آخر تحديث :الإثنين-29 أبريل 2024-01:45ص

دولية وعالمية


متاهة القصر: الرئيس السيسي.. ومستقبل الخصوم

الأربعاء - 04 يونيو 2014 - 10:14 م بتوقيت عدن

متاهة القصر: الرئيس السيسي.. ومستقبل الخصوم
الدعاية الانتخابية للرئيس عبدالفتاح السيسي خلال حملته الانتخابية

المجلة

انتهت الانتخابات المصريّة معلنة عن فوز مرشحها الأبرز والأشهر المشير عبد الفتاح السيسي؛ على أمل أن تنهي معها “المهاترات” السياسية، والحروب الكلاميّة، وعسى تنقل المصريين من مسلسل الانقسام الوهمي، إلى المرحلة الأكثر جديّة، والموعودة بتحسينات: “رجل الشعب” في مواجهة الواقع. ما يطرح السؤال الجديد: هل يستطيع “المشير” أن ينجح في المهمة التي فشل فيها الرؤساء قبله، أو على الأقل هل يتجاوز الأخطاء التي انزلق فيها خلفه المعزول الدكتور محمد مرسي وجماعته؟

لم تختلف الانتخابات المصريّة للعام 2014 عن تلك التي جرت في العام 2012 سواء الأوليّة أو جولة الإعادة التي انقسمت بين محمد مرسي وأحمد شفيق، وتناصفاها (12 مليون تقريبًا لكلٍّ منهما)، فنسبة التصويت (44%-47%)، ونسبة العزوف (56%-54%) واحدة تقريبًا، وحتى التفسيرات لهذا العزوف، تتكرر بتحسينات وأدلجة معقولة، فمن الحديث عن “صعوبة عودة العاملين في مجال السياحة إلى مناطقهم الأصلية” للحديث عن حرارة الطقس، أو “الثقة في الفوز”، وإن كان عامل الإرهاب يمنح المقاطعة هذه المرة معقوليّة أوسع، إلا أنّ النسبة لا تزال محل دراسة، وتؤشر بوضوح إلى أن “25 يناير” لم يتم قراءة مطالبها بشكل صحيح، وحُمّلت رغبات سياسية غير حقيقية، فلا أحد يريد أكثر من حياة “كريمة”، أما الممارسات الصندوقاوية، فإنّها لا تهم سوى 40% ممن يحق لهم حق الانتخاب.

الجديد في الانتخابات هي رجحان واضح وكاسح لكفة المشير السيسي بنسبة كبيرة، وبأصوات تساوي مجموع من انتخب المعزول والفريق أحمد شفيق في انتخابات 2012 معًا، وهذا مؤشِّر إيجابي، وإن كانت الأحلام السياسية لأنصار السيسي كانت تطمح بأكثر من هذا، ولكن لغة الواقع لا تعرف المجاملات. فالتضامن الهائل إبّان 30 يونيو لم ينتقل بكليّته لصناديق الانتخابات، لأسباب اجتماعية وسياسية معقولة، وللمرة الثانية خلال سنتين، يثبت أن المؤشرات السياسية لا تقرأ شعب مصر، وأن علماء الاجتماع ومخازن التفكير وخبراء الرأي يقفون على مسافة بعيدة، وما زالت النظّارة التي يرون عبرها المجتمع المصري تمنحهم صورة مختلفة عن الواقع، كما ثبت سرعة تغيّر مزاج الناخبين، فالمصالح المتشابكة لا تحتمل أن يتوحَّد الشعب وراء رجل واحد، فكما يقول أحد الظرفاء في شرح الفرضيّة: “لو أيَّد عمدة القرية السيسي فإنّ خصم العمدة سيؤيد حمدين “نكاية في العمدة”.

يقول المراقبون إن ملفات صعبة تنتظر المشير، خاصة وأن الدعاية السوداء بدأت في التصاعد ضده منذ أسابيع، وتزايدت إبّان الانتخابات الأخيرة، ولم يعد الإعلام المصري “كما كان” يغنّي ويمجد، بل إن أصوات ناقدة ستتوالد، ومن حديث المجالس أن السبب الرئيس في تحوّل الإعلام هو طلب المشير مئة مليار جنيه من رجال الأعمال، الذين يرون أنّ المشير هو من يجب عليه أن يوفر لهم المليارات لا العكس؛ لأنهم دعموه بلا مقابل مباشر، هذا التوتر سيقود بعض رجال الأعمال إلى تحريك آلتهم في السوق بما يعيق، وربما يضطر السيسي إلى إنتاج نخبة جديدة من رجال الأعمال عبر التسهيلات أو غيره من أدوات خلق رجال الأعمال، ما يعني أن صراعًا طبقيًا وتغيّرات ستصاحب هذا التحرّك، قد تضيف إلى مصاعب السيسي تحديّات لم تكن متوقعة، خاصة في ظل إغراء إخواني موازٍ.

ملفات صعبة تنتظر المشير، خاصة وأن الدعاية السوداء بدأت في التصاعد ضده منذ أسابيع، وتزايدت إبّان الانتخابات الأخيرة، ولم يعد الإعلام المصري “كما كان” يغنّي ويمجد

في الوقت الذي تحاول فيه آلة خصوم السيسي تحريف حواره مع مجلة أمريكية، ويصرّون على أنه قال “لا مكان للدين في العهد الجديد” نشرت “الفورن إفيرز” في 26 مايو (أيار) 2014 مقالاً يصف السياسي بالإسلامي السرّي، ويعدد صفات “الإسلامي” المحافظ التي يتميّز بها الرئيس المصري الجديد، ويستشهد بموقفه الملتزم بحجاب أقاربه، خطورة هذا أنّه قد يجرّ رفاق الرئيس الجديد لمزايدات لا معنى لها، لتأكيد إسلاميّته أو مدنيّته.

