آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-07:52م

أدب وثقافة


حب بالحرم - رواية قصيرة لكاتبة من عدن

الأحد - 19 أكتوبر 2014 - 01:29 م بتوقيت عدن

حب بالحرم - رواية قصيرة لكاتبة من عدن

عدن ((عدن الغد)) خاص:

 

أنا لست بكاتبة ..

و لست بشاعرة ..

النقد لن يؤثر عليا إلا إيجاباً

المدح سيزيد فرحتي بذاتي ..

لاأريد حمداًو لا شكوراً

هي مجرد مشاعر أحببت أن أخرجها من ذاتي إلىأوراقي ..

 

 

 

مروىمرتضى الجيلاني

 

 

حبٌبالحرم..

 

عفواتعفنساؤكم في المحرم

وتجنبواما لا يليق بمسلم

إنالزنا دين فإن أقرضته

كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

ياهاتكاًحرم الرجالوقاطعا

سبل المودةعشتغير مكرم

لوكنت حرا من سلالة ماجد

ما كنتهتاكاًلحرمة مسلم

منيزنيزنبه ولو بجداره

 إنكنت يا هذا لبيبا فافهم

منيزن في قوم بألفي درهم

 يزنفيأهل بيته ولو بالدرهم

 

الإمامالشافعي

 

 

 

 

 

 

 

شخصياتي ليست واقعية ..  بل هي الواقع بذاته ..

تعاني الأمرين لتعلنحبها .

و لكن كمن يصرخ في صحراء ليس بها سوىأفاعي ،صبار ، و كائنات متوحشة ...

 

 

 

 

 

 

 

الفصلالأول:

وقفت ،تجمع أغراضها .. دفترها و أقلامها المتساقطة على الأرض ..

 بصمت و هدوء و حركة أرجل لا تكاد تسمع  , ولولا سواد عباءتها لما شوهدت ..

تكاد تنفجروجنتاها  - خجلا -  و كأن نقابها تلبس اللون الأحمر هو الآخر من شدة احمرار خديها ..

تمشي و هي لا تعلم ما الخطأ الذياقترفته ،الصمت يسود القاعة لا يسمع سوى صوت التكييف ،،

خطت خطوتها الأولى ، و هي تناظر الأرض و الأرض فقط .. و كأنها تعد بلاطها ،،

الخطوة الثانية .. تكاد تسمع أصواتهم يتكلمون ..

احدهم يحدث اخربأنها ....

و اخريقوللآخربأنها ... وبالطبعسيضيفعليهالكثيرلكيتصبحالقصةمؤثرة أكثر ..

لكن الصمت لازال سائداً و ما هي إلا هواجس في عقلها .

ما بال الباب ابتعد كثيراً _ تسأل نفسها _ .

 يسقط قلمها على الأرض من شدة توترها ..

كانت ستكمل طريقها بدونه لولا أن صديقتها التي توفت قبل عامين ؛ هي من أهدتها إياه .

نزلت بسرعة خاطفة و أخذت قلمها و استمرت بمشيها ..

و خلال هذه الثواني البسيطة كي تصل إلى بوابة القاعة ..

مرت في رأسها ألف فكرة وفكرة عن الذنب الذي اقترفته ..

- اعتقد أن ما قالته كان صحيحاً

 -قالها و مازال رأس منكبا على الورقة  - .

تصنمتهي  في مكانها ، وكأنها تجمدت ..

و صوت رخيم .. لا بل ناشز يرد قائلاً : ماذا قلت .. أتعتقد ؟!

رفع رأسه من الورقة ، و بنظرة حادة و مليئة بالثقة يقول :  لا, لا اعتقد ..  بل أنا متأكد أن ما قالته صحيحن.. .....

يقاطعه الصوت الناشز مرة أخرى بحدة أكبر بين الاستهزاء و التعصيب  :  أتريد اللحاق بها ؟!

رد ساخراً و هو يلملم أغراضه هو اخر : وإذاأُبطلالحق،فماذاانتظر،،بالطبعسألحقبها،لابلسأسبقها .. وبابتسامةعريضة  يُكملفهيلمتتزحزحمنمكانها ..

قفز من فوق الدُرج و بخطوات واثقة ،- عكسها تماما - مشى و حتى وصل إلى حيث تجمدت هي .. همس لها بهدوء   : هيا تحركي قبل ان يرجع  بكلامه و يعيدنا إلى محاضرته المملة.  و استمر حتى خرج من البوابة ..

كلماته و كأنما أعادت الروح إليها و إن صح التعبير و كأنها أذابت التجمد الذي أصابها ،، لا محبة بل أعادت لها الثقة في نفسها .

ابتسمت و لحقت به و خرجت من القاعةالمشؤومة.

جلست على إحدى الدرجات لترتب أوراقها فرأت ما كانت تكتبه و لسببه طردت ..

 أخذت قلمها و بدأت تقوم ببعض الكتابات والخربشات ، و يظهر على وجهها علامات الاستغراب تارة و الإحباط تارة ، و الفرح تارة أخرى .

كان يلتفت عليها بين الحين و الآخر ، اقترب إليها و صرخ قائلاً : صحييييييييحة ،

فزت من مكانها حتى تساقطتأغراضها أرضاً ،

  • ·       لِمَتصرخ - قالت فزعة - .

لإنكمنعدمة الثقة - قالها مازحا -.

ردت بغضب : و لم تقول هكذا عني؟

اتكأ على حديد الدَرَج و قال : أتعلمين لم طردك الدكتور ، لإنكلست مثل باقي الفتيات اللواتي تعرفينهن جيداً ..

_ لم تفهم و ازدادت علامات الاستغراب في وجهها _ ..

استطرد قائلاً : حسناً  سأشرح لكِ ... 

قاطعته بغضب : أنا لم آتِ إلى هنا لكي تشرح لي أنت ، أنا هنا لكي أتعلم مِنمَنلهم الحق في تعليمي ، و جلوسك هنا معي خاطئ جداً ..

هو بوجه شبه مبتسم :  ........

استمرت بالكلام :  أنا ذاهبة و أشكرك لوقوفك معي .

أخذت أغراضها و بدأت تبحث عن قلمها ... فكانت تبحث بعصبية و غضب ...

و هو يتفرج عليها و بفمه ابتسامة عريضة ..

و قال:  لهذا السببطردتي ..

التفتت عليه و لكنها لم تنطق بكلمة .. و استمرت بالبحث ،،

و استمر هو بالكلام : اسمي شادي ، أكبركممممممماعتقد بسنة أو اثنتين ..  درست المحاسبة سنة كاملة و لكن شغفي بكلمة "  مهندس " جعلني أقدم للهندسة ،  درست الميكانيكا سنة كاملة أيضاً ولكن لم أشعربرغبة بهاوهأناذا أعيد سنتي الأولى  و لكن  معكم هذه المرة ، - اخذ نفسا و أكمل - أنتي  لا تعلمين كيف هم مدرسوالجامعةليسوكمدرسي المدرسة ....

هو مازال يتكلم و هي نزلت عدة درجات للبحث عن قلمها .. فرفع صوته كي تسمعه :  إجابتك كانت صحيحة مائة بالمائة ، و لكنك لست مثلهن  لذلك  عندما أخبرتهبأنكلامه خاطئ ؛ طردك ....

التفتت بغضب و كأنها كانت تريد قول شيء , فراته واقفاً و متكئا على حديد الدَرَج و بيده قلمها و كان ملتفتاً  إلى السقف لا عليها فكأنه يحادثه هو لا هي ...

فنست ما كانت ستقول و صرخت بغضب :  كل هذا الوقت و قلمي بيدك ألم  تراني ابحث عنه ؟

ابتسم قائلا : و هل سألتني عنه ؟! ، ثم لم كل هذا الغضب ، سأشتري لك الأغلى منه أيتها البخيلة .

سحبت القلم من يده و أخذت حقيبتها و أوراقها و مشت بسرعة و هو عاد لوضعيته ملتفتاً للسقف .

توقفت قليلاً ثم عادت و قالت :  ليس الشيء  بقيمته المادية ،، أيها المغرور ..

 ما كاد يلتفت عليها حتى رآها قد هرولت مسرعة إلى الخارج ...

قال بينه و بين نفسه :  أخبرتكبأنك لست مثلهم ،،

..

عادت للمنزل و لم تنتظر باقي المحاضرات فقد أحست بالحرج الشديد ،،

و ما إن وصلت بيتها حتى ارتمت على سريرها و انهالت بالبكاء ..

حتى كاد يُسمَع شهيقها .. خافت أن يسمعها إخوتها فيسألونها عن السبب ، قامت و خلعت عباءتها .. و تحمتت لعل لهيب ما حدث اليوم ينطفئ قليلاً.

فتحت مذكراتها ، او كما تحب ان تسميها " رسائلي لسلمى " - سلمى هي صديقتها التي توفيت منذ عامين - ..

بدأت على غير عادتها بـ(  سلمى ,   إني بحاجتك اليوم لمتركتينيورحلتي ) ,

و قد كانت دائماً تبدأ رسائلها لسلمى ..

بـ( سلمى ، اسمعي ما سأقول و لكن لا تقاطعيني , بهذه الجملة كانت تبدأ كلامها لسلمى ..)

كانت تكتب لها و كأنها جالسة بجوارها ، لم تقتنع يومابأنسلمى أصبحت تحت الثرى و لن تعود لها مجدداً ..

 ( سلمى , سنذهب غدا أنا وأنتي  ... أو سلمى ،  لقد أحضرت لكِ ..  )

و لكن و بعد عامين كسرت قاعدتها ، و كأنما أيقنت أن لا عودة لسلمى ،،

بدأت كلماتها بـ( سلمى ,  إني بحاجتك اليوم لمتركتينيورحلتيأكملت   لمجعلتنيوحيدةبهذهالايام،  تواعدناأننكونسوياً،أرأيتماحدثلياليومدونك ،  ألم اقل لكِ أني لا استطيع الصمود في مكان أنتِ لست به ؟!

كيف لي أن أكمل سنيني القادمة   ،  أنا لا استطيع فكما قال ذاك الشاب " أنا منعدمة الثقة " ، أنتيثقتي التي كنت أحيا بها ،

أرأيت كيف طردني الدكتور هذا اليوم ؟!

أرأيت نظرات الفصل بأكمله علي ؟!

أنا لم أخطئ ،،  لقد كانت إجابته خاطئة و أنا صححتها له فقط ..  هذا ما فعلته , لان إجابتي كانت صحيحة اطرد ؟! أهذا سبب مقنع لكي اطرد ؟!

لو كنت بجانبي بتلك اللحظة لما تعرضت لهذا الموقف ،  لكنتي صرختي عليه و أخبرتهبأنصديقتك "سناء" لم تخطئ ، ولما تعرضت لهذا الموقف بهذا اليوم المشئوم .

اشعر بالسوء منك ، لا أريد محادثتك بعد اليوملإنكلم تكوني بجانبي ..  ستحتاجين لي يوماً ما و لن أقف بجانبك .

بالمناسبة احدهم وقف بجانبي و تصدى لذاك الدكتور المتعجرف ، طريقة كلامه و أسلوبه يشبهك إلى حد ما ،

اخبرني عن اسمه و لكن لا أتذكر ،

وداعاً  الآن فأنا تعبة جداً ،و موقف اليوم جعلني أكثر تعباً ،  يكاد رأسي ينشق نصفين من شدة الخجل .. سأنام الآن و أراك غدا

(ظهرت على وجه سناء ابتسامة من بين الدموع و أكملت ) ..

 تعلمينبأني لا استطيع العيش بدون محادثتك يوماً واحداً ، أيتها المتمردة ،، لذا لن تستطيعي الخلاص مني حتى و إن خذلتني ..

......

أغلقت رسالتها و أغلقت عيناها باللحظة ذاتها ،،

" و لم تكد تنم حتى سمعت صراخه : أيــــن هي ؟؟  , أين تلك التيستسيءلسمعتنا بين الناس ؟؟

اخرجي أيتها الحقيرة ، تعالي إلى هنا اخرجي من غرفتك "،

دخل غرفتها بغضب و كأنما قتلت له أحداً ..

شدَّها من شعرها و رماها على الأرض و بدأ يركل حيثما وصلت له قدمه ،  بطنها.  رأسها  .  يداها . فخذاها  ،،  لم يتركمكأنايعتب عليه ،،

جاءت الأم مسرعة على صراخ ابنتها محاولة إبعادها من بين يدي الغول الهائج ، فلم تستطع .

و لم تسلم الأم من ركلات الغول هي الأخرى ،  صرخت الأم قائلة :  ماذا  فعلت لكي تعاقبها هكذا ؟؟

 و حضنت ابنتها و هي على الأرض محاولة تهدئتها و تخفيف ألمها -.

رجع هو للوراء قليلا و رد بجنون : لقد كانت تجلس على الدرج مع احدهم ، وكانا  يتبادلانالحديث و الضحك ...

الأم  :   و من أخبرك أنت بذلك ؟!

الأخ الغول :  لا يهم من اخبرني بذلك المهم أنها كانت معه ، الم أخبركم أن ليس لها سوى البيت و المطبخ و من ثم بيت زوجها ، الفتيات لا يجلبن سوى العار ، النساء لا يستحققن سوى القتل .

أنزلت الأم رأسها تقبل رأس ابنتها المضرج بالدم :  و قالت بصوت خافت و ساخر :  لولا النساء لما كُتبت لكَ هذه الحياة أيها " الرجل . "

صرخ قائلاً : بدون فلسفات و كثر كلام لا دراسة لها بعد اليوم.

التفتت سناء بوجه متألم القلب قبل الجسد مستدعية شفقة أمها التي لا حول لها ولا قوة ،،  و لم تنطق بكلمة . دموع عينيها النازلة على خدها كانت كفيلة بإيصال الرسالة إلى الأم التي كانت تتحرق ألماً على ابنتها .

كيف لا و هي تلك الفتاة الوحيدة من بين ثلاثة إخوة ليسوا سوى غلان تحت مسمى " الأخوَّة " . ...

كانت تعامل كخادمة لإخوتها لم تقل لهم يوماً كلمة " لا " ،  ولم ترفض لهم طلباًليس لمحبة لهم ، بل لأنها مستعبدة في زمن انتهت فيه العبودية ,

  و إن كان احد إخوتها متعصباً لأي سبب من الأسباب التي لا علاقة لها به ،  قد تنهي يومها بضرب مبرح , لا تستطيع الوقوف بعده لعدة أيام .

لا ذنب لها سوى أنها " فتاة " " عورة أو عار كما يسميها غيلان ذاك البيت " .

مُنِع عنها الخروج من المنزل حتى الزيارات العائلية،  قُدِر لها أن تعيش في ذاك البيت موءودة ، دفنت وراء عتبات ذاك المنزل المليء بالكره ، القسوة ، و الجهل .. تحت مسمى الدين .

أجبرت على ارتداء النقاب في سن الثانية عشر أيضاً تحت عذر " أن الدين فرض على المرأة المسلمة لا يجب أن تظهر على الرجال سوى محارمها " .

و أين تلك المرأة بتلك الفتاة التي لم تتجاوزألاثنتيعشر عاماً ؟!

أين المرأة في طفلة لم تكد تبلغ الحلم ؟!

حرمت من ابسط حقوقها حتى البحر " لولا سلمىكانتستحياو تموت و هي لم تشعر بنسيم البحر و رائحته ، و لن تشعر بالراحة النفسية التي يبعثها البحر ..

في كل مرة كانت تأخذها سلمى كانت تشكي له ظلم الايام لها ، كانت تركض بين حبات الرمل و كأنها طفلة لم تبلغ السنتين ، تفرح عيناها و كأنما أخرجت من عقوبة بالسجن لا مدة لها و ستعود لتكمل عقوبتها عن ذنب لم تقترفه و إن جاز القول لم تعرف ما هو حتى الآن ،  تأخذ شهيقا طويلاً كأن لا زفير بعده .

تتأمل السيارات المارة ، تتأمل الطريق ، تتأمل وجوه الناس ، و كأنها لن ترهم بعد اليوم ،،  و كأن غدا هو يوم تكفينها ،،،،،،،

أخذت أمها بيدها فآوتها إلى سريرها ، و حال الأم يقول "  ليتني لم أنجبك يا غزالتي ،  و جعلت منك لحمة طرية في فم وحوش ؛ تحت مسمى الدين اغتصبوا حريتك ،  تحت مسمى الدين سلبوك طفولتك ، تحت مسمى الدين محو وجودك ، تحت مسمى الدين حرموك حتى النوم براحة ، اعذريني فما بيدي حيلة " .

و حال سناء يقول " هكذا أنا لا افعل شيئاً و أعاقب و يؤنبوني على كل ذنب لم ارتكبه "

تنهدتتنهيدهو أرجعت رأسها لترقده على مخدة أحزانها و تتمنى "  أيا ليتني لم أولد قط ، أيا ليتني لا أصحا إلا على صوت بكاء أمي علي ، و ضحكة فرح إخوتي بموتي ، بموت عارهم .. "

استمرت بالتمني حتى انهال الدمع على وجنتيها ، تذكرت كلمات سلمى " لن تبكي ألماً بعد هذا اليوم ما دام بي نفس،  في ذلك اليوم حينما دخلت عليها و هي لا تكاد تستطيع التنفس من شدة البكاء و التشنج الذي أصاب فمها و لم تستطيع التكلم من شدة الألم ، فقد انهال عليها أخوها بالضرب حتى أدماها  , - فقطلانهاأجابت على هاتف المنزل - ،  امسك بفكيها و حاول كسر فمها ،،، لا للكلام فائدة معه و التبرير له غير مُجدٍ ولا قدرة لها على المقاومة فاستسلمت للضرب

كلمات سلمى كانت مريحة ، مريحة للغاية .

سلمى هي الأم  و الحضن الدافئ لسناء , سلمى هي القوة و الراحة لسناء ،  سلمى هي أوكسجين هذه الحياة لسناء هي عينيها على العالم الذي لا تكاد تراه .

أخذت سلمى سناء لحضنها و قالت :  و لم ضُرِبتي هذه المرة ؟!

سناء لم تستطع الرد ..

أخذت سلمى منديلا تمسح به دماء سناء التي تسيل من بين شفتيها و هي تقول مبتسمة مداعبة :  من يتجرأ على  ضرب هاتين الشفتين الناعمتين  , اللتان لا يليق بهما سوى ...

لم تكد تكمل سلمى كلامها حتى أسكتتها سناء بضربة خفيفة على كتفها .

سلمى و بوجه حزين :  أتضربينني ، سأشي بك عند إخوتكبأنك تخرجين ليلا من المنزل لتقابلي ابن جارتكم و ..

سناء و قد ابتعدت عن حضن سلمى و جعلت وجهها بوجه سلمى و فتحت عيناها على مصراعيهما خوفا و دهشة و بشدة و من بينآمشفتيهااستطاعتأنتخرجثلاثةأحرفأنا؟!!!!

انفجرت سلمى ضاحكة من منظر سناء و خوفها فحضنتها مرة أخرى و بقوة اكبر ،

و قبلت رأسها و هي تقول : و الله و إن فعلت ما فعلت لا أشي بك ولو على قطع رقبتي ، و سأريك بمن ضربك أيام اسود من قاع المحيط ..

ابتسمت سناء أمأنا ،،  و ابتسمت سلمى لابتسامها قائلة :  ابنتي العزيزة ، لن تبكي ألماً بعد هذا اليوم و ما دام بي نفس ؛ سترين الناس ، البحر ، السماء ، ستذهبين لكل مطعم في المدينة مهما غلت مأكولاته ، ستعيشين الحرية منانفصاعداً

استغربت سناء و هي غير مصدقة لهذا الكلام فكيف ستصدق أمرا يكاد يكون مستحيلاً لا بلهو المستحيل بذاته !

رأت سلمى علامات التعجب على وجه سناء فألجأتها الى السرير و جعلت تزين نفسها من أدوات زينة اخرجتها من حقيبتها و التفتت على سناء و هي ترى ان علامات التعجب قد ازدادت بوجهها  و قالت : أجميلة أنا ؟!

تبسمت سناء بوجه يزداد استغرابا أكثر فأكثر و أومأت برأسها مظهرة الإيجاب ،

سلمى : سيحبني الرجال ؟!

عدلت سناء جلستها و ظهرت العصبية في عينيها و متناسية ألمها  صرخت قائلة : أيتها المجنونة ، ماأنتيفاعلة ؟! و الله لن تخرجي من هذا المنزل بهذا المنظر .

تبسمت سلمى ابتسامة ساخرة و تكاد تنم عن شر و رفعت حاجبها و ردت : و من أخبركبأني سأخرج من المنزل ؟! سأذهب لأُحضر الماء من المطبخ و أعود لأخبرك ما سأفعل . و تركت سناء في حيرتها و دهشتها

لفت حجابها فوق رأسها و تركت معظم شعرها خارج  من الأمام .

لمحته يجلس في مجلس البيت و بيده هاتفه يلعب به ، تبسمت ابتسامة خبيثة و أكملت طريقها نحو المطبخ و أخذت كأس الماء و قبل خروجهارفعت  هاتفها و طلبت رقم منزل سناء و انتظرت حتى رأته يخرج من المجلس نحو الهاتف ليجيب عليه ،  رفع سماعة الهاتف ليعرف من المتصلالوو ، الو

من أنت ، من معي ، تكلم أيها الحقير و بدأ بالسب و الشتم ، و بدأ يقول : من أين تعرفها رد قل لي من أين تعرف أختي من أين تعرفت على سناء ؟!

ازدادت ابتسامة سلمى  و خرجت من المطبخ متجهة نحو صالح - اخو سناء الأوسط - و بوجه مدعي للغباء قالت : خير صالح ؟! ما بها سناء سمعتك تصرخ بسمها ؟! أهناك خطب ما ؟

ارتبك صالح لرؤية سلمى فقد كانت آية من الجمال و ازدادت جمالا بتزينها ..

أغلق سماعة الهاتف بغضب و ارتباك و قال بصوت متقطع : احدهم يعاكس ، لا اعلم من هو و لكن اقسمبأني لن اتركه .

سلمى بوجه مهتملأمرصالح و بصوت مغري يكاد ان يلين الحجر لسماعه : هدئ من روعك حبيبي لاشيءيستحق كل هذا .

ازداد نبض صالح لسماع كلمة حبيبي و استغرابه منها و ازدادت سلمى ثقة و علمتبأنخطتها تمشي على أتم وجه .

' في غرفتها سناء تتحرق من تأخير سلمى و لكنها لا تستطيع النهوض من مكانها لما أَلَمَّ بها من ضرب في ذاك النهار '.

و كأنها خجلة مما قالت  أكملت سلمى : اعتذر ، و لكنها خرجت مني بدون قصد . - كانت سلمى تعلمبأنصالح معجب بها و يريد أن يضمها لقائمة فتياته اللواتييواعدنهو لكنها يوما لم  تعطه ريقا حلو ،وهذاما جعلهما بين الاستغراب و الدهشة و الاستسلام لكلماتهاواغرائاتها ، و اعتقادهبأنالسمكة أخيراً وقعت في شباكه لم يكن يعلمبأنه الفريسة هذه المرة .. و كان فريسة سهلة للغاية ؛ ذاك الظالم لأخته بسم الدين ، اللاعب ببنات الناس بسم الحب ، جاء من يفترسه اليوم بسم العدل .

تبسم صالح و بنشوة المنتصر و بصوت خافت : و أخيراً !

سلمى : ماذا ؟!

صالح : لا شيء ، فقط أحببت الكلمة و هي تخرج منك .

سلمى و كأنها ارتبكت لسماع الكلمة أوقعت عليه كأس الماء ،،

سلمى بخجل : اعتذر لم أكن اقصد

صالح :  لا تهتمي لم يحدث شيء ، سأغيره الآن ، سلمى بوجه حزين مائل للبكاء : أعتذر حقا لم أكن اقصد لقد كنت سأمشي ذاهبة إلى سناء و كلماتك أربكتني

- أخرجت الشال من رأسها و أكملت - دعني أجففه لك قليلاً .

صالح لا يجيب فقد كان شغله الشاغل بشعرها المتدلي على ظهرها كأنه خيوط حرير سوداء غزلت على جدع شجرة نخيل مثمرة .

لامست يداها قميص صالح ، صدم و كأن سيلا من الكهرباء أصابت جسده ، كانت سلمى الناعمة مغرية حد الثمالة ، سلمى التي لطالما أرادها ها هي اليوم بين يديه ..

تبسمت شفته العليا ابتسامة جانبية مظهرة علامة النصر رفع رأسه للسماء و كأنما يقول لها شكراً لك هذا ما أردت و لم يتساءل لم هذا التغيير المفاجئ ،

تفاجئ و هي تفرقعابهامها و الوسطىأمام وجهه قائلة : هاايأنت أين ذهبت ؟! .... لقد انتهيت سأذهب لسناء فهي قلقة علي الآن بالتأكيد .

 و مشت رافعة حاجبها و لم تنتظر رده تاركة إياه تحت دهشة فعلها ، و ابتسامة النصر لم تفارقها حتى دخلت إلى سناء ،

سناء غاضبة جداً و يملأ عيناها الخوف و تصرخ بصوت متألم : أين كنت كل هذا تحضرين كأس ماء ،؟؟  لو أحضرته من البئر لماتأخرتيهكذا ، و أين كأس الماء ما لي لا أراه بيدك ؟؟

تبسمت سلمى ابتسامة لم تفهم سناء لها معنى و ردت : سناء أين سأذهب لن أضيع فأنا اعرف منزلك شبراًشبراً , ثم أني ذهبت للمطبخ و أحضرت الماء و لكني أوقعته على صالح بالخطأ و هذا كل ما حصل .

سناء بدهشةو خوف  : أوقعته على صالح ، و ماذا قال لك ، - و هنا  بدأت تتحسس جسد سلمى باحثة عن أي كدمات لا تعلمبأنما يسري عليها لا يسري على عشيقات أخيها - ضربك ؟!! آلمك ؟! فقط اخبريني اقسم بخالق الخلق انه لن يطلع عليه نهار الغد ..

تبسمت سلمى فرحا لخوف صديقتها و تمددت بجانبها  و عيناها شاخصتين على السقف ،

 و هي تمسك بنصرها بيدها قالت : أخوك كالخاتم بإصبعي ،  و من الآن فصاعداً ، ءامري ، فقطءامريو سترين كيف أن كل طلباتك مجابة .

لمِا رأت من دهشة في عيني سناء أخبرتها ما حصل و ما تخطط له.

