آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:27م

ملفات وتحقيقات


الانترنت في اليمن : ليوناردو دافينشي أخطر من تنظيم القاعدة

الخميس - 28 أغسطس 2014 - 11:36 م بتوقيت عدن

الانترنت في اليمن : ليوناردو دافينشي أخطر من تنظيم القاعدة
السلحفاة.. شعار الانترنت في اليمن.

صنعاء((عدن الغد))السفير العربي:

 

كتب: محمد العبسي 
 
 
كان محمد ع. ع (22 سنة) في أحد مقاهي الانترنت يتصفّح مواقع إباحية عندما داهم المحلّ ضابطا أمن، بحُجة شكاوى وصلتهم من بعض الآباء في المنطقة، فاقتاداه، هو وآخران، في ساعة متأخرة من الليل إلى أحد أقسام شرطة حي السُّنَيْنة. أحد أكثر الأحياء الشعبية عشوائية واكتظاظاً بالسكّان في العاصمة صنعاء، والذي يقع بجوار، وفي محيط، منزل الرئيس الانتقالي عبدربه هادي.
 
روى محمد كيف أمضى ليلته يقاوم رغبته في الذهاب إلى دورة المياه. ذلك أنهم أودعوهم في غرفة احتجاز روائحها مؤذية، وفراشها الوحيد متّسخ، وجدرانها مليئة بتوقيعات وأسماء مُحتجزين سبقوه إليها. لكن ما لم يتوقعه، وصُدم به، أن ثمة ثقوباً موزعة بلُؤم على باب حمّامها الصغير، يمكن منها اختلاس النظر بسهولة.
 
في الصباح أُخلي سبيلهم دون فتح محضر أو إبلاغ أسرهم. واكتفى الضابط، "الطيب" حسب قوله، بنصحهم وتعهدهم شفهياً بعدم ارتياد مقاهي الانترنت في وقت متأخر. ففي مجتمع محافظ يشيع الاعتقاد أن معظم مرتادي المقاهي ليلاً مدمنو مُشاهدة إباحية بالضرورة.  لهذا السبب تغلق، في الغالب، مقاهي الانترنت أبوابها بين 11 مساء والواحدة بعد منتصف الليل باستثناء تلك التي لدى مُلاكها نفوذ، أو علاقة ما، بعاقل الحارة أو قسم الشرطة القادران على تذليل، أو افتعال، الصعاب بمعزل عن جهة الاختصاص (وزارة الثقافة).
 
 
السلحفاة.. شعار الانترنت في اليمن:
 
 
دخلت خدمة الانترنت اليمن عام 1996م. وتزايد الإقبال عليها مع انتفاضات "الربيع العربي" عام 2011م نتيجة الدور الاستثنائي لوسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) في الثورات وظهور ما يُعرف بالمواطن الصحفي. وارتفع عدد مستخدمي الانترنت إلى مليوني ونصف مستخدم عام 2013م بزيادة 43% عن العام الذي قبله. في حين يقدّر مشتركو الشبكة عبر خدمة الـ(EDSL) بـ240 ألف مشترك، حسب آخر تقرير حكومي (1).
 
 
تحتكر خدمة الانترنت في اليمن شركتان فقط: الأولى تيليمن كشراكة بين الحكومة وشركة "كيبل أند وايرلس البريطانية" (2)، والثانية (يمن نت) وهي شركة تابعة لمؤسسة الاتصالات الحكومية أنشأت عام 2001م وصارت المزود الرئيس للخدمة (3). وفي وقت سابق قالت منظمة هيومان رايتس إن الحكومة "استعاضت عن الرقابة المباشرة بتقييد الاستخدام بصورة غير مباشرة عن طريق احتكار تقديم الخدمة والإبقاء على أسعارها مرتفعة للغاية لدرجة تعجز الكثير من المواطنين عن استخدامها" (4). فعلياً، لم تنخفض الأسعار بشكل ملحوظ إلا عام 2012م.
 
 
ويتهكّم اليمنيون في مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) من رداءة وبطء الانترنت، فيستبدلون شعار شركة يمن نت، مزوّد الخدمة، بصورة سلحفاة ويحرّفون عبارتها التسويقية إلى معنا اتصالك (أبطأ) بدلاً عن أسرع. لكن العيوب التقنية للخدمة، وبطء سرعة الانترنت باتا من الأمور الترفية والثانوية، خلال الثلاثة الأشهر الماضية، مع زيادة ساعات انطفاء الكهرباء وانعدام الوقود المشغّل للمولدات الكهربائية نتيجة الأزمة المالية وارتفاع عجز موازنة الدولة لخمسة مليارات دولار(5). ومما يزيد الأمور سوءً ويتسبّب في تعطل الانترنت لساعات، أحياناً، تعرض كابلات الألياف الضوئية لأعمال تخريب منظم من مجاميع مسلحة، حتى أن السلطات أعلنت عن 180 حالة اعتداء (6) خلال عام واحد.
 
