آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-01:47م

خواطر موظف

الخميس - 09 مايو 2024 - الساعة 09:51 م

ناصر الوليدي
بقلم: ناصر الوليدي
- ارشيف الكاتب




في عام ١٩٩٦م جرى تعييني مدرسا في مدرسة قريتي (أورمة) بمودية محافظة أبين بعد حصولي على شهادة البكالوريوس من كلية التربية جامعة صنعاء قسم الدراسات الإسلامية. 
أعترف أن الوظيفة كانت بالنسبة لي حلما كبيرا، وأني فرحت بها فرحا كبيرا كما فرح بها أبواي وجميع أهلي، وفي أول راتب تسلمت (٩٦٠٠) ريال ما يعني أنه كان ضعف راتب الجندي في تلك الأيام، وكان هذا المبلغ يوفر الكثير من الأشياء الضرورية والتي جعلتنا ننخدع ونستروح إليه ونفكر من خلال صندوقه. 
كانت الوظيفة في تلك الأيام حلما يراود الكثيرين، حتى أن بعضهم رغم أنه يملك الشهادة إلا أنه أضطر أن يشتري وظيفته بمئات الآلاف، بل هناك فيما بعد من اشترى وظيفة بمليون ريال. 
وبعد مرور (٢٧ سنة) على تلك الوظيفة أستطيع أن أقول أن الوظيفة أكبر كذبة انخدعنا بها وعلقنا بها مستقبل حياتنا وصرفنا فيها زهرة شبابنا. 
ها أنا اليوم بعد (٢٧ سنة) من عملي هذا لم أستفد من هذه الوظيفة سوى البقاء على قيد الحياة، فما بنيت منها بيتا ولا أشتريت منها سيارة ولا ملكت رصيدا. 
ها هو راتبي بعد (٢٧ سنة) من خدمتي يساوي بالضبط (٢٢٢) ريال سعودي، بينما زملائي الذين لم يلهثوا وراء الوظيفة ولم يحرصوا عليها، منهم من أصبح رجل أعمال، ومنهم من بنى بيتا فاخرا وملك سيارة جميلة وعاش مرفها لا يعرف الديون ويتصدق ويساهم في أعمال البر . 
حدثني زميل عمل عندما أحيل إلى التقاعد بأنه منذ ٣٥ سنة خدمة لم ينم ليلة واحدة إلا وهو مديون. 
ولهذا أقول بعد تجربتي أن الوظيفة أكبر غلطة أرتكبتها في مسيرة حياتي الدنيوية. 
الوظيفة تجعل منك نصف عبد وتربطك مدة ٣٥ سنة وهي سنوات شبابك وقوتك وحيوتك وقدراتك، فتحرمك من السير في الأرض وخوض التجارب والسعي في الحياة والبحث عن فرص عظيمة، ولو عاد الزمان من جديد لرفضت هذه الوظيفة ولو جيء بها إلى بيتي. 
ولهذا على الشباب أن يتحرروا من عقدة الوظيفة التي عطلت قدراتهم وشلت حركتهم وحولتهم إلى جيل معاق. 
أعرف بعض الشباب تخرج من الجامعة منذ أكثر من عشر سنوات ولايزال ينتظر الوظيفة منذ ذلك الحين، فيقضي أوقاته في النوم والأركان والشواطيء، بالله عليكم ماذا سينجز هذا الشاب خلال عشر سنوات لو أنه فكر في البحث عن فرص أعمال ومشاريع خاصة أو تعلم مهنا عصرية تفتح له آفاقا واسعة في طلب الرزق. 
أعرف شابا يعمل في (بيع العتر) يكسب في الشهر أكثر من (٩٠٠ ألف ريال) يمني وأعرف آخرين نزلوا إلى السوق ووجدوا فرصا كثيرة لحياة كريمة، يصونون بها وجوههم ويبنون بها حياتهم، فتزوجوا وبنوا لهم البيوت وألحقوا أبناءهم في مدارس خاصة وامتلكوا سيارات فارهة. 
أعرف شابا يحمل شهادة الماجستير في التربية ولم يحصل على وظيفة ولم يستفد من هذه الشهادة ريالا واحدا، فنزل إلى سوق العمل وخاض التجارب وهو الآن يستأجر بيتا جميلا بألف ريال سعودي ويمتلك سيارة سنتافي جميلة وله طفلتان ويعيش حياة طيبة. 
إن الرزق والتوفيق بيد الله تعالى وحده ويجب أن يستحضر الشباب ذلك ويؤمنون به فيتوجهون إلى الله تعالى أن يمنحهم من خزائن رزقه وتوفيقه وبركاته، فينزلون إلى الحياة متوكلين عليه متفائلين بتوفيقه مستخدمين الأسباب الممكنة وسيرزقهم كما يرزق الطير. 
قال تعالى " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ". 
وقال أيضا " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ". 
وقال سبحانه " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " 
واليوم تفتحت أبواب كثيرة للرزق من خلال التقنيات الحديثة، تحتاج أن يستوعب الشباب مجالاتها وفرصها فيؤهلون أنفسهم لاقتحامها والبحث عن فرص النجاح من خلالها.
بل هناك فرص بسيطة ولا تحتاج رأس مال كبير ولا تفكيرا معقدا يمكن أن توفر مجالات عمل ناجحة. 
وهناك أعمال ومجالات ممكن يتدرج فيها الشاب ويرتقي بسرعة. 
هناك فرص للذين لم يتلقوا تعليما للعمل في تربية الأغنام والنحل وصيد الأسماك والبيع والشراء في الأسواق ووو . 
ما أريد قوله أن المغامرات الجريئة والتحدي، وقبلها التوكل على الله قد تدخل عليك خلال (٥ سنوات) فقط ما تدخله الوظيفة خلال ٣٥ سنة، فلهذا اكسروا وهم الوظيفة ففرص النجاح على جانبي الطريق. 
.