آخر تحديث :الخميس-25 أبريل 2024-09:47ص

ملفات وتحقيقات


الو .. الو علي عنتر احدثك من الضالع .. هل تسمعني؟

الثلاثاء - 19 مايو 2015 - 10:48 م بتوقيت عدن

الو .. الو  علي عنتر احدثك من الضالع .. هل تسمعني؟

كتب مروان الجوبعي

صباح الخير يا إبليس .. هل يلتقي الموتى ؟ هذا السؤال أرهقني لأنني أحمل هماً بداخلي و أريد أن أرسل رسالة إلى الشهيد علي عنتر عبر أبنه المتوفي اليوم لأطلعه عن أحوالنا .. أريد أن أقول له بعد السلام : ماذا تريد أن تعرف عن أخبارنا ؟ ماذا تريد أن تعرف عن وطنٌ أضاعوه بعدكم الضعفاء والبُلداء؟ ماذا تريد أن تعرف عن الدولة التي بنيتموها ودفعتم دم قلوبكم من أجلها وإلى جانبكم كل أبناء الوطن؟ كل شيء جميل تسأل عنه تبخر وأصبحت الأجيال في الشتات ومن بقي اليوم يُقتل.

ماذا تريد أن تعرف عن الضالع؟ الضالع جريحة وجرحها عميق .. حزينة وحزنها أعمق .. تتألم كل يوم ولكنَّها ما زالت بذلك الكبرياء والشموخ لم تنكسر .. تودّع قوافل الشهداء كل لحظة ولكنّها بنفس الوقت تنجب أبطالاً آخرين .. ألم تصل إليك طلائعهم؟

الضالع في هذا الصباح الذي أكتب إليك فيه تستنشق الأُكسجين ممزوجٌ بالبارود وأيضاً لم يعد يُسمع في صباحها أصوات العصافير كأي مدينة في هذا العالم .. صوت الرصاص وصوت المدافع طغى على كل صوتٌ جميل فيها .. هل تتذكر كيف كان يبدو صباحها جميلاً في الماضي؟ هل ما زالت ذاكرتك تحتفظ بمشاهدها الصباحية والضباب والسحاب الأبيض يغطي وديانها ويعانق جبالها والندى يعتصرُ منها ويعطّر المدينة؟

الآن لوَّث القتلة بقذائف حقدهم أجوائها واختفى هذا المشهد البديع وأصبحت تغطَّي سمائها سحبٌ سوداء تعتصرُ منها سمومٌ قاتلة يستنشقها الناس فيها كل يوم .. ظهيرتها ومساؤها أيضا ليسُ أحسن حالاً من صباحها .. كل شيئاً فيها مُعدم وغير قابل للحياة لكنَّها تعيش وكلما أمّعن أعدائها بالقتل وأرادوا لها الهلاك تتشبث أكثر وأكثر بالحياة.

هي الضالع التي تعرفها لم تتغيّر أبداً .. هي أنت وأنت هي .. نعم غاب جسدك عنها ولكن روحك تسربت إلى أجيالها وها أنا أشعر بك حياً تتحرك بكل شبر فيها.

لا تقلق دار الحيد ورمزها التاريخي لم يسقط ولن يسقط ما زال شاهداً على حقد وحقارة الأعداء وسيظل إلى الأبد يذكّر الأجيال ما فعله هؤلاء الأوغاد.

في أكبر المجازر التي أرتكبها القتلة فيها، مجزرة سناح .. شاهدتُ بعيني نساء هذه المدينة الصامدة أثناء التشييع يصطفّنّ على طول الخط العام وهنّ يرفعنّ الأعلام والشعارات الوطنية نفس الشعارات التي كنت أنت تحملها نفس ألوان العلم الذي كنت تقبَّله وترفعه في كل مكان .. سمعتهنّ بأذني يزغردن يوم توافد كل الجنوب إلى مدينتك ليحملوا على أكتافهم أكثر من عشرين شهيداً دفعةً واحدة من ضمنهم أطفال وشيوخ قتلهم الغزاة في مخيم عزاء وهم آمنين.. سمعنا يومها زغاريدهنّ ولم نسمع نواحا رغم هول الفاجعة وعمق الحزن .. هذا الخبر بالتأكيد سيسعدك كثيراً ولكن هناك أيضاً أخباراً أخرى بخصوص المجزرة ستزعجك جداً

طبعاً لا شك أن عندك الخبر اليقين بخصوص مرتكبي المجزرة وتفاصيلها الأخرى ولكن هناك أمراً جلل أُخفي عنك .. هل تدري عن أسوأ ما فيها ؟ أسوأ ما فيها أن أبنك جهاد كان يومها وبعدها وقبلها يجلس على موائد القتلة ويعيش على فتاتهم ولم نسمع له أي موقف .. أكيد هذه الحقيقة ستشكّل صدمة بالنسبة لك (!)
أدرك أن هذا سيزعجك جداً وسيثير غضبك لأنك شجاعاً لا تقبل أن تسمع في أي مواطن من أبناء وطنك مثل هذا الكلام فما بالك أن تسمع مثلهُ عن أحد أبناؤك !!! ولكن لا عليك رغم سوء هذا الخبر ثق تماماً أن الضالع هي الضالع لم تتغيّر وأن هناك أبطالاً كثر يتسابقون من أجل الدفاع عن وطنٌ أوصيتهم فيه.

مضطر أن أتوقف الآن هنا رغم أن في جعبتي الكثير من الأمور لأسردها لكن إبليس مؤخراً أبلغني أن الموتى لا يلتقون وأن ردفان سيكون بعيداً عن أبيه وان المسافر إلى العدم لا يُسمح لهُ بحمل الرسائل .. إذن وداعاً يا ردفان فلم أجد من أعزيه فيك لذا استدعيت من يستحق العزاء والمناجاة استدعيت من يستحق الكتابة والتوثيق باسمه .. وداعاً فموتك اليوم جاء ونحن في حالة حداد وحزن مفتوح لا يتوقف ودموعنا تحجّرت من عمق الحزن وشدة الألم