آخر تحديث :السبت-11 مايو 2024-11:49م

من رواد النضال المدني السلمي في مدينة عدن..

الأحد - 28 أبريل 2024 - الساعة 07:03 ص

يحيى الريوي
بقلم: يحيى الريوي
- ارشيف الكاتب



بقلم البروفيسور يحيى الريوي

هذه الصورة المرفقة بالمنشور إلتقطتها بعدسة كيمرتي وذلك في مثل هذه الأيام عام2008م في مقر الجمعية الخيرية اليافعية / عدن ويظهر فيها رواد النضال المدني السلمي من اليمين:

الأستاذ الدكتور أبوبكر الحامد رئيس قسم اللغة الإنجليزية وأستاذ الأدب الإنجليزي والترجمة في جامعة عدن ،الأستاذ الدكتور قاسم المحبشي أستاذ فلسفة التاريخ والحضارة بجامعة عدن ،الأستاذ الدكتور، محسن وهيب أستاذ علم النفس بكلية التربية صبر - جامعة عدن و الأستاذ الدكتور صالح يحيى سعيد أستاذ علم الإجتماع في جامعة عدن وذلك أثناء قيامهم بتقديم محاضرةفي أمسية ثقافية فكرية بعنوان( أزمة الوحدة اليمنية ومخاطر العنف ) بمقر الجمعية الخيرية اليافعية في حي الشهيد عبدالقوي بالشيخ عثمان ، حيث كنت حينها في قيادة الجمعية و كان الأخ العزيز خالد محمد السعدي يتولى مسؤولية الجانب الثقافي والإعلامي والمنسق لتلك الأمسية التي كانت من أجود الأمسيات التوعوية في تاريخ الجمعية.

اتذكر أن الزميل العزيز الدكتور قاسم المحبشي كان يكتب مقالات مهمة عن أهمية مشكلة التقليد والحداثة في الحالة اليمنية والأهمية الملحة لتأسيس الدولة الحديثة على قاعدة قوة الحق لا حق القوة التي تعني بالمختصر المفيد حكم رشيد وسلطة سياسية جمهورية القانون فيها هو سيد الجميع وتقع على مسافة واحدة من جميع مواطنيها وكتب عن مخاطر العنف الرسمي وتاثيره على بقاء الدولة والجمهورية.

وما زلت اتذكر تلك المحاضرة المهمة التي قدمها لي الدكتور قاسم بنسختها الورقية ...اقتطف منها تلك الفقرة التي كانت "تنبؤية:
"ان السلطة التي تتخذ من العنف الخيار الوحيد في حل مشكلاتها وأزماتها تعمل على تقويض ذاتها وتهديد حياة مجتمعها، إذ يستحيل تبرير مشروعية العنف في كل الحالات، فإذا لم يكن العنف إستثناء تستدعيه ضرورة قاهرة وفي لحظة مباغتة للحفاظ على حياة الناس ومصالحهم وتأمين سعادتهم ومستقبلهم ضد أي تهديد خارجي مؤكد، فإن السياسة والسلطة السياسية تضع نفسها على شفير الهاوية و�حينما يكون الحصان على شفأ الهاوية، فلا يجدي شد اللجام لا يقافه�.. أليس هذا هو الحال الذي بلغته تسلطية قوى الهيمنة التقليدية الشمالية التي حولت مشروع الاندماجية الى جريمة حرب وتكفير شاملة ومن ثم تدمير ونهب وإحتلال داخلي بحسب اعتراف القوى ذاتها فيما بعد. إذ بفعلتها الشنيعة هذه أحلت العنف المفرط محل قوة الحق المشروعة بل إنها استمرأت العنف وعملت جاهدة على خلق شروطه وأسبابه حتى حينما لا تكون هذه الأسباب والشروط قائمة في الواقع، فبدلاً من أن يتم تنمية مشروع الإتحاد السياسي السلمي بين الشمال والجنوب وتحويله الى أفق سياسي وسلطة مؤسسيه قانونية تصون الحياة الكريمة لجميع المواطنين بعدالة وإنصاف ومساواة وتكافؤ الفرص في الحياة والعمل والإنتاج والتملك وتوزيع السلطة والثروة والمشاركة في إتخاذ القرار والسيادة وتأمين جميع شروط العيش المشترك لجميع المواطنين الجنوبيين والشماليين على حد سواء، بدلاً من إستثمار مشروع �الوحدة السلمي� للنمو والتقدم والإزدهار فضلت تلك القوى الشريرة المستبدة حل المشكلات الناجمة بالحرب والعنف والإحتلال , اذ راحت التسلطية الحربية التكفيرية الإحتلالية طوال الفترة الممتدة منذ الاجتياح الغاشم في 94 وحتى الأن تعمل على تقويض كل مقومات الإندماج الإجتماعي وتعميق الفرقة والشقاق بين الجنوب والشمال ولم تحاول طول السنين الماضية إستئناف الفعل السياسي وقوة الحق القانوني، بل ظل العنف والتهديد والقمع والوعيد هو البديل. فالحرب في معناها اللغوي تعني القطع، البتر، الفصل، ومن هنا اشتقت أسماء "الحربة" بمعنى الحد القاطع، والحرابة بمعنى قطع الطريق أو التقطّع. والحرب بما أنها، وبطريقة ما، شكل من أشكال التفاعل والاتصال بين الذوات الاجتماعية، فهي تعني بأن العلاقة بين الذوات قد استنفذت جميع قنوات التواصل والاتصال والتفاعل العقلاني الإنساني الحواري التشاوري والكلامي السلمي.. وهي بذلك تقع على الطرف النقيض للوحدة والتوحد والاتحاد، فحينما تنشب الحرب، تختفي الوحدة، وحينما تحضر الوحدة تغيب الحرب، إذ أن الوحدة هي وصل واتصال وحب وانسجام واحترام واعتراف متبادل بين الأطراف الداخلة فيها، إما الحرب فهي قطع وقطيعة وعنف وتدمير، كره وعدوان وقتل وحرمان، حقد وقهر وثأر وانتقام. ومن هنا نفهم المعاني العميقة لفحوى موقف الأمم المتحدة من حرب 1994م، ورفضها القاطع "للوحدة بالقوة" وهذا ما أدك مخاطره حكيم اليمن وبصيرها الشاعر الراحل عبدالله البردوني إذ كان أول من صرخ في وجه قادة الحرب ( لقد اقتلعتوا الجنوب وهذا كارثة الكوارث ولن ترى اليمن بعدها عافية) حينما سؤل البردوني عن وضع الوحدة بعد الإنتصار في الحرب قال بالحرب الوحد : الآن بدأت الحرب أما الوحدة فقد سحقتها الحرب تحت حوافرها وهو بذلك كان يعني ما يقول: إذا لم تكن الوحدة في قلوب الناس ومشاعرهم فمن المستحيل العثور عليها في إي مكان أخر.

