آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-10:35ص

أدب وثقافة


أدباء الخليج قدموا صوراً مختلفة عن مجتمعاتهم

الثلاثاء - 30 سبتمبر 2014 - 10:30 ص بتوقيت عدن

أدباء الخليج قدموا صوراً مختلفة عن مجتمعاتهم
الكاتبة القطرية هدى النعيمي.

لندن((عدن الغد))أحمد زين:

 

تعتبر الكاتبة القطرية هدى النعيمي كل امرأة حالة خاصة وسرية. وترفض في الوقت عينه أن تكون المرأة «كليشيه». فالمرأة عالم كامل متعدد، بالنسبة لها، تختار منه ما يصلح للحياة في الأدب، من دون أن يبتعد النموذج عن أصله الاجتماعي، «ومن الملاحظة وتكرار النماذج ينفتح باب الاختيار أمام العين اللاقطة المدربة على تخزين ما يصلح للفن». تقتحم صاحبة «حالة تشبهنا» بجرأة عوالم المرأة، وما تعانيه من قسوة يصعب استيعابها، أحياناً قد تبدو هموماً نسوية، لكنها ترتفع بها إلى مستوى إنساني عميق ومعقد، ليطاول حالات كثيرة. فهي تدخل المخادع الأكثر سرية وتفضح أحوال المرأة في داخلها.

 

بين قصة وأخرى ومن تجربة إلى تجربة ثانية، يلمس القارئ تطوراً ملحوظاً في لغة القاصة وفي «التكنيك»، وفي القدرة على إدارة السرد بسلاسة ورسم ملامح الشخصية بدقة، ما يعني أن الفترات التي تعقب كل إصدار لها، لا تمضي من دون تأمل في ما سيأتي، وتفحص في الملامح المحتملة للمشروع أو التجربة المقبلة، «نحن نتطور كل يوم نقرأ ونراقب، ونستمع وهذا يغني عالمنا ولغتنا وتجاربنا». اللغة في تصور صاحبة «المكحلة»، عجينة قابلة للتشكل، وتحتاج إلى تعديلات لتطابق الشخصية التي اختيرت لها. وترى أن الكاتب الذي لا يهتم بلغته ولا يطورها لا يقوم بدوره بالشكل الصحيح. تعودت الكاتبة القطرية على تنقيح قصصها كثيراً، فالتنقيح، كما تقول، يصقل اللغة ويطورها، «الأدب في النهاية أحد الفنون اللغوية، وإن لم نهتم باللغة لن نستطيع الاستمرار طويلاً تحت سماء هذا الفن اللغوي البديع».

 

تنتمي شخصيات قصصها، التي تضج بالأفكار والرموز والرؤى، إلى مختلف طبقات المجتمع. ولكل شخصية مأزقها الوجودي وإشكالها الذي يتعقد بتعقد اللحظة التي تعيش في كنفها. القصة لدى النعيمي تنفتح على برهة مديدة، وهي إذ تنطلق من تفصيل صغير، لكنها تروح مثل الدوائر تتسع وتتداخل إلى ما لا نهاية. ولا تعترف الكاتبة القطرية بالمتاعب التي تلازم المجتمعات المحافظة فحسب، إنما أيضاً بفضيلة لهذه المجتمعات، وهي أن الضغوط التي تمارسها تدفع الشخصية إلى النضج باكراً، «وتخلق للفرد ميكانيزمات دفاعية يتمترس خلفها ليعيش ويراقب، ومع الوقت يجد أدواته، ووسائله للالتفاف على عوائق ذلك المجتمع». في هذه المجتمعات، كما تذكر، يتحول ما هو مؤلم إلى حافز للإبداع، من أجل تغيير الحياة نحو الأفضل والأجمل، «وما نحن في النهاية إلا كوكتيل إنساني من عناصر عدة، أبرزها الفرح والألم والسعادة والشقاء، وكل ذاك العجين العجيب تأتي خلطته جاهزة من ثوابت المجتمع، ثم تضيف إليها تجاربنا الشخصية النكهات التي تميزنا».

 

الضغوط الكثيرة التي تعانيها نساء النعيمي، تدفعهن إلى تغيير مواقعهن من الاستسلام والخنوع إلى التمرد. تلفت صاحبة «أنثى» إلى أن المرأة العربية، ليست حرة في التصرف «حتى بما تكسبه من عملها أحياناً، لذا وفي مثل هذه الظروف لا يصبح التمرد خياراً بل قدراً وحلاً وحيداً، لمن يريد أن يحيا بدل أن يموت على قيد الحياة، وقد يكون هناك استسلام مخادع عند بعض الشخصيات، لكن التمرد قدر كل من يفكر، ويحلم بالأفضل».

