آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-07:16م

أخبار وتقارير


«عفاش» هل يعود للحكم؟

الأربعاء - 10 سبتمبر 2014 - 11:36 ص بتوقيت عدن

«عفاش» هل يعود للحكم؟
الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح

المجلة

حكم الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح اليمن، نحو 33 عاما، قبل وبعد قيام الوحدة اليمنية (22 مايو/ أيار 1990)، ثم غادر الحكم بعد انتفاضة شعبية اندلعت مع ما عرف بـ«الربيع العربي» عام 2011، في ضوء المبادرة الخليجية التي ضمنت له حصانة من المساءلة القانونية عن فترة حكمه، لكن الشواهد في المشهد السياسي اليمني تؤكد أن صالح لا زال يمارس دورا سياسيا عبر تزعمه أو ترؤسه لحزب المؤتمر الشعبي العام، أحد أكبر الأحزاب السياسية في اليمن والذي تأسس مطلع ثمانينات القرن الماضي. ويقول المراقبون إنه ما زال يتدخل في الحياة السياسية في اليمن وربما يكون ضمن المعرقلين للتسوية السياسية.


ولد صالح في مارس (آذار) عام 1942، في قرية بيت الأحمر جنوب العاصمة صنعاء. ويحمل رتبة مشير في القوات المسلحة، وهو أكثر الرؤساء الذين حكموا اليمن وثاني الرؤساء العرب في طول فترة حكمه، ولقبه الأساسي في أسرته «عفاش»، كما يطلق عليه وكما أطلق على أحد أحفاده.
وتختلف وجهات النظر والآراء في الشارع اليمني بشأن صالح وحزبه بين مؤيد ومعارض، فالمؤيدون يرون أنه الأحق بالاستمرار في الحكم أو أن يخلفه نجله العقيد أحمد علي عبد الله صالح، قائد الحرس الجمهوري (سابقا) وسفير اليمن الحالي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمعارضون يرون أن صالح أمضى فترة طويلة في الحكم وأنه يسعى إلى توريثه لنجله، إضافة إلى أنه جعل أفراد قبيلته وأسرته ممسكين بزمام الأمور السياسية والعسكرية في البلاد، كما يقولون.

ولكن حزب المؤتمر الذي يتزعمه صالح ما زال موجودا في الحكم عبر مشاركته في حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في ضوء المبادرة الخليجية، وبالتالي ما زال حزبا حاكما، وإن جزئيا، بعد أن كان حزبا حاكما بشكل مطلق. وقد وقع لقاء مصالحة بينه وبين الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي كان نائبا له، أثناء صلاة العيد في جامع الصالح جوار دار الرئاسة وبحضور عدد من الخصوم السياسيين والقبليين، ولكن اللقاء لم يثمر عن مصالحة معلنة بشكل كامل.
مصالحة ليست شاملة

وينظر حكيم المسمري، رئيس تحرير صحيفة «يمن بوست» باللغة الإنجليزية إلى أن ما جرى من لقاء بين الرئيس عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبد الله صالح لم يكن مصالحة «شاملة بين الأطراف اليمنية، ولكنه مصالحة شخصية بين الرئيس عبد ربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبد الله صالح. المشكلة أن الرئيس هادي لا يعمل على مصالحة وطنية شاملة وإنما يعمل على مصالحة تخصه هو فقط؛ ولهذا ذهب إلى جامع الصالح (حيث التقى الرئيس صالح وعلي محسن الأحمر وحمير الأحمر)». ويؤكد المسمري أن اليمن بحاجة إلى مصالحة شاملة بين كافة الأطراف التي تهدد الأمن في البلاد، فهناك أطراف دينية متعصبة ومسلحة ولم نر أية بوادر للمصالحة مع هذه الأطراف التي لها تأثير على البلاد وإدخالها في حروب لا نهاية لها.

