آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-07:37م

دولية وعالمية


عراقيون يبحثون عن "جحا" زمانهم ليحملوه همومهم

الأربعاء - 04 مارس 2015 - 03:15 م بتوقيت عدن

عراقيون يبحثون عن "جحا" زمانهم ليحملوه همومهم
نسخة مصغرة لنصر الدين جحا من القرن 17 وهي حالياً في متحف قصر الباب العالي

(عدن الغد) ايلاف

يؤكد العراقيون أنه ممكن أن تكون شخصية جحا حاضرة في زمانهم، لأن في هذا الزمن الكثير من عينة "جحا"، لذلك يسخرون ويحاولون الاشارة إلى ما يليق بهذه التسمية.
 
انتشر بين الأمم
 
وجحا اسم طائر في عالم الفكاهة والسخرية، وهو شخصية عبقرية ايجابية وملامح تتمدد على طول الوجه وعرضه بما تشاء لها تكوينات الموقف، ومن جحا العربي راحت كل أمة من الامم تتخذ لها شخصية (جحوية) تكون رمزها في الطرافة، وراح القصاصون ينسجون قصصهم الطريفة من خيوط ذلك الجحا، ويتركونها هائمة على ألسنة الناس.
 
لم يكن جحا وليد عصر معين ولا مكان محدد، بل انتشر بين الأمم، فللعرب كان (ابو الغصين) ولالمانيا (تل) ولتركيا (نصر الدين) ولايرلندا (بات) ولانكلترا (جورج). كما هناك ارتين الارمني واحمد المعطري في صنعاء والكثير غيره في ارجاء العالم.
 
طريقة شفوية
 
يقول الدكتور محمد رجب النجار عن جحا انه تعبير عريق واصيل قائم على اساسه على الطريقة الشفوية، وفيّ بحاجات المجتمع الشعورية والمعنوية، عبر عن موروثه الثقافي وخصائصه القومية وقيمه الانسانية العليا ومثله الاجتماعية، صادر عن وجدان جماعي تحقيقًا للذات العامة، معين على حركة التاريخ، متسم بالمرونة والحيوية، قادر على النماء والتطور، من دون الجمود عند صورة ثابتة لا تغيّر ولا تبدل، راصد في نهاية الامر الحصيلة الكاملة لثقافة شعب بعينه على اختلاف اجياله وبيئاته.
 
شخصيات موازية
 
أكد رسام الكاريكاتير خضير الحميري وجود العديد من الشخصيات في المجتمع، وقال: "تحرص الذاكرة الشعبية في مختلف الازمان على إبراز أو خلق شخصياتها الظريفة، التي يتمحور حولها أو ينطلق منها منتج الفكاهة والسخرية على شكل نكات أو سيرة أو مواقف طريفة، وأغلب الظن أن شخصية جحا تندرج ضمن هذا الاطار، لتصبح الشخصية التي تختلق وتروى بإسمها النكات، وكما أن لكل زمان جحاه كما ذكرتم، فإن لكل شعب أو أمة ظرفاءها، وهناك شخصيات موازية لشخصية جحا في الادب الشعبي للشعوب الأخرى، بل أن بعض النكات والمواقف متشابهة أو متطابقة هنا وهناك، ومن الذاكرة الشعبية العراقية تبرز شخصية إبراهيم عرب مثلًا مضربًا للشخصية الطريفة التي تخصصت بنكات المبالغة المفرطة، وشخصية أحد المطربين المعروفين الراحلين والذي مازالت النكتة الذكورية تُختلق وتروى بإسمه".
 
الشخصية موجودة
 
أضاف الحميري: "يذكر أمين المميز في كتابه (بغداد كما عرفتها) العديد من ظرفاء بغداد، الذين إشتهروا بروح النكتة والطرافة، ومن الكتب التي قرأتها أخيرًا كتاب (الحلة عاصمة السخرية المرة) للكاتب نوفل الجنابي الذي أتى فيه على ذكر العشرات من ظرفاء الحلة، وقد كان لي شرف التعرف على بعضهم والوقوف على قدراتهم المذهلة في خلق ونشر أجواء النكتة والمرح وهو المرحوم (لطيف بربن)، ومثل هذه الشخصية موجودة في الكثير من المدن والأحياء الشعبية، كما هناك العديد من الكتب التي تبرز هذا النوع من الشخصيات على مر العصور".
 
كوميديا سياسية
 
اما الكاتب علي حسين، نائب رئيس تحرير جريدة المدى، فأكد أن العراقيين اعتمدوا على سلاح النكتة في محاربة صبيان السياسة اليوم، وقال: "اختلف الكتّاب في اصل شخصية جحا، وكان العقاد خصص كتابًا لدراسة ظاهرة جحا في المجتمع العربي، ليتوصل إلى أن جحا نتاج مجتمعات يسخر فيها الضعفاء من حكامهم، ولهذا نجد في ازمنة الاظطرابات ظهور شخصية جحا ليضعوا على لسانه نكاتاً وحكماً تصف الوضع".
 
أضاف: "اما عن جحا هذا الزمان، فاعتقد أن العراقيين يعيشون كوميديا الوضع السياسي والامني، وكل واحد منهم مرشح ليكون جحا، لو تغلب على الخوف واعتمد النكتة سلاحًا".
 
