آخر تحديث :الخميس-16 مايو 2024-06:08م

في وداع أخي شائع تركي

الإثنين - 29 أبريل 2024 - الساعة 04:48 م

عبدالفتاح التركي
بقلم: عبدالفتاح التركي
- ارشيف الكاتب


لا أعرف كيف ابدأ وكيف أنهي هذا المقال، لأنني لن أقدر أبداً أن أفي هذا الرُجل العظيم حقه، ولا يمكن أن أصف حُبّي واحترامي وتقديري له، ولا أستطيع ان أسرد مواقفه وتاريخه ونبله وشهامته في أسطر قليلة ، أحب الناس وأحبه الناس.

لعل الحروف إن نطقت وخرجت عن صمتها ستفضح الجرح رغماً عن صاحبها، ويستظل الرجل يديه كي يخفي خرير الدمع من عينيه كي لا تحرقه شمس الآخرين بنظرة حُزن، وكي لا يشرك الناظرين بغرق عيونه في بحر دموعه.

بقلوب يعتصرها الألم مؤمنة بقضاء الله وقدره رحل عنّا أخي الغالي وابن العم شائع احمد تركي.
ليس هناك أشد قسوة وألماً على الشخص أكثر من أن يسمع نبأ وفاة أخ كان قريب له.

نبأ تمنيت أن تبتلعني الأرض ولا أسمعه ، نبأ صادم لم أعرف كيف أتصرّف معه ، فقدت بوصلتي ، اتحرك في غير قِبلتي ، فقدت فيه الكثير منّي ، ولكنني حاولت أن أتماسك بكبرياء وإلا لو فتحوا مابداخلي في حينه لوجدوني هش جرّاء النبأ الصادم، شعرت وكأن الدنيا تخبط عليّ خبط عشواء بقسوة وبدون شفقة وبدون هوادة، سلبتنا حبيباً وأخاً وقريب وتركتنا حيارى في قبضة الزمن الغاشم الذي لا يرحم.

لقد خطف الموت الزؤام منّا في لمح من البصر ، في غمضة عين ، بين عشية وضحاها أبى احمد ومعتز في لحظة ننتظر فيها نبأ سلامته وسيعود قريباً سالماً معافى إن شاء الله لكنها الأقدار التي نؤمن بها ونسلّم أمورنا لها ونحتسب ونصبر ونرضى بها.

أيها الأخ الغائب أبى احمد ومعتز أنني ما زلت أتذكر ابتسامتك المعهودة، وتواضعك الجم، وكلماتك المنتقاة، المتناغمة المتراصة، كنت تبادلنا بها ، كنت طيَب القلب، هادئ البال، وديع النفس، رقيق المشاعر، حميد الخصال.

وإن كانت شهادتنا بك مجروحة فها هي جموع المصلين والمشيعين والمعزيين والبعيدين والقريبين تشهد لك.

ألوفهم المؤلفة تُنبئ عن مكانتك.. وتحكي قصة حياتك، وما زلنا نسمع من قصص القريبين والبعيدين والغرباء معك ما يُضاف إليها لما نعرفه عنك وعايشناك به طيلة فترة حياتك.

لقد كان رحيل الأخ / شائع أشبه بابتلاع قطعة حديدية حادة فلا هي تمضي إلى الأسفل ولا هي تخرج إلى الأعلى ولكنها تبقى غصة عالقة في حناجرنا تخنقنا إلى إن يشاء الله.

نعم أيها الشائع ما أعظم فقدك ! وما أبشع فراقك وما أصعبه، رحلت فجأة عن هذه الدنيا، رحلت وبين حنايا ضلوعي نار تحرق على فراقك، وزفرات تغلي في قلبي وآهاتٍ وأنَّات، ولكن قدر الله فينا ، ونحن راضون بقضاء الله وقدره.
يمر طيفك كل لحظة وهذا هو دليلي إنّك باقِ وحاضر في قلبي إلى ما لا نهاية لأنّك تستحق ذلك الحضور ، رحم الله ملامح وجهك التي أحبها وأحب شهامتها.

إن عزائنا يا توأم روحي بفراقك هو إنّك في عليين، كما بشرَّنا رسولنا الكريم ﷺ الذي قال ( إن المبطون يأتي شهيداً يوم القيامة) وما أصابك من مرض وأنت في عِز شبابك إلّا ما أنبأ عنه شفيع الأمة ﷺ.

خانتني الذاكرة عن المزيد من الكلام وتوقف القلم عن الكتابة وسقطت دموعي منهمرة فأختلطت الدموع بالحبر وصارت الورقة مشوهة فحاولت نقل ما استطعت قراءته وما جادت به ذاكرتي وخطه قلمي قبل أن تسقط دموعي ويتوقف القلم والذاكرة عن الرثاء.

اللهمّ املأ قبره بالرّضا، والنّور، والفسحة، والسّرور. اللهمّ إنّه في ذمّتك وحبل جوارك، فقِهِ فتنة القبر، وعذاب النّار، وأنت أهل الوفاء والحقّ، فاغفر له وارحمه، إنّك أنت الغفور الرّحيم. اللهمّ إنّه عبدك وابن عبدك، خرج من الدّنيا، وسعتها، ومحبوبها، وأحبّائه فيها، إلى ظلمة القبر، وما هو لاقيه.

اللهمّ إنّا نتوسّل بك إليك، ونقسم بك عليك أن ترحمه ولا تعذّبه، وأن تثبّته عند السّؤال.
ونسأل الله أن يصبرنا في مصابنا "وإِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ " .