آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-01:39م

فن


الموسيقى الإسلامية بين الدين والدنيا

الأحد - 05 أكتوبر 2014 - 06:09 م بتوقيت عدن

الموسيقى الإسلامية بين الدين والدنيا
الشيخ منير عقلة.

لندن((عدن الغد))العربي الجديد:

 

انطلاقاً من أنّ الموسيقى واحدة من حمّالات الثقافة والحضارة عبر الزمن، لا غرابة في التذكير بأنّ الأديان استعملتها في محاولتها الانتشار وترويج أفكارها ومعتقداتها. فنسمع ترانيم وتراتيل داخل المساجد، كما نسمعها في الكنائس وفي معظم المعابد غير التوحيدية، مثل البوذية والهندوسية وغيرها. فهي إذاً، في كلّ مكان وزمان، أداة لإيصال الخشوع إلى قلب المؤمن، كلّ مؤمن. ولهذا، فإنّ الديانات والثورات لجأت إلى الموسيقى، عبر العصور، لتلحّن انتصاراً تتغنّى به، أو لتدرأ هزيمة باغتتها. مثلاً "طلع البدر علينا"، هو نشيد إسلامي تقليدي، أنشده أنصار رسول الله محمد (ص) لدى وصوله إلى يثرب، في ما عُرِفَ لاحقاً بـ"الهجرة". عمر هذه الأنشودة يزيد عن 1400 عام. وقد تطوّر لحنها ليصل إلى الطريقة التي نعرف الأغنية بها اليوم.ارتبطت الموسيقى بالثقافة على مرّ العصور. لا بل سبق وجودها وجودَ اللغة المكتوبة، وهي تكاد تكون من لغات قليلة "عالمية" الانتشار. وكسائر الديانات السماوية، استخدم الإسلام الموسيقى. تلاوات القرآن الكريم، الأكثر تأثيراً في آذان المستمعين وعقولهم، هي أكثرها جمالاً في الترتيل.

 

يعتمد المنشدون على دراسة الموسيقى لاختيار اللحن المناسب للكلمة المناسبة. أي، بمعنى آخر، يذهبون إلى تنسيق الإيقاع مع الكلمة، لإيصال الرسالة المطلوبة بطريقة واضحة وسلسة تخاطب قلب المستمع: "عندما نقول ابتهال أو طلب مغفرة من الله، فهنا نعتمد اللحن الحزين. مثلاً، الآن، النغمة الأكثر رومانسية واستعمالاً هي نغمة الكرد، بالإضافة إلى مقام الحجاز والنهوند. سابقاً كانوا يستعملون نغمة الصَّبا... نحن بحاجة إلى ثقافة موسيقية كبيرة لننتج موسيقى صحيحة وكلمة واضحة تتناسق مع بعضها بعضاً"، يقول أحمد المزرزع، لـ"العربي الجديد". أحمد، سوري الجنسية، ملحّن ومشرف على "فرقة المادحين للإنشاد الديني"، التي تعتمد على الإنشاد الديني، وهو يعتبر الإنشاد والابتهالات أركاناً أساسية في الفنون الإسلامية.

 

كلّ مقام يبعث في قلب الإنسان إحساساً وحالة نفسية معيّنة، منها الحزن، الفرح، الغضب، العاطفة... في مكّة المكرمة، مثلاً، بالمملكة العربية السعودية، يعتمد الشيخ مقام الحجاز. وفي المدينة المنورة يعتمد الشيخ مقام البيات. من هنا، نرى أنّه داخل الدين الواحد يمكن أن يختلف المقام الموسيقي المستعمل في أداء الواجب الديني.

 

مصطفى الجعفري، واحد من أبرز المنشدين الدينيين في لبنان حالياً. ورغم أنّه يعمل في المحكمة الشرعية السنيّة ببيروت، وهو خطيب في مديرية الأوقاف، لكن إلى جانب عمله في الدعوة الإسلامية، يشتهر أكثر بإتقانه الإنشاد الديني. ويُعتبَر واحداً من أكثر المنشدين إصداراً للأناشيد الإسلامية: "الإنشاد من أجمل الفنون الإسلامية، ومن أسرع أدوات نشر الرسالة الإسلامية، وهو الأصل، لأنّ الإنسان دائماً يمدح كلّ ما هو محبوب وجميل في عينيه، والإنسان تغنّى بالإيمان وبالله. في الخلافة العثمانية، كان أهل العلم يعتنون بالفنّ كثيراً، لذلك فإنّ الشيخ عبد الغني النابلسي، الفقيه الحنفيّ المشهور، الذي يوجد قبره في الشام، كان يستعمل خمسة مقامات موسيقية مختلفة في كلّ موعد أذان خلال النهار"، يقول الجعفري في حديثه لـ"العربي الجديد".

 

لا شكّ أنّ قوّة المنشد تكمن في توظيف الكلمة الطيّبة إلى جانب الإيقاع المناسب، ليخاطب المستمع ويحضّه على المحبة والصراط المستقيم والتوبة. وبحسب الجعفري، فإنّ "ساحة الإنشاد واسعة، وليست محصورة في مواضيع الرجل والمرأة، كما هو حال الأغنيات التي تُعرَض على الفضائيات. فالإنشاد ناقش الزواج والأطفال والأب والأم وحبّ الوطن وعلاقة الإنسان بربّه، ومن هنا، يستطيع الإنشاد أن يخاطب المستمع ويرشده إلى التوبة وحبّ الربّ". 


اختلاف المكان لم يغيّر اللقب. إذ لا يزال المنشد الشيخ منير عقلة "شيخَ المنشدين"، في لبنان كما كان في سورية. وانتقاله من وطنه إلى بلدة "كترمايا" في جبل لبنان، لم يغيّر أيضاً قناعاته. كذلك لم تغيّرها خطابات التكفير وتحريم الفنّ، تحديداً الإنشاد الديني. ويستغرب الشيخ منير، في حديث لـ"العربي الجديد"، تشكيك بعض الشيوخ بمشروعية الإنشاد، مؤكّداً أنّه "ليس هناك أجمل من التغنّي بالإيمان وبالله".

 

ويضيف: "إنّ تاريخ الإنشاد، هو تاريخ البشرية". يوثّق شيخ المنشدين كلامه بالروايات التاريخية التي تؤكّد شرعيّة الإنشاد. كما يتوقّف عند زرياب بن علي بن نافع، الذي اعتنى بالإنشاد، وطوّره: "إذ إنّه أسّس قواعد الإنشاد الدينيّ من التوشيح والخانة والإنشاد وعلم النغمة والطبقة". ويضيف الشيخ منير: "إنّ الإنشاد الديني يحمل شقّين، الأوّل، وهو المدح، مدح رسول الله، والثاني هو الابتهال، الذي لا يكون إلّا لله وحده، وفيه يسأل المسلم رحمة ومغفرة الربّ عزّ وجلّ".

 

لا شكّ أنّ الثورات المندلعة في وطننا العربي أسرت عقول أبناء الجيل الصاعد وقلوبهم، وباتت المحور الأبرز لدى الإعلام العربي المرئي والمسموع والمكتوب والإلكتروني. لكن مع بروز الجماعات الإسلامية، حاملة التشدّد والتطرّف، هل ستبقى الموسيقى أداة مستخدمة لاستقطاب المؤمنين؟ أما بالنسبة إلى "داعش"، فتدعمها مؤسستان إعلاميتان هما "الفرقان" و"الاعتصام". تنتجان لها أناشيد دينية ووثائقيات قصيرة تعتمد في معظم موادّها على أناشيد وتراتيل دينية تشجّع المسلمين على الجهاد عموماً، في سورية خصوصاً. هكذا تبدو واضحة أهمية الموسيقى وقوّة تأثيرها على الإنسان. فحتّى الجماعات التكفيرية باتت تستعمل الموسيقى كأداة جذب.

 

من: جاد شحرور