و ما إن انتهت سلمى من الكلام حتى بدأت سناء تولول و تصرخ لفعل سلمى ، و سلمى تحاول تهدئتها بشتى الطرق لكن لا فائدة ،

((- سلمى فتاة جريئة و من عائلة متفتحة جداً ؛ بحكم سفرهم الكثير إلى الخارج ، الطيش يلازم سلمى منذ أن كانت طفلة  لا يستطيع احد إجبارها على شيء ولا أحد يقول لها ما تفعل و ما لا يجب عليها فعله كانت لا تعرف ما معنى " الصلاة " ، تتنقل من شاب إلى  لتشبع فراغها - هذا ما كانت عليه سلمى القديمة قبل أن تلتقي بسناء في السنة الثانية من الثانوية العامة و إن صح التعبير قبل أن يُلزما بمجاورة بعضهما في طاولة الدراسة ، حيث أحست مربية الفصل انه من الأفضل لسلمى أن تجلس بجوار سناءعَلَّها تأخذ قليلاً من صفاتها و هو ما حدث فعلا ، فقد تغيرت سلمى تماماً وأحبت ملازمة سناء و أحبت طريقتها بالكلام و التصرف كما أحبت خوف سناء عليها حينما تخطئ بأفعالها ، و صراخ سناء بوجه سلمى لتركها صلاتها مثلاً  كان بمثابة الأمان بالنسبة لها ، فالتزمت سلمى بصلاتها , كما تركت التواصل مع الشباب ، و هكذا ابتدأت علاقة صداقة قوية لم تنهها وفاة سلمى ..)) سناء تكمل صراخها و بصوت حزين و تبعد وجهها بعيداً عن وجه سلمى :  الم ننتهي من هذه الألعاب الم تعدينيبأنكابتعدتِعن هذه التصرفات التي لن تجلب لك نفعا ،لا و هذه المرة تماديت حقاً الم تجدي غير هذا .. غيرصالح ؟ ما بالك هلجننتي؟؟؟؟  الا يهمك وجودي في حياتك ؟! الم أخبركبأنعلاقتنا ستنتهي ما إن تعودي إلى مثل هذه التصرفات الشنيعة  ؟!

سلمى و تعيد بكلتا يديها وجه سناء لتجعله مقابل وجهها و بصوت يُشفَقُ عليه  : سناء أنا افعل هذا لأجلك هذه المرة صدقيني لأجلك ، التفتي لي ولا تبعدي عينيك - أكملت بوجه يدَّعي الحزن - : أتعتقدينبأني أستطيع العيش يوماً دونك ؟!  ولكن إنأردتِالخروج من هذا المنزل و التمتع بما يوجد في هذا العالم يجب علينا الاستمرار بهذه الخطة !

الاقتناع يظهر بوجه سناءفهي حقا تريد الخروج من هذا المنزل ، لكن خوفها على صديقتها و أمها الروحيةو ابنة قلبها  كان أقوى ،،

سناء بغضب : لا يهم إن سُجِنت هنا حتى الموت أو مت من الضرب ، لكنأنتيلن تفعلي هذا الهراء ،،

سلمى بتحدي : لقد بدأت به ، و قد أقسمت انه لن تُمَد يداً عليكِ بعد هذا اليوم و ما دمت حية ارزق سأحقق لك كل ما تتمني لكن ثقي بي - ضمت سلمى سناء بكل قوتها - طالماأنتيمعي سلمى القديمة لن تعود و طالما أنا لك لن يُمس هذا الجسد بسوء - و بدأت تتحسس جروح سناء بخفة - ولن يُثنيني عن قسمي شيء ..

بعد صمت استمر عدة ثوان

سلمى : اتفقنا ؟!!

سناء و الصمت و الحيرة يظهران في عينيها ،،  سلمى تعيد السؤال  مرة أخرى و بحدة : سألت ، اتفقنا ؟!

سناء وهي مستسلمة لكلام سلمى لأنها تعلم جيداً انه فعلاً لا رادع لها عن قرارها مادامت تصر عليه - هزت رأسها معلنة الموافقة- . 

ارتمت سلمى بحجر سناء و كأنها ابنتها المدللـة و بدأت تنسج قصص و روايات عن ما سيفعلانه هما الاثنتين ما إن تتم المهمة و تنجح خطتهما ، سناء تلعب بشعر سلمى الفرِحة كفرحِ طفلٍ بلعبةٍ لطالما تمناها و يحكي لكل من يقابله بالحي عن مميزات لُعبته العظيمة ،و كأنها هي من ستخرج من سجن الغيلان . هكذا كانت سلمى و هي تخبر سناء عن البحر الذي سيسبحان فيه سوياً ، عن السماء الزرقاء التي سيركضان تحت ضياء شمسها معلنتين حياة جديدة لسناء ، تبسمت سناء ابتسامة و كأنها التقت مع سلمى بين خيوط خيالها الذي كانت تنسجه و تناست كل ألمٍ مرَ بها منذ أن ولدت و لم يخرجهما من هذا الحلم الشبيه بالسراب ، سوى رنة هاتف سلمى معلنة وقت ذهابها  ،

سلمى :  الو ،، حسناً . فقط نصف ساعة و أكون بالمنزل ، آهاحسناً هذا أفضل . و أغلقت الهاتف .

سناء بحزن : ذاهبة !

سلمى : مممماجل ، سيأتونلأخذي بعد ساعة .

سناء تتمتم : لكنك أخبرتني انك ستبيتين هنا اليوم !

سلمى باستغراب شديد : أنا ؟! متى أخبرتك بذلك !!

سناء بحزن و دلع : لم تخبريني ولكن أريد ذلك و كان يجب عليك أن تفهمي فصديقتك تتألم و يجب أن تكوني بجانبها في مثل هذا الوضع .

ترد سلمى بحدة : صديقتي لو أبيت عندها كلما تألمت لما عرفت شكل منزلنا بعدها ..

تضحك الاثنتان و تعود سلمى لحجر سناء ،

سلمى : أنام هنا ؟!

تهز سناء رأسها إيجاباً  و وجهها حزين بدلال و دلع شديد

سلمى : و كم تدفعين مقابل نومي ! فوقتي من ذهب .

أخذت سناء  وجه سلمى بكلتا يديها و قبلت جبينها و قالت : أتكفي هذه ،

سلمى : بزيادة ..

تبسمت الاثنتان و أخذت سلمى هاتفها و أخبرتهمبأنها ستبيت الليلة عند سناء لأنها تعبت فجأة .

نزلت سناء بسرعة من سريرها - يخالها من رآها أنها كانت تدعي الألم ، و لولا الكدمات الظاهرة على جسدها لما صدقها أحد - تناست الألم من شدة فرحها بسماع  هذا الخبر  و أحضرت بيجامة تناسب سلمى .

سلمى باستغراب : لكنه الساعة لم تتجاوز الثامنة .

سناء : لا يهم . فقط ارتديها قبل أن تغيري رأيك ،،

سلمى لا تملك سوى أن توافق ، و بينما هي تخلع  ملابسها دخل عليهما صالح بقوة و كأنما يبحث عن شيء و هو الكاذبالذي كان يتلصص عليهما وطار فرحاًلسماع خبر مبيت سلمى في بيتهم ، و هو المداهم غرفة سناء في هذا الوقت بالذات ليتلذذ بجسد فريسته - كما ظن - التي باتت في منزلهم اليوم فقط لأجله ،

حاولت سلمى أن تستر ما وصلت إليه يداها و قامت سناء بسرعة خاطفة وغطتهابطرحة صلاة و اتجهت صوب صالحالمسمرةعيناه على جسد سلمى أو ما ظهر منه ، و رمت به خارج الغرفة و أغلقت الباب دون أن تنطق بحرف .

و عادت لسلمى و الشرار يتطاير من عينيها ، شعرت سلمى بالخوف من رد فعل سناء  لأنهاتعلم جيداًبأنها لن تمر على خير ،

سناء تُلبِس سلمى - التي تجمدت في مكانها ولا تحرك ساكناً خوفاً من سناء لا من نظرات صالح - و تغلق لها أزرار البيجامة ، و تقول بحدة : لا أريد الخروج من المنزل أريد الموت هنا فوق هذا السرير  و على يد احد أخوتي ، لا دخل لك أنت ، لا أريد رؤية البحر لا تهمني  رائحته  , لا أريد أن أرى السماء و أيضاً لا يهمني كم من طير يعلو بها ، لا تهمني رائحة المطر و لا يهمني ضجيج السيارات ولا كلمات الناس في الأسواق ، لا يهمني شيء لا أريد شيء ،

بدأت سناء تبكي بشدة و ضمت سلمى إلى حضنها و هي تقول : لدي أنتِلا يهمني ما في الخارجأنتيحياتي لا اهتم لسواها ، ان خسرتك خسرت ما تبقى لي من سعادة على وجه هذه الأرض ، أتستخسرينأن أعيش بسعادة بك ؟!

مسحت دموعها و استجمعت قواها : لا اتفاق بيننا و انسي الخطة ،  " سلمى " هي حياتي التي لا أريد غيرها , و لا أريد تغييرها

سلمى بخوف و صوت خافت : و لكني أقسمت !

سناء تصرخ : يمكنك الصوم أو إطعام مساكين ؛ لا يهمني لست أنا من أجبرك على القسم , ولا كلام لنا في هذا الموضوع ، و انتهى النقاش .

سلمى وسعت عيناها إلى أقصاهما و هي تقول في بالها " انتهى النقاش " لا .... أنها جملة سناء التي لا رجوع بعدها ، يا الهي ما الحل ..

و بسرعة و لكي تنسى سناء أنها قالت " انتهى النقاش " شرعت سلمى بضم سناء و قالت : ليس الآن فلنترك كلشيوانه، - وهماعائدتيننحوالسرير -   ولكناخبرينيمنأينلكهذهالقوةيافتاة،أتوقعبأنكأنتمن يضرب إخوتك وليس العكس .

تبسمت سناء و نامت بحضن سلمى و قالت : من يتجرأ على النظر لابنتي المدللة اقتله ولا أبالي من يكون .

وأغمضتا عيناهما ..

 

 

الفصل الثاني ،

 

استفاقت سناء على واقعها و على دماء شفتيها التي قد تجلط بعضها و مسح البعض الآخر، أخذت تنظر إلى كتب الجامعة و انسابت الدموع بمجرى على خد سناء ، مجرى لطالما عرفته و اعتاد عليه سيل الدموع الذي لا يفارق سناء .

حاولت القيام من مكانها لتجلب الكتب أو حتى لتكتب رسالة لسلمى لكنها لم تستطع ، لا تكاد ترفع ظهرها حتى يعتصر الألم جسدها النحيل ، فتستسلم و تعود لمكانها .

مر أسبوعان و هي على حالتها و لم تزر حتى طبيب لمعالجتها ،، في الأسبوع الثالث بدأت تستعيد عافيتهاشيئاً فشيئاً،واستطاعت بعد عناء شديد أن تتوضأ للصلاة بمفردها ؛ و استطاعت الصلاة واقفة ،  و تكاد تختم يومها بسجدة فجر على سجادة شاكية لله ظلم إخوتها راجية منه أن يهبها حياة أفضل. أو يأخذها إليه إن كانت لها في الجنة مكان ، تبتل السجادة ألماً من عينا سناء ..

ما إن ختمت صلاتها بدعوة من قلب محب لسلمى - فهي لم تزل تدعو لها منذ أن عرفتها لم تنقطع يوماً عن الدعاء لها ولو انقطعت عن صلاتها - طوت سجادتها و كأنما تطوي سلسلة من الأحزان و تحاول أن تنساها . ثم أحضرت دفتر رسائلها و كتبت : " سلمى إن لم أسأل عنك لا تسألين عني ؟!

سلمى أريد الذهاب للجامعة افعلي شيئاً لا أريد أن ينتهي الحلم قبل أن يبدأ ،

ممممأجل جئت لمصلحة هذه المرة ، و لكن لا يمكنك لومي فأنت أيضاً لا تسألين عني !

أينُكنت ؟! تسألين أينُكنت ؟! كان يجدر بك أن تسأليني سؤالك المعتاد " لم ضربت هذه المرة " ؟! لن أخبرك السبب حتى تأتي لتنامي عندي فقد اشتقت لك ...

- تبسمت سناء كأنها تمازح أحداً - اعذريني على قلة رسائلي فأنت تعلمين الموضوع بما فيه ، لا يهمني إن سألت عني أم لا ؛ سأسل عنك أنا ما دمت حية ، و الآن سأذهب لازال الألم يسري في جسدي ،

إلى اللقاء الآن .. "

عادت لسريرها منهكة ، خارّةقواها حينها دخلت الأم عليها و بيدها صينية شوربة بالدجاج لابنتها التي لم تستطع تذوق الأكل لأيام بسبب الجرح الذي بفمها .

لا تتمددي ، تناولي الطعام ثم نامي أو افعلي ما شئت - الأم و هي تضع الصينية على طاولة و تقربها من سرير سناء - .

سناء بصوت خافت و لكن بحدة تنم عن حرقة قلب : لا أريد شيء لا أريد الأكل لا أريد الشرب أريد أن أعود لجامعتي - هنا بدا صوت سناء يزداد حدة و ارتفع قليلا ، و أخذت يدي أمها و بدأت بتقبيلهما و انهالت بالبكاء - أمي طوال عمري لم أطلب شيء هذا ما أريده فقط أرجوك يا أمي ، أريد العودة لجامعتي لدروسي حاولي معهم قديسمعون لك مثلما سمعوا لك حينما أردتأنتيأن ادرس الجامعة وهاأناذا لم أكمل ثاني أسبوع من السنة الأولى و قد أخرجوني منها ، أرجوك أمي أرجوك .

تتذكر الأم كيف حاربت لأجل ابنتها محاولة إخراجها مما كانت تمر به في تلك الفترة ، فقد كانت تجلس بالأيام لا يعرف فمها طعم الزاد ، تصحى لتدوخ مجدداً ، تفز من نومها لتصرخ بسلمى و لكن لا وجود لمن تنادي فتعود لعتبات الغيبوبة التي تتمنى لو لم تستفق منها ، فلم يكن للحياة معنى دون سلمى ، أخبرت الأم - المتقيةالمصلية القائمة لله أولادها ذلك اليوم - بأنها ستوقد النار في جسدها إن لم يدعوا ابنتها تدخل الجامعة و سيروابأنها جادة و انه ليس تهديداً فقط و أنها تقصد ما تقول فعلاً  ، و ستجعل منهم أضحوكة الناس و قصة لا يجدون لها نهاية ، و هم أسمى ما عندهم أن يقال عنهم شيء بين الناس، لم يهمهم ما سيحدثلأمهمو لكن ما سيحدث لأسمائهم بين الناس ؛ لأول مرة تتحدى الأم غيلانها لأجل ابنتها التي كانت تراها تخطو على أولى درجات الموت  .

وافق الغيلان أخيراً - بعد سنتين من الصد و الرد و إلحاح الأم و إصرارها التي كانت خاتمتها تهدديها لهم بالانتحار - ولكن بعدة شروط ، لا أظن أن الأم سمعتها تلك اللحظة لشدة فرحها ، و لا يهم أن تسمع ؛ فشروط أبنائها لا تنتهي و تسري على سناء و هي في المنزل ، فلتذهب سناء للجامعة ولا يهمشيءبعد ذلك أياً كانت شروطهم فهي غير مهمة ليست سوى مجموعة من القيود ستربط بها سناء لكي لا تلوث سمعة الغيلان - هنا أو هناك ذات القيود و ذات الشروط هذا ما خطر ببال الأم - ، فهم بين الناس أولوا علم و تقوى و خير و بر بأهلهم ، و لكن خلف كل باب ألف وجه للرواية .

هاهيالآن بعد سنتين و كم شهر تعود لهم لتقوم بنفس الفعل و لازال الغيلان على تفكيرهم و شغلهم الشاغل " كلام الناس "

الأم بغضب : هي بالجامعة و من الطبيعي جداً أن يتحدث معها زميل و آخر ، و أنا أثق بابنتي و تربيتها ، و من أخبركم ذاك الكلام فهو كاذب يريد أن يشوه سمعتكم أيها البلهاء ، الم تسأل نفسك يا صلاح  لِمَ أخبَركَ به بين الناس ؟! لو كان خائفاً على شرفك و سمعتك لأخذك جانباً و أخبرك به ، و أنت كالبليد جئت مسرعاً لتضرب تلك المسكينة التي لا حول لها ولا قوة فقط لان صديقك أراد النيل من عرضك و هو ما وصل إليه فقد أعطيته بغضبك و مجيئك للبيت الفرصة ليظنبأنلا ثقة لك بأهل بيتك .

و أكملت : لا شروط لكم اليوم و من له مشكلة مع صديق غريب أو قريبفلينههابعيداً عنها ،

- قالت الأم كلامها و لم تكن تعي ما هي عواقبه فقط قالت ما بقلبها و ما قامت بكبته عشرات السنين ؛

نظرا لاستعجال الأبناء و انشغالهم و عدم اهتمامهم بالمرمية بغرفتها ، فقد نسوا وجودها أصلا ؛ و من هي لكي تكون احد مشاغلهم ، و اقتناعهم قليلاً بكلام الأم ,,

وافق الأول و قال الثاني : لا يهم ،

 لم يكن الثالث منتبهاً لما يقولون فلمساته لم تفارق الهاتف لحظة

و حينما ختمت الأم كلامها كلف نفسه بالقول : انتهيتم ؟! لدي الكثير من الأعمال ، وداعاً

و ذهبوا جميعاً ، و لم يذهب خوف الأم على ابنتها فصمتهم هذا لا يعني أنهم متقبلين الأمر تماماً و قد يعودوا بكلامهم حينما تنتهي أعمالهم  و يعوا لما قالته الأم و ما قالوه لها . وافقواعلىعودتهاللجامعةولكنبهذهالمرةلميضعواشروطاًفقدوقفتالأمكدرعحمايةلهامنتلكالشروطالاستعبادية،

عادت لابنتها و الفرحة بعينيها تكاد تتطاير وصلت الرسالة مباشرة لابنتها دون أن تنطق بحرف ،و لشدة فرح سناء قامت بجنون لتقبل يد أمها و رأسها و ما وصلت له شفتاها ، قبلات تعني الشكر ولولا ألمها لسجدت تقبل قدمي أمها ، فكأن سلمى أُعيدت لحياتها بإعادة حلمها أو حُلمهما فقد كانت دراسة الهندسة حلم سلمى قبل أن يكون حلم سناء ،" - سناء أرادت دراسة الإعلام و لكن هيهات بينها و وبين الإعلام و كانت تعلم مسبقاً أن الرفض سيكون حليفها و حتى أن إغراءات سلمى لصالح لن تفلح هذه المرة - ".

أرادت أن ترقص فرحا و لكن أين الرقص بجسديملأهالألم  و أين الفرح دون سلمى .

على طاولتها هناك ذلك الإطار تنيره ابتسامة سلمى و قبلة خاطفة و مفاجئة من سناء لها ، صورة التقطتها سلمى لهما في أول مرة تلمس سناء  فيها البحر ، بعد أن أصبح صالح كجندي في رقعة شطرنجية تديره سلمى و , سلمى وحدها ، لا يحق له رفض لكلمة تقولها سلمى و إن أرادت إخراجه من الرقعة أخرجته و إن أرادت إرجاعه أعادته و بشروطها ، كانت سلمى كـ" الكارما " بالنسبة لصالح فما يفعله صالح عائد عليه ، كل ما فعله ببنات الناس فعلته به سلمى ، و إن تجرأ و رفع صوته يوماً على سناء فكأنما احضر الجحيم لنفسه سلمى تأمر و تنهي بإمرةً من سناء فما أرادته سناء لا يرد ؛  سناء تخبر سلمىبأنها تريد سلمى تأمر صالح ينفذ .

لم يكن فقط فريسة بل كان عبدا تحت قدمي سلمى كان يريدها لقائمته فقط ، و لكنه أصبح عبدا مأمورا تحت قدميها ، فقد وقع في شراك العشق و وصل إلى أعلى مسمياته ، سلمى كانت كل شيء لصالح - كما كان هو يعتقد وبما كانت هي توهمه - .

سناء مساء احد الايام المتشابهة كثيراً لا تتغير سوى في مسمياتها ، أخذت هاتفها - المراقبباستمرارلايمكنهاالاتصالمنهسوىلأرقاممحددةمنضمنهارقمسلمىاتصلتلسلمىالتيكانتجالسة مندمجة بالكلامفيإحدىغرفالدردشات - :

اشعر بالملل - قالت سناء دون السلام حتى - .

ردت سلمى بصوت خائف و مرتبك و يظهر عليه أنها كانت تقوم بفعل شنيع : اااامممممم؛مِمَ؟!

سناء تتجاهل سؤالها : ماذا كنتي تفعلين  ؟؟

سلمى بارتباك اكبر : لاشيكنت أذاكر دروسي .

سناء بغضب : كاذبة ، اخبريني الحقيقة .

سلمى و هي متأكدة انه لا مفر لها منالتهزيءهذا اليوم :  لقد كنت في إحدى غرف الدردشة .

سناء تصرخ : كم مرة أخبرتك ألا تدخلي عليها ! كنتي تكذبين حينما أخبرتنيبأنك لن تدخليها مجدداً ؟!!!

سلمى بخوف : اقسمبأنها فتحت لوحدها حينما دخلت احد المواقع ،

قاطعتها سناء : و أنت لم تقصري واكملتيالمسير .

سلمى بمزاح خائف : على الأقل لست أنا من فتحها  و قد أغلقتها  ، اعتذر .. هيا تجاهلي الموضوع و اخبريني لم الملل - بينها و بين نفسها و هي تعض شفتيها تدعو اللهبأنتتجاهل سناء الموضوع -

بالفعل تجاهلت سناء الموضوع قائلة : وعدتِني بالبحر ...

لم تكمل سناء كلامها حتى انهته سلمى بكلمة : تم .

استغربت سناء قائلة : ما الذي تم ؟!

سلمى : تريدين الذهاب إلى البحر ، حسناًتم  ، غدا نحن ذاهبتين للبحر .

سناء و ازدادت استغرابا بل و تعصيبا : سلمى غدا هو يوم مدرسي فكيف نذهب غدا و كيف" تم " ثم أن إخوتي لن يسمحوا بذلك و ....

سلمى تصرخ : دقيقة صمت ...

و أكملت ساخرة : إنسيتيبأنصالح أصبح تحت إمرتي !! ، انتظري ..

لم تنتظر ردا من سناء و جعلت سلمى سناء في الانتظار ؛ مكالمة  صادرة منسلمىلصالح تخبرهبأنها و سناء ذاهبتان للبحر مع أهلها ، حاول صالح الرفض كما حاول أن يجرهالأنتترجاهولكنكانتسلمىأقوىمنذلكفكانتتختصرالردودولمتجعلهاستئذانأكثرمنهأمراً ، و كأنما أرادته سائقاً لسناء لا أكثر , ويحضرها لبيت سلمى في صباح اليوم التالي .

تنتهي الموسيقى و يفتح التعليق ..

سناء تصرخ : أتعلقينني كل هذه ، المدة لأجل من ؟! تتحدثين مع من و بأيشي ....

سلمى بهدوء و جعلت سناء تصرخ قدر ما تشاء : انهيتِ الصراخ؟!

سناء : .....

سلمى : حبيبتي أرادت الذهاب للبحر و قد قلت لها "تم" فلم تصدقني فأحببت أن اثبت لها انه تم فعلاً ، انتظري مكالمة خلال خمس دقائق . إلى اللقاء

فعلاً أغلقت سماعتها و لم تنتظر رداً ..

لم يطل استغراب سناء من فعل سلمى فلم تمر دقيقة حتى رن هاتفها و ترى على شاشته " صالح يتصل بك " ، خافت و لكنها مضطرة للرد .

صالح بصوته الغاضب في وجه سناء دائماً : اتصلت بي أم سلمى - كاذب - أخبرتنيبأنها تريدك غدا ستذهبين معهم في رحلة للبحر ، تجهزي في السابعةسأخذكلمنزلهم .

و اقفل السماعة دون أن ينتظر ردا منها .

تنظر إلى هاتفها لا تكاد تصدق و برأسها ألف فكرة و فكرة ، لم تعلم إن كان صالح أو أنها في حلم لم تعلم ما الحالة التي تمر بها الآن ..

أيقظها رنين هاتفها بسم " ملكيتي يتصل بك "

سناء تصرخ بفرح : أي مجنونة أنت ، كيف فعلتي ذلك ،؟! ..

سلمى بفخر : لا داعي للشكر ولا أريد هدايا ثمينة ، مائة ألف تكفيني ..

ضحكت الاثنتان و صمتت سناء قليلاً و سمعت سلمى شهيقها فعدلت جلستها - سلمى بخوف - : ما بك ، سناء اخبريني ما الأمر ؟!

سناء ارتفع صوت بكائها ..

سلمى : سناء اخبريني ماذا هناك ، صالح قال لك شيئاً يبكيك  ؟! سعد ! صلاح ! فقط اخبريني .. ماذا هناك أقلقتني  ؟!

سناء بابتسامة و ضحكة بريئة تشق طريقها من بين انهار الدموع : ليتني امتلك المائة ألف لكي أشكرك ، سأرى البحر وولمرةسألمسهبينيديسألمسحباترمله،سأشمعليلهونسيمه ..

كم مررت بجواره و تمنيت لو يوقفوني لدقيقة فقط أتحسسه ، أشكو له ، احضن كسرات موجه ،غداً أنا ذاهبة للبحر .

سلمى بعصبية مصطنعة : اخفتني ايتها المجنونة , ثم ان اسمهانحن ذاهبتين وليست " أنا ذاهبة " المهم لا تنسي المائة الف ,,

ضحكت سناء ملتمسة رضا سلمى : أنا و انت واحد و طالما قلت أنا فهذا يعني " أنا وأنتيسنذهب للبحر " , و لو عندي كنوز الدنيا لما كفت ولا عبرت عن امتناني و شكري لكِ .

سلمى بحب : غمازة خدكبإبتسامةشفتك هي اغلى هدية يمكن ان يمتلكها احد ،

سناء بخجل وإستعجال : يكفي كلام و دعيني اذهب لكي ارتب اغراضي ، ماذا احضر ؟!ما هي الملابس التي يجب ان اخذها ؟ سنسبح اليس كذلك ؟  يا الهي كيف سـ، ..

سلمى تصرخ مجدداًو تقاطعها : لحظظةصمت .

فقدسألت سناء مليون سؤال خلال ثواني ،،

و تكمل : فقط ناميانأناسأرتبالطعاموغداسنشتريكلمانحتاجهمنالطريق .

سناءباستغرابساخر : طعام  و انتِ؟! من جَمعَبينكما ؟!

سلمى بزعل : هاهاها ، مضحكة جداً ، اغربي عن وجهي الان ، سأنام

سناء : و الطعام ؟!

