آخر تحديث :الجمعة-17 مايو 2024-07:47م

فن


شكسبير يولد عربيا في مختبر سليمان البسام

الأربعاء - 11 فبراير 2015 - 10:17 ص بتوقيت عدن

شكسبير يولد عربيا في مختبر سليمان البسام
عروض سليمان البسام تنتمي إلى المسرح الإسقاطي السياسي

((عدن الغد))العرب :

كانت ولا تزال نصوص ويليام شكسبير المسرحية تتصدر جميع النصوص العالمية من حيث إقبال المخرجين عليها، سواء في الغرب أو في الشرق، لتجريب رؤاهم الإخراجية المختلفة عليها، وتقديم تأويلات جديدة لأحداثها وشخصياتها وفضاءاتها ومنظوماتها السيميائية، والمزاوجة بين رؤية شكسبير والقضايا السياسية والاجتماعية في بلدانهم.

كان للمسرح العربي نصيب من الاشتغال على نصوص شكسبير على مدى العقود الأربعة الأخيرة، إذ اشتغل عدد من المخرجين على أبرز تراجيديات شكسبير، من خلال قراءات إخراجية جريئة فنيا اتسمت برؤى حداثية، بل إن بعضا منها ذو منحى ما بعد حداثي إلى حدّ ما.

ومن بين هؤلاء المخرجين المخرج الكويتي سليمان البسام الذي قدّم حتى الآن خمس تجارب هما: “ماكبث 60 واط”، (1999)، “مؤتمر هاملت” (2002)، “المقايضة” (2003) (عن روميو وجولييت)، “ريتشارد الثالث: مأساة معربة” (2009)، و”دار الفلك” (عن الليلة الثانية عشرة) (2010).

يرى البسام أن الدافع الذي يقف وراء انجذابه إلى نصوص شكسبير، هو تميز هذه النصوص بالعمق والجمالية، وكونها تمثل نموذجا عاليا في التأليف المسرحي.

وعندما يختار نصا معينا منها يقوم بمواءمته مع البيئة العربية من خلال الإضافة والإزاحة، بداية من اللغة في مستوياتها المختلفة، ثم عناصر العمل الأخرى: الشخصيات والمكان وغير ذلك.

في تجربته الأولى “ماكبث 60 واط” ابتكر البسام لعبة مثيرة، عمد من خلالها إلى جعل الشخصيات في وضع تنسى فيه معظم حوارات المسرحية، لكنها تواصل إدارة الأفعال الدرامية بنوع من التحريف المتكرر والمستمر.

لقد أراد البسام أن يصوغ "ودار الفلك" من خلال بناء درامي يقوم على "الميتامسرح"، مستخدما صيغ الارتجال والوصف والشرح والتناص على مستوى الشكل

ولمواجهة هذا التحريف المدمر للمسرحية، يشيع ماكبث أنه مفقود داخل المدينة، بهدف التخطيط لإيجاد سبل يضع بها حدا له، ويتخلص من المأزق نهائيا.

وفي وسط حشد من المسرنمين (السائرين وهم نيام)، والرجال حاملي الرؤوس، والجنود السائرين على إيقاع “المارش”، والنساء المنتحبات، ثمة قصة حب صغيرة راقدة، ولكنها فعّالة حتى تلك اللحظة، إنها نتيجة مأساوية تبحث عن حدّ لانبعاث روحي.

وأضفى البسام في “مؤتمر هاملت”، طابعا عربيا على أحداث العرض وشخصياته، وكان المخرج سامي عبدالحميد، قد سبقه إلى ذلك في عرضه “هاملت عربيا” قبل نحو أربعة عقود، في بغداد، مفترضا أن هاملت شاب عربي متحضر ومثقف يعيش في بيئة عربية بدوية، فيتمرّد على مجتمعه، ويثور على الغدر والخيانة.

ورؤية البسام، في قراءته لنص شكسبير، ومن ثم مقاربته إخراجيا، تختلف كليا عن رؤية عبدالحميد ومقاربته، فعرض البسام ينتمي إلى المسرح الإسقاطي السياسي، من خلال ربط أحداثه بقضايا الساعة في الواقع العربي والدولي، بما تحمله من سلبيات وآلام ومحن. إنه يركز على الأيام الأخيرة من عهد طاغية، مسلطا من خلالها الضوء على الظروف الداخلية والخارجية، وعرض لحظة سقوط ذلك الطاغية، وما يصاحبها من ظروف.

وفي مقابل تقديم المخرج لتلك الشخصية حاملة صفات الحاكم الدكتاتور، فإنه يحوّل هاملت تدريجيا من شخصيته الشكسبيرية المعروفة، إلى شخصية “الإرهابي” الإسلامي المتطرف، لمواجهة الاستبداد والظلم الذي وقع عليه من عمه قاتل أبيه، وأمه التي تزوجت من قاتل زوجها.

في عرض “المقايضة” حوّل البسام الصراع بين عائلتي “منتيغيو” و”كابوليت”، كما في نص “روميو وجولييت”، إلى صراع الإخوة على قطعة أرض، وسرعان ما تتكشف أبعاد هذا الصراع، لينتقل إلى تسليط الضوء على الفساد الذي وصل إلى شريحة الشباب.

 
سليمان البسام: نصوص شكسبير تمثل نموذجا عاليا في التأليف المسرحي
 

في تعريبه لنص “ريتشارد الثالث” حوّل البسام شخصية ريتشموند، الذي ينتصر على ريتشارد، إلى سفير لأميركا في دولة عربية، وتغدو غزوته صورة مشابهة لغزو العراق.

أخيرا، في مسرحية “ودار الفلك”، تدور الأحداث في دولة عربية افتراضية يحكمها نظام رجعي يحرّم كل أشكال الفنون، منها المسرح، إلاّ أن هذا النظام يحاول تحسين صورته، وإظهار نفسه بأنه نظام منفتح، فيكلّف مخرجا مسرحيا، كان ملتزما في السابق، وأصبح الآن مدجّنا ومواليا، لإعادة تركيب مسرحية “الليلة الثانية عشرة” المحظورة منذ ستينات القرن الماضي.

بيد أن هذا المخرج، الذي يتولى دور المتحدث، يفشل في مهمته ومن ورائه السلطة، بسبب دعوته إلى الالتزام الحرفي بشروط النظام الجديد، القاضية بمنع الاختلاط والغناء والتعبير عن المشاعر بأي صورة كانت، مما يؤدّي إلى تعقيد الأمور، فيجد المتلقي نفسه أمام معضلة معقدة مثيرة للارتباك، بين استحضار جماليات النص القديم وجمود الأداء واختزاله في نوع من الإلقاء الجامد للحوار بين الشخصيات.

لقد أراد البسام أن يصوغ “ودار الفلك” من خلال بناء درامي يقوم على “الميتامسرح”، مستخدما صيغ الارتجال والوصف والشرح والتناص على مستوى الشكل، ومن هذه الصيغ يتكئ العرض على تقنية “المسرح داخل المسرح”، بحيث يتداخل دور المخرج مع دور الممثل والمرتجل والحكواتي.