آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-04:14م

دولية وعالمية


المخاطرة بكل شيء للوصول إلى أوروبا

الأربعاء - 29 أكتوبر 2014 - 06:35 م بتوقيت عدن

المخاطرة بكل شيء للوصول إلى أوروبا
السفينة التي غرقت قبالة مالطا كانت تقل مواطنين فلسطينيين ومصريين وسوريين وسودانيين

القاهرة ((عدن الغد)) بي بي سي:

من بين أفراد أسرة بكر الـ 23 الذين أبحروا لأوروبا على متن قارب مكتظ بالمهاجرين غير الشرعيين في أوائل سبتمبر/أيلول الماضي، لم يصل منهم إلا الرضيعة ملك رأفت بكر البالغة من العمر 14 شهرا، لكنها وصلت جثة هامدة لتدفن في الأراضي الإيطالية.

ويعتقد أن أقارب الطفلة الذين أبحروا معها من بين نحو 500 شخص غرقوا عندما هاجم المهربون قاربهم.

ويقول الناجون إن المهاجرين رفضوا الانتقال إلى سفينة أصغر، خوفا من غرقها أثناء الرحلة، لكن المهربين أنهوا هذا الجدل بإغراق السفينة.

وبالنسبة لعائلة بكر – من فلسطين – كانت هذه الكارثة الثانية خلال السنوات الأخيرة. حيث طردتهم حركة حماس من قطاع غزة عام 2007 واستولت على أعمالهم التجارية.

واستقرت العائلة في مصر لكنها واجهت العديد من المشاكل، ولذلك لجأت إلى المهربين للسفر إلى أوروبا.

وقال عاطف بكر، وهو أحد أفراد العائلة الذين تخلفوا عن الرحلة "كنت أعارض تلك الرحلة تماما، لكنهم ظلوا يرددون أنه لا يوجد مستقبل هنا، أو في العودة إلى الوطن في غزة".

وأضاف "كانوا يحلمون بالسفر إلى أوروبا وأن يعيشوا حياة كريمة لهم ولأبنائهم".

عثر على جثة ملك رأفت بكر قبالة سواحل إيطاليا

وكان عاطف، وهو عقيد سابق في قوات الأمن الفلسطينية، ينتابه حزن شديد يظهر جليا في بطء حديثه واحمرار عينيه.

ويقضي عاطف وقته هذه الأيام في البحث عن أي معلومات عن تلك الكارثة التي حصدت أرواح نحو عشرين من أقاربه، بما في ذلك شقيقه ونجله وحفيده.

وجلست والدته، أمينة، إلى جواره وهي تضع على رأسها حجابا أبيض اللون وتتذكر الأيام الأفضل التي عاشتها في غزة.

وقالت والدموع تنهمر من عينيها "كنا نأكل ونشرب ونفعل كل شيء سويا. ونتضرع إلى الله أن يجمع شملنا يوما ما، ونتمنى أن نسمع أنهم جميعا على ما يرام".

والمفارقة الغربية هي أن معظم الضحايا كانوا سباحين ماهرين، حيث تعمل الأسرة في مجال الصيد.

وقال عاطف "كانوا يسبحون في البحر في جميع فصول العام، ويمكنهم السباحة وسط الأمواج العاتية وفي المياه الباردة، علاوة على أنهم جميعا كانوا شبابا، فكيف يغرقون؟"

وأبحرت أسرة بكر من دمياط في شمال مصر، ويقال إن هناك نحو 20 نقطة رحيل على طول الساحل هناك.

وقال محمد الكاشف، وهو باحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "لم تكن عملية الإبحار غير الشرعي منظمة العام الماضي، لكن العصابات الآن تتصل ببعضها البعض، والنشاط في تزايد مستمر".

وأضاف "المهربون الآن لديهم المزيد من المال والسلطة، وسيكون من الصعب التعامل معهم العام المقبل".

وقال الكاشف، الذي يدافع عن المهاجرين ويراقب المهربين، إن فلسطينيين ومصريين وليبيين وسوريين يعملون الآن في هذه التجارة.

شاطئ اسكندرية - أحد الأماكن التي تستخدم في الهجرة غير الشرعية

ويعرف المهربون والوسطاء الرئيسيون بأسماء مستعارة مثل أبو حمادة (يسمى أيضا الدكتور والكابتن والجنرال).

ويدفع المهاجرون ما لا يقل عن 2000 دولار، وأحيانا يصل المبلغ إلى 4000 دولار للشخص الواحد، وفقا لحالة القارب.