سلمى : جُمع بينكما ، اطهي ما شئت ؛ اردت ان اريحك ولكنك تهوين الشقاء ،

سناء : حسناًحسناًاريحينيو لكن كيف ؟!

سلمى تتأفف : كنت سأتصل لصديق ابي صاحب المطعم الذي نشتري منه دائماً و اريحك من الطبخ .

سناء : اكله لذيذ . موافقة ، اتصلي ، لن اطبخ ، سأنام ، تصبحين على خير .

سلمى  تبتسم : و انت بخير .

و يغلقان السماعة ،

في الصباح ؛ سناء تحتضن صديقتها و كأنها لم ترها منذ زمن طويل .

سلمى : كل هذالأجلالبحر .

سناء : لا كل هذالأنيسأذهب الى البحر معك ، -اكملت - من سيأتي معنا ؟!

سلمى : لا احد فقط نحن الاثنتان ، امي ستأخذنا لهناك و تذهب للعمل من ثم ستأتي لنا حينما اردت .

نحن الاثنتان فقط ؟! - صرخت سناء - .

سلمى : الا اكفيك ؟!

سناء : هياهياأريد الذهاب لا يهم من معي .

سلمى ترمي سناء بالمخدة و تذهب لتستعجل امها .

في الطريق سناء بلهفة ام عاد ابنها بعد عشرين عاماً من الغربة ، ممسكة بيد سلمى تعتصرها من شدة التوتر ، تعض شفتاها تارة و اظافرها تارة اخرى ، و من بين سرحانها ؛ اختطفتسلمى لحظة مناسبة لترفع لسناء نقابها ؛ نظرت اليها سناء نظرة تعني ماذا فعلت ! ، سلمى بخوف  : لا يوجد احد فقط استمتعي .. و اشاحت بنظرها للجهة الاخرى ، تجاهلت سناء الموضوع حينما اشتمت رائحة البحر ، و حينما أحست ان الوصول اليه أصبحوشيكاًاشتدت قبضتها على يد سلمى و تسارعت نبضاتها ،

توقفت السيارة ، نزلت الأم ، سناء تنظر الى البحر بفرح ، الم ، حيرة ، شوق .. كل مشاعرها اختلطت في لحظة و ساد الصمت فوق السيارة .

بينما الأم تنزل الاغراض منها ، سحبت سلمى يدها من يد سناء بهدوء ، لم تشعر سناء بنزولها اصلا فقد كانت في حالة عشق مع البحر للحظات .

قاطع غزلهما ببعض صوت سلمى : ستذهبين للعمل مع اميامماذا ؟!

ابتسمت سناء و ترجلت من السيارة ممسكة يد سلمى و كأنها عجوز في التسعين معينتها عصاها ، سناء تحتضن بحب كبير ام سلمى : اشكرك خالة  , اشكرك جزيل الشكر حقا لا اعلم ما أقول ولكن ..

قاطعتها سلمى مجدداً :  فقط دعيها تذهب لعملها فقد تأخرت جداً

ضحكت سناء و ابتعدت عن ام سلمى : اعتذر خالة و لكن اشكرك حقا .

قبلتها ام سلمى على جبينها :  لا داعي للشكر فأنت مثل سلمى بالنسبة لي .

و عادت لسيارتها و انطلقت لتبقى الاثنتان ،

تتلفت سناء يميناًو يساراًلا تجد سوى بضع عائلات متباعدة عن بعضها و اطفال يلعبون بعيداً جداًلا تُرى وجوههم ، تلتفت لسلمى و كأنها تطلب منها إشارة بدء لسباق ما ، نظرة لن تفهمها سوى الاثنتان ، انطلقت كالخيل معلنة بداية سباق ، سباق مع الزمن بدايته حبات الرمل و نهايته خط افق تقف عليه طيور النورس و كأنها هي الاخرى معلنة بدايةً من نوع آخر ؛ انها بداية حرية سناء ،

بين لعب و مزح و صراخ و صورة هنا و صورة هناك ، شارف يوم الحرية على الانتهاء .

 اثناء استعداد سلمى لالتقاط صورة لنفسها تفاجئها سناء بقبلة غير متوقعة و يظهر فلاش الكاميرا معلنا صورة تكاد تكون اجمل الصور التي جمعتهما ،

 انزلت سلمى آلة التصوير و تنظر الى سناء - لا تزال هذه النظرة خالدة في ذهني " رموش عينا سناء يتمتمان " - .

وضعت سناء  الصورة في مكانها بعد ان غمرتها بقبلة مكللة بالدموعدموع فرحة هذه المرة .

سأحقق حلمك سلمى ، سأحقق حلمنا - قالتها بعد أن جهزت اغراضها لليوم التالي ،

يوم غد ، حلمنا يبدأ من جديد - ثموضعت رأسها على المخدة و نامت كمن لم ينم لسنين طوال - .

 

 

الفصل الثالث :

 

 استيقظت على غير عادتها قبل الفجر بكثير ، الفرحة تكاد تطير من عينيها  فهي لن تعود لسريرها بعد أن تنتهي من أعمالها اليومية هذا اليوم ، فهو يوم الحلم ،

رتبت سريرها ، غرفتها ، طاولتها ...

رأت دفتر رسائلها أخذت القلم بسرعة و كتبت و هي واقفة و على عجل : " سنذهب اليوم إلى الجامعة ، لن تخذليني بإهمالك المعتاد أليس كذلك ؟!

لا استطيع التحدث كثيراً اليوم ، لدي الكثير لأنهيه قبل الذهاب إلى الجامعة ، أراك لاحقاً " .

أغلقت دفترها و أعادته إلى أحد الرفوف ، لم تعتد وضعه هناك ، فهي و إن لم تستطع إرسال رسالة لسلمى يوماً ؛ فإنها تستمتع بالنظر إليه عن بعد و كأنما ترسل خواطر و روحانيات مباشرةً لسلمى دون الحاجةمساكالقلم .

خرجت من غرفتها بسرعة في طريقها للمطبخ بدأت بتحضير الإفطار لإخوتها ،  وضعت  المقلاةعلى النار و أضافت لها القليل من الزيت ، ثم همت بتقطيع البصل ، الطماطم وضعتهم في  عليه ثمأنقصت النار قليلاً  أضافت له البيض والملح و أغلقت المقلاة بغطاء زجاجي ؛ كانت تطبخ بفرح و كأنها الفتاة المراهقة التي أخذت الثقة من أمها لأول مرة لتستلم قيادة المطبخ , ها هو صوت المؤذن يأتي من الأفق البعيد ، و يقترب شيئاً ف شيئاً؛يتغير الصوت كلما اقترب نحو منزلها ؛ أنقصت النار تحت المقلاة حتى الحد الأدنى - كانت تعلم مسبقاًبأنها ستهيم في مكان آخر - أغمضت عيناها و أطرقت رأسها للأعلى ، أخذت تردد مع المؤذن بصوت غير مسموع فقط شفتاها تتحركان و بعض الهمسات تخرج من بينهما " الله اكبر الله اكبر ... "

انتهى الأذان ، لازالت مغمضة جامدة في مكانها ،  رأسها للسماء، مسندة يداها على طاولة المطبخ الرخامية ؛ صوت "طشيش" يصدر من المقلاة ، الزيت و الخضار و البيض يُطبخ و يعلوا صوته ، صمت مطبق يخيم على المكان - في مخيلة سناء - . ....................

دعوات كالمطر بدأت تنهمر من لسان سناء ، همهمات لا يفهم منها شيء وحده خالقها يعلم ما تدعو به ، لكن  أي احد من السهل له أن يستنتج أنها كانت تدعو بالطبع لسلمى ..

و لكن ..

" ياربإخوتي .. أهدهم ، ياربأهدهم ، ياربأهدهم " بدون وعي لم تقول علا صوتها قليلاً سُمِعت منه بضع كلمات متكررة بعضها غير مفهوم سوى " إخوتي .. ياربأهدهم " ؛ فالعبرة تكاد تقتلها - مطبقة على أنفاسها - ،

استقبل مجرى خديها الدموع من عيناها ، و لكنه لأول مرة لم يعرف سببهما .

خوفها على إخوتها كان غريباً بعض الشيء ، فقد كان دمعها دائماً خوفاً منهم لا عليهم ؛ لكن لا يحق للمجرى أن يتكلم فمهمته تكمن في إيصال الدموع من العين مارة بالوجنتين منتهية بدقن مبتل تتجمع به الدموع لتشكي لبعضها سبب خروجها من مسكنها . قد ينتهي البلل بمنديل يجففه قليلاً و لكنه لا يكاد يجف حتىيمتالواديمجدداً،أوببللاكبرمنماءالحنفيةلكنماإنتلامسقطراتالماءقطراتالدموعحتىيخرجسيلاًلامنقطعمنعيناها،أوتكوننهايةتلكالدموععلىيديسناء و التي قد كانت سابقاً يدا سلمى ..

(( يدك أو يدي هي نفس الشيء امسحي دموعك و كأني أنا من مسحهمعنك  " هكذا كانت تنتهي مكالمة سناء الباكية  بكلمات تزيح الألم و الهم عنها "  )) ..

فتحت عيناها و كأنما ربطتا بأذنيها في ذلك الوقت سمعت صوت الطعام و شمت رائحته و اتضحبأنجميع حواسها ذهبت للحظة روحانية عاشتها مع ربها ..

بعينانمفجوعتان ، خطت بسرعة نحو الطعام أخذت ملعقة بسرعة و هي تخطو ، أطفأت النار ثم رفعت الغطاء الذي لم تستطع رؤية شيء من خلاله لتراكم البخار ..  أخذت تقلب الطعام فوق تحت يميناً و شمالاً

الحمدلله ، في اللحظة المناسبة - قالتها و هي تتنهد بابتسامة - . أخذت قليلاً مما كانت تطبخ بطرف الملعقة ، - طالت ابتسامتها ؛ دالة عن رضا - .أقفلت المقلاة ، و ذهبت للحمام ، توضأت ثم عادت لغرفتها ؛

 صلت ركعتين و عند نهاية تسليمها لاحظت موضع رسائلها ، استغربت  لوضعها إياه هناك .

قامت من فوق سجادتها لتأخذه من حيث وضع ، قبلته ثم أعادته إلى مكانه و الابتسامة لم تفارقها للحظة ؛ ثم عادت لتكمل ما تبقى لها من ركعات سنية ..

أكملت صلاتها ، بعد سجدات طويلة و بين دعاء و استغفار و تسبيح و تهليل و شكر لله ، وقفت بهدوء خلعت قميص الصلاة طوت سجادتها و أعادتهما لمكانهما ، أخذت منشفتها و بعض الأغراض تمشي بهدوء ذاهبة للحمام و بخطاها المعتادة الهادئة جداً تعرف رجلاها طريقهما ولا تخطوان لمكانسواما اعتادتا عليه ،

أخذت حماماً ساخنا طالت مدته و كأنها تتخلص من غبار السنين الذي التصق بجسدها و لم تستطع التخلص منه حتى تلك اللحظة ، ينساب الماء على جسدها كدمات خضراء هنا و هناك و بعضها بنفسجي اللون و أخرى حمراء ، جسدها لوحة جميلة زينت بألم دام سنين لتظهر بهذا الجمال .

ترفع عيناها و تغمضهما لتذكر مرة أخرى ما مرت بها و لكن سرعان ما تناسته ، أخذت رشفه ماء بين يديها ولا زالت مغمضة عيناها مسحت وجهها ، اتكأت بيديها على حوض الحمام ، و انحت قليلاً ثم عادت لترفع رأسها و ترى وجهها .

 تفاجأت ببخار الماء الساخن يملأ المرآة ، بإبهامها كتبت " بداية حلم "  بالأسفل منها نقشت " S " ، ابتسامة أمل ملأت وجهها و بيدها اليسرى أيضاً مسحت المرآة ليتخلل وجهها البريء و يشق له طريقا من بين الضباب الكثيف ..

أخذت المنشفة من علاقة الملابس نشفت جسدها و تغطت ، فتحت باب الحمام بهدوء تام أخذت تنظر يميناً و يسارا ، قامت تركض على أطراف أصابع قدميها ممسكة منشفتها و ثيابها بين يديها -بشكل مضحك- .

أردت الملابس بلوزتها الطويلة الواصلة للركبة و سروال الجينز الضيق من فتحة القدم .. تحاول جاهدة ارتداءه تفقد توازنها و تقع فوق السرير ، تضحك بصوت عالي ،

* ااااه ، و أخيراً - قالت و هي تضحك ، و بعد أن أتمت لبسالبنطال - .

أكملت ارتداء ملابسها ، لبست عباءتها ، تناظر الساعة لتراها تشير إلى السادسة و النصف ،

* ممممتبقى لدي القليل من الوقت - تقول بينها وبين نفسها -

تأخذ ملازمها لتقرأ ما كتب بها و ما قد يكون فاتها خلال الفترة المنصرمة ، لم تستطع التركيز لشدة حماسها تغلق الملازم و ترمي بهم جانباً ، تلتفت للساعة للمرة الألف خلال ثواني ، ( ما لعقاربها لا تتحرك ؟! هل ممكن أن تكون توقفت ؟ يا إلهي لكن الجوال لا يمكن أن يتوقف ؟! ألا يمكنك الإسراع قليلاً ) - تحدث نفسها بصوت خافت و هي تعض على أسنانها توترا .

أظنها تحركت أخيراً، تمسك هاتفها لترى أنها السادسة و أربعون دقيقة ، قامت لترتدي حجابها و نقابها ، رتبت ملازمها و وضعتها فوق الطاولة أمامها و وضعت الهاتف فوقهم ، اتكأت مجدداً على طاولتها انحنت و أنزلت رأسها و كأنها تنظر إلى الملازم ولكنها لم تكن ، أخذت شهيقا طالت مدته ، زفرت بهدوء وببطأشديد ، تسارعت نبضاتها

- السابع الا سبعة عشر دقيقة - أخذت أغراضها و هاتفها ، أمام عينيها يظهر مجدداً دفتر رسائلها و كأنما يطالب برسالة أخيرة ، نظرة منها كانت كفيلة بإيصال رسالة ما كان لقلم القدرة على كتابتها ..

تبسمت و مشت بهدوء حتى وصلت غرفة أمها فتحته بهدوء أيضاً وصلت لسرير أمها ، هزت كتف والدتها بأطراف أناملها ..

- أماهأماه  أمي - بهمس - .

ماذا هناك ، ما الذي حدث ، - تنهض الأم فزعة -

تضحك سناء لمنظر والدتها قائلةً ..

- ألا يمكن لأحد إيقاظك دون أن يكون هناك مصيبة ما ، المهم الأكل جاهز في المطبخ و أنا ذاهبة الآن تريدين شيئاً ؟!

تبتسم الأم قائلة :

وفقك الله ، و أنار دربك ، و ابعد عنك كل شر و أبعدك عن كل سوء ..

مبتسمة تقبل رأس أمها : ما أحلى هذه الدعوة ، تريح القلب والله ..

الأم موصية ابنتها : لا أريدهم أن يعيدوك للمنزل ، لا أريدهم أن يحرموك جامعتك ولا مستقبلك ، لا أريد أن ينتهي حلمك و حلم سلمى ، فهمتي ما اقصد ، ابتعدي عن كل ما يسيء لك و لنا .

سناء : تربيتك ألا تثقين بها ؟!

هزت الأم رأسها إيجاباً  ....

أكملت سناء : حلمي لن أتخلى عنه و لن ادع مجالا لأحد أن يبعدني عنه .

- فزت و صرخت - : تأخرت وداعاً .. - و ذهبت تركض - .

ضحكت الأم لمنظرها : بحفظ الله و رعايته .

مشت بخطى هادئة مسرعة منكب رأسها نحو الأرض ،  عيناها متسمرتان على حيث تضع قدميها ، جسدها ممشوق مستقيم لا تمايل في مشيتها ،  تسحر الناظرين بأدبها المكتسب من ثقافتها الدينية لا من سجن إخوتها .

وصلت موقف الحافلات تصعد حافلة الهندسة و تجلس بجوار النافذة عيناها على الشارع ، يجلس احدهم بجوارها ، تشعر به فتنظر لترىأفتاةأم فتى ، انه شاب وضعت حقيبتها بينهما بعدما أخرجت هاتفها منه ، و حساب الحافلة ، تمد يدها لتدفع فلم تصل يداها للمحاسب ، يسحبه منها من كان جالسا بجوارها فيدفع هو الأجرة .

تتحرك الحافلة و تتحرك معه مشاعر سناء ، تخرج من حقيبتها كتيب بعنوان " حصن المسلم " ، تقرأ دعاء الخروج الذينسيت انتقراهفي المنزل ، قرأت بضع آيات من القرآن و بعض الأحاديث ، أتمت القراءة و أعادت الكتيب لمكانه و عادت هي لتشرد و تتسمر عيناها على الطريق ؛ لا تفكر بشيء فقط تتفرج .

و بعد القليل من الوقوف  هنا و قليل من النقاط الأمنية هناك ،  و كثير من السرعة و التهور ، وصلت الحافلة إلى الجامعة ، نزلت منها و قلبها يتراقص فرحا وقفت تتأمل البوابة و كأنما تراهالاولمرة ، ابتسمت ثم همت بالدخول .

تمشي بفرح يظهر على وجهها ، تصل إلى القاعةالمشؤومة ، تأخذ نفسا عميقاً ، تفتح الباب ، لتغلقه بسرعة كبيرة و خوف شديد .

يا الهي ما هذا من هؤلاء لم أرهممن قبل- تهمس لنفسها -.

فتاة تفتح باب القاعة لتدخل ، تمسك سناء بيدها - و تبعدها سريعاً -  و تسألها عن القاعة و أين من كانوا يدرسون بهذه القاعة فأخبرتهابأنه تم تغيير الجداول و قاعات الدراسة و أرشدتها على قاعة تكاد تكون هي التي نقل إليها طلاب فصلها ، شكرت الفتاة و مشت إلى القاعة الأخرى .

خطوات بطيئة خائفة و مسافة طويلة ، بعد  جهد و عناء البحث و السؤال عنها كل من مر بجانبها  أخيراً وصلت .

تفتحببطئتختلس النظر ، تتنفس الصعداء لتحمد الله في جوفها .

تدخل بخجل و تضع ملازمها على احد الكراسي تسأل من كانت تجلس بجوارها :هل يجلسأحد هنا ؟!

التفتت الفتاة بوجه مبتسم : لالااحد  يمكنك الجلوس .

عادت الفتاة لتكمل كلامها مع من كانت معها لم يكد رأسها يعود لمكانه حتى التفتت مجدداً لتسأل باستغراب سناء التي كانت تهم بالجلوس : أنت سناء محمد ؟!

سناء تهز رأسيها بالإيجاب و تسأل : لم تسألين ؟!

الفتاة و هي تعدل جلستها نحو سناء : لقد غبت لمدة طويلة و ظن المدرسونبأنك لن تعودي فطلبوا من مندوب القاعة أن يتأكد ، لكي لا يشطب اسمك في السجلات ، ولكن أحداً لم يستطع  الوصول لك ، و بالحقيقة اعتقدنابأنك لن تعودي مجدداً لما حصل بينك وبين الدكتور ذلك اليوم .

سناء بخوف : لقد كنت مريضة ، و لم أكن قد تعرفت بأحد وقتها ! ماذا افعل .

الفتاة : لا تخافي يمكنك أن تخبري المندوب بذلك و تحضري له أوراقك الطبية و سيكون كل شيء على ما يرام .

 سناء و الخوف يزداد : أوراق طبية !

الفتاة باستغراب : اجل ، لم تحضري لمدة طويلة و قلت انك مريضة فمن المستحيل أن تمرضي كل هذه المدة و لم تذهبي لطبيب ..

تبتسم سناء ابتسامة زائفة من تحت النقاب لتظهر على عينيها : اجلاجل ، و لكن لا اعلم أين وضعتها .

حسناً سيكون كل شيء على ما يرام ، عموماً أنا منار و هذا رقمي - أخذت هاتف سناء  - يمكن الاتصال بي لو مرضت مرة أخرى و أنا سأنبهمندوبنا - قالت الفتاة مازحة -.

سناء بارتياح : حسناً يا منار أشكرك جزيلا ، و أنا كما تعلمين اسمي سناء .

منار تضحك : كل يوم نقف عند هذا الاسم ليكتشفوا من صاحبته ، و ها قد ظهرت صاحبة السمو .

تضحك الاثنتان و تتوقف سناء عن الضحك لوهلة . تفاجئها منار بالسؤال : ما بك ؟!

سناء : لا شيء .

منار : لا يوجد معك أوراق طبية ، أليس كذلك ؟

سناء : في الواقع ، لم أزر الطبيب خلال فترة مرضي كلها .

منار و يظهر عليهاالتفاجؤ : مجنونةأنتيشهر على الفراش ولا تذهبين للطبيب ؟!

سناء وقدانحرجتلسؤالها اختصرت الاجابة : أخشى المستشفيات .

و أخفضت رأسها للأسفل ، و كأنها على وشك البكاء منار و قد أحستبأنهناك خطب ما بسناء : حسناً لا تخافي ، اظهري لهم نفسك اليوم و اخبري المندوببأنك موجودة و لست شبح ، و إن طلب أوراق طبية اخبريني سنرى ما يمكن عمله .

سناء تبتسم لمزح منار و بارتياح : شكراً منار حقاً أخجلتني .

منار :  لا داعي للخجل .. لم تكمل كلامها حتى دخل مدرس المادة ، اكتفت بتكملة كلاها بابتسامة و بادلتها سناء ذات الابتسامة .

صوت الباب الخلفي للقاعة يفتح عدة مرات ، عدد من الطلبة يدخلون بعضهم خلسة و  البعض الآخر باستئذان ؛ لم تكلف سناء نفسها مرة واحدة و تلتفت للخلف و ترى من دخل ، فقط تكتفي بسماعقرعاتفتحة الباب ، و قرعات كعوب بعض البنات .

انتهت المحاضرة ، تستأذن سناء مناربأنتأخذ مفكرتها لتنسخ ما فاتها من محاضرات .

***

عادت للمنزل جرت نحو المطبخ دون أن تخلع لبسها فوجدت أن أمها قد طبخت الطعام ، ابتسمت و ارتاحت،  و عادت لغرفتها ثم انكبت على دفاترها و ملازمها و كتبها ، و مفكرة منار التي قامت بنسخها محاولة اللحاق بهم و فهم ما فاتها .

نامت مجهدة تكاد تموت تعبا ، أُرهق عقلها في محاولة التركيز لفهم الدروس ؛ولمرةتأخذكلهذاالوقتلدراسةشيءما،فقدكانتذكيةسريعةالبديهة . أيقنتبأنحلمهماليسسهلالتحقيق .

في اليوم التالي أخبرت المندوببأنها كانت مريضة و سألته عما يمكنها فعله ، و هل هي بحاجة لأوراق طبية أم لا , اخبرهابأنكل شيء سيكون على ما يرام و سيحاول هو إقناع رئيس القسم بمبرر غيابها , دون الحاجة للأوراق الطبية ,, و إن احتاج سيخبرها بذلك .

 مر أسبوع على بداية عودتها ، لم يطالبها احد بأوراق طبية حتى اللحظة ، استطاعت هي اللحاق ببعض ما فاتها , خصوصا بعد أن انصب تركيز إخوتها على مشاغل حياتهم , و قوائم نسائهم , وما إلى  ذلك  ..

تطبخ الإفطار ، تذهب لجامعتها ، تعود لتذاكر ما أخذت و ما فاتها ، تطبخ العشاء ، ثم تعود للمذاكرة ، تجهز أغراض اليوم التالي و تنام كالقتيلة . هكذا كان جدولها ، أو روتينها اليومي .

* في مكان آخر من نفس المنزل .

- أظنبأنهذا كاف لكي نتأكدبأنها لا تفعل شيئاً خاطئ .

- لا أظن أن أسبوع يكفي لنتأكد من ذلك .

- حسنا اذهب أنت لأنني تعبت من دور الجاسوس .

- لكني مشغول جداً هذه الفترة .

- إن كنت لا تراها كافية فاذهب أنت و تولَهذه المهمة أما أنا فسأعود لإعمالي . لست متفرغا لك ولا لأختك .

- هي أختك  كذلك , و ما تفعله قد يضر سمعتك أيضاً أو نسيت ذلك ..

- لا لم انس ، فقد راقبتها أسبوع كامل و لم أر منها حركة تسيء لنا وقد اكتفيت بذلك فحياتي تنتظرني ، لن اقضي ما تبقى من عمري في مراقبة أختك

احتد النقاش بين الأخوين و دخل أخوهم الثالث على أصواتهما.

- لم الصراخ ماذا يجري ؟!

- أخوك يعتقدبأنأسبوع تكفي لتحديد تصرفات سناء و أنها لا تفعل شيئاً .

- أنا لا اعتقدبأنهناك داع لمراقبة سناء ، و لا احد منا متفرغ لهذه التفاهات ، فقط انسَ أمرها

هذا ما اخبره إياه منذ أن عُدت وهو لا يريد أن يفهم ذلك .

- اسمع ، التفت لإعمالك و تجاهلها لا أظنبأنها ستتجرأ و تفعل شيئاً ما دمنا نحن موجودين .

- أترى ذلك !

- اجل . - و أنا أيضاً أرى أن هذا هو الصواب .

- ممممم حسناً إذن .

ثم ساد الهدوء المكان .

في اليوم الأول من الأسبوع الثاني من عودتها للجامعة ..

سناء :  منار لم استطع فهم الدرس الأخير هل يمكنك أن تشرحيهلي لو لم تكوني مشغولة اليوم !

منار : جميعنا لم نفهمه في البداية و جعلنا احدهم يشرح لنا و فهمناه جيداً ، أنصحكبأنتستفهمي منه لا مني ؛وهذا  لا يعني أني أمانع أن اشرح لك .

تبسمت الاثنتان ..

سناء : ممم يكفيني ما ستعطينني أريد البداية فقط و سأكمل ما تبقى ، متى ما فضيتي اخبريني سآتي إليك حيثما كنتي .

منار بابتسامة :  حسناًما دمتي مُصِرة ، سأذهب الآنكلسريعاًقبلأنتبدأعصافيربطنيبالطيران ... بالإذن ..

تومئ سناء برأسها و تفتح مجالا لمنار حتى تمر ،

و بينما هي كذلك صوت من خلفها و كأنما يهمس بأذنها :

لم لا تريدين أن تستفهمي مني !

التفتت بسرعة فلم ترى احد خلفها جميعهم ملهي بأعماله، خافت و مشت بسرعة نحو محل النسخ ، أخذت بعض الأوراق و الملازم اللازمة ، و ذهبت لطاولة بعيدة عن الجميع في مكان هادئ يكاد لا يقربه احد ، رفعت نقابها لتأخذ نفسا طالما لا يوجد احد ، منتظرة اتصال منار .