 

يتدرج حضور المرأة في قصص هدى النعيمي من الحضور المباشر إلى التخفي. ويرافق هذا التدرج، الذي يعنى بمقاربة المرأة أو صورتها في المجتمع، نضج فني لافت كأنما كل لحظة قصصية لديها تقترح جمالياتها الخاصة، وطرائقها في الانفلات من أسر التنميط، والتحايل بالتالي على الرقيب الاجتماعي والرسمي. تقول النعيمي إن المجتمعات العربية التقليدية، تصرف الكثير من وقتها في مراقبة النساء، وأن كثرة المراقبة تعلم التكتم، والتفكير بأساليب لتجاوز حاجز الرقابة، «تماماً مثلما يفعل الكُتاب والصحافيون في الدول التي تشدد الرقابة على المطبوعات، فيبتكر الكتاب اضطراراً أسلوباً غامضاً ومفردات حمالة أوجه للالتفاف على الممنوعات. وهذا ما تفعله النساء بسرية أعمق، وإن ما تسميه التخفي ما هو إلا حركة من وراء ستار تسمع صوتها، وتحسها لكن لا تراها وهذا ما يعطي الشخصية الفنية بعداً أكثر إثارة كما أعتقد، فالشخصيات تبدو أكثر جاذبية حين تراها عن بعد ومن خلف غلالة تضفي عليها الغموض».

 

وكونها تكرس جل جهدها لكتابة القصة القصيرة، إذ أصدرت أربع مجموعات قصصية، على رغم ما يحيط اليوم هذا الفن الجميل من انحسار وعدم اهتمام، تقول إنه يجب الاعتراف بأن تقديم فن أدبي ما لا يعني بالضرورة أن يأخذ مساحات مخصصة لفنون أخرى، فالحياة الثقافية تتسع للجميع والفنون اللغوية لا تختلف في ذلك عن الفنون البصرية. وتضيف في حديث إلى «الحياة»: «كل فن يستفيد من الآخر وهذا ما حصل مثله في الفنون اللغوية، فالقصة القصيرة استفادت من المقالة الصحافية والعكس صحيح، كذلك استفاد الكتاب من فن المونتاج في السينما. ولعلنا نتذكر أن ظهور الـ«ميني رواية» لم يؤثر لا في القصة القصيرة ولا في الرواية، إنما أضاف فناً جديداً، فالذي يصنع التغيير ليس شكل القالب الفني بل المبدع الحقيقي القادر على الدمج بين مختلف الأشكال في النص الواحد».

 

> من ناحية أخرى، كتاباتك تسهم مع كتابات أخرى لكتاب خليجيين، في إضاءة مجتمعات الخليج، وتقديم الإنسان فيها، بتعقيداته وبساطته، ومع ذلك نسألك إلى أي حد استطاعت الكتابة الأدبية أن تكتب المجتمع الخليجي، بعيداً عن الصور النمطية؟

 

- المجتمعات المحافظة فيها قدر كبير من العوالم السرية التي لا تتماشى مع عقيدة الكشف والإنارة التي يتبناها الكتاب والأدباء، ومع التحايل على المكبوتات والممنوعات استطاع أدباء الخليج وأديباته أن يقدموا صوراً مختلفة عن مجتمعاتهم، بعضها نمطي وتقليدي والآخر يتماشى مع حداثة الطفرة، التي غيرت المجتمعات الخليجية بالكامل، وأوشكت أن تتركها بلا ذاكرة. وقد قمنا بدورنا الخاص بنا كخليجيين وخليجيات، أما هل استطعنا أن نغير الصورة النمطية التي في ذهن الآخر؟ فهذا ما لا يمكن الجزم به لأن هذا الآخر العربي أو الأجنبي مطالب أيضاً بدور في الفهم والاستيعاب والتحرر من عنصرية النظرة النمطية، التي لا تزال ترى في الخليج برميل نفط، متناسية كل ما تم خلال الحقب الأربع الماضية من إنجازات لم تَطل البناء وحده، بل غيرت بشكل شبه كامل تركيبة تلك المجتمعات.

