آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-11:06م

عالم المرأة والأسرة


لماذا لا نحسن الاستفادة من مهارات التفويض؟

السبت - 11 أبريل 2015 - 07:28 م بتوقيت عدن

لماذا لا نحسن الاستفادة من مهارات التفويض؟

(عدن الغد )متابعات:

كان ذلك منذ عقد تقريبا حين قضت لوري لورد الليل في مقر عملها، حيث كانت تعكف في الغالب على صياغة ومراجعة طلب لتقديم العروض مؤلف من 400 صفحة، حتى الساعات الأولى من الصباح.

 

في ذلك الحين لم تشأ لورد – التي صارت الآن الرئيس التنفيذي لشركة "سبكترُم هيلث كير" لتقديم خدمات التمريض في المنازل ومقرها تورنتو - أن يضطلع أي شخص آخر سواها بذلك العمل.

 

وتقول لورد إن طلبات تقديم العروض تلك كانت شديدة الأهمية لتنمية أنشطة الشركة. وقد بسطت لورد هيمنتها على ذلك الأمر على نحو صارم.

 

وتضيف: "كانت (تلك الطلبات) مهمة للغاية لمؤسستنا، ولم أكن لأدع شخصا آخر غيري يصيغ هذه الوثيقة." وقد كانت مقتنعة بأنه لا يوجد في الشركة من يستطيع إنجاز ذلك على نحو صحيح تماما سواها، لذا قررت القيام بالمهمة بنفسها. فحسبما دار بخلدها؛ كان بوسعها القيام بتلك المهمة على نحو أفضل من أي شخص آخر.

 

هل يبدو هذا المثال مألوفا بالنسبة لك؟ إذا كان كذلك، فربما تكون واحداً من هؤلاء المديرين الرافضين لفكرة تفويض اختصاصاتهم لمرؤوسيهم. حتى ولو لم تكن من هؤلاء، فأنت تعرف على الأرجح شخصا منهم.

 

في عام 2013، خلص استطلاع جرى بشأن تدريب المسؤولين التنفيذيين – أجرته جامعة ستانفورد – إلى أن 35 في المئة من المديريين التنفيذيين يرون أنهم بحاجة لتحسين قدراتهم على تكليف - أو تفويض- مرؤوسيهم للقيام بمهام وظيفية محددة.

 

كما أظهر الاستطلاع أن 37 في المئة منهم يقولون إنهم يحاولون تحسين مهاراتهم في هذا الشأن. أما بالنسبة لـ "لوري لورد"، فعلى الرغم من أن قدراتها في هذا الإطار تحسنت بمرور السنوات، فإنها تقول إن تعلم القيام بذلك كان عسيرا. وحسب كلماتها هي نفسها؛ فالأمر "لم يكن يسيرا، ولكن ليس بمقدورك أن تقوم بكل شيء بنفسك".

 

معضلة التفويض

 

تقول لورا لنْسفورد، أستاذة مشاركة في علم النفس بجامعة أريزونا الأمريكية، إن تفويض المدير بعض اختصاصاته هو أحد أكثر الجوانب التي تنطوي على تحديات فيما يتعلق بالقدرة على القيادة في المؤسسات المختلفة. وتضيف أن آداء هذه المهمة يزداد صعوبة بحق كلما ترقى المرء في السلم الوظيفي.

ويبدو هذا الأمر بمثابة صراعٍ لسببين. فغالبية الناس يعرفون أن ثمة عملا بحاجة إلى أن يُنجز، ولكنهم يعجزون عن أن يوضحوا بدقة الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه النتيجة المرغوبة، ولذا فمن الأيسر عليهم تنفيذ المهمة بأنفسهم.

 

من جهة أخرى، وكما تقول لنْسفورد، من العسير على المديرين التنفيذيين التخلي عن بسط سيطرتهم على كل شيء، خاصة إذا ما كانوا هم من سيُنحى عليهم باللائمة إذا ما حاد شيء ما عن المسار الصحيح.

 

ويمكن القول إنه كلما تولى المرء مناصب أرفع في عمله؛ بات يتعين عليه عادة تفويض اختصاصات وظيفية لعدد أكبر من المرؤوسين، والتخلي في الوقت ذاته عن قدر من الاختصاصات المتعلقة بعملية الإشراف والإدارة.