فجأة جلس و لم ينطق بحرف لم تلحظ وجوده في بادئ الأمر ، رفعت رأسها مادة يدها نحو كتابٍ تريد أخذه لتفاجأ به يجلس بجوارها ، أنزلت نقابها بسرعة شديدة و توتر و تصرخ بغضب : من أنت و ماذا تريد لم تجلس هنا ؟! و منذ متى تجلس بجانبي ؛ ماذا افعل لو أن أحداً رآك بجانبي ؟!

رد بهدوء و برود : اختاري سؤال واحد لكي أجيبك عليه أو انتظريي وسأجيب عليهم جميعاً ،- أكمل بدون توقف ولا اخذ نفس -  :

شادي ، سأشرح لك ؛ ليس الكثير حتى أني لم أرَ وجهك ، لا تفعلي شيئاً فأنت لم تفعلي شيء ..

و تظاهربأنه اختنق و يأخذ نفساً ... ثم ابتسم .

سناء لم تجب بكلمة حتى أنها لم تنتبه لكلامه ولا حتى الاسم ؛ فقط أخذت تلملم أغراضها المبعثرة على الطاولة مدت يدها أمامه ، امسك يدها بقوة و بتلقائية غير منتبه لفعله ، لم ينتبه لكونها فتاة و لا يجب عليه إمساكها بتلك القوة و لم ينتبهبأنها ليست من محارمه  فلا يجب عليه إمساكها من الأساس ..

خافت هي ، و انتبه لفعلته هو ..

جلست لخوف تملك صدرها ، ابعد يده بسرعة و بدأ يحك شعره مطرقاً رأسه للأسفل - بارتباك - : اعتذر أنا حقا آسف ، لم أكن اقصد ؛ اقسم لكبأني ما أردت سوى أن أعطيك من العلم ما علمته ، أريد أن اشرح لك ما فاتك و قد سمعتك تتحدثين مع منار بالصدفة و أخبرتهابأني سأجلس معك اليوم و اشرح لك ؛ اعتذر ..

لم تتفوه سناء بحرف ، أحست بخجله وندمه ، كما أنها أحست بأدبه .

رفع رأسه دون أن يلتفت لها : أنا حقا آسف لم اقصد سوء .

استمرت بصمتها ، أخذت إحدى الملازم و فتحت إحدى الصفحات و بصوت منخفض : هنا كيف اوجد هذه  ، فقط ارني كيف قام بها و سأكمل الباقي بنفسي .

رفع رأسه بفرح ملتفتاً إليها فوجد عيناها مستقرتان على ما فتحت يملؤهما خجل لم ير له شبيه ؛ ثم التفت على الصفحة المفتوحة ما إن رأى ما كتب بها حتى ابتسم و كادت أن تسمع له ضحكة :  إجابة هذه المسألة في الملزمة خاطئة ...

بصوت فرح تصرخ : توووقعت ذلك ..

تبحث بين أوراقها تنبش هنا و هناك و في حقيبتها ، بصمت يتفرج عليها و هي تبحث و باستغراب شديد استمر يدنو معها و يرتفع معها و هو لا يعلم ما الأمر ، حتى وجدت ورقة تكاد تكون ممزقة ، مطوية عدة طيات يتخللها عدد من الكرمشات ،

فتحتها ببطء شديد كي لا تتمزق قائلة بفرح  : انظر هنا ، حاولت حل المسألة بطريقة مختلفة و لكن خشيت أن تكون خاطئة .

يسحب الورقة من يدها ببطء أيضاً يصمت لثوانٍ : صحيحة ، صحيحة هذه المرة أيضاً ، لا اعرف طريقتك هذه ولكن أوصلت لنفس الناتج المفروض أن تصل فهي حتماً صحيحة .

دنت قليلاً و ظهرت على وجهها علامات حزن : الناتج ذاته لا يعني أن طريقة الحل صحيحة .

ابتسم قائلاً : سأريك الطريقة الأخرى ، و أنتِ تأكدي من طريقتك هذه من مدرس المادة .

ضحكت ضحكة ساخرة : تريد أن أطرد مجدداً .

ضحك الاثنان ضحكة طويلة و قال هو : حسناً سنذهب للمكتب سوياً ؛ على الأقل لو طردنا فلن يرنا احد ..

استمرا بالضحك قليلاً , ثم أكمل لها  حل بعض المسائل ليوثق لها فكرة الحل  ، تنظر لساعتها إنها الواحدة ظهراً ، تفز من مكانها قائلة : يجب أن اذهب ، أشكرك مرة أخرى يا ...

هو : شادي ، اسمي شادي ، و من دواعي سروري ..

تنبهت للاسم التفتت له و أطالت النظر قائلة في نفسها - هو ، أظنه هو - ..

بصوت عال أكملت : أنت ..

دون أن يلتفت لها قاطعها بضحكة قائلاً : اجل أنا من طردت بسببك المرة الأولىو اظنبأنني سأطرد مجدداً

ابتسمت و أعادت نظرها لموضع قدميها : أنا اعتذر منك حقاً ،

اكتفى بابتسامة و ساعدها في تجميع أغراضها ، حتى رأى القلم ، أخذه دون أن تنتبه ..

بعيون مبتسمة : أشكرك مجدداً ، إلى اللقاء الآن .

رد بهدوء : العفو ، يجمعنا لقاء .

مشت بخطاها المتناقضة بين انكسار في عينيها و شموخ في جسدها ، كالنخلة تدب على الأرض لتهز عروش منينظر إليها ، يتساقط منها الخجلفيسقي الأرض القاحلة ،،

استمر بالنظر إليها بتعجب لا إعجاب فيها حتى كادت أن تغيب عن النظر حتى ناداها : هااي ، أنتِ ، يا فتاة ، يا امرأة ..

لم تعلمبأنه يناديها هي لا سواها ، استمرت بالمشي بصمت ؛ قام يركض نحوها حتى وصل إليها ، و هو يلهث : ألا تسمعين ؟!

سناء : ناديتني ؟!

هو ساخراً : لا لم أنادك فقط انبح صوتي وأنا اصرخ " يا فتاة يا هذه يا أنتِ . - و راح يقلد نفسه - "

ضحكت هي بضحكة مسموعة ، أبهرته و أدخلته في دائرة صمت لم يعرف لها عنوان ، دهشةٌ تخللت جسده من طرفه لطرفه ، رعشة انتابت قلبه لا يعلم مصدرها ، ابتسامته خفتت قليلاً فقليلاً حتى غابت بلحظة عن وجهه و ظهر بوجه لا تفسير له ، و غاب في بحر عينيها .. وشرد ...

قاطعه صوتها : شادي ، ما بالك ، لا تسمع ..

هز رأسه : بلى اسمع اعذريني شردت قليلاً .

قاطعته : على الأقل أنا لم أكن بهذا القرب حين لم أسمعك - ابتسمت مكملة - ماذا أردت ؟!

شادي ولازال وجهه يحمل ألف تفسير : هذا قلمك وجدته هناك ، اعلم جيداًبأنه غالٍعليك من تلك المرة التي ...

قاطعته بضحكة خجولة قائلة : اجل ، - و أكملت لا شعوريا - انه من سلمى ..

أكملت بابتسامة " أشكرك مجدداً , بالمناسبة اسمي سناء وليس ( هااي و يا أنتِ ..  ) "

هي تركته  في حيرته هذه المرة ، متسائلاً عن سلمى تلك ! و عن سر الرعشة التي انتابت جسده ..

في الطريق للمنزل تتأمل الطريق كعادتها الذي لا تعلم تفاصيله بالرغم من شرودها الدائم به ..

تذكرت دفتر رسائلها ، خطوط قلق ظهرت على جبينها المغطى بنقابها ، ألمٌ اعتصر قلبها ، ما إن وصلت إلى المنزل حتى همت راكضة نحو غرفتها ،

استقبلها احد إخوتها في صالة المنزل ،

يصرخ : ماذا هناك ! لم الاستعجال ، من ورائك ؟!

داهمها بالأسئلة و لم تعرف لأحدها إجابة ،

ارتبكت بشده لكنها استجمعت قوتها ؛ فهي أقوى من ذي قبل ، الآن هي تعلم معنى الحرية لا تريد العودة للعبودية مرة أخرى ، ستكافح لأجل ذلك .

رأت أمها تخرج من باب الحمام صرخت قائلة : الحمام ، أريد الدخول للحمام ...

ابتسم أخوها ساخراً و قاطعها : اذهبي قبل أن ...

بضحكة مصطنعة ختمت الحوار ثم ركضت نحو الحمام و هو لازال ملتفتا عليها .

لم تكن بحاجة للحمام و لكن يجب عليها المكوث قليلاً كي يصدق عذرها ، خلعت حجابها - بعد نقابها الذي أزالته ما إن وصلت حوش المنزل - ثم عباءتها ، تجلس فوق حافة حوض الاستحمام تارة ، تارة تقف لتتأمل وجهها الشاحب في المرآة ، و تارة تأخذ علب الشامبو و تقرأ محتوياتها و الإرشادات حتى حفظتها عن ظهر قلب ؛ مرت خمس دقائق ، ظنتها كافية . نهضت من على الحافة غسلت يديها و وجهها ، تأملته قليلاً بالمرآة ، فتحت "السيفون" ، لملمت أغراضها ثم خرجت .

التفت أخوها بسخرية ، بادلته النظرة ذاتها و دخلت لغرفتها ، ما إن دخلت حتى ركضت نحو الدفتر ، أخذت تحتضنه و تبكيه ، تقبله من كل جانب .

فتحت ورقة و أخرجت قلمها من جيب صغير في حقيبتها ، كتبت أول أحرف بدموعها التي لم تستطع إيقافها ، و أكملت " سلمى ، حبيبتي اعلمبأني مقصرة ، سلمى أجيبيني صمتك يعذبني ، أنا حقا آسفة ، اقسمبأني أجهدت ، حمل الحلم كله على كتفي وأنت قابعة مكانك لا تفعلين شيء - ظهرت على وجهها ملامح غضب و نحتت الحروف و كأنها تنحت على خشب - و فوق كل ذلك تلوميننيلم لاأسأل ، سلمى اعتذر ، آسفة ، لن أكررها ، هيا ابتسمي .

أعلمبأنني لم أرسل لمدة طويلة و لكن قدري ظروفي ؛ اقسم 'بحياة سلمى' أنها لن تتكرر .

آه صحيح لقد أخبرتك بذلك ؛ اجل اجل أخبرتك أن القسم لا يجوز إلا بالله ، ممممم التلميذ غلب أستاذه هذه المرة ؛ حسناً ' اقسم بالله ' أنها لن تتكرر .

هيا ابتسمي - و ابتسمت هي و كأنها تبتسم لأحدهم -

-أكملت - رضا ؟! - تنهدت بعمق - الحمدلله ..

سأنام قليلاً أكاد أموت تعباً ، اعلمبأنك لن تمانعي ، إلى اللقاء .. "

نامت و لم تشعر بنفسها حتى فزت ، خائفة و يرجف جسدها ، لا تعلم ما أصابها ؛ أخذت رشفه ماء من كأس وضع فوق طاولة صغيرة تقبع بجانب السرير و يدها على صدرها تلهث و كأنما كانت تركض ، ثم بدأت تتلو بعض اياتالقرآنية ..

أحست بارتياح ، أخذت هاتفها لتعرف كم هي  الساعة بعد أن وضعت كأس الماء بمكانه ،

لقد تأخر الوقت كثيراً ، لم أذاكر شيئاً - تحدث نفسها - ، تهم بالنزول من السرير فزت مجدداً و ركضت مسرعة ، نحو المطبخ وهي تتمتم

" العشاء " ..

رأت بعض الأوعية و القدور بها آثار طعام ، فعلمتبأنأمها قد طبخته .

غسلت ما كان على الحوض من كؤوس وأوانيثم ذهبت للحمام توضأت لتصلي ركعتين قبل أن يؤذن الفجر ،

عند سجدتها الثانية رأت وجهه ، قطعت صلاتها و قامت من سجودها ، يدها على قلبها ، بدأت تستغفر و هي تلهث ،

تفكر

" لم جاءت صورته ببالي ؟! ولم حضرت عند السجود ؟!

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أستغفرك إلهي و أتوب إليك "

قامت و توضأت مجدداً ، ولكنها لم تلحق أن تصلي ركعتين فقد هل صوت اذانمنبعيد ..

تعوذت مجدداً و قامت لتصلي الفجر و لا زال فكرها في مكان آخر ،

أحست بالضيق لأول مرة شيء ما يشغلها عن صلاتها و ليس بالشيء المهم - بنظرها - ..

أغمضت عينيها ، و بدأت تدعو ربها بفم صامت و دموع متحدثة .. ما إن أكملت الدعاء حتى قامت مجدداً لتعيد صلاتها ، أتمتها بقلب صادق هذه المرة ، اتبعتها بركعات السنة .

ثم عادت لسريرها ، تتأمل دفاترها و ملازمها و لكن لا طاقة لها للمذاكرة في هذا الوقت .

- يوم بلا مذاكرة لا يضر - قالتها و قد أغمضت عيناها ، و هي ممتدة على ظهرها يداها متشابكتين تحت رأسها ، و كأنها تتوسد رمال البحر لتأخذ قليلاً من أشعة الشمس لتكتسب السمرة .

صورته لم تفارق بالها و لكنها لم تبالي ، استمرت بالتفكير بأشياء و أشياء لم يكن هو إحداها ،

منبه الهاتف يرن مشيراًبأنها السادسة ، صحت بسرعة من لم ينم ، أغلقت المنبه ، و قامت بهدوء و بدأت تمطط جسمها قليلاً و ابتسمت ،

"""" - اآآآآآيييي

-اعتذر

-ألن تتخلصي من هذه العادة  ؟؟

- هههههه لا فهي احد أهم واجباتي الصباحية  .

- وليس واجباً علي أن أتحمل جزاء تمططك هذا .

- بلى يجب فأنتي صديقتي الوحيدة و...

- حسناً حسناً سيبدأ الآن أسلوب الشحاذتين ، سأعود لأنام .

- سلمى ايتها الحقيرة ، اقسمبأنك لن تنامي .. """""

 

ضحكة تخرج من قلب سناء بعد شرود لدقائق ، ثم قامت من فوق سريرها .

بدأت روتينها اليومي الذي دام شهرا ، ولكن أضافت له ، كتابة رسالة صباحية و مسائية -إن استطاعت- ؛ فقد وعدت سلمى بذلك .

في الجامعة ..

سناء : صباح الخير

مجموعة من البنات :

صباح الورد

صباح الفل

صباح الحب ..

ضحكن جميعهن للأخيرة ؛ فهي إحدى العاشقات ، و المعروفة هي وزميل لهم في نفس القسم بحبهما لبعضهما لدى كل من في حرم تلك الجامعة - تقريباً - ، حتى أن أهلها يعلمون ذلك .

جلست بجوارهن ،

شيماء - العاشقة - بسخرية : أين حبيب القلب ؟!

الجميع التفت لسناء و هي الوحيدة التي لم تلتفت لذاتها ؛ التفتت لشيماء نفسها ؛ غير مدركة أن السؤال وجه لها .

نظراتهن التي أخجلتها لسبب لا تعلمه ، و التي قد تكون أرعبتها ، أوضحت لهابأنالسؤال لا يقصد سواها .

سناء : عمن تتحدثين ؟ لا حبيب لي !

شيماء : سأجاريك و كأنك لا تعلمين مممم أتحدث عن شادي ! أتريدين أن أخبرك من شادي !

سناء بغضب : ولم تقولينبأنه حبيبي !

شيماء : الجميع يعرفبأن ..

تقاطعها سناء بتهكم : يعرف ماذا ؟!!!!!!

شيماء لا تجيب ، التفتت سناء  للفتيات علَّ إحداهن ترد عن تساؤلها و لكن ، صمت رهيب خيم على المكان أوصل لها ما لا تريد  .

أخذت أغراضها من على الطاولة و مشت بسرعة غاضبة نحو الحمام فتحته بقوة ، رفعت نقابها الذي تبلل بالدموع و عرق التوتر ؛ تسمرت أمام المرآة مستندة على حواف احد الأحواض لعدد من الدقائق ؛ التي كانت بالنسبة لها ساعات عدة .

من إحدى الكبائن تخرج منار ، ترى إحداهن منهارة تبكي ، و حولها عدد من الفتيات يحاولن تهدئتها و لكن لا فائدة .

ترى سناء منار من المرآة تلتف و ترتمي بحضنها دون سابق إنذار ، تضمها منار باستغراب و دون أن تنطق بكلمة ، تسأل البنات بحركة شفوية و لم تنطق هي الأخرى : أهيسناء ؟!

تهز الفتيات رؤؤسهن بالإيجاب ..

تشير منار بيدها لتسأل ما بها ، تهز البنات أكتافهن معلنات عدم المعرفة .

بتردد تضع منار يدها على ظهر سناء ثم تربت عليها بخفة ، قليلاً .. ثم ضمتها بأقصى ما تملك من قوة فقد أحست بالمسؤولية و هي لا تعلم ما الأمر ...

سناء منهارة تبكي في حضن منار ، حولهن الفتيات متعجبات ، تشير منار لهن لكي يخرجن من الحمام علها تتكلم و تقول ما بها .

خرجن جميعهن و لم يتبقى سواها و سناء ،

منار بعطف : أخرجت الجميع هيا قولي ما بك لقد أخفتني .

سناء بصوت متقطع متشنج : كلـ ـ ـ ـكلهم ، يعلمون .

منار : يعلمون ماذا .

سناء بحدة :  و أنتِ أيضاً تعلمين ؛ أنا البلهاء الوحيدة في هذا الحرم ، لِمَ أنا ، لِمَ دائماً  أنا ..

حاولت منار تهدئة سناء لتفهم ما حدث و بالفعل تمكنت من ذلك أخيراً .

فقصَّت لها سناء ما حدث بينها و بين الفتيات و ما قلن لها ، و أضافت لها القليل مما قد يحدث لها لو علم إخوتها بالموضوع ، أسرَّتها بسِرٍ لم تخبره أحداً قط بعد " سلمى " ، لم تكن بكامل وعيها و هي تتكلم كما أنها لم تخبرها بكل ماتعاني ، خاصةً وإنها قد اعتادت على كتمان اللسان و نطق القلم ، كما أن إخوتها تراجعوا قليلاً عما كانوا عليه ، لم تفكر بكل هذا و هي تتكلم ، فقد كان عقلها الباطن هو من يحاور منار بدل منها .

هدأت سناء أخيراً -تماماً- عمَّ الصمت المكان .

 

الفصل الرابع :

 

يدور حول الغرفة و رأس صديقه يدور معه ، يحك شعره تارة ، يخبط رأسه بكلتا يديه تارة أخرى ، يمرر أصابعه بين شعرات رأسه المنكوشة ، يهز رجله اليمنى هزات سريعة ، يقرض ظفر إبهامه و كأنه سيقرض الإصبع كلها ، يمسح انفه مرات عدة في اللحظة ، يجلس قليلاً ثم يقوم ليتحدث كثيراً ، كلام ذو معنى و كلام لا معنى له ، يضم رأسه بين يديه و يتخلل شعره بين فراغات أصابعه ..

يبادر صديقه بالقول : و ما الأمر الجلل في ذلك ؟!

يقف يجيب بعصبية : ما الأمر الجلل ! الأمر الجلل ! أنت لا ترى أمرا جللا في ذلك !

يهز الصديق رأسه بالنفي و يقول : لا أرى خطأ في أن تخبرهابأنك لا تمتلك المال ! أنا اعلمبأنها ستتفهم الموضوع .

يرد بحزن : لا أريدها أن تشعربأنها أقل من غيرها ، لا أريد أن يظهر ضعفي أمامها .

يجيب الصديق بتهكم : إذن ما الحل برأيك ؟!

- لا اعلم ، سأبحث عن عمل .

يضحك الصديق بسخرية : عمل ! و بأي وقت إن شاء الله ؟! نهارك بالجامعة ، بعد الظهيرة أنت في محل الصيانة ، و ليلك تقضيه في حراسة الفندق ؟!!!

يجيب بتعب : لا توجد لدي محاضرات مهمة خلال الأسبوعين القادمين سأتغيب ، و مال هذا العمل سأضيفهإلىما خبأته لأجل الحاسوب المحمول ، و أعطيها ما تريد .

الصديق بعصبيه : مجنون أنت ! أنت بحاجة شديدة لهذا المال ، و أنت بحاجة اشد للحاسوب المحمول .

طأطأ رأسه و كأن الدمعسيخرج من عينيه : لا امتلك خيار آخر ، منذ أن ولدت وأنا مغصوب على اختيار واحد ، - رفع رأسه بهدوء قائلاً - سأذهب للمقاول .

يصرخ الصديق : المقاول لا، أنت حقاًجننت ، ثم كيف ستعمل في الأحمال وأنت منهك ليلاً نهاراً ؟؟ لن تستطيع....

يبتسم و هو يفتح أزرار قميصه حتى السرة ، - يضرب على بطنه عدة مرات بضربات مسموعة - و يقول و قد بدا الهدوء النسبي على وجهه : هذه العضلات  لم تأتي من فراغ - أكمل و هو يغلق القميص حتى منتصفه كعادته يحب أن تظهر عضلات صدره دائماً - سأذهب له الآن ، كمال أتأتي معي ؟!

يسند ظهره بظهر السرير و يقول : لا أظنني جُنِنت حتى اذهب لذلك المختل - أكمل ممازحا - اذهب و ستذهب معك دعواتي .

رماه شادي بمخدة كانت بجواره و قال و هو يمشي مسرعا نحو الباب : أي صديق أنت ؟؟ لا فائدة منك ..

كمال ضاحكا : أنا من يتحمل كل مشاكلك و همومك و أنا من تحبه و هو لا يحبك ، أنا من سيعطيك عشرون ألفاً بالرغم من انه لا يظنبأنك تستحقها .

التفت شادي و قد اغرورقت عيناه بالدموع : و لكنها نقود دفعة السيارة ، ثم أن لا ذنب لك في تحمل مشاقي معي .

كمال ساخراً : ذنبي أني عرفتك ، - أكمل وهو يخرج شيئاً ما من الدرج - خذها لا تهم السيارة الآن ..

يقاطعه شادي : كما انرغباتها  ليست مسؤوليتك ، لا. لا  استطيع أخذها منك .

كمال :  لا أحب أن يظهر الضعف على صديقي و أنا موجود ، و لو كانت لرغبات غير مهمة ، يهمني أن لا يتكلم عليك أحد ولا يتهمك احد بالضعف ، فضعفك في وجودي هو ضعف لي ،  لن يكفيك راتب العتالة و حمل الاسمنت ، خذها ولا داعي للرومانسيات الآن ؛ لقد تعبت يدي و هي ممدودة .

عاد راكضا ليحضن صديقه بقوة الذي كان قد انزل قدميه من على السرير و عدل جلسته - ليقول له و الدموع تنهمر - : لا اعلم ما الحسنة التي عملتها لكي يجازيني الله بك .

يرد كمال بتبسم : من يضع والدته و أخوته البنات على رأسه ليخطو بهم فوق أشواك الدنيا دون أن تمس أرجلهم إحداها ؛ هو الحسنة بذاتها - أكمل ساخراً بعد أن ابعد شادي من حضنه  - ما هذا شادي يبكي ، يا الهي يا لسخرية الأقدار ، انتظر قليلا حتى آتي بهاتفي لابد من صورة للذكرى .

ضحك شادي و ابتعد مسرعاً نحو الباب : ولا بأحلامك ، ثم أن من الرجل الذي يبكي أكثر من شادي؟ - أكمل و هو يضع يده على قلبه - شادي مرهف الإحساس رقيق القلب - يضيف ساخراً - ليس متبلداً كبعض الناس ..

***

مرَّ أسبوع و هو يعمل في العتالة و حمل الطوب و اشولة الحصى و أكياس الاسمنت على ظهره العاري للشمس ، تكاد تكوي جلده و غيره ممن يعمل معه ، لكن ابتسامة لم تفارق شفتيه ، مزحا لم يفارق لسانه ؛ كلام معسول للجميع يهون حرقة الأرض لأهلها  و الم الغربة للمفارق لأهله .

يصمت أحيانا ليستغفر عن ذنوب أحاطت به بقصد أو دون ، يستغربه الجميع ؛ شاب مفتول العضلات ، يكاد العز يظهر على جسده ، لبسه ، طريقة كلامه و تعامله مع من يكبره أو حتى يصغره ، مكالمات من فتيات عدة يتصلن به لسبب أو بدون ؛ و يعمل في حمل الطوب و الاسمنت ! كيف هذا ؟؟

يتمتم أحياناً بكلمات انجليزية لا يفهمها من يعمل معه ، ولا ينتبه لنظراتهم حينها فجل تركيزه عليها و عليها فقط ، لولا تصبب العرق لما أحسوا به يحمل شيئاً على ظهره ، يطلع إلى أعلى المبنى ببساطة من يحمل إبرة بين إصبعيه ، و لولا إمساكه لما يحمل بكلتا يديه لظنوابأنه غير واعٍ لما فوقه ، يكاد ظهره لا ينحني لثقل ما عليه .

آخر يوم لهذا العمل الشاق ، أحاط به الجميع يودعونه ، يودعون شاب لطالما آنسهم وجوده ، لطالما أسرهم بحديثه المثقف الذي يجهله معظمهم .

التفت بعضهم لبعض و غمز احدهمخرغمزةفهمهاهوتبسموقال : ماالأمر؟!

حك احد العمال رأسه ثم سأله بعد تردد و صمت دام للحظات : بالواقع . نريد معرفةماهي  الكلمات الانجليزية التي تتمتم بها أثناء عملك ؟!

ضحك بضحكة مسموعة و قال و هو مبتسم ابتسامة عريضة : امممم بالحقيقة انه منهج الجامعة ، لا أجد الوقت لكي استذكر بالمنزل فأنا لا أكاد أجد وقتاً لذلك فيومي مقسم بين عمل و عمل آخر ، فأحاول استذكاره بينما اعمل ، و يمر وقت العمل بسرعة حينما أضع تركيزي على الاستذكار ، و لا أكاد اشعر بتعبه ...

تبسم الجميع و بادلوه الأحضان لينطلق بعد استلامه أجرته .

***

تفتح عينها لترى علبة مغلفة بجانب رأسها نهضت بسرعة فتحتها و بدأت تتقفز و تصرخ فرحا فوق سريرها  حتى أيقظت أخواتها -الاثنتين النائمتين معها بنفس الغرفة- خوفا .

