آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-10:13ص

ملفات وتحقيقات


صالح يقود مع الحوثيين معركة لغزو الجنوب للمرة الثانية.. الرئيس المخلوع.. سيرة حافلة بالحروب والتدمير لليمن واليمنيين

الثلاثاء - 24 مارس 2015 - 10:30 ص بتوقيت عدن

صالح يقود مع الحوثيين معركة لغزو الجنوب للمرة الثانية.. الرئيس المخلوع.. سيرة حافلة بالحروب والتدمير لليمن واليمنيين
اجتاح صالح الجنوب مستنداً على فتوى وزير العدل عبدالوهاب الديلمي التي وصفت الجنوبيين بانهم خارجين عن الدين الاسلامي

صنعاء(عدن الغد)صحيفة الرياض السعودية:

 مثلت سيرة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في حكم اليمن خلال 33 عاما وحتى بعد خروجه من السلطة سيرة حافلة بالعنف والتدمير الممنهج لليمن ولوحدته الوطنية ونسيجة الاجتماعي والوطني. اطلق بعض الكتاب عليه "سلاح الدمار الشامل" نظرا للتدمير الذي احدثه صالح في كافة مناحي الحياة في اليمن. ويقول احد الاكاديميين ان صالح دمر كل شيء، ودمر منظومة القيم في المجتمع اليمني، واضعف الدولة والقبيلة لصالحه من اجل البقاء اطول فترة في سدة الحكم.

بدأ ديكتاتور اليمن حياته المغمورة بالبؤس والشقاء شاويشا وسائسا للدبابات ثم صعد في السلم العسكري جراء تمتعه بالجرأة والشجاعة، حتى تولى قيادة لواء تعز ومن ذلك الموقع صعد الى كرسي الرئاسة بدعم بعض شيوخ القبائل وبعض القادة منهم اللواء على محسن الاحمر واخرين.

دفعت به الصدفة الى سدة الحكم فعمل على تصفية خصومة الواحد تلو الاخر. فقد عمل على تصفية خصومة من الناصريين الذين حاولوا الانقلاب بعد عام واحد فقط من صعوده الى السلطة أي عام 1979، فأعدم العديد منهم وجرى تصفية اخرين بطريقة او بأخرى، واستطاع التخلص من كل خصومة.

قاد صالح البلاد الى الوحدة مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1990، لكنه ومنذ اليوم الاول للدخول الى الوحدة، بدأ صالح يفكر جيدا كيف يتخلص مع شركاء الوحدة في الحزب الاشتراكي، وبدأت عملية تصفية ممنهجة لقيادات الحزب الاشتراكي، اذ وظف صالح جماعات العنف والقاعدة للقيام بالمهمة، حتى اندلعت الازمة وخروج نائب الرئيس علي سالم البيض الى عدن. جرت عملية توقيع وثيقة العهد والاتفاق في الأردن، ليعود صالح بعدها الى صنعاء ومع حلفائه من زعماء القبائل وحزب الاصلاح ليفجر الحرب ويجتاح الجنوب. انتهت الحرب بالتهام صالح النصف الثاني من اليمن والسيطرة عليها. ومع التهام الجنوب، زادت سطوة صالح وقوته وجبروته.

توقع البعض ان يقوم الرئيس المنتصر في الحرب جراء رفض الجنوبيين القتال ضد الوحدة على ترميم الجروح التي خلقتها الحرب التي خلفت الاف القتلى والجرحى وكسرت في نفوس الجنوبيين معنى الوحدة وحبها، لكنه تعامل مع الجنوب كغنيمة حرب، فاطلق يد أقاربه والموالين له من قادة الجيش وزعماء القبائل واخرين لنهب مؤسسات الدولة ووزعها عليهم، فيما ذهب بعضهم الى التهام الاراضي الشاسعة في الجنوب والمقدرة بالكيلومترات. كما جرى تسريح الجنوبيين من قوات الامن والجيش والخدمة المدنية والتنكيل بهم اذ وصل عدد المسرحين قسريا الى اكثر من 90 الفا. عوامل مهدت لانطلاق ثورة الحراك الجنوبي عام 2007 ضد صالح ونظامه والتي واجهها صالح بمزيد من القمع والتنكيل، ما دفع الجنوبيين الى المطالبة وبصوت عال بالانفصال وفك الارتباط مع الشمال ومع الوحدة التي أذاقهم صالح منها الذل والمهانة.

ومع سيطرة صالح على الجنوب، زاد نفوذ وتغلغل اسرته وأقاربه في مفاصل السلطة. ويقول عبدالملك منصور القيادي السابق في المؤتمر الشعبي العام "وجد نفسه متفردا فتفرعن."