والخلاصة هي ان أردت ان تتأكد من وحدة النسيج الاجتماعي السياسي الثقافي لمجتمع ما ، فعليك النظر الى طبيعة مشاعر أفراده وعواطفهم ؛ بماذا يشعرون وكيف يعبرون عن مشاعرهم وانفعالاتهم ؟ ،فان وجدت قواسم مشتركة في مشاعرهم ودوافعها وأنماط التعبير عنها فاعلم أن ثمة وحدة من نوع ما تسري في نسيجهم الاجتماعي الثقافي المشترك سريان الروح بالجسد وهذا هو ما يسمى (الاندماج الاجتماعي ) أما اذا وجدت مشاعرهم وعواطفهم مشتته وأن لا أحد منهم يشعر شعور الأخر ولا أحد يحس بما يحس به جاره من عواطف وإنفعالات الحزن والفرح والتعاطف والشفقة والحب والكره وأن كل في فلكه يسبحون فاعلم أن البون شاسعا بينهم والوحدة والتوحد والاندماج دونها خلط القتاد وهكذا كما أن ما يربط أفراد الأسرة والعشيرة والطائفة والمذهب والمجتمع المندمج هي مجموعة من المشاعر المشتركة النابعة من المصالح والروابط المشتركة في الواقع فكذلك يفترض أن يتأسس المجتمع تخيليا، عن طريق الوعي الانعكاسي حينما تكون الذات عينها كآخر ! بمعنى قدرة كل فرد من أفراد المجتمع المتعين على إستبطان الآخرين الذين لايعرفهم معرفة شخصية في وعيه والتعاطف معهم والشعور بمشاعرهم، وهذه هو ما يفسر الشعور القومي أو الوطني أو المدني التضامني في المجتمعات التي تحكمها دولة ديمقراطية حديثة.

ربما كانت الوحدة اليمنية فرصة سانحة لتمكين المشترك السياسي اليمني بين الجنوب والشمال وبسبب قصر نظر القوى التقليدية المهيمنة تحولت إلى حرب غاشمة ثم تناست إلى ما نراه اليوم من سقوط الجمهورية والدولة والسيادة وعودة الملكية الإمامة وضياع الوحدة وتمزق البلاد والعباد والإرتهان إلى قوى خارجية.

كان ذلك قبل قرابة عقدين من الزمان تعرض فيها من تظهر صورتهم للملاحقة الأمنية وللتهديدات التي طالت حياتهم ومرتباتهم ووظائفهم بينما كان كثيرين ممن نراهم اليوم يتصدرون المشهد في عدن الحبيبة يحبون على أربع أو خداما طائعين لعفاش...

كم تحسرت على تلك ألأيام و على ما كان يتم بذله من جهود صادقة في النضال السلمي ولكن سارت العربة بغير ما كنا نشتهي لقد حلمنا بعكس ما جرى وخصوصا للدكتور صالح يحيى سعيد والدكتور محسن وهيب رحمة الله عليهما ، وكذا للدكتور قاسم المحبشي الذي تعرض إلى تهديد إرهابي بعد الهجوم على كلية الأداب التي كان يشغل فيها نائب العميد للشؤون الأكاديمية..أما الدكتور أبوبكر الحامد متعه بالصحة والعافية فلا أعلم أين هو بعد إن تفرقت بنا السبل في المنافي والشتات.