الأولى بخوف : ماذا حدث ؟ ءانت بخير ؟! أمي ! أين أمي ؟! ماذا حدث ...

تقاطعها الأخرى : رشا لما تقفزين فوق السرير ؟! أرأيت حشرة ما ؟! فأر ؟!.. تكلمي ...

تقفز من سريرها و تركض مسرعة دون أن ترد بحرف و العلبة بيدها ، ليلحقنها إخوتها فزعتين ، تبحث بين في المنزل عن شيء ما ، ترى أمها في المطبخ ..

ترتاح الأخت الأولى لرؤية أمها و تتنفس الصعداء أما هي فتسأل أمها و هي تلهث : أين هو ، لم أجده بغرفتك ولا بغرفته ؟!

تجيب الأم بشفقة : لقد عاد فجراً كعادته و لم يستطع الذهاب لغرفته للنوم ، فنام في المجلس ..

تركض دون أن تستمع لبقية كلام أمها و علامات الاستغراب بادية على وجه الأختين و أمهما ...

تصرخ الأم بها : لا توقظيه ، لم ينم جيداً ، دعيه ..

لم تستمع لأمها ,  و سكتت الأم لأنها تعلم أنها لن تسمع إلا لما برأسها .

تدخل المجلس تنفخ بأذنه ليفتح عيناه قليلاً و هو يعلم أنها هي ، و يعود لوضعه ..

احبك - تقولها بفرح محب  - .

أجاب دون أن يفتح عينيه : مصلحية .

بصوت حزن كاذب : أتشكك بحبي لك !

هو دون أن يتكلم و بصوت يدل على الإيجاب : اممممم ..

تتقفز على الفرش الذي ينام عليه تردد :

و الله احبك ،

احبك ..

يشهد الله علي ..

لم يدعها تكمل حتى نهض بقوة و أحاط بيده علها بطنها و أسقطها عليه .

و بنفس اللحظة تدخل الأم و بناتها ،

تتنهد الثلاث و كأنهن فهمن ما في الأمر ..

تصرخ الأولى : مصلحية ..

قبل أن تكمل كلمتها يصرخ هو و يضمها و هي تكاد تختنق : أخبرتها بذلك و لكن لم تصدق .

رشا بدلع : هو أخي الكبير ألا يحق لي أن أحبه !

الأم : لم يكن هناك داع لأنتحضر لها الهاتف ، إنه شيء غير مهم و لم يكن هناك داع أيضاً لترهق نفسك بالعمللأجل ذلك بني  ..

تقاطعها الأخت الأولى بغضب : و خصوصاً لاجل هذه ..

ثم خرجت من الغرفة ..

رشا بغضب : اممم رنا ، ألا تريدين قول شيء أنت الأخرى ؟!

رنا بتهكم : دعيه يكمل نومه فقط هيا اخرجي ..

الأم : لا لا ، انهض حبيبي بما انك قد استيقظت  .. 

يقاطعها شادي و هو يسحب شعر رشا للخلف : تقصدين أيقظتني !

تكمل : أياً كان ، تناول الإفطار ثم عد للنوم ..

رشا و هي تتألم - و تضع يدها على انفها - : أظنبأنعليك أن تستحم قبل أن تجلس معنا على الأكل . يضمها بقوة كبيرة ؛ تصرخ قرفاً و ألماً بذات الوقت ..

تضحك الأم و رنا ..

 يرمي برشا باتجاه رنا قائلاً : خذيها قبل أن ارتكب بها جريمة ..

تحضنها رنا و هي تضحك و تأخذها نحو الحمام - ليغسلا وجوههما  و أسنانهما - و قد سبقتهما الأم بالخروج من المجلس .

مرت عشر دقائق و لكنه لم يخرج من غرفته ،

رنا و هي تجهز الطعام : ريما اذهبي و تفقديه .

ريما بتهكم : و لم لا تذهب آنسة الدلع و تتفقده هي ؟!

رنا تنظر لريما نظرة فهمت معناها و ذهبت لترى انه قد غط بنوم عميق .

تعود ريما لتخبرهم بذلك و هي تصرخ بوجه رشا : أنت مفترية ، ألن ترحمي أخاك يوماً ؟! لا يعنيبأنك الصغيرة أن تَتَطَلَّبي بهذا الشكل ، ولست صغيرة جداً لتفهميبأنه ليس لدينا الأمكانيات لتلبية أوامرك الملكية ...

رشا و قد بدا الدمع بعينيها : و لكن كنت أريده بشدة ..

ريما بتهكم : كغيره من الأشياء التي أردتها سابقاً بشدة و ها هي الآن مرمية في الصندوق القديم ..

تسكتهما رنا بنظرة أيضاً و تقول  بهدوء : حدث ما حدث الآن ، و لكن رشا يجب عليك أن تنتبهي لطلباتك ، يكفي انه يعمل ليلاً نهاراً لأجل دراستك ..

رشا بتهكم و حزن : ليس لي وحدي و دراستكما أنتما أيضاً ..

رنا : أظنبأنكلامي واضح !

رشا تهز رأسها بإيجاب ..

تتمتم ريما : لا أظنبأنأشكالها يفهمون ..

نظرة أخرى من رنا كانت كافية لينتهي النقاش .

يستيقظ أخيراً من نومه .. يدخل الحمام و يخلع ملابسه التي لم يقدر أن يخلعها ليلاً لشدة التعب ، و نام بها ..

يفتح حنفية الحمام ليتصبب الماء على جسده المنهك يغمض و يتكأ بيديه على جدار الحمام خافضاً رأسه ، ولا زال الماء ينساب بين ثنيات جسده ..

" و كيف لي أن أصل إليك ، لا اعلم من أنتِ ، أنتِ ملاك غطاه السواد فحفظه من كل عين ، اعلمبأنتحت هذا السواد بياض و نقاء ملائكي ، اعلم ذلك ..

كيف لنظرة عينيك البريئة أن تخترقا قلبي بهذه القوة و تقسوا عليه لهذا الحد  ؛ و كيف لصوتك اللامسموع أن يصل إلى أعماقي ليحرك به كل جامد !

أيا ملاكاً لم أرى منه شيئاً ،و لم أرَ كمثله شيئاً ..  أجيبيني ..

 امرأة مثلك يجب أن تزين بالذهب ، و أنا رجل لا املك نحاس كي املك الذهب !

و كيف لشاب مثلي أن يدخل عالمك المغلق ، لا باب لك ، زينت بأدب لا يمكن كسر حاجزه ، ولا لأحد الجرأة أن يكسره .. "

يقاطع صدى أفكاره صوت الباب فيفز صارخاً : ماذا ؟!

رشا تصرخ : أخبرتهمبأنك لم تمت و لكن لم يصدقوني ؛ أسرع فقد قلق الجميع لتأخرك بالحمام ..

يبتسم : حسناً ..

يلتحف بفوطة ليغطي أسفل جسده ؛ و يترك ما فوق عاري كعادته ..

يدخل على أخواته دون أن يدق ..

تلتفت رشا التي كانت تلعب بهاتفها الجديد : الحمدلله زال القرف و نظفت الأجساد ..

تبتسم ريما : حمام الهناء  ..

تلتفت رنا فتتفاجأ بما ترى و ترمي عليه طرحة إحداهن : كم مرة أخبرتكبأنلا تخرج هكذا من الحمام ، تغطى أيها الغبي حتى لا تأخذ بردا ..

يبتسم قائلاً : يالحظ من ستكونين من حظه ، و يالسوء حظي ستتركينني لهذهيشيرلرشاويجلسعلىالسريربجوارهاوأكملوهويشد شعرها - أولاً ، الهاتف سيبقى مغلقاً حتى نهاية الفصل .

ثانياً اذهبي و احضري لي بنطالي ..

ترد بتهكمها المعتاد : بالنسبةلأولاً ، فقد أَمرت انسةمنشنبذلك ..

أماثانياً ،فاذهب و احضر بنطالك بنفسك فأنا لست خادمتك  .

يرميها الجميع كلٌ بما كان بيده ..

لتخرج و هي تبربر بكلام غير مفهوم ..

يضحكون لشكلها ..

ريما : لا يجب  عليك أن تدلعها  هكذا .. فهي تزداد تمادياً في طلباتها  ..

شادي بحزن : و لكن لا أريدها أن تشعر بنقص  و أريد أن أعوضها فقدها لوجود أبٍ ، يحميها و يلبي كل ما تتمنى ، خصوصاً و  أنها لم تلحق أن تستمتع بوجوده ..

ريما : لا أظن أن أبي كان سيفعل لها ما تفعله أنت لها ..

شادي : لا اعلم و لكن سأحاول إسعادكن بكل ما أقدر عليه ..

ريما : أسعد نفسك لنكون سعداء ..

رنا بسخرية : أظن أن السعادة قادمة ،،، قلبي يخبرني بذلك ..

شادي و هو ينقض على رنا و يحتضنها بعنف : و ماذا أخبرك قلبك أيضاً ؟!

رنا : يخبرني قلبيبأنشادي " دنجوان عصره " ، زير النساء ، معشوق الفتيات ، قد أسرته إحداهن  ..

يبتسم و يتعجب لقولها ، يضع رأسه على كتفها و يضمها بحنان اكبر و تغرق عيناه بعيداً حيث لا يعلم ..

" إنها ليست إحداهن ، كائن غريب ، لا تشبه النسوة عندما تسير لابد أن تنحني لها الرؤوس احتراماً ، تغرد الطيور لها إجلالا ، لا يتخطى احدهم حدوده معها ، تمشي بخيلاء و كبر متواضع ، بعينيها حزن و لكنها بعظمة تكسر كل عين ، صوتها لا يسمع و لكنه يفرض مكانته بين كل الأصوات المرتفعة ، قليلاً من مثلها .. "

ريما تصفق : اوووو .. أخي شادي أصبح شاعراً ، أهي جميلة لهذا الحد الذي يسلب عقلك منك !

بعد أن يعود إلى السرير يتمدد على ظهره و يضع كلتا يديه تحت رأسه و يغمض عينيه : تصدقينبأنني لا اعلم شكلها ، لم أرها سوا عدة مرات تعد بأصابع اليد الواحدة ، و بالرغم من أني وقفت معها مرة و  جلست معها مرة ، إلا أنني لم أتجرأ أن ارفع عينيي لمستوى عيناها ، هيبتها طاغية .. طاغية جداً ..

يقاطعه سقوط شيء ما على وجهه .. يفتح عينيه و ينتفض من جلسته تلك ، ليرى رشا واضعة يديها على خصرها بعد أن رمت البنطال على وجهه رافعة حاجبها داهمته قائلة : من هي الطاغية .

رنا وريمابذات الوقت : و ما دخلك أنتِ !

شادي بهدوء ينسحب من الغرفة لحظات بسيطة ليعود قبل أن ينتهي استغرابهم و قد لبس البنطال ، يمسك برشا من شعرها ملتفتاً لرنا و ريما يقول : هاه ماذا افعل بها ان؟!

رشا بدلع و تحاول أن تحضنه : لا شيء أنا أختك الصغيرة التي تحبك ، كما أن البنطال هو من وقع من يدي ..لست انا من اوقعه صدقني ,,,

لا يترك لها مجالا لكي تحتضنه ، يبتسم بينه و بين نفسه لخوفها المضحك و أسلوبها في التملص من فعلتها : ريما ماذا ترين ، ما المفروض أن افعله ، أسامحها .. ؟!

تقاطعه ريما بصوت حاد : لااااا ، لا تستحق المسامحة ، مممم أظنبأنه يجب عليك أن تأخذ هاتفها و تعيده ممن اشتريته ..

وجه رشا و قد امتلأ خوفاً تلتفت نحو رنا مستدعية شفقتها و لكن رنا تنظر لها و كأنها تقول " لا دخل لي ، أنتِ ورطتي نفسك "

تكمل ريما : أخبرك بشيء أفضل ، احرمها من مصروفها حتى تتخلص من عاداتها الطفولية ،

- و كأنها فكرت قليلاً ترفع حاجبها و هي تلتفت لرنا مكملة - أظنبأنرنا يجب أن تحرمها الرحلة المدرسية هذا الأسبوع ، ما رأيك رنا .

رنا تفكر قليلاً و هي ملتفتة نحو صغيرتها " كما تسميها " ، و تراها و قد الدموع تجمعت في عينيها : اعتقدبأنهذا هو أفضل حل ..

رشا أخيراً تستطيع التخلص من قبضة يد أخيها ، راكضة نحو رنا لترتمي بحضنها و هي تبكي بحرقة : الرحلة لا ، رنا أرجوك لقد اجتهدت كثيراً و حصلت على أعلى الدرجات لا يمكنك حرماني منها.

رنا بعد أن أشاحت النظر من على شادي  الذي جلس بجوار ريما و يضحكان لشكل رشا : و لكنك لم تحترمي أخاك !

رشا و هي تشهق : سأعتذر منه سأفعل أي شيء ؛ لكن لا تحرميني من الرحلة .

- تعتبر رنا هي امرالناهيلرشاوليسترشافقطبلللمنزلكله؛نظرالأرائهاالسديدةوهدوئهاالدائم،لايشتكيمنهاأحدلامنبالمنزلولاخارجه،واعية دينيا و دنيويا ، مثقفة قارئة كثيراً و تحترم الجميع ، و الكل يحترمها - .

رنا بهدوء : مممم ستفعلين أي شيء ، حسناً اذهبي و حضري له الطعام لأنه لم يأكل شيئاً حتى الآن .

دون أن ترد سوى ب " حاضر " انطلقت نحو المطبخ تحت ذهول الأخوين - شادي و ريما - بأنرشا ستطبخ .

تجلس رنا فوق سريرها بفخر ، و تدخل الأم عليهم بذهول هي الأخرى : رشا بالمطبخ ؟

يضحك الجميع و تُجلِسُ رنا أمها بجانبها على السرير : لقد كانت ستعاقب لو لم تطبخ .

ثم أخبرتها ريما عما فعلته رشا ؛ و ضحكت الأم مع أبنائها ،

تستأذن الأم  لتذهب و تقرأ القرآن قليلا - فهي إما تصلي أو تقرأ القرآن أو تتفرج التلفاز لتلهي نفسها - .

و يكمل الإخوة الثلاثة حديثهم الذي قاطعته رشا سابقاً ،،

ريما " ما إن أقفلت الأم الباب عليهم " : الآن تريد أن تقنعنيبأنك تحب فتاة لم ترى شكلها ، ولا تعرفها ؟!

شادي : من قال إني لا اعرفها ، إنها تدرس معي بالجامعة ، ولكن غموض يملؤها ، لا تتكلم كثيراً  لا مع الفتيات ولا الفتية , لو أرادت شيئاً فقط تحدث و بالحد المعقول لا غلو في كلامها ، لا كبر فيها ، عينان ملائكيتان ، لكن  ما إن حضرت أنا غابت هي و إن غبت تحضر هي .

ريما بسخرية : إذن هي مصلحية !

و لم لا تقولي ذات أخلاق و أدب - يجيب هو بغضب -.

ريما : حسنا حسنا أيها العاشق ، الآن اخبرني أين جلستما معا و كيف حصل ذلك و ماذا قلتما و كيف وقفت معها ؟!

رنا تضرب كتف ريما : بهدوء قليلاً دعينا نسمع ما سيقول شيئاً فشيئا ًبهدوء .. - تكمل كلامها ولكنه موجه لشادي هذه المرة - هيا هيا هيا اخبرنا ..

يضحك شادي قليلاً لمنظر الأختين ليعود و يسرح في مكان ما كأنما يراها فيه فتلمع عيناه سعادة و يرق صوته : وقفت معها - و اخبرهما بالموقف - .

تثني ريما فمها و ترفع حاجبيها : ظننتك وقفت معها في مكان ما .

تضحك رنا : تفكيرك سيء دوماً ، - و تكمل موجهة الكلام لشادي - حسناً واينجلستماو لِمَ؟!

شادي ولازال هائماً : شرحت لها بعض المواضيع الدراسية بعد أن غابت شهرا كاملاً .

الأختين معا : شهر !!!!! و أين كانت ؟؟

شادي ساخراً : و ما أدراني أنا ؟!! ، و لكني دريت إني اعشقها و لا أطيق منها بعدا ،إن غابت ، غابت كل حواسي ، أخشى لها ألماً ، و أخشى عليها وجعا ، تصرخ جوارحي لرؤيتها سعادة ، و يعود لينبض قلبي فرحا ، لا اعلم لم هي ؟! كُثرٌمن يُرِدنني ولكن قلبي أرادها هي ،، أخشى أن لا يكون حبا و أن يكون شوقا لمعرفة خفاياها فقط لا لحبها !

لا ترتمي على احد فأريد أن أغرقها ببحري ؟! أيعقل أن يكون هذا ما اشعر به !

رنا : لا يا أخي العزيز ، لو كان من باب التطفل لمعرفة شكلها أو لأنها لا تهتم لأحد فتريد أن تصطادها كما تقول ، لما رأينا بريق العشق في عينيك و لما سمعنا دقات قلبك تهيم عشقا و ترقص طربا لسيرتها و كأنك تغني " فيروز " ؛ ثم أن شادي أخي ليست هذه أفعاله ! ، البنات يجرين وراءه و لكنه لا يجري وراء إحداهن ، حتى إن كانت لا تهتم لأمره ، حتى و إن حقرته  ، ليس شادي من يرى الفتاة كـ'صيدة' .. 

تقاطعها ريما مغنية : " خطرنا على بالك ،، خطرنا يا هوا ،، كان مالنا و مالك و نحنا يا هوا لا بعمرنا هوينا ولا شاهدت عينينا طيفك يا هواا .. "

بوجه حزين يرتمي فوق حجر رنا : رنا ما الحل ؟!

رنا : الحل فيمَ ؟!

شادي : بها ؟!

رنا : لا شي فقط دع الأقدار تعمل عملها ، ادع ربك أن يجمعكما بما يرضيه و يرضاه ..

تقاطعها ريما : لا تستمع لها اذهب و صارحها ، أو اطلب يدها من أبيها ..

شادي بألم : لا استطيع مصارحتها ، ثم كيف اطلب يدها و أنا بهذا الحال ؟!

ريما بتهكم : أي حال ! من لا ترضاك لحالك و وضعك فهي فتاة لا تستحقك ..

رنا : هذا صحيح ، لا يجب أن تضع وضعنا المادي حاجزاً بينك و من تحب ، اعمل ما تقدر عليه و اترك الباقي لله هو الأعلم بكما و مصلحة كليكما ...

تدخل غاضبة يفز كل من في الغرفة : الأكل جاهز ؛ ثم انك تجلس في مكاني ..

يضحك الكل لمنظرها

رنا : قم قبل أن تفترسك ،،

رشا : لم جعلته يتمدد على حجرك ! هو لي أنا و أنا فقط ،،

رنا تحاول تهدئتها : أنتي أختي و هو أخي ، و له مني مثلما لك تماماً ،

لا لأحد بك شيء سواي فهمت ؟! - رشا بعصبية -.

ريما ساخرة : كل هذا لإنك طبخت بيضة ؟!

رشا : أولا هي ليست بيضة ، ثانياً : هو كان يجلس في مكاني ، ثالثاً : لأنكم تخفون عني شيئاً ، اعلم ذلك .. و أنت - موجهة الكلام لشادي - هيا قم قبل أن يبرد الطعام لن أسخنه لك ..

شادي و هو يهم بالخروج : ألن تأكلن معي !

ريما و رنا : لا ، الحمدلله لسنا جياع ..

شادي موجها الكلام نحو رشا : و أنتِ ؟!

رشا : لا أريد ..

شادي : و لكن انتن تعلمنبأني لا أحب الأكل وحدي ، سأذهب لرؤية أمي .. تبا لكن .

يعود شادي و هو يجر أذيال خيبته : أمي صائمة ، هيا فلتنهض إحداكن و تأكل معي لا أريد رفضا ..

رنا : حسناً سأقوم أنا ، و نكمل ما بدأنا من حديث ..

تفز ريما من مكانها : أظنني جعت أنا أيضا ..

رشا و تمسك بيد رنا : و أصبحت أنا غريبة البيت ؟!

تسحبها رنا لحضنها : لا أنت روح هذا البيت ، هيا سنأكل كلنا معا ..

يمشون جميعهم متجهين للمطبخ ... 

يمزح شادي مع رشا ، فيسحب شعرها قليلاً ثم يضربها على رأسها

رنا : شادي توقف ..

شادي ممازحا : لا أريدها أن تأكل معي .

رنا : حسناً نعود جميعنا ..

شادي متأسفا : حسناً حسناً اعتذر ، و لكن تذكري هذا الموقف جيداً ، لن تنفعك هذه الإنسانة ..

يضحك الجميع و يبدأوا بالأكل ..

 

 

 

***

الفصل الخامس :

تجلس هي في زاوية القاعة ، لا تتكلم مع أحد فوق عادتها منذ ذاك الموقف ، أصبح تعاملها مقتصراً على " صباح الخير " السلام وردهفقط ..

لا تتحدث سوى بالمهمفوقعادتهاايضاًومعمنارفقط،تنظرللجميعوكأنهميلتهمونجسدها،يمزقونكلمافيهاويلتهموهببرودتاموهميتكلمونعنهاخفية،تنظرإليهموكأنهموحوشلابشر،مبدعونهم  فيالنم،ونشرالإشاعات،تكرههمجميعاً ..

تسمع تحيات عديدة لشخص واحد ، تشم رائحة مألوفة ، رائحة مسك مزج بعرق عمل شاق يكاد لا يرتاح صاحبه ، رائحة رجل تخطى مرحلة الشباب ، هو أب .. هو أب كادح  ، هي رائحة عطر يتصبب عرق ، رائحة عرق يفيض عطراً ،  اعرفها جيداً  ، تلك هي رائحته و لكن لِمَ رائحتهبأنفي ؟! لِمَ أتذكرها ؟!

التفت بهدوء ، لتقع عيناه في عينيها مخترقة جميع الحشود المرحبة به لتصل إليها و كأن لا وجود لمن حوله سواها , فيتأكدلهامعتقدها  ..

أوصلت عيناه بعض الرسائل ، بعضها مفهوم و الآخر ليس كذلك ..

" لم أره بمثل هذه الرجولة من قبل ، لم أرىبأنه بهذا الجمال و النقاوة .. لا يشبه غيره من الذكور ، انه ليس ذكرا انه رجل ، طفولي الابتسامة ، ذكوري بدقنه الخفيفة ، أب برائحته الطاغية ، وقفته كصمود ملك ضد كل من عاداه ، جريء بوقوفه مع الحق ، من أنت و من أين أتيت ، و لم أفكر بك "

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم - تتعوذ بالله لتعود بوجهها نحو دفترها المفتوح أمامها - .

ترسم بعض الخربشات ، لا معنى لها كان المهم أن تبعده عن تفكيرها بأي طريقة كانت ..

بعد انتهاء المحاضرة ، خرج الجميع ، انتظرته حتى يخرج ثم أخذت حقيبتها و خرجت ..ظهر من ورائها فجأة و  ناداها لكنها باعتباطية تجاهلته و كأنها لا تسمع .. واصلت مسيرها و ازدادت سرعة خطواتها ..

مرت عدة أيام و هي تتجاهله ، و تبتعد بشكل ظاهر للجميع ؛ كلما رأته في مكان ما ..

سحبه احدهم بعيدا عن التجمعات و اخبره بما قالته الفتيات لسناءكان هذا الشخصمرتبطاً بإحداهن وبالتالييعرف اغلب أسرار فتيات الحرم – يضربمقدمةرأسهبكلتا يديه بضربه تكاد أن تكون مسموعة ، ثم يضرب الجدار بقبضته بكل قوته ، تاركاً صديقه في حيرة من فعله ذاك ، يركض خلفها محاولا اللحاق بها و لكنه لا يجدها . لقد اختفت ، كاختفاء ضوء بطلعة شمس ، يضرب يده بالجدار مجدداً لتنزف دما ، يتوقف قليلا بصمت صنم و كأنما تذكر شيئاً .. يجري غير مبال بمن حوله ، غير مبال بيده النازفة ولا بجميع من يخبروه بذلك ، حتى يصل إلى درج بعيدة عن مرأى الجميع ..

ليجدها تجلس هناك لوحدها كما هي عادتها رآها فاتحة نقابها . فتوارى قليلاً ..

احم احم - قالها لكي تنزل نقابها - ..

- "  اعلم بما أخبرنك الفتيات ، و اعلمبأنك تحتقريني الآن ، كلامهن صحيح ولكن لم أتكلم بسوء عنك عند احد , و لم أتصرف بشيء يسيء لك عند احد اقسم بذلك ، أنا احبك ، و يمكن أن أتقدم لك الآن إن شئتِ ،  لكن ظروفي المادية لا تسمح بذلك ، فقط اصبري حتى انتهي من دراسة الجامعة ، يمكن أخطبك الآن أن وافق اهلك على ظروفي ، لا يمكن لرجل أخذك مني أنت لي و سأعمل المستحيل للوصول لك ..

إن كنتِ لا تريدينني قولي ذلك و لكن قولي ما السبب ، أقنعيني !

اقسمبأني احبك حب طاهر يخلو من كل ما تسمعين عنه ، لم أحببك شكلاً فأنا لم أرك ، و لم أحببك جسدا فهو الآخر يكاد لا يعرف تماماً ، و لم أحبك لمنصب ولا جاه , فأنا لا اعلم ابنة من أنتِ , و لم احبك طمعاً فأنا لا اعلم ما ورثتِ , أحببت خُلقاً ، أحببت تربية ، ولا أنكر أحببت عيناك اللتين لم أرهما أيضاً  ، لا اعرف كيف أصيغ كلامي ولا اعرف إن كنتِقد فهمته أو لا ، و لكن أتمنى أن يكون قد وصل لقلبك مثلما خرج هو من قلبي "

يقول كلامه هذا و هو يبكي حبا ،،

تقوم هي من على الَدَرج تستدير نحوه : أنا لست كباقي الفتيات اللواتي تعرفهن ؛ أنت أخبرتني بذلك مسبقاً ، ثم أن لي أخوه يمكنك أن تذهب و تخبرهم بذلك ، و سأصلي استخارة ثم أخبرك بعد ذلك إن كنت أريدك أم لا ..

هذا لا يعني انك ترفضيني ؟! - يقولها بفرح و هو يمسح دمعه - .

أخبرتك بما يجب ثم ستعرف أن كنت أريدك أم لا - تلحظه و هو يمسح دمعه و تكمل مستغربة - أتبكي ؟!

شادي الحساس ، هكذا تسميني أختي ، لا استطيع حبس دمعتي خصوصاً في المواقف مثل هذه ، ابكي كثيراً عليك أن تعتادي ذلك - يتكلم بفرح طفل برؤية أمه بعد يوم حافل بالمدرسة ،  حتىتكادلاتنتهي قصصه - .

