آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-11:46ص

ملفات وتحقيقات


طائرات دون طيار: سلاح الاغتيالات السرية القاتل.. هذا ما يحصل في اليمن وباكستان والصومال

الجمعة - 30 يناير 2015 - 11:56 م بتوقيت عدن

طائرات دون طيار: سلاح الاغتيالات السرية القاتل.. هذا ما يحصل في اليمن وباكستان والصومال
التطور في هذه الأسلحة الجديدة لم يواكبه تطور في القوانين الدولية المنظمة لاستخدامها، والمستقبل واعد بآليات عسكرية تتمتع بذكاءٍ اصطناعي قد يتغلّب على الذكاء الإنساني، ويسلبه حق “التفكير مرتين”

كتب: كريستين أبي عزار

إثر وقوع حادثة 11 أيلول الإرهابية أعطى الرئيس الأمريكي جورج بوش أمراً سرياً إلى وكالة المخابرات المركزية يمنح عملاءها الحق باغتيال عناصر تنظيم القاعدة أينما وجدوا في العالم. السنوات الـ13 الماضية شهدت انهيار الحواجز التي تحدد المناطق، حيث وسّعت الولايات المتحدة دائرة حربها على الإرهاب. حرب تقام اليوم بطريقة غير شرعية بعيداً من مناطق الحرب المعلن عنها، كما يحصل في اليمن وباكستان والصومال، اعتماداً على أوامر سرية تطبّق على أرض الواقع عبر استخدام طائرات دون طيار Drones. فما هي تلك الأداة التي تغتال الأهداف البشرية عن بعد، وما مدى شرعية ودقة أعمالها، وما دورها في مستقبل الحروب؟

الطائرات بدون طيار المسلحة كـ MQ-9 Reaper(بتكلفة 56.5 مليون دولار) وMQ-1B Predator (بتكلفة 20 مليون دولار)، هي طائرات حربية متعددة المهمات يتم التحكم بها عن بعد على علوٍ متوسط (15240 متراً بسرعة 370كلم/ساعة للـReaper و7620 متراً بسرعة 217 كلم/ساعة للـPredator)، تُستخدم لجمع المعلومات المخابراتية وتحديد الأهداف وضربها بصواريخ جو-أرض موجهة عن بعد بالليزر. تتمتع تلك الطائرات بقدرة فريدة على تسديد الضربات والتنسيق والاستطلاع وتحديد الأهداف، بفضل أجهزة الاستشعار الواسعة النطاق وتقنية الاتصالات المتعددة الاستعمال والأسلحة الدقيقة المزودة بها، بحسب القوات الجوية الأمريكية. بإمكان تلك الطائرات أيضاً أن تؤدي مهمات دقيقة جداً خلال الدعم الجوي القريب، والبحث والإنقاذ القتالي، ومراقبة الغارات، وتأمين الطرقات، وتطوير الهدف والتوجيه الجوي النهائي.

 البداية من أفغانستان


غارات الطائرات من دون طيار الأمريكية تقتل 28 شخصاً مجهولي الهوية لكل شخصٍ مستهدف 
4% فقط من ضحايا الغارات الجوية التي تستخدم طائرات دون طيار في باكستان عُدّت ضد تنظيم القاعدة 


الغارة الجوية الأولى في التاريخ من طائرة Predator حصلت مطلع نوفمبر 2001 على أفغانستان، بطريقة مشوبة بالارتباك والسرية. في العام 2002 بدأت الولايات المتحدة باستخدام Predator للهجوم المسلح كما لعمليات الاستطلاع في العراق، مستهدفة أنظمة الدفاع الجوية في الفترة التي سبقت غزو 2003. الإعلام العالمي لم يتناول موضوع تلك الغارات الجوية قبل العام 2004، مع الغارة الأولى من طائرات دون طيار على باكستان. ذلك الغموض الذي أحاط  بهذه الغارات، ولا يزال يحيط بها، سببه انتهاك القوانين الدولية في بادئ الأمر، فضلاً عن الفضائح التي أبقيت سرية مع كل إقلاعٍ لتلك الطائرات الحربية التي يتم التحكم بها عن بعد.

وفق تقريرٍ نشره موقع Oxford research group البريطاني عن مشروع Remote Control Project الذي يتناول قضية الطائرات دون طيار وخطورتها على أرض الواقع، يظهر أن نقص المعلومات في شأن الغارات الجوية التي تشنّها هذه الطائرات يعوق القدرة على تسجيل الخسائر البشرية، لاسيما في أفغانستان، البلد الذي تلقى أكبر عدد غارات جوية بهذه الطائرات في العالم. الأمر الثاني الذي سلّط عليه التقرير الضوء، هو كون شركات عسكرية وأمنية خاصة في الولايات المتحدة متورطة في تلك العمليات. تحدث الموقع أيضاً عن دراسة أقامها The Bureau of Investigative Journalism، تفيد أن هنالك نقصاً فاضحاً في المعلومات عن مواقع تلك الغارات الجوية وهوية الأفراد الذين تغتالهم، وهو أمرٌ من شأنه أن يسهّل التلاعب بتفاصيل تلك العمليات ويصعّب إمكانية الحكم على مدى فعاليتها، أو محاسبة السلطات المسؤولة عنها عند الحاجة. تفيد الدراسة كذلك بأن 4% فقط من ضحايا الغارات الجوية التي تستخدم طائرات دون طيار في باكستان تأتي تحت عنوان مواجهة تنظيم القاعدة. في 11 أكتوبر من العام الماضي، ناهز عدد تلك الغارات الـ400 في باكستان، تم التعرف إلى 704 أفراد من أصل 2379 ضحية، 295 منهم اتهموا بأنهم ينتمون لجماعات مسلحة، و84 للقاعدة. هذه الأرقام تتناقض مع اعتراف لجون كيري مفاده أن الولايات المتحدة لا تستهدف سوى الإرهابيين المصرّح عنهم. تقول الدراسة أيضاً إن وكالة المخابرات المركزية لا تعرف هوية وانتماء كافة الأفراد الذين تقتلهم، وقد سبق للولايات المتحدة أن استخدمت الطائرات دون طيار لاغتيال مقاتلين باكستانيين في بعض الأماكن القبلية، تلبيةً لرغبات السلطات البكستانية، وذلك مقابل مساعدتها باستهداف عناصر القاعدة.

