدوام و بإعداد ليست بقليلة بالرغم من أن معضهم يجد صعوبة في الوصول للمستشفى. يقول لي بعض المرضى أنهم يدفعون قيمة المواصلات عشرة أضعاف مما كانت عليه أسعار المواصلات قبل الأشتباكات- هذا إن استطاع بعضهم الوصول أصلا للمستشفى. فبالنسبة للمواصلات التي كانت تكلف 500 ريال يمني ( ما يعادل دولارين و نصف) اصبحت قيمة المواصلات 5000 او 6000 ريال يمني- أي 25 او 30 دولار و هو مبلغ من الصعب توفيره في الظروف الصعبة التي نعيشها حيث لم يتسلم الكثير من المواطنين رواتبهم من الدولة بسبب إغلاق البنوك و مراكز البريد و مراكز تحويل الأموال و تعذر الحركة في المدينة.

بالنسبة للطعام و الماء فهذه مشكلة أخرى بجانب مشاكل نقص الوقود و المشكلة الأمنية المتدهورة. يقول لي بعض جيراني و معارفي أنهم يتناولون وجبتين و أحياناً وجبة واحدة في اليوم بعد أن يكون من الضروري عليهم الوقوف في طوابير للحصول على الطعام الذي يدفعون قيمته في كل الأحوال. و المشكلة نفسها بالنسبة للماء. كل هذا و عدن مدينة ساحلية ترتفع حرارتها يوماً بعد الأخر خلال فصل الصيف.  بالنسبة للطعام في داخل مستشفى اطباء بلا حدود فأننا نواجه أحيانا مشكلة في توفير الطعام بسبب عدم مقدرتناعلى الخروج من المستشفى لكن هذه المشكلة لا تقارن بما يتعرض له المواطنون. المطاعم مغلقة و محلات بيع المواد الغذائية مغلقة في المناطق التي تشتد فيها الإشتباكات. 

أحيانا تكون الإشتباكات قريبة من مستشفى أطباء بلا حدود لكن أكبر مخاوفنا هو أن تصبح المستشفى في قلب منطقة القتال. مرات عدة عند اشتداد الاشتباكات نقوم بالنزول للبدروم و هذا يشكل مشكلة أخرى حيث أنه يجب علينا قبل النجاة بأنفسنا إخراج المرضى الذين ينامون بجانب الشبابيك و إدخالهم إلى منطقة أمنة. تكرر الموقف عدة مرات..  نسمع أصوات الرصاص و القذائف أو الضربات الجوية ثم نقوم بإدخال كافة المرضى إلى مناطق أمنة قبل تأمين أنفسنا. تكسرت نوافذ المستشفى أكثر من مرة و دخل الرصاص إلينا و لكن حتى الأن لم يتضرر أحد داخل المستشفى. للأسف فأن بعض افراد طاقمنا الطبي في عدن فقد بعض أفراد عائلته في الإشتباكات. البعض فقد الأخ أو الأب أو الصديق. عادة ما يحصل أن يخرج بعض أفراد طاقمنا الخروج من المستشفى للإطمئنان على عائلته و لا نسمع عنه أي اخبار لمدة أسبوع أو اثنين بسبب أنقطاع الإتصالات و توتر الحالة الأمنية التي تحتم عليهم البقاء في منازلهم. 

 

لا نعرف إلى متى سيستمر الوضع على هذا الشكل. أنا في حزن بالغ على ما حل في عدن. يقول لي أحد أصدقائي أني لن أصدق عيناي إن رأيت منطقة كريتر الأن. كريتر مسقط رأس صديقي و المنطقة الأحب لي في عدن و لي فيها ذكريات جميلة. لا أعرف ماذا أقول لكن علينا أن نتناسى الألام و نحفز أنفسنا لإستمرار تقديم الخدمات الصحية للجرحى. بالنسبة للهدنة التي نسمع عنها، فنحن لم نشعر بها في عدن.