آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-09:33ص

ملفات وتحقيقات


هل نستقي معلومات مجتمعنا من الغرب؟!

الأربعاء - 09 أبريل 2014 - 08:10 م بتوقيت عدن

هل نستقي معلومات مجتمعنا من الغرب؟!
من داخل جامعة أكسفورد ببريطانيا

بقلم : أحمد الحناكي - المجلة

الغرب متقدِّم علينا تقنيًّا وعسكريًّا وتنمويًّا وصحيًّا وتعليميًّا وعمرانيًّا وديمقراطيًّا، وهذه نقاط لا يجادل بها عاقل. الغرب تنتشر به منظمات حقوقية، ومجتمع مدني، ومؤسسات خيرية، وجمعيات إنسانية، ومراكز أبحاث متقدمة، في الوقت الذي نفتقر فيه إلى كل ذلك، وأعني العرب على وجه الخصوص.

كل ما تقدم يعرفه الجميع، ومن الصعوبة بمكان أن تقنع أحدًا بعكس ذلك، فلا الشمس تشرق إلا صباحًا، ولا يظهر القمر إلا ليلاً، إنها حقائق وليست نظريات مشكوك بها. لكن المؤلم هو أن نعتقد أو أن نتصور أنهم أفضل منا بأمور أخرى، مثل المعلومات عنا وعن ثقافتنا وطبيعتنا وعن تاريخنا وعن خلافاتنا إلى آخره.

محمد حسنين هيكل الكاتب الصحفي الكبير دائمًا ما يكتب عن لقاءاته مع السياسيين والمفكرين والإعلاميين الغربيين، الذي ينقل عنهم آراء ومعلومات واستنتاجات واستنباطات وتوقعات ومفاجآت ستحدث أو حدثت في عالمنا العربي أو بمصر خصوصًا على اعتبار أنها موطن هيكل، وبعيدًا عن صحة أو عدم صحة ما ينقله، فإن المجتمع المصري أكثر انفتاحًا للغرب من الخليج على سبيل المثال، ومن الممكن أن يستطيع الغربيون عمل نوع من الأبحاث والاستقصاء والاستبيان بما يتخلل ذلك من مقابلات كثيرة لا حصر لها، فليس مثيرًا للتساؤل اجتماع على قهوة في أي مكان في القاهرة أو الإسكندرية بين غربي ومصري.

في المملكة على وجه التحديد الأمر مختلف تمامًا؛ فطبيعة المجتمع مختلفة ومحافظة أكثر، فضلاً عن أن زيارة المملكة بهدف عمل دراسات وأبحاث كغيرها من الزيارات ليست من السهولة بمكان، وحتى لو تمت فسيواجه الباحث عدة مصاعب لاختيار العينات والمقابلات.

ما يحدوني إلى كتابة هذا الموضوع إنما هو أن بعض الكتاب الصحفيين كثيرًا ما يستدل ويستشهد بآرائه اتكاءً على باحثين غربيين مرموقين لتفسير بعض الظواهر والحالات التي تحدث في بلادنا أو بلاد أخرى ليست بلادهم، طبعًا هناك حالة من الانبهار بالغرب حتى لو كان المنبهِر أكثر عمقًا من المنبهَر به؛ وهذا نتيجة لإرهاصات تاريخية، ولأن هنالك ما نشأنا عليه، ومن الصعوبة أن نتخلص منه بين يوم وليلة. وهنالك سبب آخر –برأيي- وهو التكاسل الذي يجعله يقتبس الرأي الجاهز مع قناعته بصحته طبعًا، فضلاً عن رغبة من البعض باستعراض معرفتهم باللغات الأجنبية، وهي عقدة لدى كثيرين من العرب.

سأوضح فكرتي ببساطة أكثر بتشبيه مختلف، هي أن كثيرًا من مرضى القلب أو السرطان أو غيرها من الأمراض المستعصية عندما يراجع بعض المستشفيات المحلية للعلاج، ويشخِّص الطبيب حالته لا يقتنع حتى لو كان التشخيص إيجابيًّا (دعونا من حالات الإهمال أو التقصير من بعض المستشفيات) وبعدها يتجه إلى أوروبا أو أمريكا ومعه التقارير، ليفاجأ بأن الطبيب الأمريكي سيصف نفس ما وصفه طبيبه السعودي.

طبعًا الطب شيء عام، وبالتالي يملك الطبيبان نفس الفرص بالكشف والفحص والعلاج، لكن الباحث في القضايا لا يمكن أن يكون كما المتخصص في وطنه، يعني لا يستطيع باحث أمريكي مهما كانت قدرته أن يعرف الأسباب الدقيقة لما يفعله شبابنا من الذهاب للجهاد في أفغانستان سابقًا أو لاحقًا في الشيشان أو البوسنة أو العراق أو سوريا، وتفسير هذا الاندفاع لجبهة النصرة وداعش مع أنهما متنافرتان، بينما يستطيع الباحث السعودي الجاد أن يعرف الأسباب أكثر منه.

وإذا كان البعض يعتقد أن السبب دنيوي لا ديني فهو واهم، وبعيدًا عن دول أخرى كالأردن أو الجزائر أو فرنسا فإن الرابط الأكبر بيننا وبينهم هو تطرف المجاهدين الديني منا ومنهم، وبالنسبة لنا على وجه التحديد لا يقدم سعودي على الانتحار بعمل إرهابي إلا إذا كان يعتقد أنه شهيد في الجنة.
إنه كما أسماه الإعلام الإطار الدلالي، وهو العبارات والمفردات والتصرفات والإشارات والرموز التي لا يعرفها إلا أبناء المجتمع الواحد، ثم إن الباحث السعودي تأتيه المعلومات وهو مسترخٍ في منزله، أو يعمل في مكتبه أو في أي مناسبة اجتماعية، فلا يخلو منزل سعودي من متطرف، أو صديق لمتطرف، أو قريب له.

نعم للغرب مزايا ومهارات لا تتوافر لدينا أو لمعظمنا، كالجدية والأقدمية واحترام الأبحاث التي يقومون بها، إلا أن كل ذلك لا يجعلهم يضارعوننا في اكتشاف أنفسنا أكثر منا، نستثني المستشرقين الذين قدموا لجزيرة العرب قبل توحيدها، والرحلات التي قاموا بها مستكشفين العادات والتقاليد، ومحاولاتهم التعايش بل والزواج أحيانًا من السكان، وبعض هذه الرحلات تستغرق سنوات طويلة، ويخرج منها طبعًا بكنز من المعلومات.. هذه الرحلات انتهت الآن مع وجود البديل من وسائل الاتصال الاجتماعي، ومع توطين البدو والتحول للمجتمع المدني، فضلاً عن توحد المصادر للمعلومات.