آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-12:25ص

ملفات وتحقيقات


زليخة : حكاية كفاح أمرأه أجبرتها الحرب على أن تترك الطب لتصبح من أنجح سيدات الأعمال بحضرموت

الجمعة - 25 يوليه 2014 - 06:04 م بتوقيت عدن

زليخة : حكاية كفاح أمرأه أجبرتها الحرب على أن تترك الطب لتصبح من أنجح سيدات الأعمال بحضرموت
سيدة الاعمال زليخة

تقرير لـــ / محمد اليزيدي

 

لم يكن ليخطر في بال الطبيبة " زليخة الحمومي " الحضرمية الأصل، الصومالية المولد، في يوم ما من سنوات حياتها الماضية أنها سوف تضطر إلى تترك مهنتها التي درستها في أفضل الجامعات الصومالية. لتوجه بوصلة حياتها في تجاه أخر لم ترسمه لنفسها. لقد كانت الحرب الأهلية الصومالية نقطة تحول كبيرة في حياتها، مثلها مثل الملايين من أبناء شعبها.

في عهد الرئيس الصومالي الأسبق "محمد سياد بري" والذي وصل إلى سدة الحكم في البلاد في 21 أكتوبر عام 1969 عن طريق انقلاب عسكري، تحصلت " زليخة الحمومي " على تعليمها الجامعي وباتت تمتلك الشهادات الجامعية التي تُمكنها من ممارس مهنة الطب وإجراء العمليات الجراحية لمرضى.

غير أن الصراع السياسي الذي شهدته البلاد آنذاك، وأدى إلى الإطاحة بنظام الرئيس "بري" والذي كان يتبنى سياسة شيوعية ماركسية، واندلاع الحرب الأهلية الصومالية عام 91، كل هذا أدى بالطبيبة "زليخة" إلى ترك عملها، نتيجة للمخاوف و التهديدات التي كانت حينها تطال كل من الأطباء والتجار والمثقفين، كان جميع هؤلاء يشعرون حينها بالخوف بعد أن تلقوا تهديدات بالاختطاف والقتل. فلم تجد أمامها سوى مغادرة الصومال برفقة زوجها والانتقال إلى "اليمن" بلدها الأصلي.
تنتمي "زليخة" لقبيلة الحموم الحضرمية ذات الصيت الشهير. فوالدها هو السيد " عمر علي الحمومي". ويتزعم حالياً أحد أفراد هذه القبيلة، حلف قبلي يضم غالبية قبائل حضرموت، يُطلق عليه (حلف قبائل حضرموت). فيما تنتمى والدتها إلى قبيلة حضرمية أخرى هي قبلية العمودي.
البداية

حينما وصلت "زليخة" وزوجها الصومالي الجنسية إلى المكلا، لم تكن تعرف شيء عن التجارة بالمواشي ، وبسبب ضعف "بصرها" لم تعد قادرة على مواصلة مهنتها الأولى "الطب"، لذلك قررت أن تخوض غمار التجارة، وهو مضمار سباق وتنافس محموم ، ولم يكن من المألوف أن تعمل النساء فيه، فهو ظل لسنوات طويلة حكراً على الرجال، خصوصاً في مجتمع محافظ كالمجتمع الحضرمي.

بدأت السيدة الهاربة وزوجها، من جحيم وويلات الحرب الأهلية الصومالية، نشاطها التجاري لأول مرة عام 94، وذلك من خلال التجارة بالسمن والعسل واللبان و الزيت وغيرها من المنتجات الخفيفة. وبعد ذلك بدأت تخطو أولى خطواتها في تجارة بيع المواشي المستوردة من الصومال، فكانت البداية بنحو (50) رأس فقط، ثم بعد ذلك أرتفع العدد إلى (100) رأس، وهكذا أستمر الحال في الارتفاع حتى وصلت الكمية إلى آلاف الرؤوس من لأغنام والبقر والجمال، والتي يتم استقدامها من جمهورية "بونت لاند" التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عن الصومال عام 98.

وبالإضافة إلى أنها تبيع المواشي بالجملة، أصبحت تمتلك الأن أربع محلات لبيع التجزئة. لتتحول الطبيبة إلى أكبر تاجرة للمواشي في حضرموت، فنشاطها التجاري يصل إلى مناطق مختلفة من المحافظة كسيئون وميفع ودوهم وتريم، بالإضافة إلى المكلا وغيرها.


بالرغم من أن " زليخة" لا تُجيد النطق باللغة العربية بشكل مثالي، إلا أن الأمر يختلف تماماً حينما تُحدثها باللغة الإنجليزية أو الصومالية. ضعف لكنتها العربية لم يكن ليمنعها من إقامة أفضل العلاقات التجارية مع الكثير من التجار والمؤسسات والجمعيات الخيرية في حضرموت، حيث باتت وكالة "زليخة" لاستيراد المواشي هي الخيار الأول لغالبية تلك المؤسسات والجمعيات الخيرية لتلبية احتياجاتها من لحوم المواشي لتنفيذ خططها وبرامجها الخيرية السنوية والاغاثية.

