آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-06:51ص

فلسفة العطاء ،،

الجمعة - 29 مارس 2024 - الساعة 03:29 ص

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب




{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم}.

هذا هو حال القران الكريم في تعامله مع المسلمين ،،
 لا يبدأ بفرض التكاليف مباشرة ....  وإنما يبدأ بالحض والتهيأة  لها ، وذلك  كي  يستجيش المشاعر والانفعالات الحية في الكيان الإنساني كله..
ونحن هنا نقف مع تكليف من التكاليف الربانية ، يتحدث فيه ربنا سبحانه عن قضية غاية في الأهمية ، والحساسية بالنسبة للمسلم ...
إنها قيمة الإنفاق ، قيمة البذل ، قيمة العطاء ، قيمة السخاء..
تلك القيمة العزيزة على النفس البشرية ،،،
ذلك أنَّ خلق الإنفاق ...من الأخلاق العظيمة  التي هي بحاجة إلى قلوب  كبيرة ، وأرواح مفعمة بالإيمان ، ونفوس آثرت ما يبقى على ما يفنى !!!

وحتى تتحق تلك الغاية ، ويتفلت المسلم من عقال البخل .....
يعرض ربنا سبحانه وتعالى هذه الخلق في صورة موحية ، معبرة ، نابضة ، حية تستجيش المشاعر ، وتستنهض الهمم ، ، وتحطم الأغلال ليندفع المسلم لبذل المال عن طواعية ، ورضى ، وقناعة ، وشوق !!!
لهذا يضرب الله المثل من الواقع الذي يعيشه المسلم ، ويراه أمام ناظريه ، ويلمسه بجميع حواسه ...
إنها صورة الزرع ....
 هبة الأرض أو هبة الله في الأرض .....الزرع الذي يعطي أضعاف ما يأخذه، ويهب غلاته مضاعفة بالقياس إلى  بذوره ،،،
و هذه الصورة الموحية مثلا للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة}
إنَّ المعنى الذهني للتعبير ينتهي إلى عملية حسابية تضاعف الحبة الواحدة إلى سبعمائة حبة!.
أما المشهد الحي الذي يعرضه التعبير فهو أوسع من هذا وأجمل؛ وأكثر استجاشة للمشاعر، وتأثيرًا في الضمائر.. إنه مشهد الحياة النامية مشهد الطبيعة الحية مشهد الزرعة الواهبة ثم مشهد العجيبة في عالم النبات: العود الذي يحمل سبع سنابل. والسنبلة التي تحوي مائة حبة!وفي موكب الحياة النامية الواهبة يتجه بالضمير البشري إلى البذل والعطاء.. 

إنه لا يعطي بل يأخذ؛ وإنه لا ينقص بل يزاد.. وتمضي موجة العطاء والنماء في طريقها. تضاعف المشاعر التي استجاشها مشهد الزرع والحصيلة.
إن الله يضاعف لمن يشاء ،  يضاعف بلا عدة ولا حساب ،يضاعف من رزقه الذي لا يعلم أحد حدوده؛ ومن رحمته التي لا يعرف أحد مداها: {والله واسع عليم} واسع.. لا يضيق عطاؤه ولا يكف ولا ينضب. عليم.. يعلم بالنوايا ويثبت عليها، ولا تخفى عليه خافية. 

هكذا هي قيمة العطاء ، هكذا هي قيمة البذل ،،،
فالمسلم وهو يعطي ...يتذكر أنه يأخذ.
بل يأخذ سبع مائة ضعف ما أعطاه ....
بل الله يضاعف أضعاف أضعاف هذا بكثير 
( والله يضاعف لمن يشاء)
إنها تجارة مربحة ،،
فيا لها من تجارة !!!
فما أجمل ، وما أروع أن يستشعر المسلم
هذا الفيض الإلهي ، وهذا الفضل الرباني ، وهذا العطاء السماوي
خاصة ونحن في شهر كريم ....الذي تتضاعف فيه الأجور 
إلى ما لا حصر له .