وعن الخطورة التي تواجه اليمن يقول المسمري لـ«المجلة» إنها «تكمن في انتشار السلاح وحمله والكراهية التي تستدعي حمل السلاح على الطرف الآخر. وكما أسلفت فليست هناك أية نوايا من الأطراف كاملة في الساحة اليمنية من أجل مصالحة شاملة، إلا بين الأطراف التي ليست بينها خلافات، أصلا. والمصالحة يفترض أن تكون بين الأطراف التي بينها خلافات وتستدعي هذه الخلافات حمل السلاح على الطرف الآخر وإذا لم يحصل هذا فإن المصيبة في اليمن سوف تزداد وتتضاعف وهنا ستحصل الكارثة التي لا يتوقعها الداخل والخارج». ويردف المسمري أن ما حدث في حضرموت من إعدام للجنود على يد مسلحين يعتقد بانتمائهم لتنظيم القاعدة، هو «بداية لفشل المصالحة في اليمن بين الأطراف الداخلية، خاصة أن الحكومة اليمنية هي التي جعلتهم صيدا سهلا، والمصالحة تأتي بعزيمة من الدولة ثم تطبق بين بقية الأطراف ليس بمناورة سياسية أو مصالح شخصية أو غير ذلك والنوايا إذا صدقت سوف تكون المصالحة جدية وصالحة».
مستشار: التسوية ناقصة

ويرى، علي محمد الصراري، المستشار الإعلامي لرئيس حكومة الوفاق الوطني أنه «ورغم مرور هذا الوقت على التسوية السياسية في ضوء المبادرة الخليجية، فإن هناك عنصرا ما يزال ناقصا في التسوية السياسية الجارية وهذا العنصر يتمثل في بقاء علي عبد الله صالح (الرئيس السابق) كلاعب في العملية السياسية، في حين كان ينبغي أن تفضي المبادرة الخليجية منذ البدء في تنفيذها إلى إخراجه من العملية السياسية»، خاصة وأنه «قد حصل على حصانة تحول بينه وبين ما اقترفه بحق هذا البلد وسكان هذا البلد».

ويردف السياسي اليمني أنه «من الواضح أن علي عبد الله صالح ومن خلال الاستمرار في العملية السياسية يحاول أن يجند عملية التغيير التي كانت عملية مهمة في إطار التسوية السياسية، فليس هناك أي تغيير إذا بقي علي عبد الله صالح، حتى ولو تحول إلى أحد مراكز القوى في البلاد وسعيه الدءوب من أجل استعادة الحكم، يعني هذا أن التسوية السياسية قد فشلت ولم تحقق أهدافها».

ويؤكد الصراري، وهو قيادي بارز في الحزب الاشتراكي اليمني، أنه من أجل أن «تستمر التسوية السياسية في اليمن وأن تحقق أهدافها، لا بد من إخراجه (صالح) من المشهد السياسي وقد تسلم الثمن المتمثل بتحصينه من المحاسبة جراء ما اقترفه بحق هذا البلد».
 

صورة ارشيفية لسيدة يمنية مؤيدة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح خلال مسيرة لدعمه (صنعاء يوم 18 نوفمبر 2011)

ويقول مستشار رئيس الحكومة اليمنية لـ«المجلة» إن «حزب المؤتمر الشعبي لم يكن (فعليا) حزبا حاكما في عهد الرئيس علي عبد الله صالح، وفي تقديري أنه لم يكن بمقدور المؤتمر أن يكون حزبا حاكما إذا استمر علي عبد الله صالح على رأس الحزب ولا بد أن يحرر المؤتمر الشعبي العام من القبضة العسكرية والمالية التي يشددها صالح على الحزب وتسليم المؤتمر الشعبي إلى قيادة حقيقية تستطيع أن تحوله إلى حزب سياسي، وبهذه الطريقة سيغدو المؤتمر شريكا حقيقيا في التسوية وفي بناء الدولة وسيجعل بقية القوى تمد يدها إليه، أما في ظل وجود علي عبد الله صالح في الحزب، فإن الكل يحجم تماما عن التعامل مع المؤتمر الشعبي، إلا بتلك المسميات التي تقتات من الفتات والتي لا زال علي عبد الله صالح يقدمها لها حتى الآن».

