آخر تحديث :الثلاثاء-30 أبريل 2024-12:01ص

قواعد اللعبة الجديدة والصواريخ الملتهبة!

الأحد - 14 أبريل 2024 - الساعة 10:54 م

محمد فضل مندوق
بقلم: محمد فضل مندوق
- ارشيف الكاتب



لكل لعبةٍ قواعدٌ يتفق عليها اللاعبون بشكلٍ ضمني، تساهم هذه القواعد في توقع سلوك اللاعبين وتنظيمه، وعند خرقها ينشأ الاضطراب والفوضى. لا تقتصر هذه الحقيقة على سلوك الأطفال في ساحة المدرسة فحسب، بل تمتدّ لتشمل الساحة الدولية التي تفتقر إلى سلطةٍ عليا تضمن تطبيق "قواعد اللعبة". وبالتالي، يسعى كلّ لاعبٍ في هذه الساحة الدولية جاهداً للنجاة من خلال التكيّف المستمرّ مع تغيرات تلك القواعد.
عند إسقاط ما سبق على منطقة الشرق الأوسط، يمكن الجزم بأنّ السلوك الإسرائيلي خلال النصف الأخير من العام الماضي 2023 قد عمل على تقويض قواعد اللعبة الراسخة في المنطقة. وقد ساهمت هذه القواعد القديمة بشكلٍ فاعل في منع الانزلاق نحو حرب إقليمية واسعة النطاق.
ولعلّ أهمّ هذه القواعد تمثّل في "عدم مهاجمة القوى الإقليمية بعضها البعض بشكلٍ مباشر". والآن، بات من الجائز القول بأنّ هذه القاعدة القديمة قد أصبحت من الماضي، خاصّة بعد الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في سوريا، والتي تُعتبر بموجب القانون الدولي "أرضًا إيرانية".
في الواقع، لا يُعدّ الهجوم الإسرائيلي حجر الأساس، بل الرد الإيراني وما سيترتب عليه من رد فعل إسرائيلي هو ما يجب على صانعي القرار في الدول العربية دراسته وفهمه بشكلٍ دقيق، لأنه هو ما سيُشكل القواعد الجديدة التي يجب على الدول العربية التكيّف معها، إن هي أرادت البقاء على قيد الحياة.
في حقيقة الأمر لا ينبغي الاستخفاف بالرد الإيراني على الإطلاق، بل هو ردٌ جادٌّ وخطير للغاية ويُرسّخ قواعد جديدة للعبة لا يمكن تجاهلها. فهذه هي المرة الأولى التي تُبادر فيها أي دولة بشنّ هجومٍ بهذا الحجم على العمق الإسرائيلي، مستخدمةً 185 طائرة بدون طيار و 36 صاروخ كروز و 110 صاروخ بالستي، جميعها من صنعٍ إيراني.
أظهرت الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار التي استهدفت إسرائيل مؤخرًا، قدرة إيران على شن هجمات معقدة ومتعددة الجبهات. لم يقتصر الرد على هذه الهجمات على قدرات إسرائيل الدفاعية فقط، بل تدخلت الولايات المتحدة، بصفتها دولة عظمى، إلى جانب فرنسا وبريطانيا، الدولتين الكبيرتين، لدعم إسرائيل في مواجهة هذا الهجوم المكثف.
يُشير هذا التطور إلى رسائل مهمة من إيران،
*الرسالة الأولى:*
تمتلك إيران قدرات عسكرية هجومية هائلة تُمكّنها من الدفاع عن مصالحها، وتُؤهلها لتحقيق أهدافها الإقليمية، وتُؤكد أنها لن تتهاون مع أي عدوان على أراضيها، ولن تكتفي بحق الرد، بل ستبادر إلى ممارسته على الواقع.
*الرسالة الثانية:*
إيران تقدمت على باقي دول المنطقة في صناعة وتطوير التقنيات العسكرية الحديثة، ممّا قد يُؤدّي إلى سباق تسلّح خطير. ورغم زعم إسرائيل باعتراض جميع الصواريخ، اشتعلت سماء إسرائيل بصواريخ إيرانية لأول مرة، وشاهد ملايين الأشخاص طائرات إيرانية بدون طيار تقطع أكثر من 1600 كيلومتر. كما وصلت صواريخ "خيبر" الإيرانية إلى عمق الأراضي الإسرائيلية بعد 13 دقيقة فقط من إطلاقها، ما يعني أن سرعتها فاقت سرعة الصوت ستة أضعاف.
*الرد الإسرائيلي المتوقع:*
الزاوية الأخرى التي تستحق التركيز عليها هي كيفية رد إسرائيل؟ لقد وجهت إيران بالأمس رسالة واضحة إلى الأردن، التي ملأت الصواريخ الإيرانية سمائها، حذرتها فيها من هجوم مماثل في حال فتح المجال الجوي الأردني أمام أي رد يستهدف إيران. وفي هذا السياق، يجب على صانع القرار العربي أن يسأل نفسه: ما هي التحالفات الجديدة التي ستتشكل في المنطقة في حال ردت إسرائيل الصاع صاعين ودارت رحى الحرب؟ مع من سنقف؟ كيف سيتصرف الشارع العربي في حال الاصطفاف مع هذا الطرف ضد الطرف الآخر؟
ماذا لو كان هذا الهجوم موجهًا ضد دولة عربية؟ هل ستدافع الولايات المتحدة عن الدول العربية بنفس الحماسة التي أظهرتها في الدفاع عن إسرائيل؟ هل تمتلك أي دولة عربية القدرات اللازمة لصد هذا الهجوم؟وبالتالي، يجب قراءة القواعد الجديدة التي فرضتها هذه التطورات المتسارعة بحنكة ومعالجة الموقف بحكمة، فالسخرية والاستهزاء الإعلامي لن يفيدا إن أضاءت الصواريخ الإيرانية ليلنا بدل النجوم.
ختامًا، أحدث الهجوم الإيراني صدمة للدول العربية لا تقلّ عن صدمة المماليك بمدافع "نابليون"!. إنّ هذه الصدمة هي نتاجٌ طبيعيّ لثقافة الاستبداد والقمع والفساد الإداريّ، وتجاهل الثروة البشرية التي تُمثّل حاضنةً للابتكار. وهي نفس الأسباب التي أدّت إلى سقوط بغداد تحت حوافر الخيول المغولية.



الباحث الأكاديمي: محمد فضل مندوق.
باحث دكتوراه في مجال العلاقات الدولية ، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة.