آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-09:01م

لم تكن مجرد أغنية

الجمعة - 19 أبريل 2024 - الساعة 06:11 م

جمال لقم
بقلم: جمال لقم
- ارشيف الكاتب




على مدى التاريخ عرفنا أن الاستعمار و دول الإحتلال لا تستخدم السلاح و القوة و الخشونة في كل الأحوال للسيطرة و ترويض البلد المحتل ، بل تستخدم طرق أخرى ناعمة ، منها مسخ و تجريد شعبه من هويتهم و تبداء اولا بعزلهم عن تراثهم و عاداتهم و حتى تغيير لغتهم و زيهم التقليدي المتوارث .. فلا يزال الجزائريون يتحدثون الفرنسية بطلاقة و يجدون صعوبة في نطق اللغة العربية ..

عندما أعلنت بريطانيا منح الإستقلال للهند و طلبت التفاوض فوجئ أعضاء الأمم المتحدة بالرئيس الهندي يدخل قاعة الجلسة بلباس الهنود الشعبي و يقود خلفه عنزه .. و كانت الدلالة و الرسالة أن الهند لها هويتها و لا روابط لها ببريطانيا و حضارتهم ..

و منذ أن تسلمت السعوديه مناطق عسير و نجران و جيزان من اليمن فقد بذلت الغالي و النفيس لكي تسلخ هويتهم و إنتماءهم لليمن و بعد سنوات فوجئ الديوان الملكي و نظامه السياسي بالفنان محمد عبده يصطح برائعته أغنية (صبيا) و التي كان يردد فيها و يقول مثل صبيا في الغواني ما تشوف ناشرات الفل و النقش اليماني في الكفوف و هذا الأخير كان لسنوات محل إنتقاد لمحمد عبده و خلاف معه لأنه ينسف الجهود التي كانت قد بذلت لنزع هوية المواطنين هناك و ربطهم بالهوية السعودية .. و المسألة هنا لم تعد مجرد أغنية بل مسألة هوية و إنتماء..

ما حدث قبل أيام حول أغنيتي كلمة و لو جبر خاطر و سرى الليل ليس لغطا و لا مكايدات و كانت ردت فعل الصحفي عبدالرحمن أنيس طبيعية جدا و تأتي من باب الغيرة الوطنية و من باب الحفاظ على الهوية و التراث و لكن الذي لم يكن طبيعيا هي الحملة الشرسة التي تعرض لها أنيس عقب و التي وصلت إلى حد تخوينه و تهديده فمن متى أصبح من يغير على وطنه و هويته خائنا يا هؤلاء ..


كما أنه و خلال الأسابيع الماضية قاد ناشطون حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الشاعر و المناضل علي حسين البحيري و محاولة أختطاف قصيدته الثورية و الله ورب العرش ما نخضع التي غناها الفنان عبود خواجه و نسبها إلى شاعر آخر و هي واحدة من قصائد البجيري التي زلزلت كيان نظام صالح و التي أخيرا و بشهادات موثقة ثبت أنها للبجيري فعلا رغم علم من يدعي غير ذلك .. و ما كان الهدف من تلك الحملة حفظ حق الشاعر الآخر فنحن أصلا لم نستطع الحصول على حقوقنا الأخرى حتى يكون هناك من يحافظ لنا على حقوق الملكية الفكرية .. و اتضح جليا في النهاية أن هدف الحملة هو محو التاريخ النضالي المناضل البجيري الذي يربطه بالجنوب و الحراك الثوري بعد أن أختلف البجيري أخيرا معهم و في طريقتهم التي يقودون بها الجنوب ..

المستعمرون و الطامعون لا يختلفون و ليس هناك طامع صديق و آخر عدو و من ذلك نقول إن سيطرى تتعرض لمحاولة طمس و مسخ هويتها و ربطها بهوية و إنتماء طامعون و السكوت على ذلك جريمة و خيانة من الجميع دون أستثناء و من يصمت اليوم عن بيع هويته و تراثه و تاريخه سيصمت غدا عن بيع الوطن لاحقا ..