آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-10:49ص

دولية وعالمية


تحرير الأيزيديات السبايا بالتنسيق مع قبائل عربية

الأحد - 11 يناير 2015 - 02:43 م بتوقيت عدن

تحرير الأيزيديات السبايا بالتنسيق مع قبائل عربية

((عدن الغد)) الحياة :

«ذات ليلة قررت الانتحار. لففت غطاء رأسي حول رقبتي وضغطت بقوة. كنت ارى الدنيا سوداء من حولي، ولا امل بالإفلات من يد «داعش». ادركت ان الحل الوحيد هو الموت. ولكن قريباتي منعنني من تنفيذ مخططي». هكذا عبّرت بثينة (وهو اسم مستعار لحمايتها) احدى المخطوفات من جانب «داعش» تم تحريرها أخيراً، عن حجم المأساة التي كانت تعانيها حتى هانت عليها حياتها.

بثينة فتاة في العشرين من عمرها من قرية كوشو في قضاء سنجار وجدت نفسها بعد هجوم تنظيم «الدولة الاسلامية» على قريتها ضمن آلاف من النساء والفتيات اللواتي تم اختطافهن ليتم توزيعهن على بيوت داخل العراق وخارجه ويصبحن غنائم حرب تتبادلهن الايادي والأسياد.

في لحظة ما فقدت الامل بالنجاة وكذلك فتيات أخريات، منهن من حاولن الانتحار مثلها ونجحن، وأخريات تمكّن من الفرار، في حين يبقى العدد الاكبر قيد الاسر، ويقدر بأكثر من 5000 امرأة وفق ناشطين مدنيين أيزيديين يعملون على الموضوع، في حين احصت حكومة الاقليم 2600 مختطفة.

ضرب، تعذيب، تجويع، تهديد بالقتل، اغتصاب، إجبار على اعتناق الاسلام، بيع وشراء. هذا هو البرنامج اليومي لهؤلاء الفتيات القابعات في بيوت تحت سيطرة «داعش» في انتظار المجهول. وعدا بعض المحاولات الشخصية لناشطين ومنظمات محلية صغيرة لا احد يهتم بتحريرهن. فحكومة اقليم كردستان تشتكي قلة الامكانات، في حين يغض المجتمع الدولي النظر عن قضيتهن.

 

رحلة الخطف

بدأت مأساة الأيزيديات يوم 3 آب (أغسطس) من هذا العام، حين هجم «داعش» على قضاء سنجار، مستولياً على كل القرى الأيزيدية فيها. ومنطقة سنجار هي معقل هذه الطائفة عبر التاريخ والتي يعد المنتمون اليها في العراق ما يقارب 700 ألف شخص. لم يلق التنظيم مقاومة كبرى من عناصر البيشمركة الذين كانت تقع على عاتقهم حماية تلك المناطق، بل انهم انسحبوا قبل وقت قصير من وصول «داعش»، ليُترك الأيزيديون لمصيرهم الاليم وقد اعتبرهم التنظيم «كفاراً»، مما يجيز له قتلهم وسبي نسائهم واغتصابهن. المحظوظون منهم تمكنوا من الهرب الى جبل سنجار حيث بقوا لأسبوع من دون ماء او طعام ينتظرون المساعدات لإجلائهم. اما الاقل حظاً، فقد وقعوا بين ايدي «داعش» الذي ارتكب بحقهم مجازر، اذ عمد الى قتل الرجال وأسر النساء والاطفال، وأخذهم الى المناطق التي يسيطر عليها في العراق مثل الموصل (التي سقطت بيده منذ 10 حزيران) وتلعفر، اضافة الى مناطقه في سورية كالرقة ودير الزور.

سهام (اســم مســـتعار ايـضاً) تروي كيف هجم التنظيم على قريتها كوشو وأخذها مع جملة من قريباتها وصديقاتها: «مساء الثاني من آب، علمنا ان التنظيم اقترب من قريتنا وقررنا الخروج والهرب، لكن عندما وصلنا الى نقطة تفتيش البيشمركة، طلبوا منا العودة الى بيوتنا وطمأنونا الى انهم سيقومون بحمايتنا فعدنا. وفي صباح اليوم الثاني فوجئنا بانسحابهم، لنجد انفسنا وجهاً لوجه مع «داعــش» الذي اعطانا مدة يومين حتى نعتنق الاسلام. قبل انتهاء المدة، جاءنا المدعو ابو حمزة ليخبرنا ان عفواً صدر عنا من جانب ابي بكر البغدادي وأنهم سيعاملوننا مثل المسيحيين ويسمحون لنا بالمغادرة والصعود الى الجبل. ثم علمنا ان اهل القرية المجاورة (الحاتمية) الذين تلقوا الوعد نفسه، قرروا الهرب في الليل. الشيء الذي لم يعجب التنظيم فصبّ جام غضبه علينا».

