آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-03:30ص

أدب وثقافة


في ذكرى رحيل محمد سعد عبدالله .. تسع سنوات من الغياب المر

السبت - 16 أبريل 2011 - 07:09 م بتوقيت عدن

في ذكرى رحيل محمد سعد عبدالله .. تسع سنوات من الغياب المر
صورة تجمع بين عملاقين من عدن الأول المذيع الراحل شكيب عوض في لقاء تلفزيوني مع بن سعد بتلفزيون عدن في العام 1999

عدن ((عدن الغد )) خاص:

يصادف اليوم السبت ذكرى مرور 9 سنوات على وفاة الفنان القدير محمد سعد عبدالله "ابو مشتاق" الفنان الإنسان الذي اشجى مسامع على مدى عقود باجمل الاغاني التي ابدع الراحل فيها ولاتزال حتى اليوم تمثل مدرسة فنية بحد ذاتها.

تمر ذكرى رحيل "بن سعد" هذا العام وسط تجاهل الاوساط الرسمية والاهلية  لذكرى رجل قدم الكثير للحياة الفنية في اليمن عام وعدن خاصة .

محمد سعد عبدالله القامة الفنية الباسقة التي غنت للحب وللوطن ولكل احساس اجمل الاغاني واعظم الاناشيد .

رحل "بن سعد" لكنه ترك لنا مدرسة فنية عظيمة ستظل نبع من العطاء المتجدد.

تخليداً لذكرى بن سعد صاحب الفن الاصيل ينشر "عدن الغد" مادة صحفية عن هذه القامة الفنية الشامخةجزء منها مأخوذ عن موقع شخصي للفنان الراحل.

الشاعر والفنان الغنائي القدير محمد سعد عبدالله

محمد سعد عبدالله

 

من مواليد محافظة لحج - مدينة الحوطة عام 1934م كان والده الشيخ/ سعد عبدالله مطرباً ذائع الصيت ومن الأخبار المؤكدة ما رواها لي والدي المولود في مدينة الحوطة حيث يقول: «شهدت الفترة التي اشتهر فيها الشيخ/ سعد عبدالله الذي حل مع أسرته في مدينة الحوطة وتزوج فيها، وكان يسكن في الحي الذي نسكن فيه، أنجبت له زوجته ولداً أسماه محمداً ثم ما لبث أن طلقها ومن بعده تزوجت وعاشت مع زوجها في مدينة الشيخ عثمان، أما محمد فقد عاش مع أبيه في منزل جده زوج جدته أم أبيه وبين عماته في لحج».

 

وجاء عنه في كتاب الفنان/ محمد مرشد ناجي (الغناء الصنعاني القديم ومشاهيره) مايلي: «يقول الأديب عبدالله البردوني أن الشيخ سعد عبدالله أصلاً من مدينة كوكبان، ويقول الحاج/ عوني حسن العجمي أن الشيخ سعد برأي والده ورأي الكثيرين ممن عاصروه يعد شيخ مشائخ زمانه في الغناء لحافظته لألحان الموشح اليمني وألوان أخرى من الغناء، الى جانب أنه يحفظ ثلاثة آلاف مقطوعة شعرية وأنه كان أديباً وشاعراً ويتمتع بصوت جميل أخاذ».

 

انتقل محمد سعد عبدالله ليعيش مع أمه وزوجها في المنزل الكائن في مدينة الشيخ عثمان خلف حارة الصباغين، وكان يلتقي بأصدقاء له من محبي الغناء والطرب ويقضي معظم أوقاته معهم ثم يعود بين الحين والآخر الى حوطة لحج التي قضى فيها سنوات طفولته الأولى وحفظ الكثير من أنغامها وألحانها وايقاعاتها فكان له الزاد والمعين الذي لا ينضب الى جانب ما ورثه عن أبيه من حب كبير للغناء والطرب دفعه في حياته الفنية الى البدء في تعلم العزف على الآلات الايقاعية، وعلى الرغم من سنه المبكر فقد كان حريصاً أشد الحرص على مصاحبة بعض مشائخ الغناء والطرب في ذلك الحين أمثال المطرب/ عوض عبدالله المسلمي والمطرب/ اسماعيل سعيد هادي والمطرب/ أحمد عوض الجراش الذي تأثر به كثيراً، والعمل معهم في المخادر والأعراس ضارباً بالايقاع أو الدف وأحياناً يقوم بدور مردد (كورس) مما ساعده على اجادة أصول الموشح الغنائي اليمني القديم (الصنعاني) فقد كان يشترط في ضارب الايقاع أن يكون موهوباً ويتمتع بصوت جميل حتى يستطيع القيام بدور الكورس في الأغاني التي تتطلب منه ذلك، وربما يستطيع أن يقوم بالغناء اذا طلب منه ذلك مطرب السهرة الأساسي، واذا كان هذا العازف حافظاً للموشحة اليمنية (الأغنية الصنعانية) وأتيحت له الفرصة ليغني في أكثر من مناسبة فلابد له من تعلم العزف على العود، واذا ما تمكن من ذلك فإنه يستطيع أن يكون تخته الخاص به وينافس المطربين في احياء حفلات الزواج ومجالس القات، ومن خلال هذا التقليد التدريجي تخرّج كثير من المطربين في عدن ومنهم بن سعد.