تضحك و لم تبالي بـ - عليك أن تعتادي - ..

تنتبه لنزف يده و تتوقف عن الضحك : ما هذا -تصرخ بخوف - .

يبتسم : شادي العصبي ..

تخرج مناديل من حقيبتها و دون أن تنتبه تمسك بيده النازفة و تبدأ بمسحها ثم تأخذ قليلاً من الماء الذي كانت تحمله بيدها و تبلل المنديل و تعود لتمسح مجدداً ..

خائفة هي  ,  هائم هو في مكان آخر ،،

" يا لنعومتك يدك ، يد صنعت من قطن أم ماذا ، حرير شرانق تجمعت بين يديك ، جناح فراشات سكنت فوقهما ، ياليت لو أن النزيف لا ينتهي يا ليتك تعلمين بنزيف قلبي ، آه لو تمسكينه لأحسستِ بحبي لك .. "

  • ·       لم تسمع ؟! - تصرخ هي ..
  • ·       بصوت متقطع : آ آ ماذا لم تصرخين ؟
  • ·       لا اعلم أين سرحت و لكن انتبه لنفسك مرة أخرى " أرجو منك أن تذهب لطبيب قد يكون الجرح أعمق أو يكون هناك كسر ما " - تكلمه بعصبية و تهم بالخروج - ..

يتشمم يده بحب و صوت خافت يقول  : تخافين علي !!

تكمل طريقها و كأنها لم تسمعه " خوفٌ لا استطيع تفسيره " تحدث نفسها ..

تعود لقاعة المحاضرات و بعد دقائق يدخل هو ، يمشي بثقة نحوها ، الخوفبدأيعتريها و كلما زاد خطوة كلما زاد خوفها و زادت دقات قلبها دقة ، ضرب بيده المصابة بكل قوته فوق الدُرج الذي يسبقها حتى صمت الجميع و التفتالكللمصدر الصوت ..

لكن سرعان ما عاد الجميع لمهامهمو أكملوا حديثهم ..

تلتفت نحو يده لتراها نازفة مرة أخرى ، تشعر بألم بداخلها .. تجهل سببه ،،

يتقدم نحو درجها هي و منار ..

تصرخ منار ممازحة : رجاء لا تضرب هنا ، أشعر بصداع و ليس وقتا مناسبا لمزاحك الثقيل ..

يرد شادي ممازحا هو الآخر : حسناً ، اخبريهابأنتشرح لي ما فاتني من دروس ، و اخبريهابأنالأنانية ليست جيدة ، و لن اضرب الدرج إن وافقتْ ..

منار و قد فهمت سبب طلب شادي : حسناً هي موافقة ، اذهب الآن قبل أن تغير رأيها ..

لم تنتبه سناء لمحادثتهما بتاتاً فقد كان وجع يتملكها و خوف تجربهولمرة ..

منار : سنااء ،، سناء ..

سناء : هااه ماذا هناك ؟!

منار : أخبرته انك موافقة أن تدرسيه ما فاته من محاضرات ، بشرط أن لا يضرب الدُرج .. و هو قالبأنه لن يتزحزح إلا إذا سمع هذا منك مباشرة !

و لازال نظرها مسمراً على يده : و أن يذهب للطبيب حالاً ليكشف على يده و مدى إصابتها ..

شادي و منار مستغربأنلطلب سناء و جرأتها في قوله , تكمل غير مكترثة لمنظرهما : هذا شرطي الآخر ، إن وافق وافقت ..

شادي يكاد يطير فرحا : حسناً سأذهب مباشرة بعد المحاضرة ،

منار لا زالت غير مصدقة لموقف سناء ..

سناء بأسلوب أمر : لا الآن ، و يمكن إضافة هذه المحاضرة للقائمة ..

شادي و هو يركض : حاضر ، حالا ..

منار فاغرة فمها ..

سناء و هي تضع رأسها بين يديها و هو منحني للأمام : لا تسأليني شيئاً ولا تتفوهي بكلمة لاني نفسي لا اعرف ماذا يحدث ..

تمتمت منار بهدوء : عاشقة ..

نظرة مخيفة لم ينقذ منار منها سوى دخول المحاضر ،،

***

عدة أيام مرت على هذا الموقف هو ينتظر أن تخبرهبأنليس وراءها شيء لكي تشرح له ما فاته ، و هي تنتظر حتى يأتي و يطلب منها ذلك ، لم يتجرأ احدهما أن يبادر بالطلب ، هي أدباً و هو خوفاً من أن ترده ..

لم يكسر حاجزهما سوى منار التي بادرت بسؤال سناء  أثناء وجوده بالقرب دون علم سناء : كيف كان الدرس ،؟

سناء بعصبية و سخرية معا : لم يطلب مني ذلك حتى الآن ، أخشى أن يأتيني بوقت الامتحانات و يخبرنيبأنسيادته قد تفرغ لي ..

يقاطعها صوته : أنا كنت انتظرك أنتِ كي تخبرينيبأنك متفرغة ، لم أرد الإلحاح عليك ..

باستغراب و خوف سناء و منار ، و استغرابه هو ذاته بعد أن لاحظ ما فعل ..

منار : سناء متفرغة الآن ، ماذا عنك ؟!

تشعر بألم يسري في جسدها جراء ضربة موجعة من سناء لمنار من أسفل الدُرج ، وتحاول منار كتمان صرختها ..

شادي بفرح : اجل ليس لدي شيء افعله الآن ، دعيني احُضر ملازمي فقط ..

و نظرة أخرى فهمتها منار تماماً و انسحبت بهدوء مودعة كليهما ...

شادي و لازال الفرح يظهر على وجهه : هنا أم بالحرم ؟!

سناء بشعور لا يزال غير مفهوم : لا ، لا أحب الجلوس هنا ، فلننزل للساحة ..

- أي مكان معك هو جنة ولو كانت جهنم بذاتها - كلمات نطقتها عيناه دون أن تتحرك شفتاه ،

يجلسان ، تبدأ تقلب صفحات الملزمة أمامها ..

كيف أصبحت يدك ؟! - بصوتها اللامسموع كعادته تسأله و الخوف بادٍ على عينيها - .

يجيب بسعادة لاهتمامها : الحمدلله بخير ، كيف لا تكون بخير و قد لامستها الملائكة ، أتعلمينبأني لم اغسلها من وقتها !

تاركة كل ما بيدها ، و عيناها مفتوحتان لآخرهما : أتتكلم بصدق ، و لماذا ؟!

يضحك ساخراً من منظرها : ليتني استطيع ، لم أرد لرائحة الملاك الطاهر أن تذهب بزفار الماء و الصابون ..  و لكن لابد من الاغتسال ...

تبتسم بصمت مطبق لا يظهر حتى على عينيها و بخجل صارم: حسناً ، هل نبدأ ؟!

يهز رأسه إيجاباً دونما أدنى كلمه ،،

ساعات من الشرح الطويل ، بين شد و جذب ، بين خطأ و صواب ، بين مفهوم و آخر .. غارقة هي تشرح بأمانة ، و غارق هو بين حدقات عينيها متأملاً جمالهما الذي لم يعرفه من قبل ، كأنهما بحرٌيهيم به و هو الذي لطالما عشق البحر ، كل نظره تختلف عن سابقتها ، كل نظرة أجمل من سابقتها ..

نظرتها الأخيرة كانت نظرة قاسية : هااي ، أنت أتستمع لم أقول أم لا؟!

شادي يتأتأ بخوف بعد انقطاع حبال عشقه : اجل اجل معك  ، - و حاول استدراك الموقف و قبل أن تكتشف سره داهمها بسؤاله و دون أن يعلم ما الذي أمامه أشار حيثما وضعت قلمها تماماً - لكن لم استوعب هذه النقطة هل يمكن أن تعيديها ..

" ذكي هو " بينها و بين نفسها قالت سناء و هي تعلمبأنه لم يكن يعي حرف مما تقول ..

تكمل في عقلها " لا وقت لدي للأخذ و العطاء فلأكمل له ما يريد و ارحل " .. : حسناً ، - بسخرية و تهكم عرف المقصد من وراءه - لكن اسمعني جيداً هذه المرة ...

" انتهت فصول العشق بالنسبة لشادي ، و ياليتها كانت أطول من ذلك ، لم حل الخريف بهذه السرعة ، لم تمردقيقةعلى بقائنا معا ، كيف مر الشتاء بلمح البصر لم استطع ضمها بين أضلعي و أدفئها من صقيعه ، لم نشم رائحة بحر الصيف ، لم أهدها ورده الربيع بعد .. كيف لسنة تمر هكذا دونما أدنى احترام لحبنا ،،

أيتها الايام ، الم تسمعي بمسمى العشق ؟!

يجب عليك مراعاة العاشقين و التصرف دون أنانية ، لا يعنيبأنك تريدي أن تري مواليدك من فصول ، أن تخيبي ظن كل عاشق ، يجب أن تهتمي بكل مولودٍ على اقل من مهلك ، ربيه جيداً دون أدنى استعجال ، كي يتسنى  للعاشقين تربية حبهم و تنشئته نشأة صالحة لا تنتهي بافتراق ، فهمتني ؟! .. "

- اجل ، حسناً فهمت ذلك ،،

شادي ينهض من كرسيه فزعا و في عقله يقول " أكان صوت أفكاري عال ، يا الهي تبا ... "

ثم تنبهبأنها تحادث احدهم على الهاتف ، و علامات الاستغراب بين عينيها لمنظرة و فزعه من لا شيء - بنظرها - .

أغلقت هاتفها و نظرت له بمعنى " ما بك " .

سألها بتردد : متى رن الهاتف ؟! لم الحظ ذلك !

ضحكت بسخرية ضحكة عاد معها شادي للغرق مجدداً فهو لم يكد يسمعها من قبل ،

أكملت بعد أن أنهت ضحكتها السريعة - تتكلم بسرعة كأنما تشرح شيئسبق شرحه - : لم يرن بصوت فقد كان صامت و قد استأذنتكبأنأجيب و هززت برأسك موافقاً على ذلك ، هذا كل ما في االامر ، و لكن أنت لا اعرف ماذا حل بك اليوم ! ،،

يبتسم هو و ينحني رأسه للإمام قليلاً : و من يجلس معك لا يعرف هو نفسه ما حل به ، طاغ حضورك ، طاغية كلماتك ،

أرادت القيام لكي لا يتمادى ؛ فاستسمحها بالجلوس قليلاً ..

صامتة هي و يكمل هو بلكنة العاشقين : أريد أن أتقدم لك و بسنة الله و رسوله تكونين حلالي ، هل أنت موافقة ؟!

لازال الصمت يملؤها .. وجهاهما في اتجاهين مختلفين ..

يكمل و يعلو صوته قليلاً : أخبرتكبأنك لست مثلهن من قبل ، و أنا اعلم ذلك جيداً ، لو أردتالتسلية فلدي الكثيرات من يرمينبأنفسهن تحتي فقط لشكلي و مظهري ، هن لا يعلمنبأنعضلات صدري تلك ليست من نادي رياضي ذو الآلاف الكثيرة شهرياً بل هي من تعبي و شقائي طوال اليوم الذي أكاد لا أنامه ، لم أحبب إحداهن قط ، كلهن شبيهات ببعض ، يهملن المضمون لينظرن لعضلات صدر لم تغلق الأزرار عليها ، ولو علمنبأنني اشتغل في حمل أكياس الاسمنت وأحجار البناء نهاراً ، و بالحراسة ليلا ، لما التفتن لوجهي و لما أغراهن شعري و لما رأين عضلات تكتسح جسدي ، لو علمنبأني أعيل أمي و أخواتي الثلاث بعد أن توفي والدي ، و أني اكدح ليلا نهاراً لكي لا اجعلهن بحاجة لأحد لما رمين إلي أرقامهن و لا رمين بسلام حتى ، سطحيات ، مملات ، لا يعلمنبأنهناك في الكون ما هو أهم ، لن تستطع إحداهن فهمي ، أنتِ وحدك من تستطيعي ذلك ، نقية أنتِ من الداخل ، و من الخارج ، كنقاوة بلور لم يمس ، شفافة أنت كزجاج في وضح النهار  بالرغم  من السواد الذي يغطي جسدك فلم أرَ جمالا مثله ، و بالرغم من انكسار عينيك فلم أرَ بعينين شموخا مثلهما ؛ - عيناه على حافة الانهيار و الغصة تتراكم في حنجرته ، و لكنه حاول استجماع قوته فأكمل - لذا أريدك أنتِ ، و أريدك بالحلال ، أنا لا أتلاعب بك ولا بمشاعرك ، الآن يمكنني الذهاب لأبيك لأخبره بأني اريدك حلالي ، لكن أريد التأكد منك هل أنت موافقة بي ! و بظروفي ! -يسحب هاتفها من يدها ليكتب به رقم ما ، و يكمل - هذا رقم أختي اسمها  رنا ، يمكنك أن تكلميها بأي وقت شئت و تتأكدي إن أردت من كل كلمة أخبرتك بها ،،

( يا لجراءته أم وقاحته أم مدى عشقه ؟!! ) نظراتها كانت تدل على ما تفكر به ..

 كسرت حاجز صمتها بعد أن أخذت هاتفها من يده  لا شعوريا ، وحفظت الرقم باسم ( رنا شادي )  و نطقت بكلمات خفيفة بصوتها المخفي كعادته و يكاد يميل للبكاء : أولا أعانك الله على ما أنت فيه ، و لتعلمبأنك مأجور بكل ذلك ، فقد أوصى الرسول بآخر خطبة له بالنساء كما أوصى بالصلاة ، و لتعلمبأنكل ذلك في ميزان حسناتك ..

- أكملت بعد أن بلت ريقها برشفة ماء - ثانيا أبي متوفي أيضاً ، أو مفقود بالأصح ، بالحقيقة لا نعلم إن كان حي أو ميت ، ففي حرب أربعة و تسعين ، داهم من لا اذكر من هم ولا ماذا يريدون منزلنا و اخذوا أبي من طاولة الطعام التي لم نجتمع عليها منذ ذاك اليوم ، و ها أنا الآن تحت رحمة إخوتي ، أو مسؤوليتهم كما تحب سميها ..

فأنا لست سوى عبدة و جارية مملوكة لهم - أكملت و عيناها مغرورقتان بالدمع - ، رحمك الله برحمتك لإخوتك ، و أسعدك لإسعادهن ، أنت لا تعلم ما يعني هذا لهن ، و وقوفك بجانبهن دائماً ، و تغطية احتياجاتهن ، بالرغم من انك  تكدح لأجل ذلك ، أنا اعلم ماذا يعني لهن؛فأنا التي أعاني الأمرين من إخوتي الذين يمتلكون كل الإمكانيات لتلبية أقصى احتياجاتي و لكنهم لن يتنازلوا لسؤالي عن ' حاجتي ' ...

بحكم إنني فتاة يجب أن أنذل ألف مرة لطلب شيء ما ؛ و بالرغم من أنها أملاك أبي ولي الحق بها .

تضحك بسخرية ولازال سيل الدموع يغطي حواف نقابها و يبلله دونما أي رحمة : تعلمبأنأمي هددتهمبأنها ستحرق نفسها لو لم يدعوني أكمل جامعتي ..

بأندهاش يصرخ : ماااذا ؟!

أكملت ضاحكة بسخرية : اجل أنا لست مثلهن ، اختلف عنهن كثيراً ، و مشاكلي تسبق خطواتي ، إحداهن ستكون انسب إليك ، على الأقل لن تصدعرأسكبمشاكلها بعد عودتك من عملك - تهم بالقيام - .

يضع رأسه بين يديه : موافقة أم لا ؟!

لم تجلس, معطية ظهرها للطاولة و قد كانت ستبدأ بالمشي : لا لحية لك ، لا تلبس إزارا أوثوبحتى ، فهكذا أنت لست مسلم بنظرهم ، لا نقود في جيبك ، و من كلامك أيضاً يفهمبأنك ستسكنني مع إخوتك ببيت اهلك ، فهكذا أنت فقير معدم و الفقير  لا يحق له الزواج بي ؛ هذا سيكون رد إخوتي عليك ، اعرفه مسبقاً ،،،،

مبدئياً لا اعتراض عندي ، إن وافقوا صليت استخارة و القدر سيأخذ مجراه ، و أن لم فالقدر اخذ مجراه .

 مشت و تركته غارق في بحر من الحيرة ، يتأمل خطواتها التي لا زالت شامخة ، لا عجببأنها تزلزل  الأرض كلما خطت خطوة لا عجب في ذلك بعد أن علمبأنها مثقلة بالهموم ، مغلفة بالأسى ، مشبعة بالحزن ،،

***

جالس على حبات الرمل و يديه تحيطان بركبتيه كالطفل الخائف من شيء ما ، يتأمل البحر بعيون مليئة بموجات شبيه به ، ظلام دامس يلف المكان ، سماء تخلو من النجوم ، جو كئيب ، لا قمر يضيء المكان ، تائه هو دون القمر ، كبعض القوارب البدائية ؛ فمرشدهم قمر السماء ، و مرشدته قمر على الأرض ، وكلاهما غائب .

يقوم بغضب و كأن البحر اخبره شيء يغضبه ، نهض و بدأ بالركض على طول الشاطئ  الخالي سوى من بعض الأنفار هنا و هناك ، ذهاباً و إياباً  ، و هو يقول و يكرر بصوت عال تارة و منخفض لا يسمع تارة أخرى :

" لِمَ أنا هكذا دائماً ؟! لم الحظ يمشي بطريق معاكس لي ؟! لم كلما لحقت به إلى أعالي الجبال عبر من سفوح الوديان و إن لحقته للوادي ذهب ليبحث عن طريق مختصرة ؟!

 هي فقط من أريد ولا أتمنى سواها ، أشفق علي أيها البحر ، هي حوريتي التي أتمناها ، هي لؤلؤتي التيسأحافظ عليها ، أخبرني ماذا افعل ؟ ما الذي يجب علي فعله ؟!

فعلاً هم جهلة ، فعلا هم مستعبِدون في زمن انتهت به العبودية ،

 لِمَ لم يسأل عني بين أهل حارتي ؟!

أنا لا اقطع فرضا إلا و صليته بوقته و بالمسجد !

أنا بارٌ بأمي و ارضي أخواتي !!!

لِمَ لم يسأل عن خلقي ؟!

لِمَ نظر إلى لحيتياللاموجودة . فقط ؟!

لِمَ التفت لما في جيبي و لم يلتفت لمكنون قلبي ؟!

لِمَ يلتفت لبنطالي و لِمَاارتدي ؟! ألا استطيع أن أنافقه بردائي ! بلى استطيع ولكني لست بكاذب ، لست مخادع ، لست منافق !

و ماذا يقصد بأنه ربطها ؟؟؟

ثم كيف يربطها بكلمة دون أن يستشيرها ؟!

أما قال الرسول " لا تنكح البكر حتى تستأذن " !

كيف هو دينهم ؟! دينهم بلحية و إزار فقط ؟!

أهذا الإسلام   ؟! "

صرخة أخيرة سمعها ما بداخل البحر من أحياء  ، قوية صرخته كضربة رعد على ارض قاحلة ، حزينة هي كأنين رضيع أبكاه المرض ، يقف منكسر القلب ، ينوح بدون صوت ، نواحه اهتزت له جبال البحر و انكسرت موجاته ولم تصل لمأواها فوق رملاته ، حزينة لحزن هذا العاشق ..

انحنى متكئاً بيديه على ركبتيه ينهث ألما ، يختنق عشقاً ، يتصبب شوقاً ..

" لم أرد لها السوء ، أحببتها ، أهذا ذنبي أني أحببت و بالحلال أردتها ؟! ..    "

تصمت أفكاره .. صوت كسرات الموج هي المتحدث هنا فقط .. كأنها تخبره شيئاً ما ،،

فجأة و كأن الروح قد هبت به من جديد ، ابتسامة غلفت وجهه ، بسمة فرح ،

يتقفز فرحا ، يركض ذهابا و إيابا سعادة ، حركات بهلوانية فوق الرملات يقوم بها .. يصرخ :

" اجل ، اجل ، اجل ، اجل ، هذا صحيح ، كلامك صحيح .. شكراً شكراً .."

أغمض عيناه و تنهد بعمق ،

" احمد الله على ذلك ، أحمد اللهبأني لم اخبرهبأني زميلها في الجامعة .. لكان حرمها منها و حرمت أنا من طلتها .. يكفيني وجودك ، تكفيني أنفاسك في القاعة ، سأكحل عيني بسواد عباءتك ، و هذا يكفيني ،فشيءأفضل من لا شيء

الحمدلله الحمدلله .. "

- قطرات دمع سالت على خديه ، و سال هو بين انكسارات الموج و انكسار قلبه  - .

أخرجه من سرحانه اهتزاز هاتفه ، يخرجه من جيبه الضيق ،ولكنه  بعد أن وقف اهتزازه ، يخبط يده على رأسه بعد أن رأى " 15 مكالمة لم يرد عليها " .. فتحه ليرى أن 10 مكالمات من أهله ' رنا و ريما و رشا و هاتف المنزل '

3 مكالمات من ' كمال ' و مكالمتين من رقم غير معروف .

بسرعة كبيرة طلب رقم رنا بوجه خجل و كأنها أمامه : الو ، حسناً حسناً ؛ رنا أنا آسف و لكن لم أدركبأنالساعة وصلت الثالثة فجراً ، كان على الصامت ، هوعلى وضع الاهتزاز . و لكن لم أشعر به ، أنا على الشاطئ ، سآتي بعد قليل ، حاضر الآن سآتي حسناً حسناً .. الوو الوووو ...

انقطع الخط من الطرف اخر .. وأدركانهبمأزق،،

طلب كمال ، و لكنه لم يجب فعلمبأنه نائم ..

تأمل الرقم الغريب و لكنه لم يعول به كثيراً ..

أطفأ هاتفه و وضعه في جيبه مجدداً ، اخذ يمشي تحت ظلام الليل الدامس ، محاولا أن استشفاء طريقة ، يجر خطواته على عكس ما كان منذ لحظات ،

يصل إلى منزله أخيراً ، بعد عشرات من المكالمات من رنا للاطمئنان عليه كل دقيقة ،

رنا رأته من خلف ستارة على إحدى نوافذ البيت ، انطلقت تركض نحو الباب الرئيسي ..

يبحث عن مفاتيحه في جيبه الضيق تماماً ؛ فتح الباب تسحبه للداخل بقوة ، و بصوت غاضب و لكنه منخفض فالكل نائم : أين كنت حتى هذه الساعة ؟! اليوم يوم إجازتك ؟! الم تستطع إخباريبأنك ستتأخر على الأقل ، لقد كذبت على أمي و أخبرتهابأنلديك عمل اليوم ، لم هذه اللامبالاة ؟!

رد عليها بحضن دامع  و صدر يلهث ، و أنفاس تكاد تحرق كتفها ..

بخوف تردد بدون أي وعي و قد تناست فعله : شادي ، ماذا هناك ؟! ماذا حصل اخبرني ؟!

كل شيء على ما يرام ؟!!

أجلسته فوق اقرب كرسي وصلت له عله يهدأ قليلاً ..

" رفضني أخوها ، تعلمين لم ؟ لأنه لا لحية لي ؟

أطلق لحيتي ؟؟  سأطلقها ، و لكن هل يغفر لي ربي نفاقي !! و هل النقود تشتري السعادة ؟!

من أعطاه الحق لكي يخطبهاخرمنمن؟!!!!!! "

ظل يتكلم كثيراً و يعيد نفس الكلام عدة مرات و هي يبكي قليلاً و يبتسم قليلاً ، يسخر قليلاً و يشهق كثيراً ..

فهمت رنا الموضوع و لكن لم تتفوه بكلمة ، اكتفتبأنتربت على كتفه و أخذته من يده لتذهب به إلى غرفته ، لازال يتمتم بالكلمات ذاتها حتى وصلوا ، وضعته على السرير ولا زال يتكلم كالمجانين ولولا أنها تعرف أخاها لظنته سكران ..

أبى إلا أن ينام على حجرها كما اعتاد كلما واجهته مشكلة ما ، و لكن هذه ليست مشكلة ، هذا انكسار  قلبٍ  احب حقا ، انكسار رجل لأجل حفنة من النقود ، انكسار متدين لأجل لحية ، انكسار زوج لأجل مقايضات غير عادلة !!

ظلت رنا تحك له شعره حتى اطل شعاع الشمس على وجهه ، و هو يردد كلماته لا يغيرها ولم يسكته تعبه عن ترديدها ..

" أغلقي النافذة لقد آلمني ضوءها " ..

تضع رأسه فوق مخدة و باستغراب شديد  تقوم و هي تقول بنفسها " شادي العاشق للشمس و النهار ، آلمه ضوءها ، ما هذا الحب الذي ضرب قلبك دون مقدمات ولا سابق إنذار  كصاعقة بيوم لا ممطر ؟! ما هذه السرعة بالحبأخشى أن لا يكون حبا و إنما لان كل " ممنوع مرغوب " - تنظر إليه و هي تهم بغلق ستائر النافذة - و الله ما هذا السواد تحت العين إلا سواد عاشق ، كادح طوال عمرك ما اغرورقت عيناك و تغطت بالسواد هكذا يوماً ! و أنت من منعت عنك الدنيا كل ملذاتها و لقد زهدتها و لم ترغبها يوماً !

أخشى عليك الحب و جبروت صنيعه ، أخشى عليك أخي ، أخشى عليك "

***

" لا اعرف ما هذا الشعور ، غريب هو بالنسبة لي ، اشعر بالأمان  بجواره ، اعشق رائحته الطاغية ، هيبة عطره تطغى على القاعة و يطغى حضوره على الجميع ، كأن لا احد هناك سواه ، أراه هو فقطيجلس في مكانه أعلى المدرج و كأنه حاكم على رعيته ، لقد شعرتبأنقلبه مليء بالتعاسة ، لكنه لم يتعس يوماً ، و لم يعبس للحظة ، قلبي يرتعد فرحا كلما اقترب مني ، هيبته حينما يفتح لي بابا ، حنانه حين يسحب لي كرسيا ، كلها أشياء غريبة بالنسبة لي و لكنها تشعرني بشيء ما ، شيء غريب ، لم أألفه من قبل ..