وحول مشروع أحزاب «اللقاء المشترك» وحكومة الوفاق الوطني ورؤيتهما لموضوع المعرقلين للتسوية السياسية في ضوء زيارة وفد أممي إلى اليمن، مؤخرا، لبحث هذا الموضوع، يقول مستشار رئيس الحكومة اليمنية لـ«المجلة» إنه «لم يتضح إلى ماذا توصلت لجنة العقوبات الأممية (التي حققت في تورط المعرقلين في التسوية السياسية)، ولا شك أنها قد حصلت على ما يكفي من المعلومات لاتخاذ مواقف (قرارات) إزاء قضايا عديدة من ضمنها بقاء علي عبد الله صالح في المشهد السياسي»، ثم يقول الصراري: «أستطيع أن أقول إن بقاء هذا الرجل في العملية السياسية ينطوي على خطورة حقيقية ستؤدي إلى انتكاسة العملية السياسية برمتها. والتسوية السياسية، أيضا، ستتوقف إذا بقي هذا الرجل، لأن كل ما صنعه خلال الفترة الماضية يدل على أنه لم يتوقف عن تعطيل عملية التغيير وإفشال التسوية السياسية. وسيظل، أيضا، يلعب دورا سلبيا في نقل البلاد من أزمة إلى أخرى، خاصة أنه يستخدم الأموال الطائلة التي نهبها من ثروة هذا الشعب، وهو يمتلك الآن من المال أكثر مما تمتلكه الدولة اليمنية، لأنه سطا على ممتلكاتها وعلى أموالها وثرواتها ولم يتوقف عن استخدام هذا المال في تعطيل المسار السياسي، وبالعكس هو يقف وراء كثير من الاضطرابات التي تشهدها البلاد وأقول إن إبعاده من الحياة السياسية مسألة محورية وهي نقطة ارتكاز لتحول حقيقي في تاريخ اليمن».

وعما إذا كانت المسألة تتعلق بإبعاد الرئيس السابق عن اليمن بشكل كامل، يقول الصراري: «الهدف هو إيقافه عن التدخل في الحياة السياسية وأن يتوقف عن استخدام المال في الأزمات والتوترات والاضطرابات التي شهدتها اليمن في الآونة الأخيرة. أما أن يبقى داخل البلاد أو يغادرها، فهذه مسألة ثانوية، لكن في كل الأحوال نريد أن يتوقف تأثيره على مجريات الحياة العامة وأن يترك الفرصة للمواطنين اليمنيين لأن يقرروا مصائرهم دونه».
صالح.. ضرورة

من جانبه، يرى حسين حازب، عضو اللجنة العامة (المكتب السياسي) لحزب المؤتمر الشعبي العام، الشريك في حكومة الوفاق الوطني، أنه «ليس لديه شك في أن المؤتمر سيظل هو الحافظ أو هو الحزب الوسطي في ظل التجاذبات يمينا وشمالا، وأن سر بقائه في أساس نشأته وليس في الأشخاص، والمؤتمر الشعبي نشأ على أساس يمني وأسسه اليمنيون من مختلف أطياف اللون السياسي وكان للإخوان المسلمين والناصريين والاشتراكيين دور في تأسيس المؤتمر، وأيضا، المشايخ والعلماء، فالمؤتمر في نشأته وفي وثيقته (الميثاق الوطني)، كان يمنيا».

ويؤكد القيادي البارز في حزب المؤتمر الشعبي العام أن حزبه «سيظل باقيا ما بقي أي مواطن يمني وسيظل هذا الشكل من أشكال العمل السياسي موجودا، وهو المؤتمر الشعبي العام»، وأن المؤتمر سيظل كفا من «كفي التسوية السياسية القائمة في اليمن، وأعتقد أن أي إنسان يريد إبعاد المؤتمر الشعبي العام أو قيادته ليس إلا منقلبا على حزب المؤتمر وقيادته».