 

شخصية مستقلة

وحتى يستطيع أن يكون شخصيته المستقلة من خلال نتاج فني خاص به يحمل لونه ويميزه عن بقية زملائه المطربين بدأ بالتعامل مع بعض الشعراء لمدة بالقصائد فكان له ما أراد عندما خصه شاعر الرابطة الموسيقية العدنية آنذاك الدكتور/ محمد عبده غانم بقصيدة (محلا السمر جنبك) التي لحنها بنفسه ولاقت نجاحاً منقطع النظير. فقد جاء اللحن مبنياً ومطابقاً للون الغناء في لحج وعلى طريقة الدان المبنية عليه كل الألحان اللحجية فهو قد تأثر بالمطرب فضل محمد اللحجي وأعجب به كثيراً وشدا ببعض ألحانه واشتهر بها، منها أغنية (سرى الليل ياخلان) وأغنية (يوم الهنا والمسرة)، هذا التأثر بدا واضحاً في أغنية (محلا السمر جنبك) التي بدأها بمقام حجاز اليمن على درجة الدوكاة وهو نفس مقام أغنية (سرى الليل ياخلان) وأغنية (يوم الهنا والمسرة) أما موسيقى الكوبلية فقد صاغها على مقام الحسيني (دوكاة) وغنى في بدايته على نسبة بياتي (دوكاة) وختمه واستقر على مقام حجاز اليمن (دوكاة) كما استخدم فيها ايقاع الزف اللحجي وكلمة (ألا) التي تتكرر كثيراً في الأغاني اللحجية وعلى طريقة غناء الدان ليؤكد تأثره به، وانتماء هذه الأغنية الى لون الغناء في لحج.

 

أما محاولته الثانية فكانت في أغنية (مابا بديل) فهذه الأغنية بكل عناصرها الثلاثة شعراً ولحناً وأداءً تنتمي الى لون الغناء في لحج، ففي العنصر الأول وهي القصيدة التي هو قائلها فقد استخدم فيها بعض المفردات المستخدمة في غناء لحج مثل (مابا) بمعنى (لا أريد) وكلمة (خاف يرحمني) بمعنى يمكن أن يرحمني وكلمة (ألا) المستخدمة في الغناء اللحجي كلازمة ضرورية وسمة خاصة من سمات وضع الألحان اللحجية.

 

أما اللحن فقد جاء تطويراً للجمل اللحنية المألوفة في الألحان اللحجية المبنية عادة على وتيرة واحدة وتعتمد على التكرار وجاءت جملة ملتزمة بالبناء اللحني الصحيح الذي يعتمد على عدد المازورات وعدها قواعدياً بحيث تحمل كل الجمل العدد القواعدي الصحيح (أربع أو ثمان مازورات) أما مقدمته الموسيقية فقد بنيت على مقام الراست على درجة الراست، لكننا نراه يستخدم جنساً آخر في غناء المذهب فيستبدل جنس الراست على النوى في مقام الرايست بجنس حجاز اليمن على درجة النوى فهو بهذا قد استخدم (مقام السوزناك) حتى يصل الى جملة التفعيل (ألا والنبي ياناس أنا مابا بديل) فيعود الى مقام الراست على درجة الراست من خلال ملامسته للدرجة السادسة (لا بيكار) وهو المقام الذي بدأ به وبنى مقدمته الموسيقية عليه.

 

وفي غناء الكوبليه نجده ينتقل نقلة جميلة الى جنس بياتي على درجة النوى حتى يستكمل غناءه ويقفله بالعودة الى مقام الراست كما فعل في غناء المذهب، أما ميزان هذه الأغنية فقد كان موفقاً في اختياره فقد اختار لها الايقاع الشائع والمعروف في لحج بإيقاع (الشرح «بدوي») كما استخدم ايقاع الشرح اللحجي الثقيل (سلطاني) والذي يعد تطويراً لايقاع (الشرح «بدوي»).

أما الأداء فإنه يتوافق مع مستوى تطور اللحن وظهوره بطابع لحجي جديد.