 

وتقول لنْسفورد إن العديد من المديرين الجدد غير معتادين على مثل هذه الممارسات الوظيفية؛ فإما أنهم كانوا سابقا هم من يُكًّلفون بالاختصاصات والمهام وليس العكس، أو أنه لم يسبق لهم الانخراط سوى في فرق عمل محدودة العدد. وفي كل الأحوال، قد يكون تفويض المدير لمرؤوسيه لإنجاز كل المهام الوظيفية تقريبا أمرا عسيرا.

 

تقول لنْسفورد: "إذا ما كان لديك الكثير من المسؤوليات، فستكون بحاجة للاعتماد بشكل أكبر على (قدرتك) على إدارة (مرؤوسيك). إن القيام بذلك ينطوي على تحديات جمة".

 

وبالرغم من أن اضطلاع المديرين بإنجاز المهام الوظيفية بأنفسهم يبدو السبيل الأيسر لتحقيق النجاح، فإن عدم قدرة المسؤولين التنفيذيين وكبار المديرين على التفويض يمكن أن يلحق أضرارا بشركاتهم. فمثلا، يمكن القول إن كل الأوقات التي كرستها لوري لورد للعمل على صياغة طلبات تقديم العروض اقتُطِعتْ من الوقت الذي كان يمكن أن تخصصه لإنجاز مهام أخرى مهمة.

 

وبينما كان اضطلاع لورد بمهمة صياغة هذه الطلبات ممكنا من الوجهة العملية، إذا ما عدنا بالذكرة إلى تلك الأيام من عام 2003، فإن مواصلتها إعداد هذه الوثائق بنفسها حتى الآن – بحسب كلماتها هي ذاتها – كان ستؤثر بالسلب على الشركة بكل تأكيد.

 

أما لنْسفورد فتقول إن عدم كفاءة المديرين في تفويض بعض الاختصاصات سيؤثر عليهم بالسلب من الناحية الذهنية، وسيثبط حماسة فريق العمل، وسيؤدي إلى عرقلة عمل الجميع.

 

وتوضح بالقول :"ستبدأ في الشعور بأن العمل يغمرك بشدة، وستقلق بشأن إمكانية إنجاز كل شيء في موعده، وسيضطر فريق العمل إلى الانتظار قبل المضي إلى الأمام، كما أن ذلك سيظهر أنك لا تثق بأن فريقك قادرٌ على القيام بعمل جيد".

 

تحسين القدرة على التفويض

 

لكن لنْسفورد ترى أنه مع بعض العمل الشاق؛ يمكن حتى للمديرين الذين لا يجيدون مثل هذه القدرات تحسين مهاراتهم في هذا الشأن.

وإذا كان اكتساب عادة جديدة يستغرق نحو ستة أسابيع، فإن هذا يعني أن على من يرغب في تحسين قدراته قضاء تلك الفترة على الأقل في التدرب على ذلك. لكن الممارسة العملية وحدها هي ما يمكن أن يصل بقدراتنا إلى درجة الإتقان.

 

وتتمثل إحدى الخطوات الأولى في أن يوضح المرء بدقة ما الذي يريده، وذلك عندما يكلف مرؤوسا له بمهمة ما. وهنا يمكن الاستعانة برأي ستيف رادكليف مؤلف كتاب "القيادة وضوح وبساطة"، والمقيم بمدينة بورتسموث البريطانية.

 

يرى رادكليف أن عدم الوضوح في ذلك هو العامل الرئيسي الذي يفسر السبب في مواجهة المديرين للمتاعب في ما يتعلق بتفويض الاختصاصات، إذ أنهم لا يستطيعون – أو لا يريدون – إيضاح طبيعة المنتج النهائي الذي ينشدونه. وفي هذه الحالة، يصبح لدينا في النهاية مدير محبط وموظفون تغمرهم الحيرة، فضلا عن شعور يراود المدير بأنه كان من الأفضل له إنجاز المهمة بنفسه.

 

ويقول رادكليف إن المديرين التنفيذيين يصفون الأمور –في الغالب- بعبارات عامة، أو لا يقدمون تفاصيل كافية بشأن المشروع الذي يعكفون على إنجازه، وهو ما يجعل من الصعب على موظفيهم تحقيق الهدف المنشود.

 

لكن الأمر يتجاوز مجرد التفاصيل الخاصة بمشروع ما، إذ أنه يتعين عليك -إذا كنت مسؤولا– أن تبلغ العاملين بمستوى العمل الذي تتوقعه. فهل تريد من فريقك مثلا إعداد الأوراق المطلوبة في صورة نقاط موجزة، أم وثيقة مؤلفة من 10 صفحات؟

 

كما يفشل المديرون كثيرا في وضع جدول زمني للمشروع المطلوب، وهو ما يسبب مشكلات أيضا.

 

يقول رادكليف: "يتوجب عليك أن تكون واضحا تماما بشأن المعايير التي تتبعها، وأن تكون واضحا كذلك فيما يتعلق بالتوقيت الذي تحتاج اكتمال المشروع خلاله".

 

ويوضح رادكليف أنه من الصعب علينا إعطاء توجيهات واضحة نظرا لأن إعطاء الأوامر في الأساس ليس بالأمر الممتع. وبقدر ما يرتبط العمل بالنتائج التي تتحقق، فإنه يرتبط أيضا بالعلاقات التي يكونها الأشخاص المشاركون فيه. فالناس ترغب في أن تحظى بالمحبة ممن حولها، وهو ما يجعلنا نتجنب إعطاء أوامر مباشرة. فإذا ما أتى شخص ما بطلب ضخم، فإنه قد يشعر بأنه يجازف بتقويض الأجواء الإيجابية في بيئة العمل.

 

يقول رادكليف: "هناك الكثير من العناصر ذات الطابع العاطفي التي يشهدها أي مكان عمل. فالناس يحاولون تجنب أي مجازفة ويسعون لأن يتسموا باللطف– والكثير من المديرين لا يريدون المخاطرة بأن يصبحوا مكروهين".

ويرى رادكليف أن الثقة تشكل جانبا مهما بالقدر ذاته من عملية التفويض، فإذا لم يكن بوسعك أن تثق بمرؤوسيك، فلن تجد أمامك سوى إنجاز الأمور بنفسك. ولذا ينبغي إقامة رابطة قوية ما بين المدير ومرؤوسيه، حتى تُكلل مثل هذه الأعمال الوظيفية بالنجاح.

 

ويتابع: "يريد المرء أن يكون مطمئنا حينما يكون شخص ما بصدد إنجاز مهمة ما". ويضيف أنه من المهم أن تُبنى علاقة الثقة بين الرئيس والمرؤوس، قبل أن يفوض الأول أي اختصاصات للثاني. ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة إذا لم يكن الرئيس هو من وظّف المرؤوس الذي سيكلفه ببعض المهام، أو كان هذا الرئيس لا يعرف موظفيه جيدا على المستوى الشخصي.

 

بجانب ذلك، على المدير أن يعد نفسه للقيام بدور تعليمي مع مرؤوسيه، فلا يمكن أن يتوقع المرء أن يتمكن هؤلاء من إنجاز مشروع خالٍ من العيوب من المحاولة الأولى. ومن المهم هنا إلقاء الضوء على تجربة لوري لورد، التي بات لديها حاليا موظفة تعد طلبات العروض نيابة عنها.

 

فعندما كلفت لورد هذه الموظفة بتلك المهمة للمرة الأولى، كانت حريصة على أن توضح لها ما الذي يتعين عليها فعله، وكيف تقوم بذلك أيضا. الآن، بات بوسع تلك الموظفة إنجاز العمل بنفسها دون مساعدة.

 

وعندما كنا نحدثها في سياق إعداد هذا الموضوع، قالت لنا لورد إنها تعكف في الوقت ذاته على قراءة إحدى طلبات تقديم العروض هذه، واصفة الطلب بالقول إنه "وثيقة رائعة"، من حيث الإعداد والصياغة.

 

وفي الوقت الراهن، باتت لورد - وبوجه عام- تكلف مرؤوسيها بإنجاز المهام اليومية المُناطة بها، وهو ما يفسح المجال أمامها لحضور الاجتماعات المهمة، والتفكير مليا في الوضع العام للشركة ومستقبلها، كما يتيح لها الفرصة للتركيز على كيفية توسيع نطاق أنشطتها التجارية.

 

وتقول لورد إنها تشعر بسعادة غامرة لأنها لن تضطر بعد ذلك لإعداد طلبات تقديم العروض بنفسها.

 

وتضيف: "لقد أهدرت خمس سنوات من عمري (في ذلك). أنا سعيدة لأنه لن يتعين عليّ أن أكون هنا (في مقر الشركة) في الساعة الثالثة فجرا مرة أخرى. الآن، إذا لم ينجز شخص ما مهمته، سيكون عليه أن يأتي إلى هنا في الثالثة فجرا من أجل إنجاز عمله".