 

> أنت واحدة من الأسماء الأساسية في المشهد القصصي الخليجي، فقصصك تتميز بفنيات عالية ووعي حاد بالإشكال الذي يعيشه كل من المرأة والرجل في هذه المجتمعات، لكن السؤال إلى متى القصة القصيرة هي الشكل التعبيري الذي تتوسلينه لمقاربة قضايا المجتمع، ألم تحن بعد لحظة الرواية؟

- ربما كانت هذه اللحظة تلوح منذ زمن بعيد وتظهر وتختفي، لكني أعمل على تأجيلها بوعي أحياناً، وتحت ضغوط الحياة والعمل أحياناً أخرى. نعم لا أكتمك أن كتابة الرواية تداعب خيالي منذ زمن، بل إن قراراً من هذا النوع دخل جزئياً حيز التنفيذ، وهناك عمل روائي في طور الإنجاز لكني أفضل عدم التسرع. فلا تزال القصة القصيرة كوسيلة تعبير هي الأقرب إلى نفسي في هذه المرحلة، وسيأتي الوقت الذي أزاوج فيه بين الفنيين كما فعل كتاب كثر وكاتبات كثيرات قبلي.

 

> ماذا يعني لك وضع النقاد اسمك كرائدة للقصة القصيرة في قطر؟

- هذا شرف لا أدعيه، فمن ناحية الريادة الزمنية هناك تجارب سبقتني لمبدعات قطريات، وإن كان الأمر يتعلق بالريادة الفنية، فذلك أيضاً حكم متروك للنقاد، وطبعاً لا بد أن أشكر من يضعني في هذا الموقع، فهو يعني الكثير من الإحساس بالمسؤولية للحفاظ على ذلك المستوى، خصوصاً أن قارئاً جديداً يولد في عصر التكنولوجيا، ومواقع التواصل الاجتماعي ولا بد من أخذ طموحاته وهمومه في الاعتبار، لإنجاز نص يليق بقارئ ذكي وواسع الثقافة ومتعدد الاهتمامات.

 

> تبدو الدوحة واعدة جداً كعاصمة لها اهتمامات ثقافية واضحة، ويوجد اليوم عدد من المشاريع المهمة التي يديرها مثقفون وخبراء عرب، لكن أين المثقف القطري من كل ذلك؟

- منذ مجلة الدوحة بصيغتها الأولى قبل التوقف أيام الطيب صالح ورجاء النقاش، بدأ الاهتمام بالثقافة وبدأ الكاتب القطري يخرج من الإطار المحلي. وهنا علينا أن نتذكر أن رجاء النقاش هو الذي قدم كلثم جبر إلى المشهد الثقافي العربي وكتب مقدمة أولى مجموعاتها، وكان دور الطيب صالح كذلك، ومن خلال «بي بي سي» قبل أن يستقر في قطر مشجعاً ومثمراً. ثم ولدت الجزيرة وظهرت قبلها الأقسام الثقافية الناضجة في أكثر من صحيفة ليتوج ذلك الجهد بالحي الثقافي وفرقة فيلهارمونية ومهرجان ترايبكا السينمائي، وكان اختيار الدوحة عاصمة الثقافة العربية عام 2010 قمة ذلك التطور، وخلال كل هذه المشاريع والمؤسسات كان للقطريين والقطريات حضورهم، لكننا في النهاية شعب قليل العدد ومن يمارس العمل الثقافي في بلادنا أيضاً قلة، لذا لا يظهر هذا الدور كما يجب أمام الحضور الطاغي للوافدين، وذاك نقص يجب تلافيه مستقبلاً.

 

ترى صاحبة «أباطيل» أن المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، التي ترعى الثقافة والمثقفين في أوروبا، ليس لها مثيلات في البلدان العربية، من هنا هي تشدد على دور المؤسسة الثقافية الرسمية، كراعٍ للثقافة. وتقترح كخطوة مرحلية الاهتمام بتركيبة المؤسسة الثقافية الرسمية والتقليل من كوابحها، «ومن حسن الحظ فإن عندنا وزارة ثقافة في الدوحة متعاونة إلى أبعد الحدود، وهذا ما يجب الاستفادة منه بانتظار ولادة مؤسسات المجتمع المدني التي تتقاسم ذلك الدور مع الدولة كما في البلدان المتقدمة».

 

هدى النعيمي المتخصصة في الفيزياء النووية تؤكد أن الأدب والعلم يتشاركان في حقل الخيال، فالأديب في مكتبه كالفيزيائي والكيميائي في مختبره، «يعرف كيف يبدأ لكنه لا يضمن النتائج على رغم معرفته بالمعادلات وتركيبة المواد التي يعمل بها، فمع هذه الأشياء هناك المخيلة التي لا يمكن التنبؤ بما يصدر عنها». يعيش العلماء في رأيها مثل الأدباء دهشة الألق والتجلي والترقب بانتظار نتيجة المحاولة، «وعلينا ألا ننسي مهما شطحنا مع الخيال أن بناء الشخصيات يتم وفق معادلات تكون أحياناً شبه جاهزة لكن تطور النص يفرض عليها بعض التعديلات».