مجموعة جحوات
 
اكد الكاتب الروائي شوقي كريم حسن أن شخصية جحا تحمل معانيها عبر التاريخ الانساني، "ولايمكن لشعب حي أن يكون دون جحا او مجموعة جحوات لغرض الاستخدام الشعبي المدين لكل انواع الاضطهادات والتمزيق وهيمنة الدكتاتوريات بكل انواعها، لهذا ارادت الشعوب أن تشيد رفضها عبر هذه الشخصية او هي بذات المواصفات وبمسميات اخرى، ومنها ما كان لدينا أبان الفترة الملكية، حيث تحول جحا إلى ابراهيم عرب وحمودي ابو قنبورة وغيرهم، ثم جاءت مرحلة الحرب ليختار الشعب شخصية مهمة وناجحة هو الفنان سعدي الحلي ليجعل منه حطبًا انتقاديًا للسلطة والشعب معا".
 
تابع: "ثمة جحا عراقي بامتياز يتشكل الآن هو (عبعوب)، خلقت الطبقة المثقفة هذه الشخصية واختارتها لأنها وجدت فيها كافة المواصفات التي يمكن من خلالها تمرير الغضب والاحتجاج الشعبيين".
 
جحا وحميره
 
اما الكاتب الساخر والاعلامي صالح الشيباني، فقال: "لو تمت تسمية جحا هذا الزمن فمن الصعب تشخيص حماره، ولا اعتقد الآن أن أحدًا يليق به لقب جحا هذا الزمان سوى (عبعوب) الذي ابكانا بطرائفه الموجعة واهماله للعاصمة بغداد التي كانت ذات يوم سيدة المدن، واذا سألتني عن حمار عبعوب المعاصر فسأجيبك بأنهم حمير وليسوا حمارًا واحدًا اولهم انا لانني لم اصرخ في وجهه واطالبه باحترام الشعب المبتلي بنقص الخدمات".
 
رأي عام
 
الكاتب جمال المظفر اثنى على العراقيين في ايجادهم سخرية تفك التشنج، وقال: "يبدو أن شخصية جحا تتكرر في كل الازمان تلك الشخصية المثيرة للسخرية ربما بعفويتها ورؤيتها الهزلية للحياة، فلاغرابة أن نرى شخصيات هزلية تثير السخرية من اجل لفت انتباه الرأي العام".
 
أضاف: "ظهرت في الآونة الأخيرة شخصية مثيرة للجدل شغلت الرأي العام العراقي بطروحاتها، وهي شخصية (عبعوب) التي باتت الشغل الشاغل لمواقع التواصل الاجتماعي، يسألونه عن انتشار النفايات في شوارع العاصمة فيجيبهم عن وسامته او يستغربون من طرحه أن بغداد اجمل من دبي وانظف من نيويورك فيجيبهم عن عشرات المعجبات اللواتي يتوددن لالتقاط الصور معه، ورغم هذا الالم الذي يوشح وجوهنا، إلا اننا وجدنا انفسنا امام سخرية تفك التشنج".
 
منظومة بهلوانية
 
اكد الاعلامي غضنفر لعيبي أن جحا الجديد حلقة من منظومة بهلوانية فرضت سيطرتها بعد ٢٠٠٣. قال: الحكايات التي يسخر بها عبعوب تنافس قصص جحا، بل هي اكثر طرافة، ولا عاقل يستوعبها".
 
أضاف: "هذا الرجل، واسع الخيال، ومفرط برواية القصص الفنتازية، ومتمكن من الضحك على عقول الصغار، وانصحه أن يتجه إلى كتابة قصص الخيال، والكوميديا، وسألت احدى صديقاتي الناشطات، لماذا لم تخرجي معنا للتظاهر ضد عبعوب، قالت بسخرية لا أريد مغادرة عبعوب الأمانة، انه فسحة واسعة للضحك، فعلى من سنضحك بدونه؟ عبعوب عينة صغيرة ضمن حالة عامة، هو جزء من سخريات حياة البغداديين ما بعد التغيير، وهو جزء من الحكاية الدواماتيكية المحزنة وحلقة مهمة من منظومة بهلوانية فرضت سيطرتها بعد ٢٠٠٣.
 
عمدة بغداد
 
قال الدكتور مجيد السامرائي، مقدم برنامج أطراف الحديث على الشرقية: "اي متولٍ لأمر الناس يريد أن يظهر مدينته اجمل مدن الدنيا، لكن بعض متولي رقاب الناس عندنا (عمدة) على الطريقة المصرية، يرى في الغيط الذي يسوس الناس بعصاه اجمل من كل الغيطان والاكفار والبنادر التي حوله، وما علينا، عمر العمدة ما لبس طربوشاً وهو المقر من ايام النقراشي باشا، لكن العمدة عندنا سدارة فيصلية اقرها مؤسس دولة العراق وباني مجده الاول فيصل الاول عام 1923وصارت لباس الخاصة من الناس، والافندية من موظفي الحكومة، لكن بعد أن نزعت بارادة ملكية اراد عمدة بغداد وواليها في الالفية الثالثة اعتمارها حتى تصبح موضة لانه لبّاس و(كشاخ) يقلده جيل من اللباسة".
 
أضاف: "الرجل يحرص في كل لقاء على اطلاق قنبلة يظل ضجيجًا صامًا للاذان ومسيلًا للدموع والضحك مثل القنابل التي تطلق لتفريق المتظاهرين في بلدان الربيع العربي، فجحا بغداد وعمدتها بعد أن عجز عن رد الاذى من كوة فتحها على نفسه ارتضى العزله وقرر الاعتزال،  فإن قبلت رغبته أراح واستراح".