تفرعن صالح وبدأ نجم نجله احمد يصعد ابتداء من ترشحه لعضوية البرلمان في اوائل التسعينيات وانتهاء بتعيينه قائدا للحرس الجمهوري وتلميعه امام الامريكيين، كقائد للقوات التي تتولى مكافحة الارهاب وهو الهاجس الذي كان يؤرق الامريكيين في اليمن. وحده صالح من استثمر الارهاب والقاعدة لإقلاق جيرانه ووحده من اطلق على بلدة "قنبلة موقوتة" لإقلاق واخافة محيطه الاقليمي والدولي.

استثمر صالح حاجة الامريكيين والغرب وحتى دول الخليج لمكافحة تنظيم القاعدة والارهاب، وبدأ اللعب على هذا الملف واستخدامه كورقة لإخافة حلفائه وجيرانه واستنزافهم ماليا. طوع تنظيم القاعدة وحوله الى ورقة للاكتساب وابتزاز الداخل والخارج. وشهدت ايام حكمه عملية هروب او تهريب للعشرات من قادة تنظيم القاعدة من السجون الخاصة بالمخابرات ابرزها حادثة الهروب الكبير من سجن المخابرات او الامن السياسي بصنعاء. مكن أقاربه من قيادات الامن والجيش والمخابرات حتى باتوا يسيطرون على كل شيء. وفي مواجهة التمدد السلفي في صعدة، بدأ صالح في دعم جماعة الشباب المؤمن التي اسسها عدد من الشخصيات وابرزهم حسين بدرالدين الحوثي في صعدة لمواجهة تمدد السلفيين. لكن وبعد انقلاب حسين الحوثي عليه، شن صالح وبقوات رفيق دربه علي محسن الاحمر وبالقبائل الحرب في صعدة والتي انتهت جولتها الاولى بمقتل حسين الحوثي. لكن صالح اراد استثمار التوتر في صعدة لانهاك وضرب قوات الفرقة الاولى مدرعة والتي كانت اشبه بملكية خاصة للواء على محسن الاحمر. شن الحرب تلو الحرب وكانت هذه الحروب تعلن وتتوقف بقرار من صالح نفسه. لم يرد صالح انهاك قوات علي محسن الاحمر فقط باعتباره المنافس الكبير لنجلة احمد الذي كان يعد لخلافة ابيه، بل حاول ان يمتد التوتر في صعدة. كانت قوات الحرس الجمهوري وحسب مصادر عسكرية تمول الحوثيين بالسلاح لانهاك قوات الفرقة. انتهت حروب صعدة بتقوية شوكة الحوثي ونموها اكبر واكبر، ومع خضوع محافظة صعدة لسطوة الحوثي.

ومع وصول ثورة الربيع العربي الى صنعاء، كان صالح يفقد كل مؤيديه. انضمت القوى السياسية والقبلية وحتى رفيقة علي محسن الاحمر واسرة ال الاحمر الى الثورة ضده، فبدأ صالح عاريا الا من اصحاب المصالح في حزب المؤتمر وبعض القبائل، وقادة الجيش والامن والذين ظل صالح ينفق عليهم من ثروات الشعب التي نهبها. طلب من دول الخليج التدخل وانقاذه، فجاءت المبادرة الخليجية لإنقاذ البلاد ومنع انزلاقها الى الحرب الاهلية. كان تارة يقول انه مل السلطة ولم يعد راغبا بها، وتارة يحذر من الحرب.

ظل صالح يماطل ويراوغ في الوصول في التوقيع على المبادرة وطالب بآلية تنفيذية فتدخلت الامم المتحدة وجرى التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض، وبعد ان خرج صالح على ملحفة طبية جراء اصابته ومقتل عدد من رفاقه واركان نظام حكمة. وقع صالح بعد شرط الحصول على الحصانة له وكل من عمل معه من الملاحقة القضائية.

عاد صالح من مشفاه في السعودية والولايات المتحدة الامريكية بروح المنتقم والمتشفي من خصومة الذين ساهموا في ازاحته من كرسي الرئاسة من خلال دعمهم للثورة الشعبية عليه عام 2011.

وكعادته في اللعب على المتناقضات والنكث بالوعود والاتفاقيات، عاد صالح واستثمر هذه الحصانة للتنكيل والانتقام من الجميع. مثل صالح ومن خلال تشبثه بمنصبه في رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام ورفضه الخروج من البلاد، عامل اقلاق للرئيس عبد ربه منصور هادي ولكل خصومه الذين ازاحوه من كرسي الرئاسة.

مد صالح يده ووضعها في يد ألد أعدائه وهم الحوثيون لمجرد الانتقام فقط. اذ دعم الحوثيين وسهل طريقهم وعبورهم من منطقة دماج في صعدة، مرورا بمناطق قبائل حاشد حيث تمكن من شراء ولاء الكثير من القبائل، حتى تمكن الحوثيون من الدخول الى عمران وتدمير منازل اسرة ال الاحمر.

ساهمت قوات من الحرس الجمهوري السابق والتي كان يقودها نجله احمد وتدين بالولاء له من القتال مع الحوثيين ودعمهم بشكل كبير، ورفضوا اوامر القادة العسكريين الموالين لهادي حتى استطاع الحوثيون اسقاط صنعاء.