استهداف شخص يقتل 28 مجهولاً

في أواخر العام الماضي نشر موقع Reprieve المختص في إثارة النقاش حول سياسة الولايات المتحدة الخارجية، بياناً صحافياً يفيد بأن الغارات التي تقوم بها الولايات المتحدة تقتل 28 شخصاً مجهولي الهوية لكل شخص مستهدف. وهي كثيراً ما كانت ترسل لقتل أفراد سبق أن ذُكِرَ أنهم لقوا مصرعهم مرات عدة. في محاولتها استهداف أيمن الظواهري مرتين، قتلت وكالة المخابرات المركزية 76 طفلاً و29 بالغاً، بينما ما زال زعيم تنظيم القاعدة حياً. مع ذلك، يبقى الرئيس أوباما، الذي يوافق شخصياً على لائحة الاغتيالات، مصراً على كون تلك  الغارات الجوية في منتهى الدقة. تعرف الأسلحة التي يتم رميها من طائرات بدون طيار بقلّة دقّتها، فبحسب تقرير صدر في ويكيليكس، يروي جنرال في الجيش الإسرائيلي حادثة وقعت في الحرب على غزة 2008-2009، نتج عنها مقتل 15 شخصاً وجرح 40، عندما دخلت أجزاء من قنبلة رمتها طائرة دون طيار، باب مسجدٍ لم يكن مستهدفاً في الأصل.
 

Drones لحروب الشوارع

في بحثٍ آخر يحمل عنوان What’s wrong with Drones، يتحدث كريس كول عن المخاطر التي تحيط باستخدام طائرات التحكم عن بعد، التي تستطيع أن تطير لمدة تصل إلى 30 ساعة دون الحاجة للراحة، في وقت لا تطول مدة بقاء الطائرات الحربية في الجو أكثر من 8 ساعات قبل أن يتعب الطائر ويعود للأرض للراحة. بعد مئات القتلى في مهمات نفذها Brandon Bryant من قاعدته في صحراء نيفادا، قرّر الجندي الإلكتروني أن يظهر للعلن ليخبر عن تجربته القاسية التي جعلت منه قاتلاً ينفّذ عمليات لا يفهم نوعيتها، بأوامرٍ من قادة عسكريين أمريكيين يتعاملون مع الحرب الواقعية كلعبة إلكترونية بسيطة على الشاشة، يقيمون الغارات القاتلة بين استراحة القهوة ووجبة الغداء.

في حديث إلى صحيفة The Guardian أكّد المستشار العسكري الأمريكي أن الغارات الجوية العسكرية التي تشن من طائرات بدون طيار هي 10 مرات أكثر قتلاً للمدنيين من الطائرات التي يقودها الإنسان، وبرغم ذلك تدرّب الولايات المتحدة حالياً طيارين لطائرات تحكم عن بعد أكثر من التدريبات على الطائرات الحربية العادية، وفق تقريرٍ مصور نشرته France24.

تسعى القوات الأمريكية كذلك إلى تطوير جيلٍ من الطائرات بدون طيار لحروب الشوارع، بإمكانها أن تطير في الأزقة الضيقة وتخترق المباني الملتصقة بسرعة 70 كلم/الساعة لتتمكن من النيل من الهدف، ونوعٌ آخر من طائرات التحكم عن بعد بحجم البعوض التي من شأنها التقاط صور مباشرة عالية الدقة، قبل أن تلحقها نسيباتها الأكبر حجماً لتنفيذ المهمات السرية. في ديسمبر 2014، أسابيع قليلة بعد الاعتداء الاسرائيلي على قطاع غزة، حضر كبار القادة العسكريين والسياسيين في إسرائيل مؤتمراً يحمل عنوان Israel Unmanned Systems 2014، يعرض أحدث تكنولوجيا تلك الطائرات التي تم تجربة قسمٍ منها على المدنيين في الحرب الأخيرة، وأخرى قد تستخدم لاحقاً على أرض المعارك. من بين تلك الأسلحة نوع جديد من الطائرات دون طيار الانتحارية، أو Suicide drones،آلات هجينة تطلق من الأرض كصواريخ لتتحول في الجو إلى طائرات دون طيار تتمتع بذكاءٍ اصطناعي يخولها أن تأخذ القرارات بنفسها، إذا لم يتمكن الإنسان من توجيهها. وفي الشهر نفسه أزاحت إيران الستار عن امتلاكها لمثل هذا النوع من الطائرات.


الخطير هنا، أن التطور في هذه الأسلحة الجديدة لم يواكبه تطور في القوانين الدولية المنظمة لاستخدامها، والمستقبل واعد بآليات عسكرية تتمتع بذكاءٍ اصطناعي قد يتغلّب على الذكاء الإنساني، ويسلبه حق “التفكير مرتين”.