لا يمكن لرجل تربّى في الجيش المصري بانضباطه العالي، ودقته المتناهية، أن يثق في المدنيين من الساسة وحتى التكنوقراط بسرعة، حتى وإن شاركوه في حملته الانتخابية وطموحاته، كما أنّه لن يستطيع أن يخلع البدلة العسكرية “الجوّانية” بسهولة ويسر، وهذا ما سينفّر بعض المقرّبين “الصادقين” من المشير، وربما يتركه لبعض الأجاوف من أنصاف المثقفين، مثلما حدث مع جمال عبد الناصر، والسادات ومبارك، الذين خسروا خيرة رجالهم، الجديد في مشهد الجنرال السيسي، أنّ المقربين إذا نفروا فبوسعهم التأثير بشكل مدمّر، كل هذا يجعل عملية اختيار رجال المرحلة المقبلة، أمرًا دقيقًا قد يأخذ من السيسي -المتأني- زمانًا طويلاً.


عملية الاختيار الطويلة سيعقدها بشكل أكبر، علامات دخول المشير في صراع مع الدّولة العميقة، فإنّ كانت الدولة العميقة ساهمت في فوزه، فإنّه لا يستطيع أن يتهاون معها الآن، لأنه يدرك أنّها في نهاية المطاف الماضي وقبل ثلاثة أعوام تسببت في انهيار حكم الرئيس مبارك، ومهما كانت قوّتها البالغة في المساهمة في عزل مرسي إلا أنّها ليست حليفًا نظيفًا لجنرال يريد تحقيق أحلام البسطاء، وفي الوقت نفسه هناك من يؤكد له أن حسابات السياسة تقول إن حربه معها ستكون محرقة مبكرة، ولكنه كرجل مخابرات يدرك أيضًا أنه لا يمكن إدارة مصر بدون بعض رجال عصر مبارك الشرفاء، ولكن لذلك ثمنًا شعبيًّا، فكيف سيكون الحل؟ هل بتعيينهم مستشارين، أو زيادة الترهل الإداري في جسم الدولة؟ كما لن يفوتنا التذكير بأننا سندخل للحديث عن عزلٍ سياسيٍ جديد، سواء للإخوان أو للحزب الوطني. فهل يقع السيسي في الفخّ المعتاد كما فعل مرسي؟

المال السياسي يملأ مصر، وخلال عامين جرت محاولات إفقار وإثراء سياسية مقصودة، وهذا سيتأثر بـ “معالجة السيسي لخلافاته مع رجال الأعمال”، وهذا سيفيض عنه تغيّرات تستحق الدراسة في الطبقة الوسطى المتحررة من الدولة، فكيف سيخاطب السيسي الطبقة الوسطى ويحل إشكال تحررها من الدولة؟ يقول الخبراء: إن مصر بحاجة إلى مشروع قومي كبير، يشبه السد العالي أو قناة السويس، لا يخلق فرص عمل فحسب، بل يربط الطبقة الوسطى بالدولة والإنتاج معًا، لتحقيق نوع من التوازن، ولزيادة الصبر وتقليل الاحتجاج.

الانتخابات البرلمانية القادمة ستكون هي المضمار الأوسع لاختبار المزاج المصري، فالسيسي الذي دخل الانتخابات بلا حزب، لا يمكنه أن يشكل تيارًا مواليًا داخل البرلمان، وبالنظر إلى المشهد الحالي فإنّ الفاعل السياسي لم يتغيّر على المستوى الفردي، فأفراد الحزب الوطني والإخوان توزعا بالتساوي على الأحزاب، والكتلة الانتخابية ستقوم بتوزيع نفسها، وهنا يُختبر حكم الرئيس الجديد، وقدرته على إعادة إدماج التيارات بالعملية السياسية. والرّئيس الجديد له تجربة في الدعوة لوفاق السياسيين، وذلك إبّان توليه لوزارة الدفاع.

العلاقات الخارجيّة لمصر تواجهها تحديّات كبرى، كانت المعضلة الكبرى هي نظرة العالم إلى حركة “30 يونيو”، ولكن الانتخابات يُنتظر أن تكون طوت الفصل تمامًا، ويمكن لبعض الإشارات التي يرسلها الرئيس في تصريحاته المقبلة أن تمنح العالم الصورة المشرقة، التي تساهم في عودة مصر ولو على مضض.

فالأوضاع في سوريّة، وتسرّب الجهاديين وتشابكهم مع سيناء، وتعقيدات “كامب ديفيد” من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن المصادر لا تهوّن من الخطر الوارد من ليبيا المضطربة التي يحاول خصوم السيسي استغلال فوضاها لبناء عمل مسلّح ضده- تحتاج إلى حلف دولي قادر على مكافحتها.

إلى الآن ما زال أمام المشير الفرصة الكافية لترتيب أوراقه، ولصناعة مناخ مناسب لحياة مصريّة معافاة من المعيقات والمكدرات والفساد، ولتحقيق أحلام الجميع، ولكن عليه أن يكون ذكيًّا كفاية لتفادي أخطاء مرسي، ومبارك معًا، لو استطاع، وأن يضمّ إليه حمدين صبّاحي والأصوات الباطلة.