كما انضم افراد واعضاء وكوادر المؤتمر الشعبي العام الذي ظل صالح متمسكا برئاسته الى ساحات الاعتصام المسلحة التابعة للحوثيين والتي طوقت صنعاء من جميع المنافذ، وشاركوا في التظاهرات والاعتصامات التي نظمتها جماعة الحوثي في صنعاء، ما مكن الحوثيين من تشكيل عامل ضغط.

دخل الحوثيون وسيطروا على صنعاء وعلى مؤسسات الدولة، وكانت قوات الحرس الجمهوري السابق وبعرباتها التي قدمتها واشنطن لدعم هذه القوات ومكافحة الارهاب واصبحت اداة الحوثيين في الاستيلاء واسقاط المؤسسات التابعة للدولة. وكشفت التسجيلات المسربة لحديث صالح مع احد قيادات الحوثي حجم التحالف القوي بين الطرفين، بل ظهر صالح في هذه التسجيلات بالقائد الذي يعطي التوجيهات للحوثيين كيف يتصرفون وكيف يخوضون الحروب. كان هم الحوثيين بعد دخولهم صنعاء هو ارضاء الغل والحقد لدى صالح من خصومه، اذ نكلوا بعلي محسن الاحمر بعد الهجوم على الفرقة الاولى مدرع والاستيلاء على اسلحتها، وكذا على منازل علي محسن وحميد عبدالله الاحمر ومصادرة اموالهما تحت مظلة ما يسمى ب"الثورة". ظهر صالح في اكثر من مناسبة وهو يضحك ويتشفى بخصومه من بيت الاحمر وكيف هربوا الى خارج البلاد من بطش الحوثيين.

يمتلك صالح قرابة 60 مليار دولار هي اجمالي ما نهبه خلال 33 عاما من قوات الشعبي اليمني الذي يعيش اكثر من نصف سكانه تحت خطر الفقر ويعانون من فقر مدقع، فيما صالح يصرف هذه الاموال لشراء الذمم والابقاء على حزبه ككيان ينطلق منه لنشر سمومه وأحقاده. اذ يقول احد معاوني صالح من شيوخ القبائل "صالح بعد عودته من فم الموت لم يعتبر، بل عاد بروح المنتقم من كل شيء."

ادانه مجلس الامن الدولي عدة مرات كمعرقل للعملية الانتقالية والسياسية، وفرض عليه عقوبات مع قياديين اثنين من جماعة الحوثي هما ابو علي الحاكم وشقيق عبدالملك الحوثي. لكن ذلك لم يؤثر في الامر شيء.

بعد التخلص من علي محسن وحميد الاحمر، بدأ صالح يستخدم الحوثيين لضرب الرئيس هادي الذي يتهمه صالح بتقديم اسمه الى مجلس الامن الدولي وطلب فرض عقوبات دولية عليه. افتعل الحوثيون الازمات وحاصروا القصر الرئاسي وسيطروا عليه ووضع هادي وحكومته تحت الاقامة الجبرية، وهو ما دفع هادي والحكومة الى تقديم الاستقالة في يناير الماضي.

وبعد خروج هادي الى عدن متخفيا في 21 فبراير الماضي، اطلق ديكتاتور اليمن تهديداته التي تشبه التهديدات التي اطلقها في 27 ابريل عام 1994 من ميدان السبعين بصنعاء بغزو الجنوب؛ اذ هدد صالح بشن حرب على الرئيس هادي وعلى الجنوب واعلن انه لن يدع لهم مجال للهرب هذه المرة سوى من البحر. بعد هذا التهديد بدأت القوات الموالية له و لحلفائه الحوثيين في قرع طبول الحرب على الجنوب هذه المرة بإعلان تمرد قائد قوات الامن الخاصة عبد الحافظ السقاف في عدن والذي رفض تنفيذ اوامر هادي بإقالته من منصبه. وبعد حسم اللجان الشعبية والجيش الموالي للرئيس هادي المعركة واخماد التمرد والذي وصفه هادي بانه محاولة انقلابية، حشد الحوثيون وصالح قوات الجيش واعلنوا التعبئة العامة لمواجهة هادي تحت غطاء مكافحة الارهاب. ونقل عن اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة والذي نجا من قبضة الحوثيين ان صالح والحوثيين هم العدو الحقيقي لليمن بشماله وجنوبه.

وفيما كانت صنعاء تعج بالموتى والعزاء في معظم البيوت جرءا التفجيرات التي استهدفت اجتاح صالح الجنوب عام 1994 لإخضاعه لسلطته ودفع بالمجاهدين والعقائديين من العائدين من افغانستان وها هو اليوم يدفع بالعقائديين من الحوثيين وبفتوى وحفلة "مشروع شهيد" في تشابه فريد لأدوات التطرف والقتل.

*من محمد القاضي