آخر تحديث :الجمعة-17 مايو 2024-01:31ص

التغني بالتاريخ اليمني بصوت مبحوح

الخميس - 02 مايو 2024 - الساعة 08:39 ص

د. محمد الميتمي
بقلم: د. محمد الميتمي
- ارشيف الكاتب


د./ محمد الميتمي

كتب اليوم الخميس ٢ مايو ٢٠٢٤ في صحيفة (عدن الغد) الأخ العزيز والمثقف الملتزم والسياسي المخضرم سعادة سفير الجمهورية اليمنية الدكتور ياسين سعيد نعمان رسالة قصيرة جانبية إلي مشجعي نادي ريال مدريد يحذرهم من الركون فقط إلي أمجاد ماضي هـذا النادي لتحقيق الانتصارات في المنافسات الرياضية على القمة دون الاخذ في الاعتبار وفي المقام الأول ما يمتلكه النادي في الوقت الحاضر من مقومات القوة وأدوات الفعل في المنافسة الضارية بين مختلف للتربع علي القمة.

الرسالة الحقيقة والمقصود بها هم أبناء الشعب اليمني وقواه السياسية والمثقفين والنخب الذين أغفلوا شروط وديناميات القوة والنهضة الحقيقية الكامنة في المجتمع اليمني ومحركات التغيير والتقدم المتدفقة في مجرى العصر الحديث ليتغنوا بدلا عن ذلك بتأريخ مجيد صنعه أجدادهم قبل الاف السنين ويتشبثون بأهدابه المحنطة دون أي جهود تذكر لبعثه وإحيائه وتطويره بشروط وأدوات الحاضر. هكذا فعل الصينيون واليابانيون ويفعل المصريون والهنود اليوم.
لا شك أن تأريخ وثرات أمتنا اليمنية العريقة غني وأصيل ويمكن أن نستلهم منه الدروس والعبر لتجاوز محنتنا الراهنة العميقة والشاملة التي تهددنا بالفناء. ولكن ليس بهذه الطريقة التي نبجل بها الماضي البعيد كصنم مقدس نشعل المباخر ونتلوا الأغاني والصلوات في مقامه ونستدعيه بالنواح والتباكي عليه.
علينا نحن اليمانيون اليوم مهمة جسورة وصعبة بالتغلب على عبء الذاكرة المستدعاة من أغوار الماضي السحيق والإفلات من النواح المستمر بلا طائل على حضارات بهية، عريقة عبقة لكنها ولت وخبت، ولم تعد تشارك التأريخ المعاصر ثمراته وبهجته وأعياده. لم تعد تلك الحضارات اليمنية القديمة قادرة علي إعادة إنتاج الماضي بمكوناته وأشيائه وروحانيته بحلة معاصرة ليغدو خالقا وخلاقا لديناميات الحاضر وعناصر المستقبل، ما لم يتم حقنها وتجديدها بمعطيات العصر الحديث ومقوماته. لم يعد ذلك التأريخ بمفرده والذي نتغنى به سوى عالم ذو مرايا مهشمة تشوه الأنوار التي تنعكس عليها، أو بتعبير هيجل في توصيفه للتراث " صور بلا روح، غادرتها أرواحها فماتت".
لم يبق منه اليوم سوى شعر عمرو بن معد يكرب الزبيدي، أمرؤ القيس بن بكر الكندي، سيف بن ذي يزن، الأجدع بن مالك الهمداني، نشوان الحميري وأوس بن مالك الجرمي، وعمرة بنت زيد الخولانية، وماريا الحارثية وخولة بنت رئام وغيرهم كثر يحافظون على الذاكرة الأزلية لهذا التراث الذي يخبو مع كل جيل قادم. إنما نفعله اليوم بنواحنا وبكائنا على أطلاله مع عجزنا المريع والمهين في استلهام الدروس منه وإدراك مكامن قوته هو تشويهه وتعريضه للسخرية والتندر والشماتة من قبل الأعداء والخصوم.