آخر تحديث :الثلاثاء-16 أبريل 2024-05:25م

صفحات من تاريخ عدن


عدن زمان: ايركنديشن البانيان .. والحجة فطوم

الأربعاء - 15 أكتوبر 2014 - 10:04 م بتوقيت عدن

عدن زمان: ايركنديشن البانيان .. والحجة فطوم
مراوح يدوية من سعف النخيل .

عدن((عدن الغد))خاص:

 

أجلس في أحدى مقاهي القاهرة - في شارع سليمان جوهر ، أتأمل فرحة الناس بقدوم رمضان ، والمحلات تعرض حاجيات رمضان ، وكثير من البهارات والسلع ، وكثير من أنواع البلح .. التمر بكل أنواعه. إن الشعب المصري العريق العربي الكريم الحضاري يستقبل شهر رمضان الكريم إستقبال خاص ، لقد عشت 42 سنة في المنفى ، وفي كثير من الدول العربية المسلمة ، لم أشاهد فرحة بشهر رمضان مثل فرحة الشعب المصري ، هذا ثالث رمضان أقضيه في مصر ، كل طوائف الشعب المصري تحتفل برمضان أكانوا أغنياء أو فقراء ، الأكل يوزع في البيوت وكل المساجد ، حتى بعض الناس توزع الطعام في الطرقات ، وتخرج ألطعام إلى أرصفة البيوت .

 

عظمة لم أرى مثلها في حياتي ، وتمتلي شوارع مصر بكثير من الفوانيس الملونه التي تعلق على شرفات البيوت ، أكانت بيوت الفقراء أو فيلات الأغنياء. تتحول شوارع القاهرة إلى كرنفال إسلامي عريق يضم كل الناس - كل الطوائف .. في البلد الواحد. قالت الحجة فطوم أصبر يا محمد با أعمر ماي فرست بوري ، وبا أجيب لك عواف مطبق ولوب وشاهي عدني ملبن وبعدين حازيني. يا حجة فطوم كانت عدن لها مراسيم وعادات أخرى لا توجد في أي مكان أخر في البلدان العربية أو الإسلامية في شهر رمضان ـ قد تحدثنا عنها منذ 6 سنوات حين وجودي في دبي وبعدها سوريا وهي محازي رمضان ، وسنتحدث عنها في هذا رمضان إن شاء الله.

 

يا حجة فطوم وأنا أجلس بكل سعادة وهدؤء اتأمل سعادة الناس برغم الجو الحار في النهار ، ولكن في الليل تهب نسمات باردة من النيل العظيم .. نيل مصر وهذه هبة إلهية من الله تخفف من الحرارة ، وفي عدن كانت تهب نسمات باردة من ساحل أبين وحقات في الليل ، وإسمها في عدن * برود الليل * - حين غنى الفنان العظيم أحمد قاسم : برود الليل والرملة جنان ، وأيضآ غنى عبد الوهاب في مصر : قال لي كام كلمة - تشبه النسمة في ليالي الصيف . قالت الحجة فطوم : يا سلام على برود الليل - الله رحيم بالعباد ، ولكن إدارة الكهرباء في عدن لا تعرف معنى الرحمة وحرارة الصيف وخاصة في رمضان. يا حجة فطوم هذا الحر سافر بي بعيدآ وسرح خيالي إلى الماضي والتاريخ .

 

أذكر في عدن في بداية الخمسينات بدأ * الايركنديش .. مكيف الهواء * يدخل إلى عدن ، بعد أن كنا نعيش على المراوح الكهربائية ، ومراوح اليد المصنوعة من السعف ، ويرشوا أمام البيوت والمحلات الماء لتخيف الحرارة ويعملوا هذا هنا مصر. يا حجة فطوم كان هناك في بداية شارع الطويل في الركن قريب من السوق ، محل حلاقة كبير - 4 كراسي ويملكه بانيان ، أعتقد إنه من السيخ ، كان المحل فخم ، وكان أبي يأخذني إلى هذا المحل الفاخر للحلاقة . كانت حلاقة * التالو * والتي تشبه حلاق المارينز اليوم هي الموضة ، وقد كتبت عنها مقال منذ 6 سنوات من دمشق. كان سعر حلاقة التالو : 3 شلن ، والصلعة شلن ، والدقن نصف شلن . قام هذا المحل في عام 1950 في إدخال مكيف الهواء إلى المحل . ضحكت الحجة فطوم وقالت : عجبه وفشعه في عدن - حلاقة على ايركنديشن - هواء بارد.

 

يا حجة فطوم الحلاق البانيان رفع سعر الحلاقة إلى 4 شلن. كانت المحل دومآ مكتظ بالناس الميسورين ، بينما حافظت صندقات الحلاقة على سعرها القديم : شلن ونصف ، ما عدا الحلاق الفنان القديم في حافة العجايز أحمد حمران ، رفع سعره إلى 5 شلن ، وأدخل موضة حلاقة فريد الأطرش إلى عدن - حلاقة مصري . من طرائف القصص والنوادر في عدن ، كان صديق طفولتي وابن حافتي الظريف ياسين عرب ، يذهب إلى محل الحلاق البانيان ، ويجلس في البرود * يتبرد * من الحر ، وحين يأتي دوره للحلاقة ، كان يقول لأي زبون بجانبه : لا عيب قوم أنت الأول - هذا إحترام ، أنت رجل عاقل ويكررها مع عدة زبائن ليبقى جالس في البرود ولا يقوم للحلاقة ، وحين يبدأ الحلاق البانيان يشعر بالعملية ، يتسلل ياسين عرب من المحل هاربآ. قال لي ياسين عرب ضاحكآ يا محمد بعد فترة عرف الحلاق البانيان قصتي وتولعي بالهواء البارد ، منعني من دخول المحل إلى الأبد.

 

محمد أحمد البيضاني  

كاتب عدني ومؤرخ سياسي - القاهرة