آخر تحديث :الأربعاء-15 مايو 2024-12:04ص

فن قراءة الصورة

الجمعة - 15 مارس 2024 - الساعة 10:45 م

عبدالله سالم النهدي
بقلم: عبدالله سالم النهدي
- ارشيف الكاتب


قبل عام تقريبا وفي خضم الحملة التي شُنّت على قناة حضرموت بخصوص مشاركة النساء في البرنامج المسابقاتي الشهير ( الميدان) وبما لا يلائم المجتمع التريمي وعاداته وقيمه، كما وُصِفَ الأمر حينذاك. تفاعلت كغيري فيما نشر حينذاك على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشرت مقالا على موقع "عدن الغد" مدافعا عن البرنامج وماحدث فيه، ومنوها إلى أن الحملة حملة مغرضة، لها أهداف خفية ولاشك، وإن هذه الأمور أن بَدَرَ فيها ما يستدعي الوقوف ضده، فليكن من باب النصح والأرشاد و(بالتي هي أحسن) وهكذا كان عنوان المقال.
وكان دفاعا ينبع من يقيني بحتمية الدفاع عن البرنامج أمام الحملة التي افتعلت حينذاك ضده.

ومن هذا المنطلق انطلق في مقالي هذا الذي أوجهه لإدارة قناة حضرموت، أو حضرموت الحمراء حسب التوصيف الشعبي للقناة تمييزا لها عن قناة أخرى تبث بنفس الاسم من المحافظة ذاتها..
المنطلق هو تقديم النصح والإرشاد بالتي هي أحسن لما نرى أن الجهات المختصة في إعداد البرامج قد وقعت فيه من وجهة نظرنا.
فن القراءة هو فن صعب، سواء قراءة النصوص أو قراءة الصور أو حتى قراءة الاشخاص. فالقراءة يتبعها حكم، وهذا الحكم لن يكون دقيقا ولا منصفا ولا معبرا تعبيرا وافيا مالم تكون القراءة دقيقة وتفصيلية لكل المكونات التي تنبني منها المادة المقروءة.
في الحلقة الثالثة من البرنامج المسابقاتي الشهير ( الميدان) قدمت صورة مولدة بتقنية الذكاء الصناعي وطُلِب من الجمهور المشاهد للقناة التعبير عن الصورة بالمَثَلِ الذي يعبر عنها في منطقته، وخصصت للمشاركة وسيلتان من وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان الأمر، فسارع الجمهور للمشاركة.
وفي اليوم التالي أعلنت النتيجة، وكانت عجيبة وغريبة وبعيدة عن المنطوق الحقيقي الذي تحكيه تفاصيل اللوحة.
نقر بداية أن توليد الصور بالذكاء الصناعي قد بلغ مبلغا مبهرا، ولكن يجب ألا نأخذ به دون فحص وتمحيص. فقد تطلب منه أن يولد لك لوحة حسب الوصف الذي تقدمه له، ولكن ربما يبالغ في توليد جزئية تنقل اللوحة من المفهوم الذي طلبته إلى مفهوم آخر يقرأه كل من يقرأ اللوحة جيدا بتفاصيلها، لا بالمجمل العام.
وبالتالي فما تريده أنت لن يعطيك إياه القارئ الحصيف.
وحتى لا نطيل نحب أن نخبر فريق إعداد البرنامج أن اللوحة التي قدمت في الحلقة الثالثة قراءتها الصحيحة ليس كما أعلن في الحلقة الرابعة وعبر عنه بالمثل ( ما يتأخر السيل إلا من كبره ) وهي إجابة القطيع أن جاز لنا القول. كما لاحظنا.

فلو نظرنا في تفاصيل اللوحة لوجدنا هناك كثافة لمياه السيل ولكنها كانت كثافة ( مباغته) من بين جبلين، كما أن الرجل الواقف في وسط الصورة ويحمل فوق ظهره حقيبة تحمل أغراضه، ينظر بدهشة، ولَّدتَّها الحركة المباغته للسيل واندفاعه في مجراه، مما يوحى بأن السيل قد باغت الرجل.
ثم أن القرية كانت في حالة طبيعية، ومن خلال رؤية مجموعة من الأشخاص يظهر لنا جليا أن السيل قد باغتهم دون استعداد منهم أو محاولة للهرب، واللجوء إلى الأماكن الآمنة.
فلو أن السيل قد تأخر حتى وإن كان كبيرا فأننا لن نرى في طريقه أحدا، بل سيكون القوم قد هربوا - على الأقل - بجلودهم.
إذن فالقراءة الأقرب للمشهد في اللوحة هي مباغته السيل للقوم على غفلة منهم، وهذا يعبر عنه بالمثل ( باغتهم السيل على حين غرة أو غفلة ).

نعلم أن القراءات تتعدد، بحسب القدرات المعرفية للقارئ، بل وبحسب الحالة النفسية للقارئ، وبحسب معطيات أخرى ليس مجال سردها هاهنا. ولكن هناك ثوابت لا تخرج هذه القراءات عنها، وأبرزها هي النظر في التفاصيل التي تشكل المقروء سواء كان نصا أو صورة/ لوحة أو غير ذلك.
وفي الأخير نقول يجب على القناة الاهتمام بدقة الجانب المعرفي الذي تقدمه لجمهورها بحيث أن يكون خاليا من اللبس. ثم تهتم بعد ذلك بتقديم الجائزة.