ويجزم القيادي في المؤتمر الشعبي العام أن حزبه «سيظل صمام الأمان للعملية السياسية في اليمن بصورة عامة وأنه من دون المؤتمر الشعبي العام لن يبقى سوى التطرف في هذا الاتجاه أو في الاتجاه الآخر، وبالتالي إلى خلافات في كل الاتجاهات وأنا أرى أن علي عبد الله صالح، زعيم وقائد (المؤتمر) أصبح بقاؤه ضرورة ليس لحزب المؤتمر فقط، ولكن للتسوية السياسية ككل، لأن المؤتمر الشعبي العام يمثل أكثر من ثلاثة ملايين عضو على مستوى اليمن (عدد السكان تقريبا 25 مليون نسمة)، وبالتالي فإن صالح يظل هو صمام الأمان، ومن يراهن على خروجه من المؤتمر الشعبي العام لا يعرف أن العملية السياسية في اليمن سوف تختل بصورة كاملة». ثم يضيف أن «هذا الكلام من باب الافتراض، لأنه من المستحيل خروج علي صالح من المؤتمر الشعبي العام الذي ربما يعاني ضعفا أو انكسارا أو غير ذلك، لكن مستقبله مضمون وسيظل حزبا موجودا طالما بقي هناك مواطن يمني».
تناقضات المشهد


وتشهد الساحة اليمنية تناقضات كثيرة، في الوقت الراهن، فإلى جانب المواقف السياسية التي ترى أن الرئيس السابق هو أحد أبرز المعرقلين للتسوية السياسية، هناك قوى أخرى برزت في الساحة اليمنية وبقوة وبدأ تأثيرها الأمني والسياسي، فالحوثيون (أنصار الله) المتمردون يلعبون دورا أمنيا وعسكريا وباتوا يسيطرون على مناطق عدة من شمال البلاد، إضافة إلى الوجود السياسي في محافظات أخرى، في الوقت الذي يطرح موضوع تحالفهم مع صالح، عدو الأمس، من أجل إسقاط النظام الحالي. وأيضا، هناك نشاط تنظيم القاعدة في مختلف مناطق اليمن، والذي أدى إلى مقتل المئات من الضباط والجنود في عمليات اغتيالات تتهم فيها «القاعدة»، دون أن تعلن رسميا مسؤوليتها عن هذه العمليات التي خلقت حالة من الذعر والخوف والاستياء، في الشارع اليمني.



ولا يقتصر المشهد اليمني على الوضع السياسي أو الوضع الأمني وما يترتب عليه، فهناك معاناة شديدة يمر بها المواطنون اليمنيون كالانقطاعات المتواصلة للكهرباء دون أسباب واضحة تذكر، غير أن الحكومة اليمنية تسوق مبررات، منها الهجمات «التخريبية» التي تستهدف أبراج الكهرباء في محافظة مأرب وأيضا أنابيب النفط وغيرها من الأعمال التي تعدها الحكومة مبررات لعدم تقديم الخدمات بصورة صحيحة وجيدة، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع الأسعار، خاصة بعد الإجراءات الاقتصادية الأخيرة (الجرعة) التي رفعت بموجبها أسعار النفط والديزل (المازوت) وبقية المشتقات النفطية، وانعكس ذلك بصورة كاملة على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية في اليمن.


وفي ظل ما يعتمل في اليمن من تطورات سياسية وأمنية واقتصادية، ينظر اليمنيون إلى أن عملية التغيير والثورة الشعبية التي اندلعت في مطلع عام 2011، قد تتعرض للخطر في حال عودة صالح ونظامه إلى الحكم. ويقول الخبراء في مجال السياسة إن عودة صالح، بأي طريقة من الطرق إلى سدة الحكم، سوف تدفع البلاد إلى حافة الانهيار المتمثلة في الحرب الأهلية بين مختلف القوى الموجودة على الساحة، فهناك الحوثيون و«القاعدة» والأحزاب السياسية وقوى أخرى ترفض إعادة البلاد إلى المربع الذي كانت عليه قبل عام 2011، ولذلك يظل التأرجح بين التشاؤم والتفاؤل بمستقبل اليمن، في الوقت الذي يرى فيه خبراء أن منفذ اليمن إلى الأمن والاستقرار يرتبط بتطبيق المبادرة الخليجية.

 

*من عرفات مدابش... صحافي وكاتب يمني ،و مراسل جريدة " الشرق الأوسط " في اليمن ويعمل في المجال الصحافي منذ أكثر من 25 عاما