رحلة مرعبة

ويعمل المهربون من أماكن عامة – بما في ذلك الموانئ الموجودة إلى جانب الشواطئ السياحية – عندما يكون الساحل خاليا من الضباب. ويقول الكاشف إن المهربين يعملون في فترة ما بين الفجر والساعة الخامسة مساء لتجنب دوريات خفر السواحل ليلا.

وعندما يصل المهاجرون إلى نقطة الانطلاق يركبون قوارب الصيد التي تنقلهم إلى سفن أكبر في المياه الدولية.

ويقضي المهاجرون فترة تتراوح بين يومين إلى ثلاثة أيام هناك حتى يمتلئ القارب بمئات المهاجرين، ثم تبدأ الرحلة إلى إيطاليا.

وينقل المهاجرون إلى سفينة أخرى لتأخذهم إلى المياه الإقليمية الايطالية، ثم يرسل المهربون رسالة استغاثة لخفر السواحل ويلقون بالمهاجرين في البحر.

وغرق أكثر من 3000 شخص في البحر المتوسط هذا العام، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.

لكن وكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتكس) تقول إن 182,156 شخصا وصلوا إلى أوروبا عبر البحر، وهو رقم قياسي يصل إلى ثلاثة أضعاف إجمالي المهاجرين لأوروبا عام 2013.

صور لأفراد عائلة بكر الذين فقدوا خلال رحلتهم إلى أوروبا

ودفعت الزيادة الهائلة في أعداد الوافدين، الدول الأوروبية لاتخاذ تدابير غير مسبوقة للكشف عن المهاجرين.

ومن المقرر أن تبدأ عملية "تريتون" للتصدي للهجرة غير الشرعية لأوروبا عبر البحر المتوسط، والتي تشمل أكثر من 20 دولة أوروبية، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.

لكن التركيز سيكون على مراقبة الحدود، وليس على عمليات البحث والإنقاذ، وهو ما يجعل وكالات الإغاثة تخشى موت عدد أكبر من المهاجرين في عرض البحر.

ذعر وإنهاك

يعرف أبو براء، وهو لاجيء سوري وأب لخمسة أطفال، مخاطر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا جيدا. وبالرغم من ذلك، حاول أبو براء، الذي طلب عدم ذكر اسمه بالكامل، القيام بهذه الرحلة 10 مرات، وتقطعت به السبل في أبريل/نيسان الماضي في عرض البحر لمدة أسبوع مع زوجته وأولاده.

وقال أبو براء: "كان القارب يقل 160 سوريا و64 مصريا".

وأضاف: "أخبرونا في اليوم الثالث بأنه لا يوجد مزيد من الماء، ولذا بدأنا نشرب مياه البحر. كان الطقس حارا نهارا وباردا ليلا. وكان أطفالي يشعرون بالرعب في البحر، ولا يمكن للكلمات أن تصف الرعب والإنهاك والجوع. مرت هذه الأيام السبعة وكأنها سبع سنوات".

وأنتهى بهم المطاف مرة أخرى في مصر بعدما شب خلاف بين المهربين على المال.

وقال أبو براء "كان هناك قارب آخر يطاردنا ويحاول إغراقنا. وكان قبطان السفينة التي كنا عليها يتسم بشجاعة كبيرة وتمكن من الإبحار عائدا إلى الشاطئ".

وتمكن أطفاله وزوجته من السفر أخيرا إلى أوروبا في يوليو/تموز الماضي، لكنه لم يتمكن من اللحاق بهم. وأظهر أبو براء بكل فخر صورة لابنته فرح البالغة من العمر أربع سنوات وهي تمسك بالونات صفراء اللون في أول يوم لها في الدراسة بألمانيا.

وقال "لا أستطيع أن أقول أنني لا أشعر بالخوف من السفر، لكنني سأحاول مرة أخرى لو أصبح معي المال اللازم لذلك".

وأضاف "أسرتي في مكان وأنا في مكان آخر، وهو ما يجعلني أشعر بأني جسد بلا روح".

تصميم على الهجرة

إذا حاول أبو براء السفر بشكل غير شرعي مرة أخرى، فلن يكون الغرق هو الخطر الوحيد الذي سيواجهه، حيث يمكن اعتقاله من قبل الشرطة المصرية التي ألقت القبض بالفعل على 4300 مهاجر غير شرعي خلال العام الجاري، وفقا للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

وكان من بين هذا العدد ثمانية من عائلة بكر – أربعة منهم أطفال – كان من المقرر أن يلتحقوا بأقاربهم في المركب المنكوب من دمياط. وقضوا ستة أسابيع رهن الاعتقال قبل أن يطلق سراحهم.

ويقول النشطاء إن الشرطة تركز على استهداف المهاجرين بصورة أكبر من محاولة القبض على المهربين أنفسهم.