كتب : اديب السيد
الطفلة " سحر مثنى " الناجية من حادث وقع بالأمس في منطقة جول مدرم بالمسيمير بلحج، وراح ضحيته 7 مواطنين من اسرة واحدة، واصيب 10 اخرين، إثر انحراف الباص عن مسارة وسقوطه من على جسر في الطريق الرابط بين عدن وتعز في جول مدرم .
الطفلة الناجية سحر، ظلت فوق الاسعاف اكثر من خمس ساعات، بعد ان اخرجت من مستشفيات عدة بعدن، نتيجة عدم توفر " جهاز التنفس الاصطناعي ".
عدن المدينة التي عرفت التقدم والأجهزة الالكترونية الطبية وغير الطبية، لا يوجد في مستشفياتها اليوم، جهاز تنفس اصطناعي، لا في المستشفيات الحكومية، ولا في المستشفيات الخاصة .. أيعقل هذا ..؟
مرافق الطفلة " سحر " قال : انهم وصلوا مساء امس الى مستشفى السعيدي بالشيخ عثمان، والذي يمتلك جهاز التنفس الاصطاعني، إلا ان المستشفى اعتذر عن قبول الطفلة . بقيت الطفلة فوق الاسعاف ما يقارب الساعتين امام المستشفى ولم يتم ادخالها ..
يا .. الله ..! لطفك ..
هل ماتت الانسانية من قلوب البشر؟ هل بات بعض الاطباء وبعض المستشفيات ملائكة عذاب.؟ بعدما اطلق عليهم في زمن سابق لقب " ملائكة الرحمة " ..
إلى أي عالم ينتمي بعض هؤلاء الاطباء..؟ طفلة ينهشها الموت، وتحتاج الى تنفس عبر جهاز اصطناعي، حتى تتحسن حالتها، ولاي وجد في عدن، ولا مستشفياتها.. مئات الملايين من الدولارات تضحها عدن الى ميزانية الدولة، ولا يتوفر جهاز اصطناعي .. مئات الملايين من الدولارات تجنيها المستشفيات الخاصة ونهب كارثي للمرضى في تلك المستشفيات .. ولم يتم توفير جهاز اصطناعي فيها ..!!
" سحر " التي كادت تموت قابعة امام مستشفيات عدن .. هي نموذج واحد .. من الاف الحالات ماتت امام تلك المستشفيات، وخاصة بعد اصابات حوادث السير والطرقات .
فقط هنا في عدن .. تتحدث المستشفيات عن الموت .. تتحدث الطرقات عن الموت .. تتحدث الاستثمار في المجال الطبي عن الموت !! فأي موت قاسي هذا الذي تمنحه مستشفيات عدن دون ان توفر لطفلة جهاز تنفس اصطناعي ..
بعدما مكثت الطفلة طويلاً .. امام مستشفى السعيدي، وبعد تدخلات وتواصلات حثيثة، تم التواصل مع الدكتور " الخظر " مدير مكتب الصحة بعدن جزاه الله خيراً.. عبر ناشطة حقوقية جزاها الله خيرا وهي الاخت "ليلى الشبيبي " تم توفير سيارة اسعاف لنقل الطفلة وهي تنازع الموت، إلى محافظة تعز لتوفر جهاز التنفس الاصطناعي .
وبينما الطفلة في طريقها الى تعز بداية فجر اليوم، كان من سائق الاسعاف ان اوقف السيارة في محطة وقود، لصب البنزين، هذا في وقت يرافق الطفلة شاب فاعل خير، وقد انفق كل ما بيديه، رفض سائق الاسعاف التحرك الا بتعبئة الباص بثلاث دباب بترول " .. عاد الاسعاف بعد ان وضع الطفلة في عدن.. فما كان من سائق الاسعاف، ان طلب مرة اخرى صب 3 دباب بترول وطلب ما يسمى " حق القات " .. بينما يفتر صان يكون الاسعاف مكتفي من البترول كونه يتبع جهة حكومية .
يا الله ..
طفلة لم يتبقى لها احد من أسرتها .. ويقوم على علاجها شاب بسيط فاعل خير يدعى " علائ فاروق الحيمدي" .. ويتم التعامل معها بهذه الطريقة .. وأين ..؟؟ في محافظة عدن ؟؟ هذه المحافظة التي كانت منبع الانسانية .. ثروة في الطهر والوفاء والإخلاص والمساعدة للآخرين والمغيثة للملهوفين ..
عدن هل أصبحتي اليوم غابة ..؟ هل أصابك التغير الذي جرى خلال عقدين من الزمن بالتجرد من قيمك ومبادؤك وصفاتك الطاهرة والنبيلة ..؟ أين أنتي يا عدن ..؟
عدن مدينة الحياة .. يموت فيها الناس اليوم إما بعدم توفير اجهزة طبية .. او نتيجة رصاص الغدر والقناصة .. يموت فيها الناس نتيجة الفقر .. نتيجة العبث الذي اصابها منذ 24 عاماً ..
لا اعتقد ان عدن هي مدينة الموت من قبل .. بل ان تغير بعض الناس وما طرأ عليهم مؤخراً .. جعلهم كوحوش .. وكذلك بعض الاطباء الذين حولوا مهنة ملائكة الرحمة .. الى مهنة ملائكة الموت ..
إن القلب ليحزن وان العين لتدمع .. وان الجبال تكاد ان تكون ترابا .. نتيجة ما وصل اليه الحال هنا .. فأين نحن اليوم .. ما الذي حدث ..؟
لا شيء .. لا إجابة .. غير تلك الاجابة التي أرى ان الطفلة " سحر " تكاد ان تنطقها وهي تنازع الموت من على سيارة الاسعاف وترفض اغلب مستشفيات عدن استقبالها بحجة عدم توفر جهاز تنفس اصطناعي.