آخر تحديث :الأحد-19 مايو 2024-11:59ص

الصمصام .. مرافئ لا تغادر أمكنتها

السبت - 16 مارس 2024 - الساعة 05:11 ص

خالد لحمدي
بقلم: خالد لحمدي
- ارشيف الكاتب


أكثر من ثلاثين عاماً على صدور الطبعة الأولى من رواية ( الصمصام) للروائي والأديب صالح باعامر ، والتي أعيدت طباعتها مرّة ثانية سنة ٢٠٢٢م عن دار عناوين books للطباعة و النشر وجاءت في ١٢٧ صفحة .
نادراً أن تسكن الذاكرة رواية انقضى على نشرها سنيناً عدّة ، وتظل أحداثها وشخوصها راسخةً في ذاكرة القُرّاء إلاّ إذا كانت لامست أرواحهم وسكنت شغاف دواخلهم بعمق وصدق عاليين .

وقبل أن تجول سفنه البحر وتمخر اليم كانت روحه تنظر شاخصةً للبعيد ، وما بين البحر واليابسة ثمّة عيون تحاكي واقعاً تخلّق سنيناً عدّة ولم يسترح إلا على أسُطّر الورق في أحضان قصص وروايات أكثر تشويقاً وأناقة وبهاء .

يعد باعامر من الكتاب القلائل الذين أعطوا أدب البحر جل اهتمامهم وارتبطوا به بعلاقة حميمية منذ أمد بعيد، لِمَ لا.؟ وقد نشأ في مدينة قصيعر الساحلية وعاش سنين عمره في مدينة المكلا الواقعة على شط بحر العرب ، ما جعله يكتب ثلاثيته الرائعة ( دهوم المشقاصي ) و ( إنّه البحر ) و ( الصمصام ) الضاجة بطرطشات الأمواج والزبد والرذاذ المتطاير على الصخور والشاطئ .
( الأمواج المتراقصة المتناغمة فوق الرمل تتمدّد وتنبسط لتُطهّر ما علق من دنس الأيام والشهور .
الشاطئ المخضّب بلون البحر والشمس والسماء ، صار كسجادة مسجاة أمام العيون المتشوفّة للسفر والترحال ).

تدور أحداث الرواية على لسان أبطالها و شخوصها : السحيم وسويلم و حسناء والزين والساري وآخرون ، إذ تنطلق الأحداث بداية بتهيؤ الأرواح والسواعد للدفع بالسفن والمراكب نحو البحر في رحلة يمخر خلالها البحارة الغبب والأعماق في مواجهة للرياح والأمواج والتيارات المائية حتّى يبلغوا جزيرة ( سقطرى ) لاصطياد سمك القرش والتونة والديرك .
ثم يعودون متوجهين نحو جزيرة ( زنجبار ) ويمكثون فيها أشهراً ويرجعون للديار والأهل ، وقد امتلأت سفنهم و مراكبهم بالفواكه وأثمار القرنفل والنارجيل .

تتكون الرواية من عشرين حركة سردية ، تغوص جميعها في عمق الأحداث و ما تنفك أن تغادرها مبلّلاً بالسحر والدهشة وغيوث الارتقاء .
ويظل باعامر غواصاً ماهرًا يجيد حكايا البحر وما يكتنفه من تيه وغموض وعشق لا يضاهى، متمكّناً من أدواته الناضحة بالجمال والسحر اللذين لا تملهما الروح وتظل تطلب وتنتظر المزيد .

وقد أصدر طوال رحلته الروائية :
حلم الأم يُمنى ودهوم المشقاصي واحتمالات المغايرة وحين نطق القصر و بعيدا عن البروتوكول و المكلا، إضافة إلى رواياته الأخرى ، الصمصام و إنّه البحر و الغمزات الضوئية و ملكة الناصر . ويظل الباعامر علماً من أعلام الرواية اليمنية الحضرمية، ونجماً أضاء سماء الإبداع باقتدار وفهم، فكُتب له الرقي والنجاح والخلود .