لم تكن هذه المرأة العصامية لتحصل على ثقة هذه المؤسسات والجمعيات، إلا بعد أن لمس الجميع أمانتها ووفائها في تنفيذ التزاماتها في الوقت المناسب ، رغم كل الصعوبات التي تواجهها، حيث أن عمليات الفحص الطبي للمواشي في ميناء بوصاصو الصومالي، قد تأخذ الكثير من الوقت، وكذلك الحال بالنسبة لعمليات الفحص الطبي وإجراءات التأكد من سلامة المواشي وتناسبها مع المواصفات الشرعية للأضحية، والتي يتم إجراؤها في جمارك ميناء المكلا بإشراف مباشر من قبل مكتب الزراعة والري بساحل حضرموت.

وعن علاقتها بالسلطات المحلية بالمحافظة تقول "زليخة" أنها تمتلك علاقات طيبة وجيدة مع المسؤولين في المؤسسات الحكومية المرتبطة بمجالها التجاري، كالغرفة التجارية والضرائب والجمارك والميناء، وهي علاقة تصفها بالجيدة كونها قائمة على الاحترام المتبادل والعمل السليم واتباع الاجراءات الرسمية بصورة صحيحة وقانونية.


تاجرة الأغنام، أو كما يطلق عليها البعض لقب ( أم سعيد) كناية باسم نجلها الأكبر، وهو واحد من أربعة عشر طفلاً أنجبتهم (عشر فتيات، وأربعة صبيان) تُشير إلى أن العمل في تجارة استجلاب المواشي تعتمد على المواسم والمناسبات. لتضيف قائلاً " ورغم هذا هي ليست ببسيطة ويلزمها الكثير من الجهد والتحديات حتى تتمكن من إيصال طلبات زبائنها في الوقت المناسب". وربما هذا هو أحد الأسباب التي تجعل رفيقاتها من سيدات الأعمال يتجنبن خوض ضمار مثل هذه التجارة.
وبحسب ما قدمته لنا من معلومات، فأن حقيقة أن تجارتها تعتمد على مواسم الأعياد والأعراس والمناسبات الدينية، لا يُسبب لها مشاكل في العمل، فهي لا تعتمد فقط على تجارة استيراد المواشي، بل تعمل أيضاً في مجال تصدير العصائر والمشروبات الغازية والبسكويت إلى الصومال، حيث تمتلك هنالك بعض المستودعات التجارية.

مؤسسة للتربية الحيوانية


تمتلك " زليخة" عضوية غرفة تجارة وصناعة حضرموت من درجة كبار الأعمال (VIP)، وهذا ما يجعلها إحدى أبرز سيدات الأعمال الحضرميات، بيد أن ما يميز "زليخة" عن بقية تجار المواشي وعن زميلاتها في مجلس سيدات الأعمال، أنها تُحب مجال عملها وتسعى لتطويره بحيث لا يُصبح منحصراً في الاستيراد والتصدير فحسب.


خلال الفترة القليلة المقبلة تستعد "زليخة" لافتتاح مؤسستها الخاصة للتربية الحيوانية، بمنطقة ميفعة، بعد أن انتهت تقريباً من إنهاء كافة التراخيص والمعاملات الحكومية اللازمة لهذا الأمر. وتسعى من خلال هذه المؤسسة إلى توفير احتياجات السوق من اللحوم ومنتجات الحيوانات، خصوصاً وأنها تنوي أن تُربي بها الأغنام والبقر والجمال.

زوجي يدعمني

في مجتمع محافظ كالمجتمع الحضرمي، من النادر أن ترى سيدة تخوض في ضمار العمل التجاري والاختلاط بالرجال بشكل كبير خصوصاً في عملية البيع والشراء، قد يُسبب هذا الأمر مشكلة بالنسبة للرجل، خصوصاً إذا ما كان شرقياً.

غير أن الحالة مختلفة تماماً مع السيدة "زليخة" فهي تقول أن عملها لم يكن ليؤثر على حياتها الخاصة، فزوجها يُمثل لها أحد أهم عناصر الدعم والقوة لمواصلة نشاطها. وعن علاقتهما تختصر الإجابة بالقول " هو يدي اليمنى، وأنا يده الشمال .. نحن نُكمل بعضنا البعض ".

خاتمة

تستحق تجربة "زليخة" أن نقف أمامها إجلالاً، ونرفع لها القبعة احتراما، فالسيدة التي هربت قبل أكثر من عقد من الزمان من ويلات جحيم الحرب في وطنها الثاني "الصومال" عملت بجد وباجتهاد، حتى أصبحت اليوم على ماهي عليه. وأصبحت كذلك سبباً رئيسي في إعالة وإطعام أكثر من عشر عائلات، حيث يعمل لديها نحو 14 عاملاً.


"زليخة" التي دائماً ما تُردد على لسانها جملتي " ما شاء الله" و " الحمد لله" تقول أن الله قد بارك لها في عملها، لأنه صادقة في تعاملها مع الأخرين.

قد يكون ما تقوله هذه السيدة صحيحاً، ولكني أعتقد أنه الله يُبارك عملها ليس لأنها صادقة في تعاملها مع الأخرين فحسب، بل لأنها دائماً ما نجدها تعطف على الفقراء والمساكين من أبناء شعبها الصومالي الذين هم أيضاً وجدوا في "أرض حضرموت" ملاذاً آمناً يُقيهم ويلات الحرب الأهلية التي تعصف ببلدهم الأم منذ نحو ثلاثة وعشرين عاماً.