آخر تحديث :الثلاثاء-30 أبريل 2024-04:47م

مؤشرات تدني المستوى الفكري والعلمي في المجتمع ..!!

الأربعاء - 17 أبريل 2024 - الساعة 06:10 م

إبراهيم ناصر الجرفي
بقلم: إبراهيم ناصر الجرفي
- ارشيف الكاتب


تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة مقياساً مهماً ، يمكن من خلاله قياس المستوى الفكري والعلمي والثقافي لأي مجتمع أو شعب أو أمة ، وذلك من خلال عمل مسوحات استطلاعية على الجوانب المادية والعلمية والروحية والحياتية ، التي يهتم بها المجتمع المراد تحديد مستواه الفكري والعلمي والثقافي والحضاري ، فإذا كانت إهتمامات أفراد ذلك المجتمع ، تتجه بشكل أكبر نحو الجوانب العلمية والفكرية والثقافية والحضارية ، دل ذلك على الرقي الفكري والحضاري لهذا المجتمع أو ذاك ، وإذا كانت إهتمامات أفراد ذلك المجتمع ، تتجه بشكل أكبر نحو الجوانب الترفيهيه والغرائزية والعاطفية والفنية ، دل ذلك على التدني الفكري لهذا المجتمع أو ذاك ، وبالنسبة للمجتمع العربي ، فإن القراءات الإستطلاعية والبحثية ، تؤكد بأن النسبة القليلة من أفراده من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي ، يهتمون بالبحث في الجوانب الفكرية والعلمية والثقافية والبحثية ، بينما الغالبية من أفراد المجتمع العربي من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي ، يهتمون بالبحث في الجوانب الترفيهية والغرائزية والعاطفية ، وفي أحسن أحوالهم في الجوانب الرياضية والفنية ، ويمرون على الجوانب العلمية والفكرية والثقافية وحتى السياسية والإقتصادية مرور الكرام ..!!

والدليل المنطقي على ذلك ، والذي أجمع عليه الكثير من المفكرين العرب ، وجعلوا منه مقياساً على تدني المستوى الفكري والثقافي والعلمي في المجتمع العربي ، يتمثل في أن المواقع البحثية الفكرية والثقافية والعلمية ، تحظى بقدر ضئيل من المتابعة والإهتمام ، من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب ، بينما المواقع الترفيهية والغرائزية والعاطفية ، ومواقع الدردشات والغراميات ، تحظى بقدر كبير جداً من الإهتمام والمتابعة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب ، كما أنه تم ملاحظة أن الكتابات الفكرية والعلمية والثقافية التي يكتبها المفكرون والمثقفون والباحثون العرب ، ويشاركون بها في وسائل التواصل الاجتماعي ، لا تنال إلا على القليل من المتابعة والإهتمام ، بينما كتابة عدد من الأحرف من فنانة أو ممثل أو فنان أو لاعب ، تنال الكثير من المتابعة والإهتمام ، وكذلك الاهتمام المبالغ فيه بمقاطع الفيديو الساخرة أو غير الأخلاقية التي تظهر هنا أو هناك ، وكأن هذه المجتمعات تعيش كل وقتها داخل المساجد ساجدة راكعة ليل نهار ، وللأسف يتم نشر تلك المقاطع وتداولها ليس بهدف مناقشتها مناقشة موضوعية وعقلية وشرعية ومعرفة أسبابها ودوافعها وإيجاد الحلول المناسبة لها ، بل من أجل الطعن في الأعراض وتشويه صورة المجتمع ، بل قد تصل الخساسة والدناءة بالبعض إلى استخدامها للتشهير بخصومهم السياسيين كذبا وزوراً وبهتاناً ..!!

وقد أعطت هذه المؤشرات وغيرها كثير ، دلالة واضحة على تدنى المستوى الفكري والثقافي والعلمي والبحثي في المجتمع العربي ، وبالتالي فلا يستغرب أحد نمو وتكاثر مظاهرً التفسخ والإنحلال الأخلاقي ، وأيضاً نمو وتزايد جماعات الٱرهاب والتطرف في المجتمع العربي ، لأن التطرف والارهاب ، وكذلك الانحلال والتفسخ ، تكون البيئة المناسبة لظهورها وتطورها واستفحال أمرها ، هي المجتمعات التي تعاني من تدني مستواها الفكري والثقافي والعلمي ، لأن الفكر والعلم والثقافة ، هي مفاتيح الحضارة الإنسانية ، وهي أقوى الأسلحة الفتاكة ، لمحاربة التطرف والارهاب والتشدد ، وكذلك لمواجهة كل صور الانحلال والتفسخ ، ونحن هنا لسنا ضد الترفيه عن النفس ، فالترفيه عنها جزء مهم من طبيعتها ، وله مردودات إيجابية عليها ، ولكن في حدود الشرع والإعتدال والتوسط ، وليس كما هو حاصل في عند العديد من أفراد المجتمع العربي اليوم ، الذين يقضون معظم أوقاتهم في مجال الترفيه والإنحلال والتفسخ ، على حساب الجوانب الأخرى العلمية والفكرية والثقافية والبحثية ..!!

كما أننا لسنا ضد الإهتمام بالجوانب الروحية والدينية ، فهي غذاء النفس وغذاء العقل ، ولكن في حدود الإعتدال والتوسط ، بعيداً عن التشدد والتزمت والتطرف والتي تقود جميعها نحو الإرهاب ، فلا إفراط ولا تفريط ، وكما أن الإنحلال والتفسخ ناتج عن تدني مستوى الوعي والفكر والثقافة في المجتمع ، فإن التطرف والتشدد والتزمت نتاج نفس الأسباب ، لذلك حرص الإسلام أشد الحرص على تكوين الشخصية المسلمة بعيداً عن الإفراط والتفريط ، وقريباً من التوازن والإعتدال والوسطية ، فخير الأمور الوسط ، ومن المستبعد أن تجد إنساناً مفكراً ومثقفاً ومتعلماً ، واقع في براثن التطرف أو الإرهاب أو التفسخ أو الإنحلال ، لأن الفكر والعلم والثقافة ، تنمي قدراته العقلية ، وتسير به نحو الاعتدال والتوازن والوسطية والإيجابية ، في كل شئون حياته ، وتبعده عن الإفراط ( التطرف والإرهاب ) ، وكذلك تبعده عن التفريط ( التفسخ والإنحلال ) ، وتبعده أيضاً عن كل الأمور السلبية ، في كل شئون حياته ، كما أنها تحرره من كل صور التعصب والحقد والكراهية والبلادة الفكرية والتبعية العمياء وتقديس البشر ، وتبعده عن تتبع عورات الناس وهفواتهم وزلاتهم والخوض في أعراضهم ، وتجعل منه عنصراً فاعلاً ومفكراً ومبدعاً في خدمة نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته والبشرية عموماً ..!!