 
حَلْق رأس من يتصفّح المواقع الإباحية في الانترنت :
 
 
كشريحة واسعة من الشباب يفضّل محمد الاتصال بالشبكة عبر مقاهي الانترنت لا هروباً من رقابة العائلة فحسب، وإنما لعدم امتلاكه كمبيوتراً محمولاً كطالب ينتمي لأسرة محدودة الدخل. ورغم الطفرة التقنية الهائلة التي سهّلت الاتصال بالانترنت بفضل الهواتف الذكية، ما تزال أسر محافظة تمتنع عن إدخال خدمة الاشتراك المنزلي خشية إفساد سلوك أبنائها أو إلهائهم عن واجباتهم الدراسية.
 
لا تمارس الأُسر وحدها الرقابة أو الحظر. قبل سنوات أمرت الحكومة، استجابةً لضغوط رجال دين، بإزالة الحواجز العازلة بين المستخدمين في مقاهي الانترنت، وكشف شاشات الكمبيوتر إلى الخارج باتجاه باب المقهى(7) منتهكةً الحرية الفردية وخصوصية تصفح الانترنت. في الماضي القريب، قبل مارس 2006م، كان مرتاد مقهى الإنترنت يحظى بالخصوصية من خلال حواجز خشبية تفصل بينه وبين المستخدمين الآخرين وتحول دون أن نظر أي شخص، في المحل أو المارة، إلى ما يتصفحه أو يكتبه.
 
 
ورغم أن مؤتمر الحوار الوطني شهد نقاشاً مفتوحاً حول قضايا كتغير شكل الدولة من بسيطة إلى مركبة، وتوزيع عائدات النفط بنسب معينة بين المركز والأقاليم، وتحديد سنّ الزواج، وشارك فيه مثقفون وحقوقيون وقوى يسارية وليبرالية إلا أن خصوصية تصفّح الانترنت، كجزء من الحرية الفردية، لم تكن ضمن نقاشاتهم(8). وتشغل هذه القضية حيزاً من النقاش الجانبي في المجتمع لدرجة أن مجلس الوزراء همّ، في وقت سابق، بإصدار قرار يقضي بـ"منع الأطفال دون سِنّ الثانية عشرة من ارتياد مقاهي الإنترنت وسحب تصاريح العمل عن مراكز الإنترنت المخالفة للقانون". وجاء ذلك استجابة لبعض أعضاء البرلمان اللذين طالبوا (مايو 2009م) -لا بصدور قانون تنظيم تجارة وحيازة السلاح الذي تعاني منه، وبسبب انتشاره، البلد- وإنما بسنّ عقوبة تعزيرية بـ"حلق رأس من يتصفح المواقع الإباحية في الانترنت"! (9)
 
 
محتوى هذا الفيديو محظور في بلدك:
 
 
خلافاً للدستور الذي يحرّم "التدخل في الحياة الخاصة" تتم مراقبة الهواتف والحسابات الالكترونية (10) دون إذن قضائي. لدى الحكومة اليمنية سجل حافل في حجب المواقع الإخبارية الحزبية والمستقلة (11). لكن قائمة ممنوعات "يمن نت" لا تقتصر على مواقع المعارضة السياسية. فإلى جانب مواقع الجنس
والمثلية ومواقع كسر الحجب المعروفة (12) تحجب أيضاً عدداً من المواقع الثقافية والفكرية كالحوار المتمدن مثلاً. حتى المقالات العربية والأجنبية القليلة التي انتقدت سياسة الحظر في اليمن تعرضت للحجب (13).
 
 
تؤكد "يمن نت"، بلغة تعميمية فضفاضة، أنها تقوم "بحجب ما لا يتفق مع العقيدة والعادات والتقاليد ومع السيادة الوطنية"، أو "يتنافى مع الأخلاق والدين والعادات الاجتماعية" أو ما من شأنه الإضرار بـ"الوحدة الوطنية" (14). ومقابل سياسة الحظر المتشددة تجاه النقد والحريات الشخصية، ومواقع المعارضة والأديان والإباحية، تبدو "يمن نت" أكثر تسامحاً مع منتديات، ومقاطع فيديو، تنظيم القاعدة.
 
 
قبل أيام حاولت مشاهدة إحدى حلقات مسلسل شياطين دافينشي (Da Vinci's Demons/ إنتاج قناة Starzالأمريكية) في موقع youtube، فصُدمت إذ ظهرت أمامي عبارة: "محتوى هذا الفيديو محظور في بلدك"! بينما في وسعي بنقرة زرّ، ودون برامج كسر، مشاهدة عمليات تنظيم القاعدة ضد مواقع عسكرية، أو إعدام جنود، أو معارك الحوثيين والسلفيين في دماج، وأية مشاهد مشجعة على العنف والاقتتال.
 
 
إن حكومة تحظر مسلسل دافينشي العالم والرسام، وهو مثالٌ واحد من ألف، بينما لا تتحفظ، أو تضع قيوداً، على مشاهدة مقاطع فيديو مشجّعة على العنف، تبدو داعمةً للإرهاب أكثر منها محاربة له. ربما لهذا السبب سَمِع العالم باليمن من خلال أخبار عمليات القاعدة، ولم يسمع بحضارته وجمال طبيعته وفنانيه، وبخاصة الرسّام الراحل هاشم علي.