«أُمرنا - تواصل سهام – بأن نتوجه كلنا الى المدرســة، «ثانــوية كوشو للبنين»، هناك تم في مرحلة اولى فصل النساء عن الرجال وطُلب منا نحن النسوة ان نصعد الى الطبقة العلوية. بعدها بقليل سمعنا صوت اطلاق نار. عندما ســألنا عن مصدره، قيل لنا انه تم اطلاق النار على كلاب سائبة، لنعلم في ما بعد انهم قتــلوا معظم رجالنا. ثم طلبوا منا ان ننزل الى حديقة المدرسة. هناك تم فصــل الفــتيات والنــساء الـــشابات عن النسوة العجائز وعن الاطفال الذين يتجاوز عمرهم 3 سنوات، ثم أُخذ الجميع في ســيارات منفصلة اولاً نحو تلعفر ثم نحو الموصل، لينتهي الامر بنا في منزل بثــلاث طبــقات كان صاحبه قاضياً شيــعياً. كنا ما يقارب 160 فتاة غالبيتنا من كوشو».

 

الجميلات وصغيرات السن هن المفضلات

هذا المنزل كان احدى نقاط البيع حيث يأتي يومياً شيوخ عرب من «داعش» او من القبائل العربية السنّية المساندة له لمشاهدة الفتيات وانتقاء ما يريدونه منهن. «كانوا يأتون الينا مرتين في اليوم يطلبون منا ان نصطف على الحائط، وعندما كنا نحاول تغطية وجوهنا بأوشحتنا او بشعورنا حتى لا يختارونا، كانوا يفرضون علينا كشفها» تؤكد نادية (اسم آخر مستعار) مضيفة: «كانوا يفضلون البنات الجميلات، الصغيرات في السن وغير المتزوجات». اغلب القادمين كانوا من الكهول، تتجاوز أعمارهم الخمسين، على نحو ما اخبرتنا به الفتيات اللواتي قابلناهن، كانت الاولوية الحصول على السبايا لأمراء «داعش» وليس للمقاتلين الشبان.

الكثير من الفتيات تم اغتصابهن في ذلك البيت. «كنا نسمع صراخ وتوسلات البنات اللاتي تم اختيارهن واقتيادهن الى الطبقة العلوية. ثم يرجعن الى الغرفة التي نحن فيها في اليوم التالي في حالة يرثى لها ووجوههن وأجسادهن مملوءة بالكدمات» توضح منى (20 سنة).

معظم البنات اللواتي قابلناهن، يرفضن الاعتراف بتعرضهن للاعتداء الجنسي او الاغتصاب. اولاً لأن الموضوع في غاية الحساسية بالنسبة الى الطائفة الأيزيدية، وثانياً لأن الفتاة نفسها لا تريد ان يعلم اهلها بما حصل معها. فيفضلن دائماً الحديث عن صديقات لهن كن ضحية الاعتداءات. الا ان شرودهن المتكرر وهن يروين قصصهن، عيونهن الفارغة وعلامات الألم التي ترتسم من وقت الى آخر على وجوههن توحي بأن الواقع غير ذلك. ولكن يبقى دليل واحد لا يُدحض على ما تعرضن له وهو حمل الكثيرات منهن نتيجة عمليات الاغتصاب. (س) 19 سنة من كوشو، تحمل في رحمها دليل مأساتها. ويصعب عليها ان تخبر اهلها انها حامل من مغتصبها الذي كان يأسرها في الموصل، فتقول ان حملها هو من زوجها الذي قتله التنظيم أمام عينيها، هو وأخاه وأباه.

تتذكر بعينين مملوءتين بالأسى كيف اتى احد المقاتلين واختارها ليأخذها معه، واعداً اياها بأنه لن يلمسها وأنها ستكون مثل الأخت بالنسبة اليه، ولكنه بعد بضعة ايام تراجع عن كلامه. وعندما رفضت الاستجابة له، صار يضربها ويهددها بقتل طفلها ذي السنتين الذي كان معها حين خطفها «داعش».

عدا الاعتداء الجنسي، يعمد مقاتلو التنظيم الى ضرب الفتيات والتنكيل بهن لإجبارهن اولاً على اعتناق الاسلام ثم على قبول ما يسمونه «زواجاً شرعياً» منهم. كما لا يتوانون عن تجويعهن وتجويع اطفالهن الرضّع، اضافة الى التهديد بقتل الصغار وضربهم حتى تستجيب المرأة لما يريدون.