الآن اعلم لم تحبين صحبتهم .. و لم تنهارين لوجودهم .. كنت أظنبأنكل الرجال كأخوتي ، لكن حين رأيته كيف لمعت عيناه و هو يتكلم عناخواته، لو رأيت كيف تنهمر عيناه دمعا و تفيض بسرعة كبيرة ، أدركتبأنإخوتي وحوش و ليسوا رجالا ، يظنونبأنالدين بغلاظه وجوههم ، و لكن حين رأيت ابتسامته و بشاشة وجهه ، و إمامتهلشباب القسم في صلاة الظهر ، و تلاوته الناعمة  و حفظه للقرآن و تجويده .. أيقنتبأنلا علاقة لإخوتي بالدين  و أن كل ما ابتدعوه من دين قائم على عادات و تقاليد ؛ عائد لهم في نحورهم ،

لِمَ يرجف جسدي برؤيته ، لِمَ ينتفض قلبي لقرعة حذاءه .. لِمَ لم ؟!!

استغفرت كثيراً و استعذت بالله من الشيطان كثيراً و استخرت كثيراً ، كي أتخلص من هذا الإحساس ..

لكن لم استطع ذلك ..

لا أظنه حرام !! .. لا أظنبأنالحب حرام .. لا أظن ذلك حقاً ، لم افعل شيئاً خاطئا ، الحب أسمى المشاعر الإنسانية و قد حث الله و الرسول عليها ، الحب معروف منذ الأزل ، ولا خطأ فيه ، جعلوه خاطئاً حينما شوهوا صورته الجميلة ..

أحبه ، اجل أظن هذا أحبه و سأظل أحبه ، و ساعدوا الله أن يجمعني بما يحب و يرضاه لنا ،، لن أتنازل عن حبي له ، و لكني أيضاً لن أتنازل له عن أخلاقي لاجله ....

لا تقلقي علي لازلت سناء التي تعرفين ،،

بالمناسبة اشتقت إليكِ، و لا أريد للغيرة أن تأخذ مكان في قلبك ، حبك أنتِلا يمكن لأحد أن يصل إليه ؛ و لن أهملك أبدا فلا تخافي ..

   إلى اللقاء حبيبتي .. "

أغلقت دفتر رسائلها و ضعته مكانه و ذهبت لتستلقي قليلاً فوق سريرها علها تستطيع النومقليلاً ..

***

يدخل عليها و بيده أمه ، و يبدو التوتر عليها ، مما أخاف سناء التي انتفضت فوق سريرها خوفاً ،،

سناء : ما الأمر ، أكل شيء على ما يرام ؟!

صلاح : اجل كل شيء على ما يرام ، و أفضل بإذن الله ، في الحقيقة تقدم لك احدهم و وافقت ، و أظنه مناسب جداً لك ، إخوتي موافقون أيضاً و سيأتي ليخطب رسمياً حالماتُنهي هذا الفصلوبالمناسبة هو لا يمانع دراستك ،

تراقصت نبضاتها و احمرت وجنتاها خجلا ,  تفتح شفتيها اللتان كادتا أن تكونا متلاصقتين : من هو !

صلاح : اعتقدبأنك تعرفيه ، انه مرتاح مادياً ذو مركز مرموق ، و لي علاقات و مصالح معه .

هي بتوتر و قد بدأت الصفات تختلف عن ما كانت تتمنى : من ؟!

صلاح : سعيد صديقي ، انه ذو علم و دين ، كما انه يمتلك سيارة و بيت ، سوف تهنئين العيش معه ..

تقفز من فوق سريرها و تصرخ : ماذا عن الخُلق ؟!ألا يعني لك شيئاً ؟ثممن أخبركمبأني أريد الزواج ، أريد أن أكمل جامعتي و بعد ذلك يمكنني التفكيربه ، أما الآن لا أريد ذلك ، وماذا يعني أن كان إخوتي موافقون أم لا ، الأصل أن أوافق أنا فأنا من طُلِبتُ للزواج لا هم ..

أسكتها بكف كادت تنخلع رقبتها لقوته و بهدوء أكمل و هو يخطو خطواته نحو الباب : و منذ متى للمرأة رأي أو حق بالموافقة ، بالغد سوف اجعله يأتي لخطبتك رسمياً ، و سأطلب منه جزء من المهر أيضاً لأربطك به تماماً ..

" يربطني به ؟! ، بهيمة أنا اربط بعمود احدهم كي لا أتحرك ؟! ، أين انتم من شادي ؟!

هو يضحي بنفسه لأجل أخواته و انتم تضحون بأختكم الوحيدة لأجل مصالحكم "

ظلت تهمس لنفسها و هي بحضن أمها تبكي ..

خرج و خرجت معه كل أحلامها الوردية التي بنتها منذ لحظات .. قصرها ، غرفتها البيضاء .. كله انتهى ..

أي غيلان انتم ، أي وحوش انتم ، أي نوع إخوة انتم ؟! عاقبكم الله بمعاقبتكم لهذه المسكينة عاقبكم الله ،، - تصرخ الأم معاتبة أولادها - .

تفز من حضن أمها ، تأخذ رشفة من الماء ، تمسح بما تبقى منه وجهها ، تنشفه بمناديل ورقية وضعت بجانب سريرها ،

" لن أتنازل عنه ، لن أتنازل  " ظلت تمتم سناء بها ، تحت نظرات الأم المستغربة ..

أمي لا تخافي علي أنا بخير .. هيا يمكنك الذهاب لغرفتك , سأنام الآن وليزوجوني غدا لمن يريدون ، لم اعد اهتم .. - و اندست تحت بطانيتها دون أن تنزل لها دمعة أخرى - ..

و خرجت الأم من الغرفة بعد أن أطفأت الضوء ، حاقدة على أبنائها ، مشفقة على ابنتها ..

 

 

 

***

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل السادس  :

صباح يوم تعيس لكلامهما ، حتى الشمس لم تظهر ، العصافير لا تزقزق لا تزال نائمة ، فقد مات حب لم يولد بعد ، فلِم يزقزقوا ؟! فليناموابأنتظار عاشقين جدد ، يؤد حبها أيضاً في هذه المدينة المعتوهة ،

انكسار قلبه ، و اتقاد نار الجبروت في صدرها , معلنا العصيان قلبها .. تناقض عجيب ..

في الجامعة ..

يسترق نظرات كلما سمح له الوضع ، هي تتنفس عطره كل ما اطل بمكان ..

لم يجتمعا أبداً منذ ذلك اليوم ، الحزن يغلف عينيه ، و الثأر يغلف عيناها ،،

انتهت محاضرة .. الجميع يهم بالخروج فلديهم محاضرة في مكان آخر بعد نصف ساعة ..

منار : هيا سناء سنذهب لحجز أماكن لنا في القاعة الأخرى ثم سنذهب لنتناول شيئاً ما ..

سناء بتعب : لا لا استطيع الذهاب أحس بإرهاق ، اذهبن سألحق بكن حالما تبدأ المحاضرة الأخرى و قد لا أدخلها ، لكن على أي حال احجزن لي مقعداً ..

منار و الفتيات : سلامتك ، حسناً ، وداعاً الآن ..

خلت القاعة تماماً ، عدا من سناء التي أحست بذلك فرفعت نقابها لتتنشق رائحته قليلاً قبل أن تنتهي .. " الرائحة قوية جداً ، تكاد تخترق انفي لقوتها ، و كأنها بجواري ما أجملها ، ياليتها لا تنتهي ، ليتني استطيع أخذها معي للمنزل فتنسيني غيلانه "

" ما هذا ؟!!!! "

أخرَجَتها من أفكارها صرخة من صوت تعرفه ، تنزل نقابها بسرعة لتلفت ناحية الصوت ..

" منذ متى و أنت واقف هنا ؟! " تكلمت هي بتوتر ..

يحاول رفع النقاب عنها وهي تحاول إنزاله ،

- لايحق لكفعل هذا ..

- بلى يحق ..

- اجننت ، ابتعد عني ..

- لا لم اجن و لكن ......

و أخيراً يتمكن من رفعه للأعلىبقوة ويصرخ : مجنون هو من فعل بك هذا ، مجنون من آلم وجهك البريء ..

يعود ليكمل صراخه :  من فعل هذا بك ،لن يطلع عليه نهار الغد  فقط اخبريني من ؟!!!!

لم تنزل نقابها ، فقد أحست بحنان أب لم تشعر به من قبل ، لا تتخلله شهوة شبابية ، هو أب . هو أب ، و بالواقع أرادت حضنه ، أرادت أن تنساب بين عضلات صدره الناعمة أرادت ، أن تهيم بين ثنايا جسده ..

جلس فوق الدُرج المقابل لها، بيد تقطر حناناً بدأ يغمر وجهها ، و يلامس الأثر الذي عليه بلطف ، عيناه تمتلئان بدمع مكابر ، و بصوت يفيض حب : اخبريني من فعل بك هذا فقط اخبريني ..

هي وقد سال الدمع على يديه و قد غرس وجهها بينهما : صلاح ..

هو باستغراب : من صلاح ..

هي و يزداد بكاء صوتها : صلاح من يعتبر أخي ، البارحة دخل لغرفتي واخبرنيبأناحدهم خطبني منه و انه قد وافق - و كأن سكين غرست في صدره مجدداً و هو الذي يعلم الأمر مسبقاً ، لكنها أكثر إيلاماًأن يسمعها منها , كان يتمنى لو انه يتوهم , كان يتمنى لو انه لم يكن حقيقي , كان يتمنى لو كانت له  - و عندما أخبرتُهبأني غير موافقة و صرخت بوجهه ، قام بإسقاطمصقلةإعدام صوتي ،،

شادي بحزن : أنت لي ، لا احد سيأخذك مني ، لنهرب بعيداً عنهم و س ...

سناء تعنفه : لا تكمل ؛ أحببت أخلاقك و لم أتوقع منك قول شيء كهذا ،،،

شادي و تراقصت عيناه فرحا : أحببتني !

تيبست في مكانها حتى أن دموعها تجمدت ،  وقد أحست بعظم ما قالته و لكن تقوت على نفسها : اجل ، أحببت ، و لكن لا للحب مكان في دينهم المبتدع ..اليوم خطبتي .. سيحددون موعد زواجي بعد الامتحانات الفصلية .. نار  تشب في صدري و اعلم أنها بصدرك أيضاً ، و لكن قدر الله ، و ما قدره الله لا يمكن أن يرد و اتمنى ان لا تتواجه مع اخوتي ولا تتسبب بالمشاكل لي و لك ,,,

أنزلت نقابها و مشت باتجاه البوابة ..

- تقدمتُلكِ ،

تجمدت هي مكانها كأول مرة سمعت صوته من خلفها ، كأن الدم توقف عن السيلانفيعروقها ،و كأن الأرض توقفت عن دورانهالكن كل ما فيها يدور ...

 - أكمل - ذهبت لمحل أخيك و أخبرتهبأني أريدك على سنة الله و رسوله و لكنه باستهزاء اخبرنيبأني لا لحية لي فلا أصلح لك ، لا ارتدي الإزار فلا أصلح لك ، - يبدأ صوته يتعالى في القاعة التي يزيد صداها علوه أكثر فأكثر - لا امتلك المال فلا أصلح لك ..

لا يعلمونبأني الوحيد الصالح لك ؛ فأنا امتلك قلباًبالفعل احَبَكِ - يتحشرج صوته و تخرج الكلمات من فم باكٍ - بالفعل احَبَكِ ،

يبتسم احد جانبي فمها و بضحكة مليئة بالسخرية و الحزن : أخبرتك بكل ذلك ؛ غيلاني وأنا اعرفهم جيداً .

 -يكمل هو بصراخ - أنا احبك وأنتي لي ، لا أتمنى سواك و لن يأخذك سواي فلنهرب سوياً ، سناء فلنهرب ..

أكملت مشيها و أغلقت الباب خلفها و تركته يغرق في بحر من الألم ، و غرقت هي في بحر من الحيرة بين الثأر لسنين من العبودية ، أو الانقياد لأمرهم هذه المرة أيضاً و استقبال سنينأُخرمن الألم ..

بعد رقم من الايام  ..

تجلس على عتبة إحدى بوابات الحرم ، و صداع قوي يملأ فراغات رأسها ، تكاد عيناها تقطر جمراً ، حمراوين كحب الرمان خديها ، أرادت أن تخبرهبأنها تتمناه هو لا سعيد ،تتمنى أنتهيم بين أحضانه هو لا سعيد ، تكون زوجاًله هو لا سعيد ،،

" سناء " .. تسمع اسمها يتردد عدة مرات فينقطع حبل عشقها ، اعتقدتبأنها تتوهم فعادت لتلملم زجاج عشقها المكسور ، و يعاودها الصوت مجدداً ، " سناء ، سناء " ..

تلتفت بسرعة و خوف لتجد خلفها فتاة لم تعرفها من قبل ، ترى في عيناها شيء من سلمى ، لا شيء يشبه سلمى و لكن روح سلمى تدور بين عينيها ، فزت من مكانه دون أن تشعر ، أرادت أن تغمر الفتاة بين أحضانها ، لولا خوفها من رد فعلها .

تشرع الفتاة بالتعريف عن نفسها ، و لكن يرن هاتفها ، تستأذن الفتاة سناء لكي تجيب ،

" الوو ، اممم اجل وجدتها ها هي أمامي الآن ، حسناً ، وداعاً "

أغلقت الهاتف ، أمسكت يدا سناء و أجلستها ، و نظرات الاستغراب و الشوق و الدمعيتجولانبعينيها ، رفعت الفتاة نقابها بعد أن ايقنت بأن لا احد يراهما،  فأيقنت سناءبأنها الفتاة ليست سلمى ولكن لازالت روح سلمى تلوح في المكان ،

ابتسامة لا تفارق وجهها البريء ، فابتسم قلب سناء معها ،،

بادرت الفتاة بالحديث : "اسمي رنا ، و أنا أخت ... "

قاطعتها سناء بعينان مفتوحتين على مصراعيهما : شادي ؟!

ابتسمت رنا : امممم اجل أنا رنا أخت شادي ، شادي المتيم بك ، العاشق لك ، مجنون سناء ، قيس هذا العصر وأنتي ليلاه ،

خجل سناء ازداد و أنزلت رأسها قليلاً ، رفعته رنا بابتسامة ماكرة ، و أكملت : لا تخجلي ، اقسم لكبأني ما رأيت شادي قط على هذا الحال ، شادي بالرغم من كل ما مر به ، لم نر العبوس في وجهه إلا أنني منذ عرفك ؛ لم يرد أن يعشق بيوم فقد " وهب حياته لنا " مثلما يقول ، و لكن شرك العشق كان امكر منه ،

تقاطعها سناء بزعل : اتعنينبأني دمرت حياتكم و حياة أخيك ؟!

رنا بسرعة ترد : لا لا لا لم اقصد هذا و لم اقصد ما فهمته ، شادي يحبك و يحبك كثيرا لا تعلمين لأي حد ، و ما اقصده أن شادي لم يقصر بيوم تجاهنا كما انه حُرِم من الكثير و الكثير لأجلنا و مع ذلك لم يتأثر بيوم ولم يحزن أبدالخسارته لشيء ، سوى خسارته لك ، و لهذا أنا هنا ؛ أريد أن اعرف كيف يمكنني أن أعيد السعادة التي كانت لوجه أخي ، لا نستطيع العيش مع شادي و هو بهذا الحزن ، اعتدنا عليه بشوش ، مزوح ، و الآن لا نعلم أن كان حي أم ميت ، - و كأن الدمع بدأ ينهمر من عينا رنا و الصمت لازال يحف سناء ؛ أكملت رنا - ،،

دقائق من الصمت استمرت ، بعدها بدأت سناء بمسح عيني رنا،

 قائلة : أحب شادي ، أحبه حقا ،،

اقسم لكبأني لم اشعر بهذا الشعور تجاه أحد غيره أبدا ، لم اشعر بميل لأحد سواه  ، و لكن لا أظنبأنه كتبت لي السعادة في هذه الحياة .

رنا : و لكن من حقك أن تختاري شريك حياتك ، و أن تقبلي أو ترفضي من وافق عليه إخوتك ، هذا ما اقره الدين لك ..

سناء ساخرة : دين ؟! أي دين تقصدين ؟!

دينهم ليس سوى لحيةو لك ان تسألي شادي لتتأكدي ، لا يعلمونبأنالدين خلق ، و أن الدين معاملة ؛ ماذا تتوقعين من من يعاملون أمهم و أختهم كجواري اشتروهم من سوق العبيد ، لا زالوا على دين الجاهلية ، لازالوا يئدون الإناث و لكن باختلاف الأساليب  ..

رنا و علامات استغراب و استفهام تزاحمت على جبينها : كل هذا ؟!!

 ضحكة ساخرة أخرى من فم سناء : اجل و أكثر .. لكن اقسم لكبأنبحياتي ما أحببت رجل قط سوى شادي ، بالحقيقة لازلت لا اعلم أن كان هذا الشعور شعور حب أم شيء آخر و لكن المهمبأني لم اشعر به سوى مع شادي ..

رنا بسعادة و مكر : ماذا تشعرين تجاهه !

سناء و قد انحنت للإمام خجلاًو احمر خديها : اشعر بحاجتي إليه ، أريده موجود دائماً ، حاضر في كل لحظة ، اعشق رائحته ليتني اعرف ما هو العطر الذي يستخدمه ...

تقاطعها ضحكة من رنا .. و تكمل رنا : بالحقيقة لن تستطيعي ذلك ، يمكنك أن تسألي عن أي شيء في حياة شادي إلا هذا السؤال ..

سناء باستغراب : و لمَِ؟! اهو سر ؟!

رنا و قد عادت ضحكتها مجدداً : لا . و لكن في الحقيقة شادي لم يشتر عطراً  قط ، يأتي لغرفتنا و يذهب للعطور و يبدأ بالاستحمام بها ، وإن كانالعطرلإحدى إخوتي فتقوم معركة ، و هكذا كل يوم ،  و إن ذهب لصديقهكمال صديقه تحمم بما لديه من عطور هو اخر ...

سناء ضاحكة : حقاً ؟!

تهز رنا رأسها بإيجاب ..

سناء بعد ان أخذت نفسا طويلاً ، و كأنها تستنشقه من بين ذرات الهواء : و لكن رائحته يغلب عليها طابع ذكوري ، رائحة عطر تخترق الأنف عنوة ، لتستقر في القلب دونما اي استئذان ، و لا تختلف الرائحة مطلقاً هي ذاتها كلما حضر ..

تصفق رنا : ايتها العاشقة ، رائحته تلك أنتي فقط من تشمينها  بهذه الطريقة ، لانك تحبيه ، فلا تشتَمين شيء سواه و لو كان بحضور الملايين ، فأنت تشمينههو لا رائحة العطر ..

تبسمت سناء بخجل حزين : سواء احببته ام احبني ..لن نتمكن من تغيير الواقع ..

تربت رنا على كتفها : الخير فيما اختاره الله ..

يقطعهما شيء ما افزع الاثنتين واستقر في حضن رنا ، لم تستطيعا استيعاب الموضوع سوى بعد عدةلحظات،شادي " تقول رنا و هي تضرب على كتف شادي بقوة  ..

- تكمل - افزعتنا ، الن تكبر على تصرفاتك الصبيانية هذه ؟

شادي ضاحكا : لا . الان اخبراني ماذا كنتما تفعلان ؟!

رنا بسخرية : نخبز ..

شادي يتصنع الضحكة : ها ها ها ها ، ايتها المملة ، لا أريد منك شيئاً حبيبتي ستخبرني ، 'حبيبي' - و يقصد بها سناء - اخبريني ماذا كنتما تفعلان ؟!

لم تعنفه سناء و كأنما اعجبتها كلمة حبيبي منه ، او انها لم تنتبه لها ، بل تاهت في نظراته لها ، " كم هما بريئتان عيناك "

سناء بصوتها اللامسموع المعتاد و انضافت عليه كمية خجل مهولة ظهرت في حدقة عينها ، تكاد تقفز منها : لم نكن نفعل شيئاً ، كنا نتكلم فقط ..

قاطعتهارنا : و لا تسأل عم كنا نتحدث ، فتاتان و تتحدثان فما شأنك انت ..

يقول ساخراً و هو يبتعد من حضن رنا : اتعتقدينبأنك فتاة ،؟؟؟

 ثم ركض هارباً ...

تضحك الفتاتان ، و تضحك سناء ضحكة لم تألفها ، ادمعت عيناها ضحكاً ، لم تعتد رؤيةمشاعرالاخوّة هذه ، لم تعتقدبأنها موجودة في الاصل ، لم تعلمبأنالذكور كائناترائعةالجمالكاملة الحنانان ارادت ، و انهم كالاطفال متى ما احبوا ، و كاليتيم متى ما ضاع منهم هذا الحب ، ما اجمله ، و ما اقربه لقلبي ..

"لا أريد سواه ، لا اتمنى غيره ، لن اتحمل فراقه .. "

تعود الفتاتان للكلام مجدداً ، كلام عن الجامعة ، كلام عن البيت ، مشاكل سناء ، مشاكل شادي ، هموم رنا الجامعية ... اختلفت المواضيع ....

سناء بهدوء : حين رأيت عيناك اشبهتك بأغلى من لدي ..

رنا بمكر : شادي ؟!

سناء تبتسم خجلا لم يكد يفارقها يومها : لا بسلمى ..

" سلمى مجدداً .. حقا أريد معرفة من سلمى هذه ؟! " - قاطعها صوت و يد ممدودة امامها ممسكة بعصير ..

رنا : شاادي و ما شأنك انت ، ثم ما الذي جاء بك مجدداً ؟!

شادي وهو يعود لمكانه اسفل درجة من رنا و وضع دقنه على فخذها و هو ينظر لسناء ولم تفارقها نظراته لحظة  ..

" حقا انتم الفتيات لا تجملون ، احضرت لكم شيء يبل ريقكم ، الذي اعتقدبأنه جف من كثر الحديث " قالها بتهكم و هو يعدل رجلي رنا ..

رنا بسخرية : منذ ثوان لم اكن أنثى و لم اكن فتاة ..

شادي و هو يمسك بخدها بين اصبعيه : و ان لم تكوني انت فتاة ؟!  و ان لم تكوني انتسيدةالأناث فمن ستكون ؟!

تبتسم رنا و تضربه فوق رأسه : متملق ..

ثم تمد العصير مجدداً لسناء ..

شادي بحماس :  هياا هيا اخبرينا ، من هي سلمى ؟!

سناء تضع العصير جانباً و قد بدا الحزن على عينيها ، و الكدر اكتسح نقابها : سلمى رحمها الله ، كانت اغلى من روحي ، من المفترض انها صديقتي ، و لكنها اغلى من الاخت بالنسبة لي ، لم اعتقدبأني سأكمل حياتي يوماً دونها ، فأنا هي و هي أنا ..

كانت سعادتي الوحيدة في الدنيا ..

شادي و قد ازداد حماسه و ظهر عليه الحزن كذلك : و لكن كيفماتت؟!

سناء : خطأ طبي ، لا سامح الله من كان له ذنب في ذلك - تدعو بحرقة ، و دعوة مظلوم - ..

شادي و رنا : رحمها الله ..

أكملت بعد أن أخذت رشفة عصير و بحرقة و صوت متحشرج :  وقعت من فوق الدرج و هي تحمل كؤوس زجاجية ، فانجرحت قدمها جرح كبير و عدة جروح صغيرة من الزجاج المتناثر  ، نزفت كثيراًً وقدكانت تعاني منفقر حاد بالدمفكاد أن يغمى عليها ، احتاجوا أن ينقلوا لها دم  فأعطوها دم غير دمها ، كان قد تبرع به احدهم لإحدى النساءخرجت من عملية قيصرية ، ظنوابأنه لها ، و لم يستطع احد إنقاذها ، لا احد لا احد ... تَألمَت كثيراً ، لم استطع فعل شيء لها, لم استطع .. - بدأت تتكلم بهستيريه و قد تناثرت الدموع و أغرقت نقابها - ظنوابأنه لها ، ظنوا ، كيف لفصيلة (- O) أن تشبه غيرها ، كيف لهم أن يظنوا ، نادرة فصيلتها كندرة سلمى ... نادرة هي و لن أجد مثلها ، تَألمَت ، تَألمَتكثيراًاعلم ذلك ..

أبعدت رنا شادي من فوقها و حضنت سناء ، التي كانت تبكي بألم ، ركض شادي و احضر لها بعض الماء و حاولوا تهدئتها ..

رنا : رحمها الله  ، ادعي لها بالرحمة و المغفرة ، لا تبكي و ادعي لها و ادعي الله أن يجمعك بها في جناته ..

سناء تتمتم : لم يدعني إخوتي أن اذهب لرؤيتها في المستشفى ، رحلت و لم أكن بجانبها ، توَجَعتو لم أكن ممسكة بيدها ، ليت الموت أتاني و لم يأت لها ..

رنا بغضب : استغفريربك ، لا راد لأمره ولا لقضائه ، عمرها على هذه الأرض انتهى و كلنا بها لاحقون ،

شادي لازال صامت ، نادماًعلى سؤاله ، تضربه رنا ضربة قوية على كتفه ، شعرت بها سناء و سمعته و هو يتألم .. فتبتعد من حضن رنا و تقول بخوف غاضب  : لم ضربته ؟!

رنا : لأنه قلّب مواجعك ، و جعلك تبكي هكذا

سناء بدلال : لا تضربيه مرة أخرى ، رجاءً لأجلي ..

رنا و قد ابتسم جانب شفتها و رفع حاجبها : اهااا ، أنا راضي و هو راضيفما شأنك أنت يا قاضي ، حسناً لا شأن لي بك ، و لكن تذكريبأنه لا يؤتمن و ستأتي لي يوما ما تبكي ندماًمنه ...

يضحك الجميع من بين حزن ..

شاديممازحاً و يحاول تلطيف الجو قليلاً : ألا تعلميبأنالرجل لحبيبته عكس ما هو لإخوته .. فلا  تتوقعيبأنتشتكي سناء مني يوماً ..يبتسم الجميع ..

" ألا تدرسا أنتما ؟! أين زملائكما لم أرى احد منهم ؟! " تصرخ رنا باستغراب

يضحك الاثنان و يقولان بصوت واحد : بالمحاضرة ،،

رنا : و لم أنتما هنا؟!

شادي : أنتِمن اشغلنا ..

سناء : حقيقة لا أريد أن أتركك ، و لأول مرة منذ رحيل سلمى اشعربأنلي عائلة ،

ابتسم شادي و رنا ، و بدأ شادي بتعديل ياقته : بالحقيقة لن تحتاجي أياًمنهن لا رنا لا ريما ولا حتى رشا .. و من يحتاج لرشا أساساً ؟! المهم لن تحتاجي لهن ..

رنا تضرب شادي على رقبته : لا تتكلم عن رشا هكذا .. وتلاحظ نظرة الخوف و الاستغراب على وجه سناء - امممم اعتذر لأني ضربت قيسك ، ولكنرشا هي آخر عنقودنا ، سكر البيت ..