كما لحن للشاعر الأستاذ/ ادريس أحمد حنبلة قصيدة (شل فؤادي الحزين) كل ذلك كان ضمن نشاطه وارتباطه بالرابطة الموسيقية التي تأسست بعد قيام الندوة الموسيقية العدنية بثلاث سنوات، ومن خارج الرابطة قدم للشاعر/ لطفي جعفر أمان (ليش هذا الهجر) وللشاعر/ علي أمان (ماله كده طبعك) كما لحّن من كلماته أشهر أغانيه منها على سبيل المثال (ردوا حبيبي) و(سلموا لي على خلي) و(كلمة ولو جبر خاطر).

 

في حضرموت

في أوائل الخمسينيات ساقته الأقدار الى حضرموت وكما يقول الأستاذ/ عبدالله صالح حداد وهو من أهالي مدينة الشحر في مقال له نُشر في الكتاب الذي أصدرته جامعة عدن في الذكرى الأولى لوفاة بن سعد وكان بعنوان (محمد سعد عبدالله .. أعز الناس): «لا ندري ماالذي ساقه للذهاب الى حضرموت، هل لتلقي المزيد من الدروس الفنية؟ أم للتعرف على ألوان جديدة لاختبار قدراته وامكانياته في الغناء والعزف؟ أم لاكتساب الخبرة والتمرين والتجربة؟ فقد جاء بن سعد الى حضرموت في وقت كانت فيه الأغنية الحضرمية قد شابها شيء من الركود بعد سفر الفنان/ محمد جمعة خان الى المملكة العربية السعودية وهو فرصة سانحة للفنان/ محمد سعد عبدالله الذي شاع صيته في المكلا من خلال حفلات الزواج التي كان يحييها وسرى خبره الى الشحر والغيل وغيرها ثم الى داخل حضرموت، وكانت له لقاءات خاصة اكتسب من خلالها أصدقاء جدد وزار بعض الفنانين غير أن زيارة واحدة ربحت فقد كانت للفنان عبدالله حاج بن طرش وتلاحقت تلك الزيارات لهذا الفنان الذي وجد فيه بن سعد أول الطريق المنشود فقد سمع منه أغلب ألوان الغناء في حضرموت وتعرف على الطرق المختلفة في الأداء والعزف لكن الأهم هو التعرف على أنواع الايقاعات الممارسة على أكثر من صعيد».

 

وجاء أيضاً: «عندما بدأت اذاعة عدن تبث برامجها وتقدم أغان للفنانين في مدينة عدن في أغسطس 4591م وبعد عودته من حضرموت سجل العديد من الأغاني الحضرمية لاذاعة عدن مثل (عليك العمد) و(رب أني قصدت الباب) و(يامن على الصد) والثلاث لموسيقار الشحر الشاعر والملحن/ عبدالله محمد باحسن وأغنية (بالغواني قلبي مولع) لحامد السري وأغنية (سبوح ياقدوس) للشاعر/ سالم بانبوع وأغنية (يقول بن هاشم بكت لعيان) لحداد بن حسن الكاف وأغنية (قال بن هاشم أنا قلبي سلي) لحسين البار وأغنية (إلام إلام زماني) لبهاء الدين زهير ولحن/ محمد جمعة خان.

 

لا غرابة في أن يؤدي بن سعد هذه الأغاني الحضرمية فقد حباه الله الموهبة والقدرة الفائقة على أداء هذا اللون من الغناء وما مكنه من ذلك أيضاً قدرته على العزف على العود وما يتمتع به من صوت شجي قادر على أداء جميع الألوان الغنائية اليمنية والعربية.

 

ظهر تأثير اللون الحضرمي عليه في تأليف وتلحين وأداء أغنية (من بلي بالهوى) وغيرها من الأغاني التي أبدعها في هذا اللون، ففي أغنية (من بلي بالهوى) التي جاءت بكلمات ومفردات تستخدم عادة في نمط وطريقة الشعر الغنائي الحضرمي أما اللحن فقد استخدم فيه نفس العناصر والأدوات المستخدمة عادة في تلاحين الغناء الحضرمي كالايقاع المحلي المعروف بالشحري (الرباعي المقسوم) وكذا استخدامه لمقام حجاز اليمن المستخدم في صياغة الكثير من الأغاني الحضرمية، كما أن ما اكتسبه من خبرة في أداء هذا اللون قد ساعده كثيراً في صياغة اللحن من روح وأصالة الغناء الحضرمي، ولم لا وهو الذي عشق الأغنية الحضرمية وجرت نغماً وايقاعاً مجرى الدم في عروقه فقد قال في حديث تلفزيوني : (أنا أجيد الأغنية الحضرمية كوني عشت في حضرموت سنين مش قليل).