 

غنائم حرب بأسعار بخسة

يتناوب على المرأة الواحدة الكثير من المقاتلين، ويتم تمريرها في ما بينهم بأثمان بخسة... حيث حدد «داعش» من خلال وثيقة اصدرها أخيراً اثمان السبايا التي تختلف وفق سن الفتاة وجمالها. فالأغلى ثمناً هن اللواتي يقل سنهن عن 9 سنوات ليبلغ 200 ألف دينار عراقي (ما يعادل 166 دولاراً)، اما التي يراوح عمرها ما بين 10 الى 20 سنة فتباع بـ 150 ألف دينار (ما يعادل 125 دولاراً)، تليها في الترتيب المرأة التي يراوح سنها ما بين 20 الى 30 سنة وتباع بـ100 الف دينار (83 دولاراً) ثم المرأة ما بين 30 و40 سنة التي يبلغ ثمنها 75 ألف دينار (62 دولاراً)، وفي اسفل سلّم الاسعار تأتي السبية التي يراوح عمرها ما بين 40 و 50 سنة وتباع بـ 50 ألف دينار (41 دولاراً). بعد البيع تنتقل الفتاة اما الى مناطق اخرى في العراق كالموصل وتلعفر او تذهب خارج العراق الى سورية او حتى الى افغانستان.

في اوائل شهر كانون الاول (ديسمبر)، اصدر التنظيم كتيباً يشرح للمقاتلين كيفية التعامل مع السبايا حيث يبرر السبي بـ «الكفر»، معتبراً ان ذلك يشمل النساء «الكتابيات والوثنيات» على حد سواء. كما يجيز الكتيب للمقاتلين نكاحهن مع تبيان قواعد ذلك. اذ يسمح لمالك السبية بأن ينكحها مباشرة اذا كانت عذراء، اما اذا لم تكن كذلك فيجب عليه انتظار «ان ينظف رحمها».

كما يجيز التصرف في «الإماء» بالبيع والشراء والهبة بما انهن «محض مال يستطاع ان يتصرف به من غير مفسدة او اضرار». ويبيح الكتيب الصادر عما يسمى «ادارة البحوث والفتوى» ايضاً ان يتم نكاح الفــتاة القاصر «إن كانت صالحة للوطء. اما اذا كانت غير صالحة للوطء فيكتفي (المقاتل) بالاستمتاع بها من دون وطء».

منذ البداية، تدخل «داعش» بمصير الاطفال من الجنسين، اذ لم يكن حالهم احسن ممن هم اكبر منهم سناً، اذ اعتبرت الفتيات الصغيرات غير البالغات، سبايا تجوز معاشرتهن. في حين تم فصل الصبيان ما فوق 3 سنوات عن امهاتهم ووضعهم في بيوت وحدهم، بغاية تعليمهم القرآن وأصول الشريعة الاسلامية. يروي مالك (11 سنة)، كيف تم وضعه في منزل مع قرابة 40 طفلاً وكان المعلم يزورهم في الليل ليحفظّهم القرآن. والويل لمن لا يحفظ لأنه سيتم ضربه. «كان المقاتلون المكلفون حراستنا يقولون اشياء سيئة عن ديانتنا، وعندما نسأل عن اهلنا يقولون لنا انهم قتلوهم. وكنت أخاف ان يقتلوني انا ايضاً»، يتذكر مالك بحزن. وعلى رغم انه تحرر من قبضة التنظيم، فهو لا يزال يشعر بعدم الامان: «لحد اليوم عندما انام، احلم انهم جاؤوا لخطفي».

هذا الوضع المزري دفع الكثير من الفتيات الى التفكير بالانتحار إما بخنق انفسهن او بفتح شرايينهن او بشرب السم. بعضهن نجحن في ذلك، اذ احصت نارين شمو، وهي واحدة من مؤسسي شبكة «أيزيديين عبر العالم» التي تعمل على موضوع المختطفات، 41 حالة. اما بعضهن الآخر فقد تم انقاذهن من جانب «داعش» الذي اعتبر موتهن خسارة له.

 

تحرير المخطوفات

لكن الكل لم يفقد الامل، اذ بدأ قسم من البنات يفكر جدياً بالهروب، بخاصة ان علاقتهن بالعالم الخارجي لم تنقطع على رغم الحبس والسبي. فبعضهن حافظن على هواتفهن الجوالة، مخالفات في ذلك أوامر التنظيم بتسليمه كل ما يملكن وبخاصة الهواتف. هذا التصرف مكّنهن من الاتصال بشكل متواصل بأفراد عائلاتهن ومع الناشطين الأيزيديين، في محاولة لإيجاد طريقة للفرار. كن يخفين الهواتف داخل حفاضات الاطفال وتحت الارض ويتصلن كلما سنحت لهن الفرصة في غفلة من المقاتلين. هذه الاتصالات مكنت من معرفة أماكنهن وظروف عيشهن، اضافة الى اعطاء معلومات مهمة ودقيقة عن تحركات التنظيم.

من هنا بدأت تتحرك بعض الجهات لإنقاذهن وأهمها «منظمة سيفو» التي بدأت كمبادرة من ثلاثة اشخاص اكراد من سنجار: ابو دارا، محمود ماردين ودلير سنجاري. استغلوا علاقاتهم الواسعة بشيوخ العشائر العربية ليطلبوا منهم التدخل لدى مقاتلي التنظيم لاسترجاع الفتيات المختطفات، ومعلوم ان القبائل العربية السنّية لها اتصال مع «داعش».

تتمثل عملية التحرير، كما يفسرها ابو دارا، رئيس لجنة تحرير الرهائن، بأن يتم اعطاء اسم البنت التي يراد تحريرها الى الشيخ العربي الذي يتفاوض مع «داعش» بشأنها على اساس انه سيأخذها هدية او سبية ثم يقوم بتأمينها في بيت لمدة معينة. في الاثناء يقوم بإعداد هوية مزورة لها ويشتري لها حجاباً شرعياً. نحن من جهتنا «نتفق مع احد سائقي التاكسي الذين نعرفهم ليذهب لأخذ الفتاة من الموصل او تلعفر ويُقل معها أهله للتمويه، ثم يقوم بإخراجها من المناطق التي هي تحت سيطرة التنظيم وإيصالها الى اقليم كردستان، حيث ننتظرها نحن لتسليمها الى اهلها»، يوضح ابو دارا.

طبعاً هذه العملية ليست مجانية، فالشيخ العربي كما التاكسي يأخذان مقابلاً. يتسلّم الشيخ مبلغاً يراوح ما بين 1000 و2000 دولار لتغطية تكاليف اقامة الفتاة الى حين ترحيلها. كما يحصل التاكسي الذي يقوم بنقلها على مبلغ يراوح ما بين 1200 و1300 دولار لتبلغ الكلفة الاجمالية لتحرير الفتاة الواحدة ما يقارب 4000 دولار. ولا يخلو الامر هنا من استغلال للموقف. يبين محمود ماردين، المنسق العام للتحرير، ان هؤلاء الاشخاص او ما يمكن ان نسميهم «الوسطاء»، يطلبون أضعاف الأسعار الحقيقية لما يقدمونه من خدمات. فإيجار البيت الذي يتم تأمين الفتاة فيه لا يتجاوز 40 دولاراً، في حين يتم احتسابه بـ2000 دولار، وأُجرة التاكسي التي لا تتجاوز عادة 60 دولاراً تُحسب بـ1300 دولار، عدا ثمن الهوية المزورة التي تكلف في الحقيقة دولاراً واحداً، في حين يأخذ الوسيط عليها 500 دولار والحجاب الشرعي الذي لا يتجاوز ثمنه في السوق 15 دولاراً يباع لنا بـ 250 دولاراً». لكن لا تهم المبالغ التي ندفعها حتى وإن كانت عالية... المهم عندنا هو ان نحرر اكبر عدد ممكن من المختطفات»، يضيف ماردين.

تم الى الآن تحرير 223 شخصاً (بين نساء ورجال وأطفال) بينهم اكثر من 100 امرأة. ولم تقتصر جهود المنظمة على تحرير الرهائن في العراق، بل تجاوزت ذلك الى سورية حيث يمتلك اعضاء المنظمة علاقات مع القبائل العربية هناك وتمكنوا فعلياً من تحرير فتيات تم نقلهن الى هناك من جانب التنظيم. وهم حالياً في صدد التفاوض لتحرير 40 بنتاً مختطفة.

الا ان عمليات التحرير هذه ليست من دون أخطار. ففي بعض الاحيان يتفطن «داعش» الى الخطة. «ذات يوم - يروي ابو دارا – اتصل بنا شخص قائلاً انه يستضيف في بيته بنتين من المختطفات قام بتحريرهما وطلب ان نبعث له بسائق الى تلعفر لأخذهما. ولكن عندما وصل السائق الى هناك فوجئ بأن الرجل اخبر «داعش» بقدومه، فتم إلقاء القبض عليه وسجنه».

ولكن هذه الأخطار لا تردع ابو دارا وأصدقاءه في المنظمة عن مواصلة جهدهم لتحرير الرهائن. إلا انهم يشتكون حالياً قلة الموارد المالية لمواصلة هذه العمليات. فحتى الآن هم يعتمدون على مواردهم الخاصة وقد شحت هذه الموارد، ما اضطرهم الى ايقاف مجهودهم. وهم يشتكون ايضاً من غياب جهات داعمة لهم، سواء أكانت حكومية ام غير حكومية على رغم ان «منظمة سيفو» هي تقريباً الوحيدة التي تعمل على الارض لتحرير المختطفات وإعادتهن الى اهلهن ويعتمد عليها الجميع بمن فيهم حكومة اقليم كردستان.