شادي : تقصدين فلفل البيت ..

يضحكون و تلاحظ سناءبأنرنا تريد ضربه مجدداً : اضربيه الآن يستحق ذلك ..

يركض شادي بعيداً و هو يصرخ :  لا أمان للنساء لا أمان لكنَّ ..

تضحك الاثنتان لثوان ثم يبدأ الغم يظهر مجدداً على عيني سناء فتبادرها رنا : لا تحزني ، و تذكريبأنالخير فيما اختاره الله لك ، اعلمبأنأخي يحبك و يحبك جداً ، و لكن قد تكون سعادتك معذاكالشخص .. لا تحزني ..

" و لكن أحب شادي " سناء تقاطعها ..

رنا تكمل : و شادي يعشق التراب الذي تمشين عليه ، و إن كنت نصيبه وهونصيبكفتأكدي بأنكماستجتمعان ولو بعد حين .. بإذن الله ..

سناء : بإذن الله ..

***

بنفس  اليوم خُطِبت هي .. لكنها لم تهتم ، و لم يعد الحزن موجود في عينيها ، سعادة عادت لها كما كانت في عهد سلمى ..

مستغربة الأم لابنتها ، فظنتبأنها كباقي الفتيات ستفرح لأنها خُطِبت ، و ستتباهى بذلك ..

لكنلم تلحظ انابنتها حتى لم تلبس الدبلة التي احضرها لها عريس إخوتها ،

قلبها امتلأ بحب شادي و شادي وحده لا سواه ،

أخذت دفتر رسائلها الذي لم تزره منذ حين ، صحيح أنها كانت ترسل رسائل قصيرة جداً يومياً فقط لكي لا تفتقدها سلمى ، لكن لم تكن قادرة على شرح أوجاعها لها لكي لا تتألم هي الأخرى ..

" حبيبتي سلمى ، اشتقت لي اعلم ذلك وأنا أيضاً اشتقت إليك كثيراً و لكن مرت علي أيام  تعيسة حقاً ،و لم أشأ أن أشغلك بي  و اقلق راحتك ..  الحمدلله الآن كل شيء صار أفضل ،

بالمناسبة انخطبت  ، لا تزعلي مني لأني لم أخبرك ، لكن أنا نفسي لا أريد هذه الخطبة ، و لهذا كنت متكدرة طوال تلك الفترة ..

دعك من أمر الخطبة الآن و دعيني أخبرك شيئاً ، وجدت واحدة تشبهك ، لا لا تشبهك فقط لها نفس عيناك ، اشعر بروحك بداخلها ، لا تمت لك بصلة ، فهي ليستبجنونك ، عاقلة جداً هي عكسك تماماً ، و لكن بها بعض من حنانك و خوفك علي ، هو ذاته رأيته في عينيها و خوفها على أخيها ..

بالمناسبة أخوها هو شادي ، ممممم أخبرتك عنه من قبل ،

لا أريد أن أرى تلك الغيرة في عينيك مرة أخرى ، تعلمينبأنك الحياة بالنسبة لي ..

ماذا عن شادي ؟! ماذا عن رنا ؟!!

 ماذا عنهما ، لن يأخذ احد مكانك ، لا تخافي ، لن يشغلني عنك احد بن يأخذني منك احد ،

هيا حبيبي اضحكي ، لن تفرحي لفرح سناء ؟!

اعشق ابتسامتك هذه لا تحرميني منها...

هيا اخبريني ما وضعك أنت ؟!  "

ثم أغلقت دفتر رسائلها و كأنما تلقت الإجابة ..

***

" ازددت تقربا من شادي ، اعشق التواجد معه في مكان واحد ، لا اعلم لِمَو لكن ما اعلمهبأني أتمنى أن يجمعني به بيت واحد ،

اعشق هيبته ، اعشق إصراره ، اعشق التعب أسفل عينيه ،

حين نجلس سويا فوق طاولة ما ، اشعربأنها تذوب هياماًبه ، و حين يضع رأسه عليها ، احسدها .. أتمنى لو كنت أنا لا هي أتمنى لو أني احرقها ، أتمنى لو يتوه رأسه على حجري أنا ،  و تتوه أصابعي بين شعره المنكوش ، لو تعلمي يا سلمى كم اعشق حين ينكش  شعره عندما يتوتر ، أحس بقلبي يغرق في دموع من الضحك لشكله ..

لا يا سلمى ما بك أمجنونة أنت ؟! لم يرى وجهي منذ ذاك اليوم ..

بلى نلتقي كل يوم جامعي ، و نجلس بعض الأحيان نذاكر دروسنا معاً ، و يحدثني عن عمله و إخوته ..

بالمناسبة تعرفت أيضاً على أختيه  ريما و رشا .. رشا هي الأصغر جريئة مثلك تتكلم كثيرا مدلـلة بعض الشيء ، لا تبتعد من حضن رنا شبرا واحدا ، أما ريما فهي مختلفة تماماً فهي عقلانية و حازمة بعض الشيء و لكنها طيبة جداً بالحقيقة كلهن طيبات ؛ لا لم اذهب إلى منزله يا مجنونة و لكن جئن إلى الجامعة الأحد الماضي ،

اعتذر حبيبتي و لكن انشغلت بالاختبارات فنسيت أن أخبرك ، سامحتني ؟!

حبيبتي أنتي ... اعلمبأنه لا يوجد أطيب من قلبك .

بالمناسبة أتواصل معهن على الهاتف متى استطيع و تكلمت مع أمه هي إنسانة طيبة جدا ، كأمي تماماً .

سلمى ادعِ لي ، لا اعلم كيف سأعيش يوماً دونه ولا اعلم كيف سأقضي ما تبقى من عمري مع رجل من عينة إخوتي لا أريد أن أعود و اندفن بالحياة مجدداً ، ادع لي و استمري بالدعاء ..

احبك .. إلى اللقاء "

****

 

 

 

- لا ليس هكذا جوابك خاطئ

- بل صحيح انظري اتبعت نفس الخطوات

- اجل أيها المهندس اتبعت نفس خطوات المثال و لكن لم تلاحظبأنالمثال قيمة ( x  فيه سالبة ) بينما في السؤال موجبة ،،

- اووو خطأ فادح ..

يتناقش شادي و سناءو يستمر نقاشهما و يحتد أحياناً، و يضحكان أحياناً ..

يضع شادي القلم على الطاولة و يبدأ يفرك جبينه بإصبعيه ، بينما كانت سناء منهمكة في حل بعض المسائل ،

التفتت و رأته يضع رأسه بين يديه متألما ..

- شادي مابك ..

يلتفت بتوتر متناسيا ألمه - هاا ،، لا شيء لا شيء اشعر بالصداع فقط ..

- شادي يجب عليك أن لا ترهق نفسك لهذا الحد ، إن لبدنك عليك حق  ، ثم أن الامتحانات قد اقتربت يجب أن تترك احد العملين ، و تلتفت للدروس قليلاً ..

- كما أن موعد زواجكِ قد اقترب ..

- و لم هذه السيرة الآن ؟!

- لا اعلم لا اعلم ( يقولها بتوتر و صراخ )

- شادي أنت مرهق جداً يجب عليك أن تذهب للمنزل و تأخذ قسطاً من الراحة

يضع رأسه على الطاولة ، لبضع ثواني ، تلتفت عليه بخوف ، تخشى أن يكون قد أغمي عليه

- شادي ، شادي ؟! ماذا بك شادي ؟!

لم يجبها ؛  فتجرأتبأنتجعل أصابعها تتوغل بين ثنايا شعره ، علها توقظه ..

- شادي ما بك اخبرني لا تقلقني عليك ؟!

و أخيراً ينطق شادي و هي تتنفس الصعداء : لا شيء فقط اشعر بالدوار ..

- حسناً دعنا ....

تشعر بيد ممسكة بيدها ، و صوت يدوي بأذنها : أيتها الحقيرة ما الذي تفعلينه ؟!

تلتفت لتجده من يدعى خطيبها ، تتصنم في مكانها ، شادي يرفع رأسه بصعوبة ، فيرى ذاك الوحش ممسكاًبيد سناء و لكن آلمه منعه من فعل أي شيء أراد أن يضربه و لكن هو من تلقى الضرب ، خذله جسدهذو العضلاتيومها ، حاول تسديد بعض اللكمات ولكن اغلبها لم تصب هدفها او كانت ضعيفة ، مرهق هو ، مرهق جداً ..

سُحِبت سناء من أمامه كالعنزة أخذت للمسلخ ، لم تصرخ ، و لكن كان يسمعها تستنجد به ، لم تتكلم و لكن كان يسمعها تلفظ اسمه ، حاول أن يستجمع قوته ، و أن ينهض لكن لم يستطع غرق في بحر دمه ، وسُحِبتهي لتغرق في بحر دمها بعيداً عنه ..

حُبِست في المنزل و حُرِمت الخروج منه ، ضُرِبت حتى الموت ، أهُينِت كسابق العهد ، عادت لسجنها المعتاد ، سُحِبهاتفها منها ، حاولت رنا أن تتواصل معها و لكن ، لا فائدة .. فالهاتف مغلق دائماً ،

لا جامعة ، قرار اتخذه صلاح مع من يدعي انه خطيبها ، حُرِمت من تحقيق حلمها ..

" لا تستحقي سوى الذبحولولا ان سعيد منعني من ذلك لقتلكو رميت بك في اقرب مكب نفايات " جملة كانت تسمعها ليلا نهاراً .. فتزداد حرقتها وتتمنى لو انه يذبحها ، لكان أهون من عيشةالاهانةتلك ..

انقضت الايام و الأسابيع لم تصل كلمة من شادي لسناء ولا من سناء لشادي حتى عبر رنا ، لازال كل في فلكه يتألم ..

عادت الجارية للعبودية مجدداً ، و انهارت كل آمالها مجدداً ، و عادت للانحسار على نفسها و دفتر رسائلها مجدداً ،

" الحب لم يخلق لمن مثلي ، السعادة لم يخلق لأشكالي ، لا يمكن للجارية بيوم أن تحل محل سيدة القصر ، سأتحمل الألم  و أعيش الوجععلى أمل لقياك في الجنة يا سلمى , و على امل ان يجمعني الله به بالجنة  " ..

***

أما هو فقد اتخذ البحر سبيلاًلخلاصه ، ترك عمل الحراسة الليلي ، و اتخذ صيد السمك مصدراً لرزقه ، قاربا صغيراً بدائي ، و شبكه يدوية الصنع هما المخلص له من أحزانه ، لطالما أحب البحر ، لطالما أحب القمر ، لطالما أحب الصيد علحبه لهم  يخلصهمن حبه اللامولود ،

عل في نهاية السمك الصغير في تلك الشبكة نهاية لحزنه و شوقه لحبيبته ..

اتخذ من عشش الصيادين ملجأ له ، الاسمرار غطى جسده ، لون برونزي قاتم ملأه و حزن قاتم المَّبه ..

ليلا يخرج لعرض البحر ، يرمي بشباكه ، و يرمي معها أحزانه ، يغرد ببعض المواويل ، و حالما يستقر الشبك ، يرمي بظهره فوق قاربه و يكمل مواويله الحزينة ، مخاطباً القمر و كأنهُ معشوقته .. يتناسى أحزانه لكن ما أن يسحب شبكته قبل أن يضيء ضوء الفجر حتى يسحب خيبات أمله ،

الجميع يخبرهبأنأفضل وقت للصيد مع بداية إشعاع الشمس ..

لكنه لا يهتم ، لا تهمه الغلة ، فهمه الأول تناسي معشوقته .... و لكن هيهات ...

***

 

هاتفه يرن : الوو

المتصل : أنت أيها المعتوه ، لِمَ لم تنفذ ما أُمِرت به ؟؟؟!!!!

هو بصوت متقطع خائف : و لكن .. لا استطيع .. أنا .. لا ..

المتصل بغضب : لو انك لا تستطيع فعل ذلك لم انضممت إلينا من أصله ؟! نفذ ما أمرت به ولا سيحل عليك عقاب أميرنا ..

هو سيكمل : و لكن ... الوو الوووو الوو

طووط طوط طوط ، أغلق المتصل الخط ..

بدأ يتمتم ببعض الكلمات الغير المفهومة و يعض أصابعه خوفاً و ندما ... يحك شعره بهستيرية و هو يقول : ما الحل الآن ما الحل ؟!!!!!

" صالح ، انخرط ضمن خلية إرهابية ، بعد أن أقنعه رفاق السوء الذين يتمنون له الخير - على غير علم و جهالة - بأنهذا هو الجهاد ،،

 لم يخبره أمراؤهم - كما كانوا يسمون أنفسهم - بأنالجهاد جهاد النفس أولاً ، لقاءاتهم لم تكن إحداها في جامع ، كل لقاءاتهم تحت عتمة الليل بعيد عن ما يمت للإسلام بصلة ،،

قادتهم أو أمراؤهم ، أقنعوه و من معهبأنهم يقاتلون أعداء الدين و أعداء الإسلام ، أوهموهبأنالتطرف هو الإسلام ، غسيل مخ لا خط رجوع له ، ما إن يدخل احدهم خليتهم لا يمكنه الخروج منها ، مخالفة أوامرهم تعتبر مخالفة للشرع و للدين ، مخالفة أوامرهم تعني خيانة توجب المعاقبة ، و طرق المعاقبة مختلفة ، و لا حصر لها ..

ها هي مهمته الأولى لكي يثبت ولاءه لهم ، لا يحق له ولا لغيره الاعتراض ولا الرفض ،

المهمة الأولى غالباً ما تكون بنظرهم صغيره ، و سهلة التنفيذ ...

مهمته كانت " فقط بنظرهم " أن يضع قنبلة في احدالمجمعات التجارية ، لأن مالكها حسب قولهم أمريكي و هو يعتبر كافر و عدو  و اكبر أعداء الإسلام و المسلمين و أن هذه النوعية من البشر هم من يجب أن محاربتهم ... و الخ من المعتقدات المغروسة في عقول القادة قبل عقول المجندين  ..

أحسَّ بخوف ، لا خوف على رواد المجمع بل خوف على نفسه و ذاته ، خاف أن تنفجر قبل أن يخرج هو ، لم يهتم للنساء و لا الأطفال ...

لم ينفذ مهمته في اليوم الأول ، و تلقى مكالمات تهديد و توبيخ ، لم ينم يومها ،

في اليوم التالي تلقى نفس المكالمات ولكنه لم ينفذ ، و اكتفى بالنظر للحقيبة المحتوية على القنبلة ،،

مرَّ يومان و الثالث و الرابع ،،

حتى انتهى الأسبوع ، لم يخرج من منزله خطوة و لم يعد يجيب على مكالماتهم ..

"

ظهيرة احد الايام ، شارع يكتظ بالصمت و منزل يكتظ بالهدوء ، لايوجدفي المنزلسوى امه و جاريتهم .. وأخويه في أشغالهما

يدق الباب بقوة و كأنه سيكسر بيد من هو خلفه تفتح الأم بخوف شديد ،،  و لم تسأل عن الطارق ..

من خلف الباب و بصوت أجش و غليظ : أين صالح .

الأم بصوت خائف : لـ لـ  ليس هنا .. ليس هنا ..

لا يهتمون لكلام الأم ولا لأنها ليست محتشمة ، يقتحمون المنزل و يبدأوا بالتفتيش في غرف البيت دون أن يهتموا لما فيه ولا لمن فيه ، خرجت سناء من غرفتها بعد سماعها لصراخ أمها ، نزل هو من غرفته  لصراخ كلاهما ..

رأى أميرهم سناء و امسك بمعصمها ، تجمد هو بعد رؤيته لعناصر الخلية في منزلهم ، و سناء بيد قائدهم ، بلبس المنزل العادي ، دون احتشام من لا محارمها ،،

ركض نحوه اثنان من العناصر و انزلوه من مكانه و رموه تحت رجول قائدهم الذي لا زال ممسكا بيد سناء التي تتلوى كالحية ، و لكنها غير قادرة على لسعها ،

انهال العناصر على صالح بالضرب في كل أنحاء جسده ، اثنان ممسكان بالأم المسكينة التي ترى أبناءها ينهارون أمامها ..

يوقفوه أمام أميرهم ، الذي بدأ يتحسس جسد سناء دون أن يترك بقعة تعتب عليه ،

يصرخ صالح  : اتركها ، ابعد يدك عنها أيها الحقير ...

يرد العناصر عليه بالضرب دون أي رحمة ،

القائد باستهتار : هذا عقاب من يخالف قوانين أمراؤه ..

يبدأ بتجريد ملابس سناء قطعة قطعة و ينهال العناصر على صالح ضربا ، تبكي الأم بصمت فقد اَكَمُّوا فمها بأيد لا رحمة بها لمرض امرأة كبيرة بالسن ،،

صالح يصرخ : الاااا العاااار ، الا العاار ،...

انتهى العناصر و قائدهم من عملهم ،،،،

تركوا سناء مضرجة بدمائها ، و صالح هائما بالعار الذي لحق به غير مبال بما أصابه من ضرب غير مستوجع من الم ،

تستجمع الأم قوتها لتتصل بابنيها لنجدتها و مشاركتها مصابها في ابنتها الوحيدة و لم تهتم لما حل بصالح ،

بسرعة حضر صلاح  و معه سعيد المحسوب عليهم صهراً  و الذي كان بجواره عندما جاءت مكالمة الأم - فهو خطيب سناء الآن - ..

دخل صلاح البيت الذي وجده مفتوحا على مصراعيه ، يركض للداخل فرأى سناء و قد سترتها أمها بطرحة صلاة ، و الدماء من حولها ، و بأحد أركان المنزل صالح يندب نفسه ، و يبكي بحرقه ..

بضع دقائق من الصمت ، استوعب صلاح و سعيد الموقف بعدها ،

اغتصبت سناء ،اغتصبت برائتها، عاشت مغتصبة الحرية طوال عمرها و ها هي مغتصبة الجسد ان،

يسقط صلاح على ركبتيه ينهث و يبكي بحرقه و هو يصرخ : ما نقول للناس الآن ، ماذا سيقول الناس عنا ؟! ماذا نخبرهم ؟! من ستصدقبأنها  اغتصبت ؟! من اغتصبها من ؟

و قام يركض  نحو أخيه المكوم في الركن  : من فعل هذا بأختك من من ؟! الم تستطع إيقافهم ؟! اخبرني من تكلم ، قل ؟!

اكتفى صالح بالصمت و أكمل بكاؤه و حرقته و ألمه ..

تركه في حرقته و مشى متجها نحو صديقه : يمكنك أن تتزوجها اليوم ، الآن إن أردت ، لا نريد مهراً ، لا نريد شيء فقط ، خذها ..

سعيد باستهزاء : و من يشتري عنزة قتلتها إحدى سيارات الطريق ؟!

و رمى بخاتم الفضة أمام سناء الذائبة بحضن أمها ، لا تكاد تتنفس ، تبكي كالمجنونة ، تصمت طويلاً كالمغمى عليها ،

يكمل سعيد : هي لكم ، مشكلتكم انتم لا مشكلتي ، حلوهابأنفسكم ، لا تهمني بعد الآن ولا أريد صداقتك بعد اليوم - موجها كلامه لصلاح - ، لا أريد العار لنفسي ولعائلتي..

و يمضيخارجاًمن المنزل " العار " بنظره ، عار ألمَّ بفتاة لا دخل لها بشيء ، الفتاة الضحية أصبحت هي العارهي المشكلة هي الجانية، بينما أخاها الجاني أصبح هو الضحية ' ضحية عملية غسيل مخ من منظمة إرهابية ' ،

أخذتها أمها لغرفتها دون مساعدة احد من أخويها القابعان في زاويتين غير آبهين لآلام الأخت الضحية ، فقط يفكران بحل للخروج من العار الذي أصابهما ، 

تكومت بنفسها كالطفل الصغيرقليلاً ،ثمنهضت مسرعة لا تشعر بالألم تركض نحو الحمام ، حاولت الاغتسال و لكن مرار ما اصابها لم ينتهي ، اوساخ من اغتصبها ما زالت عالقة بجسدها ،

ارتمت في حوض الاستحمام الذي اتخذ ماءوه اللون الاحمر ، و ملأته بملوحه دموعها ،،

***

ظل في غرفته يفكر كثيراً ، يحاول ان يعصر عقله للخروج بحل و لكن لم يهده تفكيره الا لان يخرج مسدسه المدسوس في اسفل الدرج الذي في غرفته ، ابعد الاغراض المتراكمة فوقه ، أخرجه و عبأه بالرصاصات التي  كانتقريبة جدآ منه ،

" هذه هي الطريقة الوحيدة التي استطيع ان اتخلص بها من العار " ..

مشى بخطوات لا تردد بها ، فقد حزم امره و اقسمبأنه لن يتراجع ،  سيغسل عاره بيده ..

مشى متجهاً نحو غرفتها فرأها ساجدة تشهق ببكاءها و طالت سجدتها ، وقف خلفها و رأسها طال سجودها و هو لا زال مصراًعلى ان يغسل عاره ، اخذ نفس طال قليلاً ، شهق و كأنهم لم يزفر ..

طال سجودها فصوب المسدس نحو راسها ..

" يارب" يارب ان كان  لشادي خير بي فأعده لي ، او خذني لك يارب  "

 ان كان  لشادي خير بي فأعده لي ، او خذني لسلمى يارب ""

 

بدأت يداه ترجفان ولكن ضغط على الزناد قليلاً

يزداد شهقها و بكاؤها ..

ينسحب بهدوء مثلما دخل و يعود لغرفته و يعاوده التفكير من جديد ،

اكملت صلاتها و هي تزداد بكاء و يزداد جسدها الماًو رأت دفتر رسائلها أخذته و يداها ترجفان فتحت صفحة منه ، أخذت قلمها كتبت " اغتصبت " فقط ، و اقفلته و عادت لسريرها ..

فزت من سريرها و كأنما تذكرت شيئاً ما ، ذهبت للمجلس خلسة ، و هي تعلمبأنلا احد منهم هنا ، أخذت هاتفها المرمي في احد الأركان ،"  لن يهتم احد الآن إن كان معها أم لا ، لا يهم الآن مهما فعلت ، فمصيرها الموت حتماً " هذا ما كانت تفكر به فقط ، الموت نهايتي ، الموت مصيري ..

 

 

***

فتح شادي  هاتفه بعد رنين متواصل ولكنه لا يجيب منذ أن ذهبت سناء منبين يديه ، يكتفي بإرسال رسائل لطمأنة أمه و أخواته ، و إن أراد  كمال الاطمئنان عليه جاء له بين كل ليلة و أخرى ..

الرقم الغريب ذاته ، كمية مكالمات تخطت المعقول و رسالة واحدة ..

فتحها ليرى

" شادي ، اغتصبوني

سناء "

فز من مكانه و مشى ،

الدم يمطر من قدمه ،  لكنه لم يتنبه لها ولا لألمها ولا لما أصابها !

أحد الصيادين : هااي شادي ؛ الصنارة غرست في رجلك ؛ ألا تشعر بها ؟!

شااادي ، شادي ستزداد انغراساً .. شادي توقف ، و امسك بكتف شادي الذي كان يمشي كالأعمى ، يمشي بدون وعي ؛ أجلسه الرجل فوق الرمل و حاول بطرق صيادين بدائية ، يعلمها جيداً ، فأخرج الصنارة من كعب قدمه ، دون أن يصرخ شادي ألماً أو حتى يلتفت لقدمه !

الصياد بعد أن غطى قدم شادي بوشاح كانعلى رأسه : انتهيت ، ما بك شادي أنت بخير ؟!

يقوم شادي من مكانه و يكمل مشيته العمياء ..

اخرج هاتفه من جيبه .. دون أن يرد بكلمه ..

حاول معاودة الاتصال مرة و أخرى و لكن الهاتف لازال مغلقاً ..

أحس بالألم أخيراً في قدمه .. أحس بما ألَمَّ بها .. تأوه قليلاً ..

تذكر كلمتها الدائمة في آخر فترة كأنا بها معا و قد أضناه العمل : " إن أحببتني حقا ستشعر بي حين أتألم ، و أنا احبك حقاً فاشعر بك حين تتعب "

افترش الرمل و بكى بكاء مريراً ، فحبيبته تتألم و هو لا يستطيع فعل شيء لها ..

***

لم تكد تبدأ الشمس بالطلوع حتى خرج من منزلهم يمشي بسيارته بسرعة مهولة ، نزل و أكمل طريقه على قدميه ، توقف عند احدهم فهم بسؤاله ..

اكتفى الرجل بإشارة و لم يجب بكلمة ،

صلاح : شادي ؟!

شادي يلتفت و هو يعرف هذا الصوت جيدا ، فقد أهانه يوماً و حرمه حبه يوماً , "  ما الذي اتى به ، لم جاء  ، ما الذي يريده مني ؟! هل يعتقدبأني من اغتصب أخته ؟! كيف يفكر بهذا ؟! يجب أن يعلمبأني لا استطيع إيذاء سناء  "

شادي بغلاظه و قسوة : نعم ما الذي تريده ؟!

صلاح : أخبرتني انك تريد أختي ؟! و تريد الزواج بها ؟!

شادي باستغراب : ولا زلت عند كلمتي .. فأنا أحبها ولا أتلاعب بمشاعرها ...

قاطعه صلاح : و لكنك لا تعلم ما حل بها ..

قاطعه شادي : بلى ، اعلم اعلم ، و أنا أريدها ،فأنا أحبها هي لا جسدها ...

صمت دام دقائق ..

صلاح باستغراب : مازلت تحبها بكل ما حل بها من عار ؟!!!

شاديباستغراب مضاعف : عار ؟؟!!! ..

يصمت صلاج ولا يتفوه بجرف .. و هو  يتحسس جيبه ، يدخل يده  ليخرج منه شيء ما

انه خاتم الفضة ، يلمع كلمعة شعاع الشمس التي بدأت بالظهور أخيراً ..

يرميه تحت رجل شادي المجروحة ،،

 تريدها ؟! خذها هي لك ....-  

***

                         

 

 

 

مجدداً أنا لست كاتبة , و لا افقه بالأدب ...

هي مشاعر  , لا أظن أن احد يستطيع صياغتها بما اكن من مشاعر , قد لا  تعبر عن واقعي  و لكنها تعبر عن واقع احدهم أو إحداهن و قد لا تعبر عن احد  ...

و لكنيكتبتها  و أنا اعلم بمدى ضعفي , لغوياً و نحوياً  و أدبياً

 

 

للتواصل ...

للآراء ايجابية كانت أم سلبيةأو الأسئلة حول الرواية, تفضلوا بوضعها هنا مشكورين

 

 

مروه مرتضى الجيلاني