آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-04:05م

دولية وعالمية


الأزمة الليبية: عندما يكون الدواء اسوأ من الداء

السبت - 22 نوفمبر 2014 - 12:58 م بتوقيت عدن

الأزمة الليبية: عندما يكون الدواء اسوأ من الداء
كان العقيد القذافي يدير البلاد بنظام دكتاتوري

((عدن الغد)) بي بي سي

متى يكون الدواء أسوأ من الداء؟

لا يبدو أن لهذا السؤال إجابة. ولكن عندما كان الداء هو القسوة الوحشية لنظام القذافي في ليبيا، وعندما كان العلاج يتمثل في ثورة تلقت دعما مباشرا عبر ضربات جوية من أنظمة دولية، وعندما تكون النتيجة الآن دولة فاشلة توفر منطلقا جديدا للمتطرفين الإسلاميين، فإنه يجب النظر في فحوى هذا السؤال.

ويميل الدبلوماسيون عادة - وبشكل محترف - إلى التفاؤل. حيث يعتقد أغلبهم أنه من الممكن، من الناحية النظرية على الأقل، أن تكون هناك نتائج إيجابية لأي أزمة.

وربما كان عليهم الشعور بذلك حتى يتمكنوا من الاستمرار في علمهم.

إلا أن الحديث معهم عن انهيار النظام في ليبيا يمثل اختبارا شديدا لقدرتهم الدبلوماسية على التماسك.

فالبريطانيون، على سبيل المثال، عندما يستشعرون قدرا ضئيلا من الراحة أو يبصرون انفراجا طفيفا لأزمة ما، فإنهم دائما يتحدثون عن حدوث "تقدم في الطريق الصحيح".

إلا أن أحدا لم يلجأ لاستخدام هذه العبارة في الحديث عما يحدث في ليبيا اليوم.

وبدلا من ذلك، فقد جاءت توصيات السفر الأخيرة التي أصدرتها الخارجية البريطانية في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني لا تدع مجالا للشك.

وتقول توصيات السفر إن "وزارة الخارجية البريطانية تنصح بعدم السفر إلى ليبيا لأي سبب من الاسباب، نتيجة للقتال الدائر وتزايد حدة الاضطرابات هناك".

وحث البيان الرعايا البريطانيين المتواجدين في ليبيا حاليا " على الإسراع بمغادرة البلاد بالوسائل التجارية".

وقال البيان إن "السفارة البريطانية في طرابلس قد أغلقت أبوابها بشكل مؤقت، ولم يعد بوسعها تقديم المساعدة القنصلية".

واعقب تلك التوصيات اعلان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الأسبوع فرض عقوبات على جماعتين إسلاميتين في ليبيا يعتقد بأنهما على صلات بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وبالرغم من أن بريطانيا لا تصرح بأن ليبيا تشهد انهيارا تاما، إلا أن المحللين يتحدثون عن ذلك بطريقة أكثر وضوحا.

قوات متمردة

يجتمع مجلس النواب في أحد الفنادق الفخمة بمدينة طبرق شرقي ليبيا

يشير مركز دراسات "ميناس" إلى الحكم الاستثنائي الذي أصدرته المحكمة العليا في ليبيا في الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني بأن مجلس النواب في ليبيا غير دستوري.

وقال "ميناس إن ذلك الحكم "كان صادما خاصة بالنسبة للمجلس، خاصة أن قرار المحكمة ذلك كان يستهدف تحديد ما إذا كانت إقامة جلسات المجلس في طبرق قانونية أو غير قانونية".

وأضاف المركز "لذا فقد جاء الحكم بأن المجلس من أساسه (وليس مكان عقد جلساته) غير قانوني ليمثل ضربة قوية للبرلمان."

وأضاف المركز "كما قضت المحكمة أيضا بأن قرارها ذلك لا يمكن نقضه، معتبرة جميع القرارات التي توصل إليها المجلس باطلة."

وتابع المركز قائلا إن "الإسلاميين والمصراتيين، الذين يشكلون الجزء الأكبر من القوات المسماة "عملية فجر ليبيا" ويدعمون "حكومة الخلاص الوطني" في طرابلس كمنافس للبرلمان الموجود غربي البلاد، رحبوا بذلك".

فما الذي حدث لهذه الدولة التي "حررت" عام 2011 بعد عقود من النظام الدكتاتوري للعقيد القذافي، من خلال توليفة من القوات المتمردة وضربات جوية شاركت فيها مقاتلات بريطانية وفرنسية؟

لذا، فإن الانهيار الذي توقعه العديد من الخبراء للاتحاد القائم على المصالح والشديد الهشاشة بين قوات المتمردين أصبح وشيك الحدوث.

وفي يونيو/ حزيران عام 2014، أجرت ليبيا انتخابات في البلاد للمرة الثانية منذ رحيل نظام القذافي. إلا أنه وخلال شهور، أجبر البرلمان الجديد على ترك العاصمة طرابلس من قبل الإسلاميين المسلحين والقبائل في هذه الدولة الممزقة والمسلحة بشكل أكثر من المعتاد.

وفي الوقت ذاته يتشبث مجلس النواب بمدينة طبرق التي تقع على الحدود الليبية الشرقية.

أما الاسلاميون فلديهم سلطتهم التشريعية البديلة في طرابلس، التي تتمثل في المجلس الوطني العام.

تسريع الجهود

ويرى المحللون أنه — وإلى جانب التأثير الكارثي الذي يقع على الليبيين من هذا الانهيار الداخلي — فإن الحرب الأهلية تثبت أنها ليست سوى مصدر للدمار لقطاع الاستثمار الأجنبي الحيوي في ليبيا.

فمن الذي ينبغي للمستثمرين أن يتعاملوا معهم؟ وهل لا يزال هناك مكان في ليبيا آمنا ليستثمروا فيه؟

أما أكثر الجهود العملية لبريطانيا في بناء الدولة فهي الآن فقد تردت تماما.

لم ينجح تدريب مسلحي الميليشيات الليبية في معسكرات باسينغبورن بمقاطعة كامبريدج ببريطانيا

وما حدث في معسكرات باسينغبورن بمقاطعة كامبريدج يشبه غياب النظام في ليبيا نفسها، حيث باءت بالفشل جهود تدريب قوات الميليشيا من الشباب الليبي لتكون أكثر مسؤولية وانضباطا داخل جيش بلادها وفي خدمة حكومتها الوطنيين.

ويواجه اثنان من الليبيين تهما قضائية بالاغتصاب.

وفي حالات غير متصلة، يواجه ثلاثة آخرون اتهامات بالوقوع في اعتداءات جنسية. لذا فقد أعادت بريطانيا بقية المتدربين إلى بلادهم وأوقفت برنامج التدريب برمته.

تسلل المتطرفين

فهل هناك إذن أي أمل في حل الأزمة في ليبيا ككل؟

فقد أجبرت الولايات المتحدة على الخروج خارج البلاد، وتعمل سفارتها حاليا من مالطا، وجردت من معظم نفوذها في البلاد. أمال الدبلوماسيون البريطانيون فيعملون من سفارتهم في تونس.

وتحاول الأمم المتحدة التوسط بين الفضائل المتنازعة، إلا أن كل تلك المحاولات لم تشهد نجاحا يذكر حتى الآن.

ولا يعد ذلك أمرا مفاجئا تماما إذا ما أخذنا في الاعتبار أن هناك ما يقدر بأكثر من 1700 جماعة في البلاد تتنازع على السلطة.

وتؤكد الاستخبارات الغربية ارتفاع أعداد المتطرفين الإسلاميين المتسللين إلى ليبيا، وظهور جماعات هناك على علاقة بما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية"، أو أنها على الأقل متعاطفة مع فكرة اقامة خلافة تسيطر على أكبر مساحة ممكنة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

ويمكن للموقف في ليبيا أن يتحول ليجعل المشهد البشع في سوريا يبدو بسيطا نسبيا.

إلا أنه لا يوجد أي من تلك الأطراف من يقول إن ليبيا كانت أفضل في فترة حكم القذافي.

يبدو الداء في ليبيا رهيبا، إلا أنه لم يجر التوصل إلى دواء له حتى الآن.