 

ومن عجيب ماجاء في مقال الأستاذ/ عبدالله صالح حداد أن الفنان/ محمد سعد عبدالله قال: (لا يظن الأخوة في حضرموت أن هذه الأغنية «من بلي في الهوى» لأحدهم ولكنها من ابداعي (شعراً ولحناً) ثم سجلها على شريط كاسيت وكتب على غلافه العبارة التالية: (هذه الأغنية من التراث) كما أنه لم يدوّنها في ديوانه (لهيب الشوق) الذي كتب مقدمته الفنان/ محمد مرشد ناجي.

 

نجح في تلحين بعض الأغاني على الطريقة التقليدية المتبعة في الغناء اليمني القديم (الصنعاني) وعلى مقامات موسيقية تتميز بنكهتها اليمنية وكذا استخدامه لايقاع الوسطى المستخدم عادة في لحن المقطع الثاني من الأغنية الصنعانية، فمن شعره لحن على مقام حجاز اليمن وايقاع الوسطى أغنية (غزال البيد) وأغنية (خلّي السر مكنون) كما لحن من شعره أيضاً وعلى مقام البياتي وايقاع السارع أغنية (أمير الغيد) ولحن أيضاً من كلماته أغنية (وسط صنعاء) على مقام الحسيني (من فصيلة مقام البياتي) وعلى ايقاع (رقصة الموج8/6) وهذا الايقاع هو نفسه ايقاع السارع ولكن سرعته هي نصف سرعة ميزان ايقاع السارع الأصلية.

 

يعد من الرواد الذين أرسوا القواعد والأصول الفنية للأغنية اليمنية الحديثة وعملوا على تطويرها من خلال تقديمه لأروع الألحان المستمدة من روح وأصالة التراث الغنائي اليمني ومن التراكم النغمي والايقاعي الذي حفظه، تلك الأعمال التي ترتقي الى مستوى أعمال كبار الملحنين ليس في اليمن وحسب بل وعلى المستوى العربي أيضاً وهذا هو سر نجاحه وسر اعجاب الجمهور به.

 

الأغنية الوطنية

له اسهامات كثيرة في مجال الأغنية الوطنية الموضوعية فقد ألف ولحّن العديد من الأغاني والأناشيد عند قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ضد الامامة في شمال الوطن واندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر 3691م في جنوبه والتي لعبت دوراً كبيراً في الهاب حماس الجماهير ابان مرحلة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني منها (قال بن سعد) وأغنية (يايمني هذي بلادك) وأغنية (الذهب الأحمر)، وأغان أخرى قدمها بواسطة الاسطوانات في عدن المستعمرة آنذاك وقدم المزيد بعد جلاء المستعمر مثل أنشودة (بلاد الثائرين) وأغنية (سعيدة) ويقصد بها اليمن السعيد مع الفنان/ يوسف أحمد سالم.

 

وبعد طول معاناة وصراع مع المرض لفظ أنفاسه الأخيرة في مستشفى الجمهورية بعدن صباح يوم الثلاثاء الموافق 16 ابريل من عام 2002م بعد أن ترك لنا تراثاً فنياً لا يتكرر، فهو صاحب مدرسة فنية متميزة جديرة بأن نطلق عليها (مدرسة بن سعد التجديدية) كما يعد أيضاً من المطربين الذين حافظوا على بقاء الأغنية اليمنية التقليدية وتسلموا الراية من جيل الرواد أمثال: علي أبوبكر باشراحيل، عوض عبدالله المسلمي، قاسم الأخفش، محمد الماس، ابراهيم محمد الماس، أحمد عبيد قعطبي، وغيرهم.. فهو من الجيل الثاني لهؤلاء الرواد ومعه كثير من المطربين أمثال: محمد مرشد ناجي، أبوبكر سالم بلفقيه، علي بن علي الآنسي، علي عبدالله السمة، أحمد السنيدار، محمد قاسم الأخفش، فيصل علوي، وغيرهم وهؤلاء يتبعهم جيل ثالث من المطربين أمثال: أحمد فتحي، عبدالرحمن الحداد، فؤاد الكبسي وغيرهم.

كرّمته الدولة بإطلاق اسمه على الشارع الممتد من أمام مكتب بريد الشيخ عثمان مروراً بملاهي عدن (بستان الكمسري سابقاً) وانتهاءً بالطريق العام المؤدي الى مدينة دار سعد

 

آخر خاطرة

أما وقد رحل فناننا الكبير الى رحمة الله ألا يجدر بأولئك أن يكفوا عن إيذائه حتى بعد وفاته، أما وقد رحل فله منا طلب الرحمة والمغفرة من الله عز وجل، ألا ينبغي أن تعمم كافة الكتيبات التي أصدرت عن هذا الفنان على كافة المحافظات وأن تطرح في الأسواق فجماهيره الوفية في كل مكان تتنظر أن تتعرف على كثير من الأعمال والمعلومات التي تجهلها.